التفاؤل

عناصر الخطبة

  1. أهمية التفاؤل وحاجتنا لتطييب الحياة به وبالمتفائلين
  2. أخذ النبي الكريم بالتفاؤل وتربيته لأصحابه عليه
اقتباس

إن التفاؤل دواء بلا أعراض، وشفاء لكثير من الأمراض، لا تصلح الحياة إلا به، ولا يستريح الإنسان إلا بسلوك طريقه، ولا طريق أقرب للفرج من طريقه.. التفاؤل يجعل من الحياة رحبةً فيْحاء، وروضةً غنّاء، ويزرع في …

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق القول كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس: متفائلون؟ متفائلون؟ نعم، متفائلون!

رغم الجراح ورغم أنّات الألمْ *** متفائلون.. وإن تجبّر من ظَلَمْ

رغم الدجى يكسو جوانبَ أفْقنا *** متفائلون.. بما يُزيح دجى الظُلَم

رغم المصائب والكروب فإننا *** متفائلون.. بفجر يُسرٍ في القمم

لا نستكين ولا نلين لجرحنا *** أبداً ففينا روحُ دهرٍ من هِمَم

متفائلون بتوبةٍ مقبولةٍ *** تُنجي مطيّتنا لروضٍ من نِعَم

متفائلون بربِّنا متفائلو *** ن بصبرنا متفائلون بلا سأم

والله ما هلك الأنامُ إذا اتقوا *** قسمًا برب العرش يتبعه قسم

أيها المسلمون: إن التفاؤل دواء بلا أعراض، وشفاء لكثير من الأمراض، لا تصلح الحياة إلا به، ولا يستريح الإنسان إلا بسلوك طريقه، ولا طريق أقرب للفرج من طريقه.

التفاؤل يجعل من الحياة رحبةً فيْحاء، وروضةً غنّاء، ويزرع في القلوب البهجة، وعلى الشفاه البسمة، وعلى الوجوه النضرةَ والإشراق.

والمتفائلون أصح الناس أجسامًا، وأصفاهم أحلامًا، وأسماهم أرواحًا، وأكثرهم جهداً، وأتقنهم أعمالاً، يرون من اشتداد الألم قربَ العافية؛ كما يرون من اشتداد الليل قرب الصباح؛ فهم نجوم الحياة التي لا تنطفئ، وبُناة صرحها الشامخ الذي يسمو ويتلألأ مع الشمس الحارقة.

لا تستمر الحياة ولا تطيب إلا بالتفاؤل والمتفائلين؛ كما أنه لا استقرار لها إلا بالصلاح والمصلحين.

أيها الإخوة الفضلاء: لئن قال القائل في هذه الأيام -لصدقَ وصُدِّق-: قد مسنا الضر، وأحاط بنا البلاء، وتعدّدت مصائبنا، وضاقت معايشنا، نعم، هذا غيض من فيض، وجزء من كُلٍّ مما أصاب الناس، ولكن؛ مع كل ما يبدو من الآلام والمآسي والشحوب على جبين الواقع المرير، يبقى الإيمان الصادق، والرجاء المستمسك بزمام التفاؤل ينقذان أهلهما من الخرور إلى منحدرات اليأس، والانهيار إلى قاع الجزع.

فالحياة الدنيا غير مستقرة على حال، وزمانها ليس مكانًا لدوام السعادة وطِيبِ العيش؛ فتقلّب أحوالها وتبدّل أطوارها هو صفتها الدائمة، ولا راحة من أكدارها وأحزانها إلا بخروج المؤمن منها، قال -تعالى-: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾[فاطر:33]، ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾[فاطر:34]؛ غير أن السير فيها على مركب التفاؤل ينجي أهله من الغرق في أوحال كروبها وشقائها.

أيها المسلمون: إننا بحاجة شديدة للتربية على التفاؤل والعيش به، نربي أنفسنا وأهلنا وأولادنا على التفاؤل ونعيش به، ولنا في هذا السبيل قدوةٌ حسنة، شهد الله له بذلك؛ فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[الأحزاب:21].

لقد كان رسولنا محمد -عليه الصلاة والسلام- قدوةً في قوله وفعله، ومن جوانب القدوة فيه: أخذه بالتفاؤل وتربية الناس عليه؛ فقد كان التفاؤل خصلة من خصاله، وخلقًا من أخلاقه، وربى أصحابه على ذلك، حتى صاروا بعدُ دعاة التفاؤل، وعُداةَ القنوط والتشاؤم.

لم تكن المرحلة التي عاشها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مرحلةَ رغد عيش، ودعة وسكون، بل كانت حقبة مملوءة بالابتلاء والتمحيص، والتضحية والبذل، والمعاناة والجهاد؛ ولقي فيها وأصحابه من الشدة ما لقوا، وتجمع عليهم الأعداء على اختلاف مللهم ونحلهم من كل حدب وصوب، وفي خضم هذه الظلمات الكثيفة، كان لسان رسول الله وألسنة أصحابه وفعاله وفعالهم تشرق بالتفاؤل وحسن المستقبل، وكانت نفوسهم عاملة في سوق الصبر والمصابرة، والجد والمثابرة؛ فما كلّت ولا ملّت، ولا يئست ولا قنطت، ولا شكّت ولا ارتابت.

وحينما يبلغ الضر بأحدهم مَداه يأتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فينفخ فيه روحَ التفاؤل؛ فيصبح العذاب عذوبة، والشدة مغتسلاً باراً وشرابًا، يطهّر به نفسَه من درن الجزع والألم، فيتسامى على الجرح، ويضحك ساخراً بالجارح الذي قد كساه الظلمُ الإرهاقَ والكلل من كثرة الظلم.

روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: “كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله! لَيتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون“.

