رحلة الموت

عناصر الخطبة

  1. حديث نبوي شريف يبين رحلة الأرواح بعد الموت
  2. صفات المؤمنين ذوي الأرواح الطيبة والكافرين ذوي الأرواح الخبيثة
  3. عدم اغترار الصالحين بالدنيا الغرَّارة
اقتباس

واسمع إلى هذا الحديث الذي ترجف له القلوب قبل أن ترجف الأبدان, حديث يهز الجبال، ما سمعه مؤمن حيٌّ قلبُه، متيقِّظ فؤاده، إلا ذرفت عينه، وخشع قلبه, فهل قلوبنا مُتَيَقِّظَةٌ؟ هب أنه اختبار, أو مقياس لتقيس به قلبك: أهُو حيٌّ أم ميت؟ أهو مع الله، أم كُبِّلَ بدنيا فانية, وتجارة خاسرة؟! ..

تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103)﴾ [آل عمران:102-103].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر:18]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7]، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ(3)﴾ [الطلاق:2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا, وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا يا قوي يا جبار.

أما بعد: أخي الحبيب، قبل أن أبدأ هذه الخطبة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إن أردتَّ الفائدة والعظة والعبرة, فأطلب منك أن تنسى الدنيا, لقد كبلتك وقيدتك, فمنا مَن جسده في المسجد وعقله في مأدبة يعد لها، أو في زوجة سيدخل بها, أو في تجارة يرجو ربحها، كيف سيستفيد من كان قلبه لاهٍ غافل معرض؟.

إني أنقل إليكم اليوم كلاماً عذباً أحلى من العسل مذاقاً, وأطيب من الماء البارد طعماً, إنه حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فهل أنتم سامعون؟ وهل أنتم متَّبعون محبون؟ إن المحب لمن يحب مطيع، إنس من حولك وكن مع نبيك -صلى الله عليه وسلم-؛ بل استشعر وكأنك الآن تعيش معه, كأنك بصحبته وهو بجوارك -عليه الصلاة والسلام-.

واسمع إلى هذا الحديث الذي ترجف له القلوب قبل أن ترجف الأبدان, حديث يهزُّ الجبال، ما سمعه مؤمن حيٌّ قلبُه، متيقِّظ فؤاده، إلا ذرفت عينه، وخشع قلبه, فهل قلوبنا مُتَيَقِّظَةٌ؟ هب أنه اختبار, أو مقياس لتقيس به قلبك: أهو حي أم ميت؟ أهو مع الله أم كُبِّلَ بدنيا فانية, وتجارة خاسرة؟!.

في مسند الإمام أحمد عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى قبره ولمــــَّا يُلْحَد بعدُ, فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلسنا حوله، وكأنما على رؤوسنا الطير -أي: خشوع وسكوت بلا حركه، رؤوسهم تنظر إلى الأرض وأبصارهم ترمق النبي صلى الله عليه وسلم- قال: وبيده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه ثم قال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر"، مرتين أو ثلاثا.

ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة, نزل إليه ملائكة من السماء أي: وهو يعالج السكرات, على فراش الموت, إذا كان في انقطاع من الدنيا -ترك الدنيا وزخرفها, ونسائها, وعقارها, ومالها وتجارتها, وأهله معه، أبناؤه بجواره, وأبوه وأمه عند رأسه, الأطباء بجواره, لكنهم لا يرون الملائكة إنما يراها هو فقط- نزل عليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة, حتى يجلسوا منه مد البصر.

ثم يجيء ملك الموت -عليه السلام- حتى يجلس عند رأسه -الملك الذي سيقبض روحه يجلس عند رأسه- فيقول له -بذلك الوجه المنير، وتلك الصورة البهية-: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان -ترحيب واستقبال ودعوه طيبة- فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء –أي: كما تسيل القطرة من الإناء الذي تشرب منه, كيف تسيل؟ تسيل بسهولة ويسر وسرعة- فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفه عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض.

قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة -الجسد في الأرض, والروح في السماء, في موكب بهي, الملائكة يحملون الحنوط والكفن فيه روح المؤمن المصلي الطائع- فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه مِن كُلِّ سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة -كلما دخل سماء احتفّ حوله الملائكة ويشيعونه إلى السماء الثانية, حتى وإن كان غير معروف في الدنيا يعرفه أهل السماء , وحتى لو لم يشيعه أهل الدنيا فإن أهل السماء يشيعونه، فإنه حبيب إلى ربه, قريب إلى مولاه- حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله -عز وجل-: اكتبوا كتاب عبدي في عليين -أول الكرامات- وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.

قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: مَن ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادى مناد في السماء: أنْ صدَقَ عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبِسُوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك! هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير! فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي وما لي.

ما زال الحديث للمصطفى-صلى الله عليه وسلم-، وهو جالس على ذلك القبر والصحابة من حوله.

عباد الله: اسمعوا الآن إلى رحلة العاصي, ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة، أخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها، كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض.

فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾ [الأعراف:40]، فيقول الله -عز وجل-: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج:31].

فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادى مناد من السماء: أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حَرِّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة" رواه أحمد وأبو داود، واللفظ لأحمد، وهو حديث صحيح.

