بدع شهر رجب

عناصر الخطبة

  1. من المحدثات في شهر رجب الحرام
  2. بطلان بدع رجب الحرام
  3. الحث على لزوم السنة النبوية
اقتباس

إن شهرَ رجبٍ الذي نعيش أيامه الآن هو أحد الأشهر الحرُمُ الأربعة، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثلاثة متوالية، ورجب الفرد، ولهذه الأربعة خصائصُ معلومةٌ تشترك فيها، وقد سميت حُرُماً لزيادة حرمتها قال الله تعالى: (إنَّ عدَّةَ الشُّهورِ عند الله اثنَا عَشَرَ شهرًا في كتاب الله يومَ خَلَقَ السموات والأرض منها أربعةٌ حُرُمٌ)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد:

أيها المؤمنون .. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبتَه في السر والعلانية؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير دينه ودنياه.  

عباد الله: إن شهرَ رجبٍ الذي نعيش أيامه الآن هو أحد الأشهر الحرُمُ الأربعة، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثلاثة متوالية، ورجب الفرد، ولهذه الأربعة خصائصُ معلومةٌ تشترك فيها، وقد سميت حُرُماً لزيادة حرمتها قال الله تعالى: (إنَّ عدَّةَ الشُّهورِ عند الله اثنَا عَشَرَ شهرًا في كتاب الله يومَ خَلَقَ السموات والأرض منها أربعةٌ حُرُمٌ) [التوبة: 36]

عباد الله: والواجب على كل مسلم اتجاه هذه الأشهر وغيرها أن يقوم فيها بما دلت عليه الشريعة، وثبت في السنة دون تجاوز أو تعدٍّ لذلك، إذ ليس لأحد من الناس أن يُخَصِّصَ شيئاً من هذه الأشهر بشيء من العبادات والقربات، دون أن يكون له مستندٌ على ذلك من أدلة الشريعة.  

عباد الله: وقد كان المشركون في الجاهلية يُعظِّمون شهر رجب، ويخصونه بالصوم فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما صومُ رجب بخصوصه فأحاديثه كلُّها ضعيفة بل موضوعة لا يَعتَمِد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل بل عامَّتُها من الموضوعات المكذوبات إلى أن قال -رحمه الله- صحَّ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يضرب أيديَ الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب، ويقول: "لا تُشَبِّهُوه برمضان"، ويقول: "إن رجب كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام تُرِك".

عبادَ الله: وفي شهر رجب يصلي بعض الناس صلاة معينة بصفة غريبة يسمونها صلاة الرَّغائب، يفعلونها في أول ليلة جمعة منه بين المغرب والعشاء، وهي بِدعَةٌ منكرة باتفاق أهل العلم، لم تُعرف إلا بعد القرن الرابع الهجري، وليس لها وجودٌ أو ذكر، قبل ذلك قال الإمام النووي -رحمه الله- وقد سُئِل عن صلاة الرغائب هل هي سنة وفضيلة أو بدعة؟ فقال -رحمه الله-: "هي بدعةٌ قبيحة منكرة أشدّ الإنكار مشتملة على منكرات فيتعين تركها والإعراض عنها وإنكارها على فاعلها، ولا يُغتَرْ بِكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان ولا بكونها مذكورةً في قوت القلوب وإحياء علوم الدين ونحوهما من الكتب؛ فإنها بدعة باطلة وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد" وفي الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح مسلم وغيره أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل بدعة ضلالة" وقد أمر الله -جلا وعلا- عند التنازع بالرجوع إلى كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 59]، ولم يأمر بإتباع الجاهلين ولا بالاغترار بغلطات المخطئين" انتهى كلام النووي -رحمه الله-. والنقولُ عن أهل العلم في هذا المعنى كثيرةٌ.

