الإيمان بالكتب

عناصر الخطبة

  1. المقصود بالإيمان بالكتب
  2. مقتضيات الإيمان بالكتب
  3. أهمية الإيمان بالكتب
  4. حفظ الله للقرآن من التحريف
  5. تعريف القرآن
  6. بعض فضائل القرآن
  7. مزايا القرآن وخصائصه
  8. آثار الإيمان بالكتب
  9. واجبنا نحو القرآن
اقتباس

فضل الله القرآن الكريم الذي هو كلام الله -تعالى- المنزّل على عبده ورسوله محمد المتعبد بتلاوته، المعجز بكل آية منه. وهو اسم لكتاب الله خاصة، ولا يسمى به شيء من سائر الكتب السماوية، هو الفرقان والكتاب والذكر والتنزيل، حفظه الله من التحريف، أنزله الله ليكون الكتاب المهيمن، والرسالة الخاتمة، والشريعة الباقية، رعاه عن عبث العابثين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، محفوظ منذ اللحظة الأولى لنزوله وحتى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا زيادة فيه ولا نقصان، منقول بالتواتر، لم …

الخطبة الأولى:

بعد أن تكلمنا في جمع ماضية عن الإيمان بالله وربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وتكلمنا عن الإيمان بالملائكة وأسمائهم وأوصافهم وأعمالهم؛ نتكلم اليوم بمشيئة الله عن الركن الثالث من أركان الإيمان، ألا وهو: الإيمان بالكتب.

الإيمان بالكتب  -عباد الله -ـ: هو التصديق الجازم بأن لِلَّه -تعالى-كتبا أنزلها على رسله إلى عباده، وأن هذه الكتب كلام الله -تعالى-، تكلّم بها حقيقة كما يليق به سبحانه، وأن هذه الكتب فيها الحق والنور والهدى للناس في الدارين.

والإيمان بالكتب يتضمن ثلاثة أمور:

الأول: الإيمان بأن نزولها من عند الله حقًّا.

الثاني: الإيمان بما سمّى الله من كتبه؛ كالقرآن الكريم الذي نزل على نبينا محمد، والتوراةِ على موسى، والإنجيل على عيسى، والصحف على إبراهيم، والزبور على داود -عليهم أجمعين السلام-.

الثالث: تصديق ما صح من أخبارها؛ كأخبار القرآن.

والإيمان بالكتب أحد أركان الإيمان؛ كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ﴾ [النساء: 136].

فأمر الله بالإيمان به وبرسوله وبالكتاب الذي نزّل على رسوله وهو القرآن، كما أمر بالإيمان بالكتب المنزلة من قبل القرآن. وقال عن الإيمان: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".

وقد أخبرنا الله -تعالى- في القرآن الكريم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد حرّفوا كتبهم، فلم تعد في صورتها التي أنزلها الله -تعالى-؛ فحرّف اليهود التوراة، وبدّلوها وغيرّوها، وتلاعبوا بأحكام التوراة، قال تعالى: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [النساء: 46].

كما حرفّ النصارى الإنجيل، وبدّلوا أحكامه، قال  تعالى عن النصارى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 78].

فليست التوراة الموجودة الآن هي التوراة التي أنزل الله على موسى -عليه السلام-، ولا الإنجيل الموجود الآن هو الإنجيل الذي أُنزل على عيسى -عليه السلام-.

إن التوراة والإنجيل التي في أيدي أهل الكتاب تشتمل على عقائد فاسدة، وأخبار باطلة، وحكايات كاذبة، فلا نصدِّق من هذه الكتب إلا ما صدّقه القرآن الكريم، أو السنة الصحيحة، ونكذب ما كذّبه القرآن والسنة.

ولا يجوز للمسلم أن يقرأ في شيء منها؛ فعن جابر أن عمر بن الخطاب: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقال: يا رسول الله، إني أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب، قال: فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟! فوالذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني".

إلا ما كان على سبيل الحكاية مما ما لم يرد تصديقه ولا تكذيبه؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ﴿آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ﴾ [المائدة: 59] الآيَةَ.

لذا فقد فضل الله هذه الأمة كما فضل نبيها وفضل كتابها على سائر الكتب.

فقد فضل الله القرآن الكريم الذي هو كلام الله -تعالى- المنزّل على عبده ورسوله محمد المتعبد بتلاوته، المعجز بكل آية منه.

وهو اسم لكتاب الله خاصة، ولا يسمى به شيء من سائر الكتب السماوية، هو الفرقان والكتاب والذكر والتنزيل، حفظه الله من التحريف، أنزله الله ليكون الكتاب المهيمن، والرسالة الخاتمة، والشريعة الباقية، رعاه عن عبث العابثين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، محفوظ منذ اللحظة الأولى لنزوله وحتى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا زيادة فيه ولا نقصان، منقول بالتواتر، لم يختلف في عصر من العصور في سورة ولا آية ولا في كلمة واحدة منه: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾[فصلت: 42].

