سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم – (15) الإسراء والمعراج – مشاهد وعظات – 3

عناصر الخطبة

  1. في رحلة المعراج آيات عظيمات وأحداث عجيبة
  2. عقوبة الكذب شديدة
  3. عندما يتنفس الإعلام كذبًا
  4. خطورة الكذب وشيء من عقوبته في الآخرة
  5. شر الكذب وأقبحه
  6. عقوبة من خالف عملُه قولَه
  7. سوء أحوال الزناة وشدة عذابهم في الآخرة
اقتباس

الكذب إخوة الإيمان: مفتاحُ كلِّ الرذائل، وباب كل الخبائث، فمن فتحه على نفسه أودى به لكلِّ داهية، ورمى به بكلِّ فاضحة، كفى بالكذاب عارًا وفضيحة أن يُدَوَّنَ اسمه عند الله -جل جلاله- في ديوان الكذَّابِين، نعم في السماء ديوان يُكتب فيه الكذابون، ويُنادى يوم القيامة بالكذاب.. وماذا عسانا نقول ونحن نسمع هذا الحديث وهذا الموقف وهذا المشهد منه -صلى الله عليه وسلم- في زمن الإعلام وافتراءات الإعلام، وتناقل الناس في وسائل الإعلام الجديد كل صغيرة وكبيرة دون تثبت أو تبيين، فخطورة الكذب هذا شيء من عقوبته في الآخرة…

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أفضل الصلاة والتسليم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: إخوة الإيمان! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والسعيد من راقب الله وأحسن تعامله مع ربه، واتبع هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فسلامة المنهج في اتباع هدي القرآن والسنة، وما أحوجنا والله في واقعنا المعاصر للالتزام والاعتصام بالقرآن والسنة وتتبع هديه -صلى الله عليه وسلم- بالنظر والوقوف في سيرته، واستلهام دروسها وعبرها، وتطبيقاتها المعاصرة.

 وقد كنا تحدثنا في الخطب السابقة عن المعجزة الربانية العجيبة رحلة الإسراء والمعراج، وأثرها في الإيمان بالغيبيات، وثبات القلب على التوحيد في زمن الإلحاد والشبهات، وذكرنا أنه قد جرت في هذه الرحلة آيات عظيمات، وأحداث عجيبة، ومشاهد لحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- غريبة، (الملائكة، الجنة، سدرة المنتهى، وما رآه في تلك الرحلة السماوية مما أطلعه الله -تعالى- عليه من عجائب القدرة الإلهية ما يكون تثبيتًا له على تحمل أعباء دعوته ورسالته، فنقلها لنا -صلى الله عليه وسلم- لأمته حبّاً ونصحاً، وتحذيراً وإنذاراً.

 ولقد تحدثنا بالخطب الماضية عن سبع آيات من هذه الآيات من مشاهداته -صلى الله عليه وسلم- أثناء رحلته في الإسراء والمعراج:

الآية الأولى: موقف ماشطة بنت فرعون، والثانية: الزرع والحصاد من المجاهدين في سبيل الله وجزاؤهم عند ربهم، والثالثة: المتثاقلون عن أداء الصلاة ورضخ رؤوسهم. والرابعة: رؤية الجنة ومقامه -صلى الله عليه وسلم- في جنة عدن، ورؤيته أنهار الجنة.

والخامسة: شربة اللبن التي شربها -صلى الله عليه وسلم- وهي دلالة على أن الإسلام دين الفطرة. والآية السادسة: نهر الكوثر. والآية السابعة: حال المغتابين، أكلة لحوم البشر.

واليوم نواصل استعراض بعض هذه المشاهد مما وقف عليه -صلى الله عليه وسلم- في تلك الرحلة العجيبة الغريبة، الآية الثامنة: عقوبةُ الكذب، كما في الحديث المتفق عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَمَرَّا بِي عَلَى رَجُلٍ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ -أي: حديدة معطوفة- مِنْ حَدِيدٍ، فَيُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ فَيَشُقُّهُ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ فَيُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ الْآخَرِ، وَيَلْتَئِمُ هَذَا الشِّدْقُ، فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا:انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا"، ثم فسَّر جبريلُ -عليه السلام- هذا الْمَشهد لنبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي رَأَيْتَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ كَذَّابٌ، يَكْذِبُ الْكَذِبَةَ فَتُحْمَلُ عَنْهُ فِي الْآفَاقِ، فَهُوَ يُصْنَعُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ اللَّهُ بِهِ مَا شَاءَ" (رواه البخاري: 7047، ومسلم: 2275).

وماذا عسانا نقول ونحن نسمع هذا الحديث وهذا الموقف وهذا المشهد منه -صلى الله عليه وسلم-  في زمن الإعلام وافتراءات الإعلام، وتناقل الناس في وسائل الإعلام الجديد كل صغيرة وكبيرة دون تثبت أو تبيين، فخطورة الكذب هذا شيء من عقوبته في الآخرة، يشقق شدقيه بخطاف مدبب من حديد، ثم يجذب للخلف حتى يتمزق النصف الأيمن من الوجه، ثم يغرس الخطَّاف مرة أخرى، ثم يجذب حتى يتمزق الجانب الأيسر من الوجه، وهكذا يتكرر الأمر حتى تقوم الساعة، نعوذ بالله من حال الكذابين.