عباد الله: وفي شهر رجب يَفِدُ بعض الناس إلى المدينة النبوية المنورة بزيارتها بزيارة يسمونها الرَّجَبِية، يرون أنها من السنن، وهذه الزيارة المسمات بالرَّجَبِيةِ ليس لها أصل في كلام أهل العلم، ولا ريب -عباد الله- أن المسجد النبوي تُشَدُّ إليه الرحال في كل وقت وحين، لكن تخصيصُ شهر معين أو يوم معين لهذا العمل يحتاج إلى دليل خاص، ولا دليلَ هنا على تخصيصِ رجب بذلك، وعلى هذا فاتخاذ هذا سنةً يُتقَرَّبُ بها إلى الله في هذا الشهر بخصوصه؛ أمر محدث ليس عليه دليل في الشريعة.

عباد الله: وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب يقيمُ بعض الناس احتفالاً لذلك ويعتقدون أن تلك الليلة هي ليلةُ الإسراء والمعراج، وفي ذلك الاحتفال تُلقَى الكلماتُ، وتنشد القصائدُ وتتلى المدائح، وهو أمر لم يكن معهوداً ولا معروفاً في القرون المفضلة خيرِ القرون وأفضلِها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ولا يُعرفُ عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلةً على غيرها، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها، ولهذا لا يُعرف أيُّ ليلة كانت، ولم يقُم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عَشرها، ولا على عينها؛ بل النقول في ذلك منقطعةٌ مختلفةٌ ليس فيها ما يُقطع به، ولا شُرِعَ للمسلمين تخصيصُ الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء لا بقيام ولا بغيره" انتهى كلامه -رحمه الله-.

عبادَ الله: ولْيُعلَم أن حقيقة اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- هي التمسك بسنته فعلاً فيما فعل، وتركاً فيما تَرك، فمن زاد عليها أو نقص منها؛ فقد نقصَ حظُّه من المتابعة بحسب ذلك، لكن الزيادة أعظم، لأنها تقدم بين يدي الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تُقَدِّموا بين يَدَي الله ورسوله واتَّقوا الله إنَّ الله سميعٌ عليم﴾ [الحجرات: 1]

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ورزقنا لتباع السنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولزومَ هديه القويم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراَ.

أما بعد:

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في أحاديث كثيرةٍ الحثُ على لزوم السنة، والتحذيرُ من البدعة بجميع أنواعها وكافّة صورها، ومن تلكم الأحاديث العظيمة في هذا الباب: ما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وغيُرهما عن العرباض ابن سارية -رضي الله عنه- قال: "وعظَنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مُوَدِّع، فأوصنا، فقال -صلى الله عيه وسلم-: "أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة".

وتأملوا -رعاكم الله- قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً"، فهذا فيه إشارة إلى أن الاختلاف سيقع، والتفرقَ سيوجد في الأمة، وأرشد صلوات الله وسلامه عليه إلى المخرج من ذلك، وأن المخرجَ من التفرقِ والسلامةَ من الاختلاف إنما يكون بأمرين عظيمين وأساسين متينين لابد منهما الأولُ: التمسكُ بسنته -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا قال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، والثاني: مجانبةُ البدع والحذرُ منها، ولهذا قال: "وإياكم ومحدثاتِ الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

عباد الله: ولعِظم هذا الأمر وجلالةِ قدره وشدة أهميته وضرورة الناس إلى فهمه وشدة العناية به؛ كان صلوات الله وسلامه عليه في كل جمعة إذا خطب الناس أكَّد على هذا الأمر العظيم، ونوَّهَ به، وذلك في قوله: "أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".

فالواجب علينا -عبادَ الله- ملازمة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتمسك بهديه ولزوم غرزه، واقتفاء أثره، والحذرَ الحذرَ من كل البدع والضلالات بجميع أنواعها وكافَّةِ صورها، وأسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحيينا وإياكم على السنة، وأن يميتنا عليها، وأن يجنبنا الأهواءَ والبدَع، إنه سميع مجيب قريب.

وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين -أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي-.

وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان يا حي يا قيوم، اللهم انصرهم نصراً مؤزراً، وأيدهم بتأييدك، واحفظهم بحفظك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك اتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أَبرِم لهذه الأمة أمرَ رشدٍ يَعزُّ فيه أهل طاعتك، ويذلّ فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وإتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم إنا نسألك الهدى والسداد، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.