ففي هذا الحدث يخفف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطأة البلاء الذي نزل بأصحابه بإشراقات التفاؤل والأمل، حتى لا يزورهم اليأس والضعف والاستسلام لترغيب الأعداء وترهيبهم، فيذكر لهم الاعتبار بالماضي؛ فيقول: “كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه“، ويبشرهم بأمل المستقبل فيقول: “والله! ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه“.

وكان يمرّ على بعض أصحابه -كأسرة ياسر رضي الله عنها- وهم يُعذَّبون فيقول: “صبراً آل ياسر! فإن موعدكم الجنة“(رواه الحاكم والبيهقي).

وفي السياق نفسه كانت الآيات القرآنية تتنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيها من البشائر والآمال لهذا الدين وأهله بالنصر والغلبة والتمكين والفرج، وزوال الكربة والشدة، فيتلوها عليهم فتنشرح لها صدورهم، وتطمئن بها نفوسهم، وتهتك أحجبة الألم والقنوط أمام أعينهم، قال -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ(173)﴾[الصافات:171-173]، وقال: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾[غافر:51].

ومن ضمن آيات التطمين والانشراح: أخبار الأنبياء -عليهم السلام- وكيف نجاهم الله -تعالى- ونصرهم، وغلبَ أعداءهم وقهرهم، ولم يوصلهم إلى آمالهم في عباده الصالحين، قال -تعالى- عن نبيه موسى -عليه السلام-: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)[الشعراء:61-67].

أيها المسلمون: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكتفِ بنقل الصحابة -رضي الله عنهم- على أفق التفاؤل إلى البشرى القريبة، بل نقلهم إلى البشرى البعيدة التي لا يدركونها؛ لكي يوقنوا بانتصار هذا الدين على كل ما خالفه ووقف في طريق نوره، ولكي يزدادوا تفاؤلاً ويقينًا بانقشاع سحابة الابتلاء التي تظلّهم؛ فيقول -عليه الصلاة والسلام-: “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ الا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر“(رواه أحمد).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مدينة هرقل تفتح أولا“(رواه أحمد).

وبينما يشتد في مكة الإيذاءُ، ويتضاعف على الصحابة الكرام البلاء، يشرقُ فرجُ الله -تعالى- بالهجرة إلى المدينة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر صحابته بذلك فيقول: “قد أُرِيتُ دار هجرتكم: سبخة ذات نخل بين لابتين“(رواه البخاري).

أيها الأحبة الأفاضل: وتبتدئ مواكب الهجرة السامية إلى المدينة، فتطوي صفحة البلاء والعناء في مكة، وتفتح صفحة من الفرج والهناء في المدينة، فتغادر الجماعة المؤمنة مكةَ زرافات ووحدانًا، حتى جاء الإذن لسيد المرسلين بالخروج بنفسه ساقةً للمهاجرين، وخاتمةً لطلائع المؤمنين.

لكن ذلك الهناء في المدينة لم يكتمل؛ فهناك أعداء كُثر يتربصون برسول الله والمسلمين، وعلى ظهور الثلة المؤمنة حِملٌ ثقيل يتمثّل في تبليغ هذه الدعوة إلى أرجاء المعمورة، ولن يصلوا إلى هذه الأمنية العظيمة إلا على جسور من التعب والعناء؛ فلذلك واصلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- معهم دروسَ التفاؤلِ، وحسنِ الظن قولاً منه وعملاً.

ففي يوم الأحزاب ومعركة الخندق يتقاطر أعداءُ الله ورسوله والمؤمنين من أماكن متعددة حتى يصلوا قريبًا من المدينة فيفرضوا عليها حصارًا مطبقًا بعشرة آلاف مقاتل من الخارج سوى غَدَرةِ اليهود من الداخل، فيشتد البلاء بالمؤمنين ويخنقهم الكرب، ويحاصرهم العناء؛ كما قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)﴾[الأحزاب:9-11].

وفي ظلام هذه الشدة الداجية يشرق ضياء الأمل من فم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقتبس منه درسًا في التفاؤل يصل إلى آذان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد ورد عند أحمد والنسائي بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال: “لما كان حين أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاء فأخذ المعول فقال: “بسم الله،” فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: “الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة“، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: “الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض”، ثم ضرب الثالثة وقال: “بسم الله”، فقطع بقية الحجر فقال: “الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة“.

فاستبشر الصحابة خيراً، وفرحوا بهذه البشائر الصادقة؛ فكانت هذه الكلمات المتفائلة شحنةً إيمانية قوية وصلت قلوبَ المؤمنين، ولم تكن كذلك في قلوب المرجفين المنافقين أصحابِ الشك والريب، قال -تعالى-: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾[الأحزاب:12].

وهكذا ظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يربي صحابته الكرام على الاستمساك بحبل التفاؤل، وهي تربية للأمة كلها؛ فعاش المصدقون المتفائلون في اطمئنان وعمل، وعاش المشككون اليائسون في قلق وكسل.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:

عباد الله: إن تلك الكلمات المنيرة، والمواقف المشرقة بنور التفاؤل التي انبثقت من أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله تربي الأمة على التفاؤل دائمًا، مبيِّنة لها أن الليل إذا كثف ظلامه أذان بميلاد الفجر، والحبل إذا اشتد انقطع، وأن العسر يتبعه اليسر حتى يدركه، قال -تعالى-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5-6].

اشتدي أزمةُ تنفرجي *** قد آذن ليلك بالبلج

فأيقنوا -معشر المسلمين- أنه لا بقاء للشدائد، ولا إقامة للمصائب؛ فالفرج والعافية أقرب للعبد من ذلك، قال علي -رضي الله عنه-: “عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حِلَق البلاء يكون الرخاء“.

هذا وصلوا على النبي المختار…