المرأة في الإسلام (2) وليس الذكر كالأنثى

عناصر الخطبة

  1. الفروق الجسمية والنفسية والدينية بين النساء والرجال
  2. النقص في المرأة كمال لها
  3. مسؤولية الرجل في الإنفاق على الزوجة و الأولاد
  4. مسؤولية الرجل في قيادة الأسرة
  5. ضرورة إقرار النساء في البيوت
  6. أهمية اختيار الزوجة وفضل تعريفها بربها
  7. الجهل عدو الدين الأول
  8. الفرق المادي والجسمي بين المرأة والرجل
  9. المودة والرحمة بين الزوجين من خلق الله -عز وجل-
  10. طلب العلم فريضة على كل مسلم
اقتباس

ما زاد من قوة عاطفتها وانفعالها، واهتمامها بأولادها وحنوها عليهم، وما نقص من اهتمامها بالقضايا العامة، وعدم تماسك إرادتها، وعدم اقتحامها الأخطار كالرجل.. هذا كمال في حقها، هذا كمال وذاك كمال، وهذا التفاوت بين الرجل والمرأة هو الذي يسبب السكنى، ويسبب الميل؛ لأن كل طرف من الرجل والمرأة يجد في الطرف الآخر ..

الخطبة الأولى:

  الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الأخوة الكرام: في الأسبوع الماضي كان موضوع الخطبة: المساواة بين الذكور والإناث في ضوء الكتاب والسنة، وقد بينت لكم أن المرأة كالرجل تماماً من حيث إنسانيتها، ومن حيث خلقها، ومن حيث كرامتها، ومن حيث أنها مكلفة بالتكاليف الشرعية كما هو الرجل مكلف، ومن حيث وجوب تربيتها، وتعليمها، وتحليها بالأخلاق الفاضلة، ومن حيث العقوبات والمسؤوليات، ومن حيث العقود والتصرفات. كل هذا بينته في الخطبة السابقة، ووعدتكم أن أعالج موضوع الاختلاف بين الذكر والأنثى. قال -تعالى-: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [سورة آل عمران:36]

هي مساوية للرجل من حيث التكليف والتشريف والمسؤولية، لكن بنيتها الجسمية والعقلية والانفعالية تختلف عن بنية الرجل؛ لا اختلاف نقص، ولكن اختلاف تكامل، هي تكمله وهو يكملها.

هذا الاختلاف الذي بين الزوجين يجعل كل منهما سكناً للآخر، هذا الاختلاف الذي بين الزوجين يجعل كلاً منهما يكمل نقصه في الآخر، هذا الاختلاف الذي بين الزوجين هو سرٌّ المودة والرحمة التي جعلها الله بين الزوجين.  

أيها الأخوة الكرام: إن تحدثنا عن الفروق بين الذكر والأنثى انطلاقاً، أو بين الرجل والمرأة مآلاً، إن تحدثنا عن هذه الفروق فإنما أبين الفرق بين الجنسين لا بين الفردين، فربما فاقت المرأة الرجل لحكمة أرادها الله، وربما فاق الرجل المرأة في اختصاصها. الحديث الآن عن الفرق بين الجنسين، لا بين ذكر وأنثى كفردين.

أيها الأخوة الكرام: من الثابت أن هناك فروقاً جسمية واضحةً بارزةً بين المرأة والرجل، هذه الفروق خُلقت لتتناسب مع الوظيفة التي أناطها الله بالرجل، والتي أناطها الله بالمرأة، ولو ربطت بين تلك الفروق وبين الوظيفة التي أرادها الله للرجل، أو الفروق التي تتميز بها المرأة، والتي أراد الله لها أن تكون لوجدت الحكمة التي ما بعدها حكمة، ولوجدت الرحمة التي ما بعدها رحمة.