 وحال هؤلاء، عقوبة بشعة تناسب حال الكذَّاب، فالكذب من صفات المنافقين،كما قال عليه الصلاة والسلام: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ.." (رواه البخاري 33، ومسلم 107).

الكذب إخوة الإيمان: مفتاحُ كلِّ الرذائل، وباب كل الخبائث، فمن فتحه على نفسه أودى به لكلِّ داهية، ورمى به بكلِّ فاضحة، كفى بالكذاب عارًا وفضيحة أن يُدَوَّنَ اسمه عند الله -جل جلاله- في ديوان الكذَّابِين، نعم في السماء ديوان يُكتب فيه الكذابون، ويُنادى يوم القيامة بالكذاب؛ كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا" (رواه البخاري: 6094، ومسلم: 2607).

وشرُّ الكذب إخوة الإيمان، شر الكذب عندما يُكذب على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، عندما نتناقل الأحاديث الموضوعة المكذوبة في تغريداتنا وفي وسائل اتصالنا دون تبيين، "مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ" الذي اخترع الكذب والذي نقل هذا الكذب دون تبين ودون تمحيص.

شر الكذب: الكذب على الله ورسوله ،كما قال -تعالى- ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ(70)﴾ [يونس/69:  70].

وكما قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبِ أَحَدِكُمْ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (رواه البخاري: 1291، ومسلم: 4)، عندما نتناول الأحاديث وعندما نتناقل الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، علينا نمسك قليلاً، وأن نتثبت من صحة هذا الحديث، لا يجوز لك أن تنشر حديثا أو أن تعيد نشر حديث لم يتبين لك صحته مهما كان الأمر، لا يجوز لك أن تنشر حديثا وأنت لا تعلم أن هذا الحديث قد نُسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صحة، "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبِ أَحَدِكُمْ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (رواه البخاري: 1291، ومسلم: 4).

 فإذا كانت هذه العقوبة البشعة، والعذاب الأليم جزاءً لمن كذب على البشر؛ فكيف بعقوبة من كذب على الله ورسوله، نعوذ بالله من الكذب كله، دقه وجله، خلال النفاق كلها.

وأما الآية التاسعة، فهي: عقوبةُ من خالف عملُه قولَه،كما في الحديث المتفق عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِذَا رَجُلٌ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ فِهْرٌ -أي:حجر-، أَوْ صَخْرَةٌ، فَيَشْدَخُ –يكسر- بِهَا رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَ الْحَجَرُ -أي: يتدحرج-فَإِذَا ذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ عَادَ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، فَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ، قال: فَقُلْتُ:مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا".

ثم فسَّر جبريلُ -صلى الله عليه وسلم- هذا الْمَشهد لنبينا -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ مُسْتَلْقِيًا، فَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ بِالنَّهَارِ، فَهُوَ يُفْعَلُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (رواه البخاري : 7047، ومسلم: 2275).

فقد أَطلع الله -سبحانه- نبيه -صلى الله عليه وسلم- على عقوبة حامل القرآن الذي لا يقوم الليل، ويخالف شريعته بالنهار، فحامل القرآن لا يليق به أن ينام مع النائمين، فحاملو القرآن خير الناس بعد الأنبياء، ولما كانوا مسعودين بأعظم نعمة بعد نعمة الإسلام؛ وهي نعمة القرآن؛ كانوا في المقابل أكثر الناس مسئولية بعد الأنبياء،كما قال -تعالى-: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 176].

فاللهم ارحمنا برحمتك، ولا تؤاخذنا بضعفنا وتقصيرنا يا أرحم الراحمين.

وأما الآية العاشرة مما شاهده -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج: ما أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "فَإِذَا بَيْتٌ مَبْنِيٌّ عَلَى بِنَاءِ التَّنُّورِ، أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ، وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يُوقَدُ تَحْتَهُ نَارٌ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَإِذَا أُوقِدَتْ ارْتَفَعُوا حَتَّى يَكَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا لِيَ: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْتُ"، ففسَّره له جبريلُ -عليه السلام- قائلًا: "وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتَ فِي التَّنُّورِ فَهُمُ الزُّنَاةُ"(رواه البخاري: 7047، ومسلم: 2275).

سبحان الله! مشاهده -صلى الله عليه وسلم- في رحلته كلها تشير إلى أمور جسام لا يكاد يسلم منها البشر في هذا الزمان، وأيُّ أمرٍ أعظمُ من الزنا الذي حذر منه -صلى الله عليه وسلم- فقال:"لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا،.." (رواه ابن ماجه 4019، وحسنه الألباني).

 ويا سبحان الله ما أكثر ما نسمع عن الأوبئة الجنسية كالزهري، والسيلان، والإيدز الذي يحصد أرواح نحو مليوني شخص سنوياً في العالم،كما يتسبب سنويًا بإصابة (2.7) مليونين وسبعمائة ألف شخص في العالم، وكل يومٍ يظهر فيروس جديد لا علاجَ له حتى قال أحد المتخصصين:"الفيروسات أكثر تقدمًا من البشر" (أخبار مصر18/8/2014).

 فاللهم جنبنا الفواحش، والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 ولبقية المشاهد العجيبة لليلة الإسراء والمعراج حديث قادم بمشيئة الله، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.