تعدد الزوجات

عناصر الخطبة

  1. تعدّد الزوجات في الشريعة الإسلاميّة مباح بشروطه
  2. مصالح تعدّد الزوجات
  3. ضوابط التعدد في الشريعة
  4. التحذير من الميل إلى الزوجة الثانية
اقتباس

لقد أباحت الشريعة الإسلامية للرجل التعدد، لكنها قيدته بأربع نساء فقط؛ لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل والقيام بحق الزوجية وسد حاجته إن احتاج إلى أكثر من واحدة؛ إذ لو تُرك للرجل الزواجُ بما شاء من النساء لأدى ذلك إلى الفوضى والظلم وعدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات ..

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾ [النساء:3].

أباح -جَلَّ في علاه- للرجل الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربع في وقت واحد، بشرط أن يكون قادرًا على تحقيق العدل، وهو العدل في الأمور المادية المحسوسة كالملبس والمسكن والمبيت والمعاملة ونحو ذلك، فإن كان لا يستطيع ذلك وخاف من الجور والظلم فليقتصر على زوجة واحدة فقط.

لقد أباحت الشريعة الإسلامية للرجل التعدد، لكنها قيدته بأربع نساء فقط؛ لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل والقيام بحق الزوجية وسد حاجته إن احتاج إلى أكثر من واحدة؛ إذ لو تُرك للرجل الزواجُ بما شاء من النساء لأدى ذلك إلى الفوضى والظلم وعدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات، روي أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اختر منهن أربعًا، وفارق سائرهن". رواه أحمد والترمذي.

إن إباحة التعدد في الإسلام لتحقيق مصالح وفوائد كثيرة ودفع أضرار قد تلحق بالمسلم، ومن ذلك:

أولاً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حث على تزوج المرأة الولود ورغَّب في تكثير النسل، وقال: "تزوجوا الودود الولود". رواه أبو داود. وذلك لتكثير أمته والمباهاة بِهم، وقد يتزوج الرجل امرأة ليحقق هذا الهدف ولِيكْثُر أبناؤه وبناته، فيظهر له بعد فترةٍ أنها امرأة عقيم لا تلد، فلا يرغب مفارقتها لحبه لها وإشفاقه عليها، فمن المصلحة أن تبقى عنده، ويتزوج امرأة أخرى تأتيه بالولد والذرية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتعدد.

ثانيًا: أن كثيرًا من الرجال لا تكفيه الزوجة الواحدة، ولا تشبع غريزته، فيتطلع إلى غيرها، والتعدد هو الذي يحقق رغبته، ويحول بينه وبين الوقوع في المحظور.

إضافة إلى أن المرأة تعتريها بعض الحالات من المرض والحيض والحمل والنفاس، مما يفوِّت على الرجل رغباته في هذه الأوقات.

ثالثًا: أن أعداد الإناث في المجتمعات أكثر من الذكور، نظرًا لكثرة ولادة وإنجاب البنات، وقد تزداد أعدادهن في أعقاب الحروب التي تقضي على كثير من الرجال، وكذلك فإنهم أكثر عرضة للموت من النساء؛ لتعرضهم للحوادث وخروجهم للكسب وطلب المعيشة والتنقل من مكان لآخر، فيكثر عدد الإناث من العوانس والأرامل إضافة إلى المطلقات، فالزواج بأكثر من واحدةٍ ستر لكثير منهن، وأفضل من أن يقضين أعمارهن بلا أزواج، فالتعدد يترتب عليه صون عدد كبير من النساء، والقيام بحاجتهن من النفقة والمسكن وكثرة الأولاد والنسل.

رابعًا: قد تكون الزوجة مريضة أو كبيرة السن، ولو اقتصر الزوج عليها لم يكن له منها إعفاف، ويخاف على نفسه المشقة بترك النكاح، وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها، وفكك أسرته، فلا حل لذلك إلا بالتعدد.

خامسًا: أن تعدد الزوجات يربط بين أسر كثيرة في المجتمع المسلم، وسبب لتقارب الكثير منها وصلة بعضهم ببعض، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي حملت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوج بعدد من النساء.

والإسلام عندما أباح تعدد الزوجات قيده بشروط، ووضع له ضوابط أوجب على الزوج الالتزام بها، وإلا فإنه ممنوع من الزواج بأكثر من واحدة، فمن ذلك أنه حرّم الزيادة على أربع زوجات، وأوجب عليه الإنفاق عليهن، بأن يكون ذا قدرة مالية، بحيث يمكن أن يوفر لزوجاته حاجاتهن من الطعام والشراب والمسكن واللباس، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف". رواه مسلم. وسأله أحد أصحابه عن حق الزوجة على زوجها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". رواه أبو داود وابن حبان.

ومن أهم ما يجب على الزوج: العدل بين زوجاته، وهو المساواة بينهن في الأمور المادية وحسن العشرة. أما ما لا يقدر عليه الزوج من الميل القلبي والمحبة فإن هذا ليس باختياره، فهو غير واجب عليه، وهو الذي ورد في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء:129]، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"، أي: المحبة. رواه أبو داود والترمذي.

وكذلك يعدل بينهن في المبيت، بأن يخصص لكل واحدة منهن ليلةً يبيت فيها معها؛ لأن القصد من المبيت الأنس الذي يحصل به للزوجة.

إن التعدد أمر أباحه الإسلام وشرعه للزوج، والمرأة حين تغضب وتقف في وجه الرجل إذا تزوج عليها فإنها لا تعترض على الحكم الشرعي؛ لأنها -ولله الحمد- مسلمة، تؤمن بكل ما جاء في كتاب ربّها، لا ترد شيئًا منه، وما يحصل منها إنما هو من باب الغيرة التي جُبلت عليها بفطرتها وعاطفتها.

غير أن هناك حالات لبعض الأزواج الذين لا يلتزمون بكل ما أوجبه الشرع عليهم تجاه زوجاتهم، فتجدهم يقصرون في حق بعض الزوجات، فيميلون ميلاً واضحًا لإحداهن، ويتنكرون للزوجة الأخرى، فلا يوفيها الزوج حقها، ولا يوفر لها احتياجاتها، بل يعاملها معاملة فيها شيء من القسوة والجفاء والإهانة.

إن على الزوج أن يدرك أن الشريعة الإسلامية أباحت التعدد، ووضعت له قيودًا صارمة وضوابط محددة، فليتأملها قبل إقدامه على الزواج بأخرى، فإن عرف من نفسه أنه مؤهل للوفاء والالتزام بها فذاك، وإلا فليبق على زوجته الأولى وليكتف بها.

إن ما يقوم به بعض الأزواج من هضمٍ لحقوق الزوجة الأخرى وهي الأولى في الغالب، ويظهر اهتمامًا خاصًا وفريدًا بالزوجة الجديدة هو الجور الذي حذر الله تعالى منه بقوله -جل شأنه-: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾ [النساء:3]، فتخصيص الزوجة الثانية بالهدايا والهبات والعطايا والمميزات والرحلة والتنقلات والاهتمام بأولادها ونسيانه للزوجة الأولى هو بعينه الجور والظلم الذي بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقوبته بقوله: "من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". رواه الترمذي.

الخطبة الثانية:  

لم ترد.