أيها الأخوة الكرام: قال العلماء : هناك فروق جسمية في المرأة تتناسب مع وظيفتها التي أعدها الله لها، فيها غدد ليست موجودة في الرجل، هذه الغدد تُعدها لخصائص الأنوثة؛ من نعومة الملمس، إلى عذوبة الحديث، إلى غلبة الحياء، إلى كثرة الخجل، إلى ضعف التحمل. قال -تعالى-: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الروم:21].

هذا الضعف وهذه الصفات التي تجذب الرجل هي التي تجعله سكناً لها، إذاً الخصائص الجسمية التي خصها الله بها كمال في حقها، وجذب للرجل ليسكن إليها.  

أيها الأخوة الكرام: محبتها للزينة والتجمل -أيضاً- من خصائص المرأة التي فُطرت عليها. والحديث عن الفروق الجسمية كثيرة جداً، لكنني اقتطفت من هذه الفروق هذه العبارات الموجزات.

ثم إنه -أيها الأخوة- هناك فروق نفسية بين المرأة وبين الرجل؛ فعاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل؛ من هنا كان حنوها على أولادها وعلى أبويها وإخوتها أكثر من حنو الرجل، وأكثر ظهوراً ووضوحاً، وإثارة عاطفتها أسرع من إثارة عاطفة الرجل، ودرجة تأثرها العاطفي أشد من تأثر الرجل. إن هذا متفق مع وظيفتها الأولى في تربية الأولاد، والحنو عليهم، وتغذيتهم بالعواطف الفاضلة مع اللبن.

ألم تأت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقل له: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل وجمال ومال، فلما كبرت سني، وتفرق أهلي، وذهب مالي قال: أنت عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا.

أناط الله تربية الأولاد بالمرأة، فجعلها الله أكثر عاطفة؛ عاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل؛ من أجل أن تحنو على أولادها؛ من أجل أن تحنو على زوجها وعلى والديها.. إثارة عاطفتها أسرع من إثارة عاطفة الرجل، درجة التأثر العاطفي أقوى من درجة تأثر الرجل، هذا متفق مع وظيفتها في تربية الأولاد، والحنو عليهم، وتغذيتهم بالعواطف الفاضلة.

شيء آخر في نفسيتها: إن إرادة المرأة أقل تماسكاً من إرادة الرجل، ما أكثر ما تريد المرأة، وما أكثر ما تنسى ما تريد، وما أكثر ما تعرض عما تريد، وما أسرع ما يتغير مرادها، وما أسرع ما تتراجع عن مرادها. إذاً إرادة المرأة أقل تماسكاً، وتصميماً، وثبوتاً من إرادة الرجل؛ فما الحكمة في ذلك؟ الحكمة في ذلك أن هذه الإرادة غير المتماسكة تتناسب مع وظيفتها في الحياة؛ فإن صلتها بزوجها صلة التابع للمتبوع، والمطِيع للمُطاع، ولو كانت لها إرادة الرجل الثابتة الحازمة -التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تتراجع- لتصادم الزوجان وأدى هذا إلى فراقهما.

أيها الأخوة الكرام: إذا كانت لهذه القاعدة استثناءات -وهذه من حكمة الله البالغة- فهو من أجل أن تعرف قيمة الأصل، الشيء المألوف قد لا يُلتفت إليه، الشيء الذي ليس له استثناءات قد لا ننتبه إليه.

أنا أذكركم بمثل لا علاقة له بالموضوع إطلاقاً وهو أن بعضا من البقر يصيبها مرض يخرجها عن تذليلها تصبح متوحشة، فتقتل الرجال؛ فيُضطر صاحبها إلى أن ينهي حياتها، ويخسر ثمنها الباهظ، هذا الاستثناء من أجل أن تعرف ما معنى أنها مذللة: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ [سورة يس:42]

إن رأيت في الحياة استثناءً هذا الاستثناء هدفه تعريفي، وهدفه تربوي؛ فمن أجل أن تعرف قيمة الأصل وقيمة التصميم، فلابد لهذا الفرق من استثناءات للتعريف، وبيان نعمة الله وفضله على عباده.

