العفة والاستعفاف (1)

عناصر الخطبة

  1. الجنة محفوفة بالمكاره
  2. نصوص تدعو للعفة وأسبابها
  3. أنواع النفس الإنسانية
  4. العفة من صفات النفس اللوامة والمطمئنة
  5. من مظاهر النفس الأمارة بالسوء العشق والحب
  6. وسائل الإعلام وأثرها في إبراز المفاتن
  7. قصة في سوء الخاتمة
  8. حكم الاستمناء
  9. أجر العفة والاستعفاف
اقتباس

والعفاف هذه الخصلة إذا كان الإنسان متمتعًا بها فإنه إذا دخل حياة الزوجية فإنه يدخلها في سعادة وتستمر حياته في كرامة وفي طمأنينة، أمّا من دنس حياته بالرذيلة وارتكب الفواحش والموبقات فإنه قد لا يدخل هذه الحياة أبدًا، وهذه نعمة قد حرمها من دخلها وقد تلوث بهذه الموبقات فإنه يدخلها وهو…

الخطبة الأولى:

﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(27)﴾ [آل عمران: 26، 27].

أخرج الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وأبو داود وغيرهم بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها، قال: فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحُفت بالمكاره، قال: ارجع فانظر إليها. قال فرجع فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد. ثم قال: اذهب إلى النار فانظر إليها. فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فحُفت بالشهوات قال: ارجع فانظر إليها فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد".

الجنة سلعة الله الغالية لا تُنال إلا بأن تتجاوز المكاره التي حفها الله -عز وجل- بها، وإذا أردنا النصر من الله رب العالمين ينبغي أن تكون النفوس طاهرة، ولن تكون النفوس طاهرة إلا بالاستقامة، ولن تكون هناك استقامة وثبات على الاستقامة إلا بالمجاهدة، إلا بمجاهدة النفس.

فإلى الذين يريدون النجاة من النار والفوز بالجنة عليهم أن يرجعوا إلى أنفسهم فيزكوها، وإلى قلوبهم فيحيوها، أي ينظروا إلى أبدانهم فيشغلوها بطاعة الله، وإلى عقولهم فيخضعوها لعبودية الله رب العالمين، عندها ينال العزة في الدنيا والجوار، جوار النبيين والصحابة والصديقين -رضوان الله عليهم أجمعين- في جنات النعيم.

وإن مما ينبغي للشباب أن يجاهدوا فيه ويصرفوا عقولهم عنه مصارعة شهوة الفجرة التي قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: "من ضمن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة"، هذه الشهوة تحتاج إلى مجاهدة وتحتاج إلى عفة وتحتاج إلى استعفاف، وما أشرفها من خصلة وما أكرمه من خلق!! خلق العفة التي قال الله -عز وجل- عنها: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور:33]، ليستعفف: ليطلب العفة كل من كان غير قادر على الزواج إما لقصور نفقة وإما لأي سبب آخر، والعفة كما هي مطلوبة من غير المتزوج فهي في حق المتزوج آكد، لذلك كانت العقوبة أشد على المتزوج، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم -ذكر منهم عليه الصلاة والسلام- أشيمط زان"، وفي رواية: "شيخ زان".

لماذا خص هذا بالعذاب الأليم وبعدم النظر إليه يوم الدين؟! لأنه غير مستعفف، وقد بلغ من الكبر عتيًّا.

والعفاف هذه الخصلة إذا كان الإنسان متمتعًا بها فإنه إذا دخل حياة الزوجية فإنه يدخلها في سعادة وتستمر حياته في كرامة وفي طمأنينة، أمّا من دنس حياته بالرذيلة وارتكب الفواحش والموبقات فإنه قد لا يدخل هذه الحياة أبدًا، وهذه نعمة قد حرمها من دخلها وقد تلوث بهذه الموبقات فإنه يدخلها وهو يعاني فيها ما يعاني.

والله -سبحانه وتعالى- قد ذكر لنا النفس والهوى ومنبع الركون إلى شهوة الفرج الحرام إنما هو عن طريق الهوى وعن طريق النفس التي قال الله عنها: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)﴾ [الشمس:7-9]، ويقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "النفس منها ما يدعوك إلى الطاعة، ومنها ما يدعوك إلى المعصية، والقلب بين ذلك، تارة يكون إلى هذا، وتارة يكون إلى ذلك"، سيد الأعضاء ملك الأعضاء تارة يكون إلى النفس المطمئنة، وتارة يكون إلى النفس الأمارة بالسوء.

والله -عز وجل- وصف نفس الإنسان الواحدة بثلاثة صفات في القرآن الكريم: وصفها بأنها نفس مطمئنة: وهذه النفس المطمئنة هي التي ينادى صاحبها عند الوفاة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾ [الفجر: 27 – 29]، يناديها ملك الموت نداء تشريف وتكريم.

