جريمة الزنا واللواط

عناصر الخطبة

  1. حد الزنا وحد اللواط وحكمة تشريع العقوبة
  2. عقوبة الزنا واللواط في الآخرة
  3. الآثار السيئة للزنا واللواط على الفرد والمجتمع
  4. سدّ الإسلام لكل الأبواب المؤدية للزنا أو اللواط
  5. تساهل أولياء الأمور في مشاهدة الفضائيات
  6. نداء للمبتلين للتوبة
  7. نداء للمسافرين لبلاد الكفر بالحذر
اقتباس

ذلك أن اللواط ضرر عظيم، وظلم فاحش، فهو ظلم للفاعل بما جر إلى نفسه من الخزي والعار، وقادها إلى ما فيه الموت والدمار؛ وهو ظلم للمفعول به حيث هتك نفسه وأهانها، ورضي لها بالسفور والانحطاط ومحق رجولتها، فكان بين الرجال -عياذا بالله- بمنزلة النسوان، لا تزول ظلمة الظلم والمهانة من وجهه حتى يموت؛ وهو مع ذلك ظلم للمجتمع كله بما يفضي إليه من حلول المصائب والنكبات ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- وراقبوه، واعلموا -رحمكم الله- أن أعمالكم محصاة عند ربكم، وسيجد الجميع ذلك حاضراً أمامه يوم القيامة في كتابٍ ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف:49].

أيها الإخوة المسلمون: إن من أحكام القرآن وهدايته الحثّ على التمسك بالأخلاق الفاضلة والآداب العالية، والزجر عما يخل بالشرف والعفاف، ومن أجل ذلك حرم الجرائم التي تفسد الأخلاق، وبها ينهار المجتمع، تلكم الجرائم التي تكمن في فعل الزنا، واللواط والسحاق وغيرهما من صور الشذوذ الجنسي، والتردي الأخلاقي، والانحطاط البهيمي.

لقد رتب الله -عز وجل- عقوباتٍ عظيمةً على من اقترف مثل هذه الجرائم، ووقع في هذه المحرمات الكبائر، عقوبات غليظة في الدنيا، وأشد منها عقوبات الآخرة إن لم يتب المبتلَى وتدركه رحمةُ أرحم الراحمين.

لقد حرم الله -عز وجل- الزنا وأخبر أنه فاحشة يستفحشه كل ذو فطرة قويمة، وعقل سليم، وحذر منه بعقوبة الدنيا والآخرة؛ إن الزاني الذي يطأ فرجاً حراما إما أن يكون محصنا وإما أن يكون غير محصن، فالمحصن هو البالغ العاقل الذي تزوج امرأة ووطئها بنكاح صحيح، فإذا زنا فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً.

وأما إذا كان الزاني غير محصن، وهو من لم يسبق له الزواج على الوصف المذكور، فإنه يجلد مائة جلدة، ويُغرَّب عن بلده سنة كاملة.

إن جريمةً تؤدي إلى القتل بالحجارة لجريمةٌ بالغة ناكرة وعظيمة الخطورة، تعبر عن كون مرتكبها غير صالح للبقاء في المجتمع، فهو جرثومة فاسدة يجب القضاء عليها حتى لا تفسد المجتمع كله.

وأما عقوبة الزاني في الآخرة فاسمعوا قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70)﴾ [الفرقان:68-70].

في صحيح البخاري -رحمه الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في المنام ثقباً مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، فاطَّلَع فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة يأتيهم لهب من أسفلهم، فسأل عنهم فقيل له: هم الزناة والزواني.

وقال -صلى الله عليه وسلم- محذراً من هذه الفاحشة: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا زنا الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية أحلوا بأنفسهم عذاب الله".

أيها الإخوة المسلمون: إنها -والله!- عقوبات أليمة، وزواجر رادعة عن هذه الفعلة الشنيعة، والجريمة القبيحة.

وأما اللواط، وهُو وطءُ الذكَرِ الذكَرَ فذلك الفاحشة الكبرى، والجريمة المنكرة، إنه مفسدة الدنيا والدين، إنه هدم للأخلاق، ومحق للرجولة؛ إنه فساد للمجتمع، وقتل للمعنويات، إنه ذهاب للخير والبركات، وجالب للشرور والبلايا والمصائب؛ إنه معول خراب ودمار، وسبب عظيم للذل والخزي والعار؛ إن العقول الصحيحة تنكره وتمجُّه، والفِطَر السليمة ترفضه، والشرائع السماوية تزجر عنه وترفضه.