أيها الأخوة الكرام: ولعل ضعف تماسك إرادتها من أجل أن تكون صلتها بأولادها صلة العطف والحب والرفق؛ فالأولاد تغلب على عقولهم العواطف، والأطفال تغلب عليهم نزواتهم؛ فلو أن للمرأة إرادة صلبة لا تتزحزح لا تستطيع أن تواجه أولادها بعاطفة ضعيفة، وإرادة حازمة، لذلك تجد المرأة أقرب إلى أولادها من الأب؛ لأنها سريعة الاستجابة كثيرة التقلب، تميل مع أولادها حيث يميلون، لذلك تجد العطف والانسجام، والصلة بين الأولاد وأمهم أشدّ من الصلة بين الأولاد وآبائهم.

أيها الأخوة الكرام: شيء آخر في الفروق النفسية بين جنس النساء وجنس الرجال: شجاعة المرأة أقل من شجاعة الرجل؛ فعادة المرأة أن ترود الطريق الذي طُرق سابقاً، وأن تسير في الطريق وراء الرجل، وأن تأتي من الأعمال ما تعرف وما سُبقت إليه، والحكمة ظاهرة في هذا؛ فهي بنت أو زوجة، والتشريع أن تكون القوامة للرجل. قال -تعالى-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [سورة النساء:34]

فمن أجل أن تكون القوامة للرجل لذلك جعل إقدام المرأة أقل من إقدام الرجل. هو الذي يقتحم، هو الذي يرود الطرق، هو الذي يبحث عن المجهول، هو الذي يبتكر، هي معه تعينه، لكنها تسير وراءه، هي أكبر داعم له من دون أن تملك قدرته على الاقتحام.

أيها الأخوة الكرام: أود أن أشير في هذا الموضوع إلى حقيقة دقيقة هي؛ أنه ما زاد في قوة عاطفتها، ونقص من قدراتها النفسية والعقلية فهو كمال بحقها، بل منتهى الكمال، وما زاد في قوة إدراك الرجل وإرادته وشجاعته، ونقص من قوة عاطفته هو كمال فيه.

لعلي إن ضربت مثلاً تتوضح الحقيقة : سيارتان؛ إحداهما معدة لنقل الركاب، والثانية معدة لنقل البضائع؛ فالمساحة التي تزيد في السيارة المعدة لنقل البضائع والمساحة التي تقل من أجل الركاب كمال في هذه المركبة، أما التي أُعدت لنقل الركاب؛ فالمساحة التي تُوضع للركاب أكثر بكثير من المساحة التي توضع للبضاعة، وهذا في هذه المركبة كمال فيها. فالنقص نقص كمال لا نقص ضعف، فلذلك كلمة نقص إذا عزيت إلى المرأة فهو الكمال بعينه. ما زاد من قوة عاطفتها وانفعالها، واهتمامها بأولادها وحنوها عليهم، وما نقص من اهتمامها بالقضايا العامة، وعدم تماسك إرادتها، وعدم اقتحامها الأخطار كالرجل.. هذا كمال في حقها، هذا كمال وذاك كمال، وهذا التفاوت بين الرجل والمرأة هو الذي يسبب السكنى، ويسبب الميل؛ لأن كل طرف من الرجل والمرأة يجد في الطرف الآخر كمالاً وسداً لنقصه.

أيها الأخوة الكرام: هناك فروق دينية بين المرأة والرجل، تحدثت عن الفروق الجسمية بإيجاز شديد لأنها واضحة صارخة لا تحتاج إلى معالجة، وتحدثت عن الفروق النفسية من حيث العاطفة، ومن حيث الإرادة، ومن حيث اقتحام الأخطار، وبينت الفرق بين الجنسين، بقيت الفروق الدينية.

فالله -سبحانه وتعالى- أناط بالرجل المسؤولية الأدبية الأخلاقية عن أسرته، قال تعالى :

﴿يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [سورة التحريم:6]

أيها الأخوة الكرام: أحد المفسرين يقول: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾: أي احملوهم على ترك المعاصي وفعل الطاعات، إن حملت زوجتك على ترك المعصية، وفعل الطاعة فقد وقيتها النار.