والأنفس الأخرى: هي النفس الأمارة بالسوء وهي ضد النفس المطمئنة، تلك -أي المطمئنة- سكنت واستقرت بذكر الله وطاعته، أما الأمارة فهي التي تأمر صاحبها بمعصية الله وتأمره بترك الطاعات، والقرآن ما سمّاها آمرة وإنما سمّاها أمّارة، فهي لا تكتفي بأمر أو أمرين في معصية الله، بل هي مداومة على الأمر بالمعصية، قال -سبحانه وتعالى- حكاية عن امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾، ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾، أي تأمر بالسوء والفحشاء، إلا ما رحم ربي، إلا من عصم الله -عز وجل-.

والنفس الثالثة: هي النفس التي أقسم الله بها في سورة القيامة فقال: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)﴾ اختلف فيها، فقيل: هي المترددة بين المعصية والطاعة، وقيل: هي التي تلوم صاحبها، وهذا هو الأرجح، وفي هذا يقول ابن عباس: "ما من نفس إلا وتلوم نفسها يوم القيامة؛ فإن كانت طائعة فإنها تلوم نفسها على قلة الطاعة، وإن كانت عاصية فإنها تلوم نفسها على المعصية".

ويقول الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "ما يزال المؤمن بخير مادام له واعظ من قلبه"، المؤمن مازال بخير مادام هناك واعظ في قلبه يعظه، إذا كان قد فعل طاعة استقصر هذه الطاعة وذكر التفريط فيها، وإن فعل معصية حدثته هذه النفس أنه قد أذنب فينبغي عليه أن يتوب إلى الله رب العالمين.

العفة تكون في النفس المطمئنة، وتثبتها النفس اللوامة، النفس اللوامة هي التي تثبتك على العفة وعلى الاستعفاف.

وإن من مظاهر التلوث في مجتمعاتنا والانهزام أمام النفس الأمارة بالسوء؛ من هذه المظاهر بين مجتمعات المسلمين -للأسف الشديد- مظهرين أقتصر عليها:

الأول: مظهر العشق: مظهر الحب، هذا المظهر استشرى في مجتمعنا، فترى الشباب الذين ليسوا متمسكين بالدين أو نقول وفق تعبيرنا: ليسوا بملتزمين، نرى حديثهم، ما هو؟! عن الحب، أنت من تحب؟! والفتاة تقول أيضًا لصاحبتها: أنتِ من تحبين؟! من هو حبيبك؟! من تراسلين؟! الحب والخنا العشق، من أين جاء ذلك؟! جاء من وسائل الإعلام المدمّرة التي قلّ أن يكون هناك مسلسل إلا وفيه دور للعشق والحب، كانت الأسرة في الماضي لا تعرف الغزل، وأيضًا كان الأبوان لا يحبان أن ينظر أولادهما إلى غزل أو أن يتلفظا بكلمات حب أو عشق، وأصبحت ترى الأسرة بكاملها بينهما الأب والأم والفتاة والفتى يجلسون على شاشة التلفاز وأمامهم تمثيلية أو مسلسل، وفي هذه التمثيلية رجل يقول لفتاة: أحبك، وفتاة تقول لرجل: أحبك، واسمع إلى تلك الكلمات التي تخرج منهما، والأب والأم ينظران والفتى والفتاة ينظران، فأصبح المنكر معتادًا، بسبب ماذا؟! بسبب أن القلوب استشربت هذه المناظر، فأصبحت النظرة إلى الحرام غير منكرة، تمر على بعض الأسواق وتمر على بعض البضاعات فترى صورًا للنساء المتبرجات، فتقول لصاحب المحل: ما هذا؟! أزل هذه المنكرات، فيقول: وأي منكر في هذا؟! هذه دعاية تجارية، هذه دعاية حتى يأتي الزبون إليها.

أصبح النظر إلى الحرام من وسائل التجارة، من وسائل ترويج البضاعات، والله سبحانه يقول: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾، لن يكون هناك حفظ للفروج إلا بعد غض الأبصار، هل سيكون هناك حفظ للفروج والأبصار تتطلع إلى الحرام؟!

وكذلك الغناء حدّث عنه ولا حرج، كلمات الهوى، كم تسمع من كلمات تتداول بين الشباب في الأغاني من كلمات الهوى، الهوى ذمّه الله في القرآن فقال: ﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾، هؤلاء يمدحون الهوى ويمدحون الليل الذي تكون فيه المعصية.

إذًا الأغاني والمسلسلات والروايات الساقطة التي فيها كذلك العشق والغرام، أدى كل هذا إلى أن تخترم العفة، وإلى أن تكون العفة في كثير من الأسر نادرة، فأصبح الإنسان الذي يريد أن يتزوج من أسرة ما يتخوف من أن تكون هذه الفتاة تراسل رجلاً ويراسلها، أو تحدث رجلاً في التليفون، أصبح الرجل يخاف، بسبب ماذا؟! بسبب ندرة العفة والاستعفاف، هذا مظهر من مظاهر الانهزام لمجتمعاتنا أمام النفس الأمارة بالسوء.

وإن الذي يقع في هذه الحفرة -حفرة الحب والغرام- لا يكاد يرى دينًا، وكذلك لا يكاد يصلح دينًا، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن الإنسان لا يحصل على حلاوة الإيمان إلا إذا حصل على ثلاثة شروط، الأول: أن يكون الله والرسول أحب إليه مما سواه، الثاني: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.

ويقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ﴾، إي والله، من الناس من يعشق فتاةً فيصل به الحب والغرام أن يسجد لها أو أن يتوسل بها، وسمعت من ثقة عن فتى مسلم ذهب إلى بلاد الغربة، وكان في غرفته فجاءت إليه عشيقته، فطرقت عليه الباب فوجدها في كامل الزينة والجمال، فما تمالك نفسه إلا أن سجد لها، ويا سبحان الله كان هذا وقت أجله، لقد أخذه الله -عز وجل- فإذا هو صريع ميت، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ماذا كانت خاتمته؟! خاتمته أنه كان ساجدًا، لمن؟! لفتاة. ما السبب في ذلك؟! السبب في ذلك هو العشق والغرام.

أسأل الله تعالى أن يقينا الزلات، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، والصلاة والسلام على خير خلق الله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين الذي كان يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى"، والذي كان يسأل ربه أن يزكي نفسه فكان يقول: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".

أذكر مظهرًا آخر من مظاهر خرم العفة والاستعفاف، هذا المظهر يظهر بين بعض الشباب ألا وهو ما يسمى: "بالعادة السرية"، أو ما يسمى: "بالاستمناء"، وهذه عادة رذيلة ذكرها العلماء كثيرًا وذكروا الأدلة على حرمتها، وما ذلك إلا لأسباب؛ من هذه الأسباب: الصور التي تعرض للشباب صباح مساء والتي فيها ما ذكرت، وكذلك الغناء والموسيقى الذي يؤدي إلى استفزاز النفس وإلى أن تخضع للشيطان كما قال تعالى عن الشيطان: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾، أي بالغناء.

وكذلك بسبب معوقات الزواج والتي هي كثيرة -وليس المقام هنا لتعدادها إنما المقام هنا لذكرها كسبب من أسباب خرم العفة والاستعفاف-، فمن أسباب هذه العادة الرديئة والتي لها مضار صحية، والتي فيها إثم، والتي فيها حرمان من الوصف الذي ذكره الله -عز وجل- للعباد الخاشعين حين قال -سبحانه وتعالى- في سورة المؤمنون: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، من هم؟! ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)﴾.

قال الشافعي -رحمه الله-: يستدل بهذه الآية على تحريم الاستمناء؛ لأن الله تعالى عَممّ فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾، أي يحفظون فروجهم عن كل شيء، ثم استثنى من ذلك فقال: ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾؛ ولذلك قال الفقهاء: الأصل في الفروج الحرمة، والشارع هو الذي يذكر لنا النواحي التي تباح فيها، ولذلك أباح الله -عز وجل- لنا الزواج وما ملكت أيماننا، واستدل العلماء كذلك على تحريم هذه العادة السيئة بقول الله تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، الذين لا يستطيعون الزواج يقول الله لهم: إذا لم تستطيعوا الزواج فاستعفوا، فاطلبوا العفة، احفظوا فروجكم عن الحرام، فلو كان هناك بديل للزواج لذكر الله -عز وجل- هذه العادة.

واستدل العلماء كذلك على تحريمها بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا ذكر البديل لمن لم يستطع الزواج، ألا وهو الصوم، ولو كانت هذه العادة السيئة مرخصة لرخصها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذكرها؛ لأنها أسهل من الصوم، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- ما ذكرها بل ذكر الصوم، فدل ذلك على أنها داخلة في عموم الآية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾، فدل ذلك على حرمتها.

وكذلك هناك قاعدة "أن ما أدّى إلى الضرر فهو حرام"، وهذه العادة ثبت بالطب إلى أنها تؤدي إلى أمراض شتى وإلى معوقات للزواج، وهذا يؤكد على حرمتها ويؤكد على عدم حِلِّيتها، فإلى الذين يتهاونون في هذه العادة السيئة نصيحتي أن يتقوا الله تعالى.

وإن العفة والاستعفاف تحتاجان إلى طاعة وإلى إخلاص لله رب العالمين، فإن بعض الناس لربما يتورع عن الولوج في المعاصي والفواحش من أجل صحته، هؤلاء لا ينالون الأجر الذي يناله الذي يستعف ويعف نفسه من أجل الله رب العالمين، ولهذا أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاثة نفر آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة ففرج الله -عز وجل- عنهم هذه الصخرة بصالح أعمالهم، وكان من بين هؤلاء رجل كان يحب ابنة عم له كأحب ما يحب الرجال النساء، فلما تمكن منها وجلس بين فخذيها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فتركها -وهو قادر على الفاحشة- لله رب العالمين، فإذا بالصخرة انفرجت بنصيبه هذا من الإخلاص.

وكذلك انظروا إلى سلفنا الصالح الذين كانوا كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "التقي هو الذي إذا خلا بالحسناء خاف الله -عز وجل- وحصّن فرجه".

أكتفي بهذين المظهرين وأتحدث في خطب قادمة عن الأسباب التي تؤدي إلى خرم الاستعفاف والعفة.