ذلك أن اللواط ضرر عظيم، وظلم فاحش، فهو ظلم للفاعل بما جر إلى نفسه من الخزي والعار، وقادها إلى ما فيه الموت والدمار؛ وهو ظلم للمفعول به حيث هتك نفسه وأهانها، ورضي لها بالسفور والانحطاط ومحق رجولتها، فكان بين الرجال -عياذا بالله- بمنزلة النسوان، لا تزول ظلمة الظلم والمهانة من وجهه حتى يموت؛ وهو مع ذلك ظلم للمجتمع كله بما يفضي إليه من حلول المصائب والنكبات.

لقد قص الله -عز وجل- علينا في كتابه ما حصل لقوم لوط -عليه السلام- حيث أنزل عليهم رجزا من السماء، أي عذابا من فوقهم، أمطر عليهم حجارة من سجيل، فجعل قريتهم عاليها سافلها؛ وقال بعد أن قص علينا عقوبتهم-: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود:83]، وما هي من الظالمين في أي زمان وأي مكان ببعيد.

ولما كانت هذه الجريمة جريمة اللواط من أعظم الجرائم كانت عقوبتها في الشرع من أعظم العقوبات، إذ إن عقوبتها القتل، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". واتفق جمهور الصحابة -رضوان الله عليهم- على العمل بمقتضى هذا الحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: لم يختلف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتله، سواء كان فاعلاً أم مفعولا به، ولكن اختلفوا كيف يُقتل، فقال بعضهم يرجم بالحجارة، وقال بعضهم يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت، وقال بعضهم يحرق بالنار الفاعل والمفعول به إذا كان راضياً، كلاهما عقوبته الإعدام بكل حال سواء كانا محصنين أم غير محصنين؛ لعظم جريمتهما، وضرر بقائهما في المجتمع، فإن بقاءهما قتلٌ معنويٌّ لمجتمعهما، وإعدام للخلق والفضيلة، ولا شك أن إعدامهما خير من إعدام الخلق والفضيلة.

هذه -أيها الإخوة المسلمون- عقوبة هاتين الجريمتين الخطيرتين، جريمة الزنا وجريمة اللواط، واسألوا الله -عز وجل- أن يحفظنا وسائر إخواننا المسلمين من المبقيات والآثام، وأن يطهر مجتمعات المسلمين من هذه المنكرات، وأن يعين أولي الأمر على القضاء على أسبابها والطرق الموصلة إليها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(7)﴾ [المؤمنون:5-7، المعارج:29-31].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث في الأفعال والأقوال، وجعل سبحانه في الحلال غنية وكفاية عن الحرام.

والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، القائل فيما صح عنه: "يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهن-: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم… الحديث. صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الإخوة المسلمون: إن هذه الجرائم الخلقية -بالإضافة إلى ما رتب عليها من العقوبات الدنيوية والأخروية- فإن فيها مفاسد عظيمة، حيث تفسد القلوب والفكر، وتجلب الذل والعار، والخزي والشنار، تنشر الأمراض التناسلية، فهي فساد في الدين والدنيا، وفساد للفرد والمجتمع، ومِن ثَم جاءت الآية الكريمة بالنهي عن قربان الزنا، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32].

وأنكر الله -عز وجل- اتيان الذكور فقال ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166)﴾ [الشعراء:165-166].

والنهي عن قربان الزنا ومثله اللواط نهي عنهما ونهى عن جميع الأسباب الموصلة إليهما كاللمس والنظر، فلا يحل لمؤمن أن يتمتع بالنظر إلى امرأة ليست زوجة له، ولا التلذذ بسماع صوتها أو مس شيء منها، ولا يحل كذلك النظر بشهوة إلى الأمرد، أو لمسه، سواء كان هذا التمتع نفسياً أو جنسياً؛ أي سواء كان التمتع بالنظر إلى المرأة والأمرد مجرد راحة نفسية، أو لأجل التمتع الجنسي والشهوة.

وسواء كان ذلك النظر والتمتع مباشراً عن طريق مجلة ماجنة، وفيلم خليع تعرض فيه -عياذا بالله- صور النساء، إن ذلك كله حرام؛ لأنه سبب من أسباب الوقوع في جريمة الزنا واللواط.

ولكن كثيراً من ذوي النفوس السافلة، والإرادات الضعيفة، غلبتهم نفوسهم حتى أطلقوا لها العنان في التمتع بالنظر إلى النساء، فأصبحوا أسرى لأهوائهم المنحرفة حتى صدهم ذلك عن ذكر الله وعن مصالحهم، فصار همّ بعضهم التجول في الأسواق والأماكن العامة لغير غرض ولا حاجة سوى مطاردة أهوائهم التي لا ينالون منها إلا الهمَّ والأماني الكاذبة.