وقال مفسر آخر: الأهلين تشمل الزوجة أو الزوجات، والولد والأولاد. أي مجمل الأسرة زوجة وأولاداً تنطوي تحت كلمة قوا أنفسكم وأهليكم.

أيها الأخوة الكرام: سأل عمر بن الخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن معنى هذه الآية : ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أن تنهاهن عما نهى الله، وأن تأمرهن بما أمر الله، فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار". هذا معنى الآية، وكل مؤمن مأمور بنص هذه الآية أن يقي أهله وأولاده النار، بحملهم على الطاعات، ونهيهم عن فعل المعاصي والمنكرات.

لذلك يقول علي رضي الله عنه: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم". قيسوا بأنفسكم أولادكم؛ لأن الولد بضعة من الوالد. لذلك استنبط الفقهاء أن على الرجل أن يطلب العلم، وأن يتعلم ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة من أجل أن يعلم أهله وأولاده.. كيف يعلمهم؟ كيف يقي زوجته وأولاده النار إن لم يأمرهم بأمر الله وينهاهم عما نهى الله عنه؟ لذلك ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، فإذا أمرك الله أن تقي أهلك النار بأن تعرفهم أمر الله ونهيه، وأن تحملهم على طاعة الله وترك معصيته، فهذا يقتضي أن تعرف الأمر والنهي، ويقتضي أن تطبق. ففي هذا الأمر الذي أمرنا الله به من وقاية أهلنا النار أمر ضمني مستنبط أن تطلب العلم -أنت أيها الزوج-، أن تعرف أمر الله ونهيه، وأن تحمل أهلك على طاعة الله، وعلى ترك معصيته، من أجل أن تحقق هذه الآية.

وفي الحديث الشريف: "رحم الله رجلاً قال: "يا أهلاه صلاتكم -منصوب على الإغراء، أي الزموا صلاتكم- يا أهلاه صلاتكم، صيامكم، زكاتكم، مساكنكم، أيتامكم، جيرانكم، لعل الله يجمعكم معه في الجنة" [ورد في الأثر]

لعل الله يجمع الأهل مع الرجل في الجنة، إذا أمرهم فائتمروا، وإذا نهاهم فانتهوا. هذه الآية : ﴿يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ [سورة التحريم:6]

أصل في هذا الباب، مسؤولية الآباء كبيرة جداً، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" [رواه مسلم]

الحديث أثبت للرجل أنه يقوت أبناءه، يطعمهم، يكسب لهم المال ليشتري لهم الرزق فيأكلوا، لكنه ضيعهم؛ لأنه ما عرفهم بربهم، ولا عرفهم بأمر ربهم، ولا بنهيه، ولا حملهم على طاعة ربهم، وعلى ترك معصيته.

أيها الأخوة الكرام: في الأمور الدينية أناط الله بالرجل المسؤولية الأدبية والأخلاقية والدينية عن أسرته.

وهناك فرق آخر هو أن الله -سبحانه وتعالى- أناط بالرجل مسؤولية الإنفاق على الزوجة والأولاد، لذلك قالوا: "طلب الرزق فريضة بعد الفريضة"؛ أي بعد أن تؤدي الفرائض؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمسك يد ابن مسعود مرة فرآها خشنة من عمله الشاق، فرفعها وقال لأصحابه : "إن هذه اليد يحبها الله ورسوله".

وقد روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "إنما أُنزل هذا القرآن ليعمل به" هناك من يتخذ قراءته عملاً ولا يعمل به، إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به، فإن اتخذت قراءته عملاً ولم تعمل به فقد خسرت خسارة كبيرة؛ لأنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، ولأنه رب تال للقرآن والقرآن يلعنه.

أيها الأخوة الكرام: مسؤولية الإنفاق على الزوجة والأولاد من طعام وشراب وكساء ومأوى على قدر المكنة والسعة، مسؤولية أساسية، لذلك يمكن أن يكون طلب الرزق عبادة من أجلّ العبادات.