(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ* ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) [الأنفال:50-51]، ويقول الله -جل وعلا-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام:93].

اللهم اغفر ذنوبنا, اللهم اغفر ذنوبنا, اللهم استر عيوبنا.

عباد الله: قلت ما سمعتم، فاستغفروا الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾ [المؤمنون:99-100]، هذه هي رحلة الموت، وهذه هي أرواح الموتى ما بين روح مؤمنة طائعة عابدة كانت تقوم الليل, وتصلي الصلوات في أوقاتها, كانت متوضئة متطهرة, طائعة لربها, متفرغة للطاعات، تاركه للمحرمات, روح المؤمن روح طيبة يحبها الناس؛ لأن الله أحبها, ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبها.

روح المؤمن لا تعرف الحقد والحسد, ولا تعرف المعاصي والكذب, والغيبة, والنميمة, إنها روح عرفت طاعة الوالدين, وحقوق الجار, وحقوق المسلم على المسلم, وهي لا تأكل حراماً, ولا تقبل رشوة, ولا تأخذ مال اليتيم, ولا تنظر إلى ما حرم الله، ولا تسمع إلى ما حرم الله, ولا تأكل مما حرم الله, إنها روح طيبة, فكانت وجوههم طيبة، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح:29]، إنها روح مقبلة على الآخرة, تركت الدنيا وما فيها, ودخلت في ابتلاء الله وامتحانه, فكانت نتيجة الامتحان أن ناداها الله من السماء: "أن صدَق عبدي فافرشوا له من الجنة".

أما روح الكافر فإنها روح تعيسة, مظلمة, لا تعرف إلا سهر الليالي على المعاصي, والأفلام والأغاني, والمجون، روح لا تعرف إلا الاغترار بالغرب وحبهم, وحب اليهود والنصارى, تحب لاعبيهم وممثليهم, وحضارتهم, وثقافتهم, روح الكافر لا تعرف المساجد, ولا الوضوء, روح الكافر والعاصي لا تعرف لذة طاعة الوالدين, ولا تعرف لذة العبادة, فكانت نتيجة الاختبار أن نادها مناد من السماء: "أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار".

أيها المؤمن: الدنيا غَرَّارة، تركها الصالحون، وما بكى عليها المؤمنون، بل قال قائلهم: لا تأسَفَنَّ على الدنيا وما فيها *** فالموتُ لا شَكَّ يُفنينا ويُفنيها ومَن يكُنْ هَمُّهُ الدُّنْيَا لِيَجْمَعَهَا *** فسوف يوماً على رغْمٍ يُخَلِّيها لا تَشْبَعُ النفسُ مِن دنيا تجمِّلُهُ *** وبُلْغَةٌ من قِوام العيش تكفيها فاعمَلْ لدارِ البَقَا رضوانُ خازنُها *** والجارُ أحمدُ والرحمنُ بانيها أرْضٌ لها ذَهَبٌ والــمِسْكُ طِينَتُها *** والزعفرانُ حَشِيشٌ نابتٌ فِيها أنهارُها لبَنٌ مَحْضٌ ومِن عَسَلٍ *** والخمرُ يجري رحيقاً في مجاريها والطيرُ تَجري على الأغصانِ عاكفةً *** تُسَبِّحُ اللهَ جهْراً في مَغَانيها مَن يشتري قُبَّةً في العدْن غاليةً *** في ظل طُوبى رفيعاتٌ مبانيها دلَّالُها الــمُصْطَفَى واللهُ بائعُها *** والجبرائيلُ يُنادي في نواحيها مَن يشتري الدار في الفردَوْسِ يعمرها *** بركعةٍ في ظلامِ الليلِ يُخفيها أموالُنا لذوي الميراث نجمعُها *** ودُورُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيها لا دارَ للمَرْءِ بعْدَ الموْتِ يَسْكُنُها *** إلَّا الَّتِي كانَ قَبْلَ الــمَوْتِ يَبْنِيها وهذه الدارُ لا تغْرُرْكَ زَهْرَتُها *** فعَنْ قريبٍ ترى مُعجبك ذاويها خدَّاعةٌ لم تدم يوماً على أحَدٍ *** ولا استقرَّتْ على حالٍ لياليها تلك المنازلُ في الآفاقِ خاويةً *** أضحَتْ خراباً وذاق الموتَ بانيها أين الملوكُ التي عن حظِّها غَفَلَتْ *** حتى سقاها بكأسِ الموْتِ ساقيها

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، واجعلنا من المقبلين على الآخرة، اللهم اجعل قلوبنا خاشعة، اللهم إنا نسألك قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وعيناً دامعة.

اللهم إنا وفود عليك ضيوف في بيتك فلا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك مبعدين.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم آنِسْ وحشتنا في القبور، اللهم اجعل أعمالنا الصالحة خير جليس لنا في القبور، اللهم اجعلنا من الذين يبشرون بالجنة.

اللهم افتح لنا باباً إلى الجنة في قبورنا، اللهم وسع علينا قبورنا، اللهم اغفر ذنوبنا, واستر عيوبنا, اللهم إنا نلجأ إليك بأن تغيث العباد والبلاد، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً صحاً طبقاً، اللهم أغثنا غيث الإيمان في قلوبنا.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.