وعكف أقوام على مشاهدة الأفلام الخبيثة، والمسلسلات الماجنة التي تعرض فيها -عياذا بالله- صور النساء السافلات، والرجال المخنثين، بحركات مثيرة، وأوضاع مريبة، لا يجني المشاهد منها إلا تحرك الفتنة في قلبه، وإثارة دواعي الشر وتحريك كوامن الخبث في نفسه وقلبه، بل وتسهيل مواقعة الجريمة وارتكابها -والعياذ بالله-.

بل وصل الحد ببعض إخواننا -هداهم الله- إلى إدخال الدشوش في منازلهم التي مِن خلالها يتابعون قنوات خارجية تعرض فيها صور العراة والمومسات من خلال الأفلام التي تمثل فيها الفاحشة، وتمارس فيها أنواع الجريمة، وترتكب فيها أخس صور البهيمية والحيوانية؛ بل استساغ بعضهم وسهل عليهم أن تعرض هذه البضاعة المسمومة على بناتهم ونسائهم وأبنائهم، فأي فساد ينتظر أن يحل بهذه الأسر؟ وأي انحراف خلقي سينشأ عليه أفرادها؟ إن هذا حقا هو موت القلوب، وانطماس الفطر وانتكاسها، وانعدام الغيرة والرجولة عياذا بالله!.

أيها الإخوة المسلمون: متى فشت هذه الفواحش والجرائم الخلقية ولم يعاقبها الله بدمار الديار وخراب البلاد فإنه سيحل بها ما هو أعظم من ذلك، سيحل بها انتكاس القلوب، وانطماس البصائر، وانقلاب العقول، حتى يُسكت على الباطل، بل يرَوْن الحق باطلا والباطل حقا، يُزَيَّن العملُ السيئ ويُعَدُّ حسناً.

وسيسلط الله على هذه المجتمعات التي أظهرت الفاحشة وعملت بها الأمراض والأوجاع التي لم تكن معروفة من قبل، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا". والفاحشة في هذا الحديث تشمل الزنا واللواط والسحاق وهو إتيان المرأة المرأة، وقد صدق الواقع هذا الحديث الشريف أيما تصديق، وظهرت أمراض خبيثة مدمرة نتيجة الشذوذ والتحلل الجنسي والأخلاقي.

أمراض عجز الطب عن علاجها، وأشهرها الآن مرض الايدز الذي انتشر في العالم، حتى أطلقوا عليه الطاعون الأبيض، وقرر الأطباء أجمعون أن سبب هذا المرض الذي يذهب ضحيته سنويا آلاف المصابين سببه الرئيسي الاتصال الجنسي المحرم، ويطلقون عليه اسم الشذوذ الجنسي عن طريق الزنا واللواط والسحاق، بل وعن طريق القُبلة إذا كان أحد الطرفين مصاباً بهذا المرض.

إن هذا المرض إنذار من الله ووعيد وتهديد لتلك المجتمعات التي ظهرت فيها الفاحشة حتى شرعت الأنظمة والقوانين التي تبيح الزنا واللواط، بل وتعترف بزواج الذكور بعضهم من بعض، وتفتح الأندية والنقابات والأحزاب، وهذا دليل جديد على خسة الحضارة الغربية وترديها، تلك التي اهتمت بجانب المادة ولكنها أغفلت الروح، بل تعمدت تهميشها، وتعمدت إفساد الخلق ومحاربة العفة والطهارة. فنسأل الله أن يحفظ مجتمعات المسلمين من شرور الأمراض والأوبئة.

ونداء إلى إخواننا المسلمين، إلى شبابنا الذين ابتلوا بشيء من هذه الأوساخ: أن يتوبوا إلى الله -عز وجل-، ويقلعوا عنها، ويطهروا أنفسهم منها، قبل أن يحل بهم ما حل بغيرهم.

نداء لأولئك الذين يسافرون في الإجازات إلى دار الكفر والوثنية شرقا وغربا، نداؤنا لهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي أعراضهم، ويتقوا الله في أولادهم وأسرهم، وقبل ذلك وبعده أن يتقوا الله في دينهم؛ حتى لا يسلب منهم على حين غرة من غراتهم، وغفلة من غفلاتهم حينما يقعون في حمأة الفاحشة. نسأل الله -عز وجل- للجميع الهداية والعصمة والتوفيق.