إذا كانت لك حرفة مشروعة في الأصل، وسلكت بها الطرق المشروعة، وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك، وابتغيت منها الإنفاق على الفقراء، وابتغيت منها خدمة المسلمين، ولم تشغلك عن فريضة، أو عن واجب – انقلبت هذه الحرفة إلى عبادة، بل إن الفقهاء يقولون: "إن المباحات إذا رافقتها النوايا الصالحات انقلبت إلى عبادات". يقول الله -عز وجل-: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ [سورة الطلاق:7]

وفي آية أخرى : ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة البقرة: 233]

هذا هو الفرق الديني بين المرأة والرجل، أناط الله -في نطاق الأسرة- بالرجل المسؤولية الأدبية والدينية والأخلاقية، وأناط به الإنفاق على الزوجة والولد. إذاً كسب الرزق من أجل أن تنفق على أهلك هذا من العبادة.

أيها الأخوة الكرام: لأن الرجل هو الذي يطلب الزواج، وهو الذي يدفع المهر، وهو الذي يؤمن المسكن، ولأن الرجل أنيطت به قوامة الأسرة، هو القيّم له درجة القيادة، ولأن الرجل هو الذي ينفق على هذه الأسرة، ولأن الرجل أقوى إرادة، وأكثر تعقلاً، وأبصر بالعواقب؛ لذلك أنيط به وحده نقض الزوجية. نقض الزوجية لا تكون إلا عن طريق الرجل.

أيها الأخوة الكرام: الأسرة مركب لابد له من قائد، والأم التي تقوي مركز زوجها أمام أولادها لصالحها، لأنه إذا ضعفت مكانة الزوج تضعضع كيان الأسرة، وتفلت الأبناء من رقابة الأب، ومن الانصياع له؛ فالمرأة العاقلة هي التي تقوي مكانة الأب وتدعمها، من أجل أن تكون لهذه الأسرة قيادة حكيمة، وإرادة حازمة، ودفع نحو الطريق السليم.

أيها الأخوة الكرام: لا يخفى عليكم -أيضاً- أن هناك فرقاً بين الذكور والإناث في العبادات؛ في الصلاة، في الصيام، في الحج، هذه معروفة لكم جميعاً، وهناك فرق أقره الدين وهو الإقرار في البيوت، الأصل في المرأة أن تقرَّ في بيتها، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ﴾ [سورة الأحزاب: 33] فإذا خرجتن لضرورة : ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرٌّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [سورة الأحزاب:33]

هكذا جاء السياق، أي ينبغي ألا تؤذي من في الطريق بمفاتنها: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرٌّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [سورة الأحزاب:33]

أيها الأخوة الكرام: الموضوع طويل، لكن أخذ القليل خير من ترك الكثير. كما أن المرأة مساوية للرجل في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، وقد جعلها الله راعيةً في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، كذلك هناك فرق بين المرأة والرجل ينبغي ألا نتجاهله، إن هذا الفرق هو من الحكمة بمكان، إن هذا الفرق هو الذي يؤكد الوظيفة المقدسة التي أنيطت بالمرأة، إن هذا الفرق هو الذي يجعل الرجل ينجذب إلى المرأة، هو الذي يجعلها سكناً له، هو الذي يوفق بينهما، هو الذي يجعل كل طرف من الزوجين يكمل نقصه في الطرف الآخر، فالشيئان المفترقان يتطابقان، لكن الشيئين المتشابهين لا ينطبقان.