عجز المشركين عن أن يأتوا بآية مثله، فضلا عن سورة، فضلا عن أن يأتوا بمثله، ما أخبر عن أمر إلا وقع كفلق الصبح، قال تعالى: (غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)[الروم: 2- 3].

وقال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾[المسد: 1].

وقال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].

وهو حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الترداد.

راحة النفس وطمأنينتها: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28].

شفاء ورحمة للمؤمنين: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[الإسراء: 82].

عجز عنه عدوه الوليد، فما استطاع أن يَكذِب عليه لما سئل عنه، فقال عنه لما سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- غضّا طريًا: "وماذا أقول؟! فوَالله، ما من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لِقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته"[رواه الحاكم والبيهقي].

خصه الله بمزايا كثيرة، وخصائص متعددة، ينفرد بها عن الكتب السماوية السابقة؛ منها:

1- أن القرآن الكريم قد تضّمن خلاصة الأحكام الإلهية، وجاء مؤيِّدا ومصِّدقا لما جاء في الكتب السابقة من الأمر بعبادة الله وحده، وناسخا لجميع الشرائع قبله، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48].

2- أن هذا القرآن العظيم يجب على جميع الناس التمسك به، ويتعيّن على جميع الخلق اتباع القرآن والعمل به، بخلاف الكتب السابقة فهي لأقوام معينين، قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19].

3- أن الله -تعالى- قد تكفّل بحفظ القرآن الكريم، فلم تمتد إليه يد التحريف، ولا تمتد إليه؛ كما قال سبحانه : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: 115].

فضائله كثيرة شتى لا تنتهي، قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".

وقال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها".

وقال: "إنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".

وقال: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".

وقال: "الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".

وقال عن البقرة وآل عمران: "يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان تحاجان عن أصحابهما".

وقال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".

وقال عن سورة الملك: "شفعت لرجل حتى غفر له وهي".

وقال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".

وقال: "قل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق ما تعوذ متعوّذ بمثلهما".

وهذا غيض من فيض، قال تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ [الكهف: 109].

بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول ما تَسمَعون، وأستغفِر الله لي ولَكم ولجميع المسلِمين من كلّ ذنب فاستَغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن للإيمان بالكتب السماوية آثارًا متعددة؛ منها:

1- عناية الله -تعالى- بعباده، وكمال رحمته، حيث أن لكل قوم كتابا يهديهم به، ويحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة.

2- العلم بحكمة الله -تعالى- في شرعه، حيث شَرَع لكل قوم ما يناسب أحوالهم ويلائم أشخاصهم؛ كما قال الله -تعالى-: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48].

3- شكر نعمة الله في إنزال تلك الكتب، فهذه الكتب نور وهدى في الدنيا والآخرة، ومن ثم فيتعيّن شكر الله على هذه النعم العظيمة.

إذا عرفنا كذلك بعض المزايا العظيمة والخصائص الفريدة لهذه الأمة بتخصيصها بهذا القرآن الكريم: فما واجبنا نحو القرآن؟

يجب علينا محبة القرآن، وتعظيم قدره، واحترامه؛ إذ هو كلام الخالق -عز وجل-، فهو أصدق الكلام وأفضله، ويعظم الكلام بعظم قائله، فالقرآن هو كلام الله العظيم المتعال: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الحشر: 21].

ويجب علينا أن نقتطع له من أوقاتنا جزءا لتلاوته وقراءته، وأن نتدّبر آيات القرآن سوره، وأن نتفكر في مواعظ القرآن وأخباره وقصصه، وأن لا نكون كمن قيل فيهم: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾[الفرقان: 30].

ويجب علينا اتباع أحكامه والطاعة لأوامره وآدابه؛ سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان خلقه القرآن".

ومعنى الحديث: أن الرسول هو التطبيق العملي لأحكام القرآن وشرائعه، فقد حقق كمال الاتباع لهدي القرآن، ومن ثمّ يتعيّن علينا الاقتداء برسول الله، فهو القدوة الحسنة لكل واحد منا؛ كما قال  سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

اللَّهُمَّ إِنِّا عَبْيدُكَ بْنُو عَبْادِكَ بْنُو إَماَئِكَ، نَواصِينا بِيَدِكَ، مَاضٍ فِينا، حُكْمُكَ عَدْلٌ فينا قَضَاؤُكَ، نسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْوبِنا، وَنُورَ صَدْورِنا، وَجِلاءَ أحزانِنا وَذَهَابَ همومنا…