أيها الأخوة الكرام: ألصق شيء بحياة الرجل عمله وزوجته، فإذا أحسن أحدكم أن يختار أو لم يحسن، إصلاح الزوجة مفتوح بابه طوال العمر، فإذا أصلحت نفسك، وطلبت من الله أن يصلح لك زوجك؛ فالله جل جلاله -في الأعم الأغلب- يستجيب لهذا الدعاء المخلص، فيجعل من زوجتك قرةً عين لك، بل إن الله -سبحانه وتعالى- يبين أن الإنسان إذا أحسن اختيار زوجته، وإذا عرفها بربها، وحملها على طاعة الله ورسوله يكافئه في الدنيا قبل الآخرة، ما هي هذه المكافأة؟ تصبح الزوجة والأولاد قرةَ عين للزوج، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ [سورة الفرقان: 74]

أيها الأخوة الكرام: هذا الكلام، وتلك النصوص، وهذه الحقائق مقتبسة من منهج الله -عز وجل-، قال تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [سورة فاطر:14]

من هي الجهة الخبيرة بطبيعة الحياة الزوجية؟ من هي الجهة التي صممت والتي رتبت والتي أعطت كل جنس خصائصه الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية؟ ومن جعل كل جنس يكمل الجنس الآخر؟ إنه الله؛ لذلك مهما تاهت البشرية ومهما بحثت ومهما تخبطت لابد من أن تعود إلى كتاب الله، وإلى المنهج القويم، وإلى الصراط المستقيم، لابد من أن تعود إلى تعليمات الصانع، لابد من أن تعود إلى خبرة الخبير، إلى العليم، إلى الذي خلق فسوى.

أيها الأخوة الكرام: أكاد أقول -وأنا واثق مما أقول-: إنه ما من مشكلة على وجه الأرض صغيرة أو كبيرة، ضيقة أو واسعة، فردية أو جماعية، في شتى بقاع الأرض، ما من مشكلة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله -جلّ جلاله- إلا بسبب الجهل، يمكن أن نقول: إن أكبر عدو لهذا الدين ليس الذين يريدون أن يقوضوه، ولكن أكبر عدو لهذا الدين هو الجهل. إن جهلت بالدين فأنت أعدى أعداء الدين، يجب أن نعرف ديننا، يجب أن نعرف منهجنا، يجب أن نطلب العلم.

أيها الأخوة الكرام: الذي يؤكد في الإنسان إنسانيته طلب العلم.

أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

الخطبة الثانية :

أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأخوة الكرام: تتميماً لهذا البحث أنقل لكم رأي بعض العلماء في الفرق الدقيق المادي والجسمي بين المرأة والرجل، يقول هذا العالم الطبيب بعد دراسة طويلة أثبتها في كتب معتمدة: إن قامة المرأة في جميع الأجناس أقصر من قامة الرجل، بل إن معدل الفرق عند تمام النمو عشرة سنتيمترات، كذلك الوزن؛ هيكل المرأة العظمي أخف من هيكل الرجل العظمي، وتركيب هيكلها يجعلها أقل قدرة على الحركة والانتقال، وعضلاتها أضعف من عضلات الرجل بمقدار الثلث، لكنها تفضله بنسيجها الخلوي الذي يحوي كثيراً من الأوعية الدموية والأعصاب الحساسة، ونسيجها الخلوي يسمح لها باختزان طبقة دهنية، وبفضل هذه الطبقة الدهنية تكون استدارة الشكل. مخ الرجل يزيد عن مخ المرأة بمئة غرام، ونسبة مخ الرجل إلى جسمه واحد من أربعين، ونسبة مخ المرأة إلى جسمها واحد من أربعة وأربعين، مخها أقل ثنيات، وتلافيفها أقل نظاماً، أما القسم السنجابي -القسم الإدراكي في المخ- فهو أقل مساحة، لكن مراكز الإحساس والإثارة والتهيج أشدّ فاعلية بكثير من مراكز الرجل، وتنفس المرأة، صدرها ورئتاها أقل سعة من صدر الرجل ورئتيه، لكن تنفسها أسرع من تنفسه، وقلبها أصغر من قلبه، لكن نبضها أسرع من نبضه.

هذه الفروق الدقيقة من حيث القلب والتنفس، ومراكز الإحساس والدماغ، ومن حيث الهيكل العظمي، ومن حيث القامة والوزن، هناك تصميم من عند حكيم عليم، هذا التصميم هو الذي يجعل المرأة -كما قلت في مطلع الخطبة- محببةً إلى الرجل وقد جعلها الله سكناً، قال تعالى- وقبل أن أذكر هذه الآية أذكركم بآيتين اثنتين: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [سورة الشورى:29] ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [سورة فصلت : 37] ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [سورة الروم:23] ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الروم:21]

هذه المودة والرحمة بين الزوجين هي من خلق الله -عز وجل-، وهي الأصل في العلاقة الزوجية، فإذا فقدت فهناك خلل خطير، هناك خروج عن تصميم الله -عز وجل-، هناك خروج عن سنة الله في خلقه، لذلك ما من زواج يُبنى على طاعة الله، ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه إلا ويتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وخلق المودة والرحمة بينهما، وما من زواج يُبنى على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح إلا ويتولى الشيطان التفريق بينهما، فإذا رأيت في البيت مشكلة، إن رأيت في البيت خللاً، إن رأيت في العلاقة الزوجية نفوراً، فاتهم نفسك قبل أن تتهم الآخرين، اتهم نفسك بالتقصير، اتهم نفسك بعدم القيام بالواجبات التي أرادها الله منك، وكان الإمام الشعراني يقول: "أنا أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي".

أيها الأخوة الكرام: مادام في العمر بقية، ومادام هناك فسحة أمام الإنسان فعليه أن يصلح ذاته، وعليه أن يصلح أقرب الناس إليه زوجته، وعليه أن يقي أولاده من النار بتربيتهم، ونصحهم وتوجيههم، وحضهم على طلب العلم، وهذه المساجد ما بنيت وما رفعت إلا ليذكر اسم الله فيها، ليذكر أمره ونهيه، ليذكر حلاله وحرامه، لتذكر مواعظه، ليذكر وعده ووعيده، هذه المساجد كما قال الله -عز وجل-: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ(37)﴾ [سورة النور:36-37]

أذكركم -أيها الأخوة- بأن كلمة رجل في القرآن -في الأعم الأغلب- لا تعني الذكر، تعني البطل. ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(38)﴾ [سورة النور:36-38]

أيها الأخوة الكرام: إذا انطلقت من بيتك إلى المسجد فاعلم أنك في ضيافة الله، سوف تزداد علماً، وسوف تزداد قرباً، وسوف تزداد اطمئناناً، وسوف تزداد يقيناً، قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاث مرارٍ نكتت نكتة سوداء في قلبه، ثم يكون الران"، ثم تلا النبي قوله -تعالى-: ﴿كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾ [المطففين: 14] (رواه الترمذي)

أيها الأخوة الكرام: طلب العلم فريضة على كل مسلم، وهل كالمسجد يُطلب فيه العلم؟ هناك علم ممتع، وأي علم ممتع، وهناك علم ممتع نافع، لكن العلم بالله، وعلم أمره ونهيه علم ممتع نافع مسعد في الدنيا والآخرة. هناك علوم تنتهي عند الموت، أما علوم الدين فتبدأ منذ طلب العلم، وتستمر معك إلى أبد الآبدين، العلم الديني هو العلم الحقيقي، ما كل ذكي عاقل، الذي يعرف الله، ويعرف سرَّ وجوده، وغاية وجوده هو العاقل.  مرَّ عليه الصلاة السلام مع أصحابه برجل مجنون، قال لأصحابه وقد سألهم سؤال العارف : من هذا؟ قالوا : هذا مجنون، قال : هذا مبتلى، المجنون من عصى الله.

 دخل إلى المسجد، رأى نسابة، سألهم سؤال العارف : قال من هذا؟ قالوا : هذا نسَّابة، قال : وما نسابة؟ قالوا : يعرف أنساب العرف. فقال -عليه الصلاة والسلام- : "ذاك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهله" (ورد في الأثر)

لذلك كان -عليه الصلاة والسلام- يدعو ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن أذن لا تسمع، ومن نفس لا تشبع، وأعوذ بك من هؤلاء الأربع" (رواه النسائي)