حقوق الإنسان في الإسلام

عناصر الخطبة

  1. من مظاهر التكريم الرباني للإنسان
  2. حاجة العالم لسماع صوت السماء
  3. المقصود بحقوق الإنسان الحقيقية
  4. بعض حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام
  5. مصادر حقوق الإنسان في الإسلام
  6. كيل الغرب بمكيالين في مجال حقوق الإنسان
  7. دعوة الإسلام للعدالة لا للمساواة المطلقة المستحيلة
اقتباس

إن قضية “حقوق الإنسان”، أشغلت العالم اليوم بجميع أممه ودوله ولا تزال، وهي قضية كبرى، ومسألة عظمى، جديرة بالبحث والدراسة والعناية والرعاية من وجهة النظر الشرعية الإسلامية، ذلك أنّ تسلط العالم الغربي واستبداده، فرض هيمنته الفكرية والإعلامية على كثير من دول العالم، مع ماخالطه من ظلم وتهميش للمسلمين.

الحمد لله الذي كرّم الإنسان بالتوحيد والإيمان، وعلمه البيان، ومَيّزه بالعقل على سائر المخلوقات، فجعله يعيش بهدف سامٍ، وجَعَله مُفكِّراً، يَسمو بِفكره، ويُعمِل عقله؛ لذا قال الله -سبحانه-: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء:70].

  هذا التكريم الرباني هو في الأصل للأصل، أي لِجنس النوع الإنساني، إلا أن الإنسان بِنفسه يسمو بالإيمان، أو يَنحطّ بانعدامه.

فمن مقتضى تكريم الله الإنسان تحريم إهانته وإذلاله بغير حق، بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو بلده، فهذا حق كفله الإسلام لبني آدم كلهم.

وقد جَعَل الله له اختياراً، وأعطاه عقلاً، وأوضح له السَّبيل، وأبَان له الطريق: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان:3].

ومِن عدل الله وحِكمته أن أرسل الرُّسُل، وأنْزَل الكُتب، وأقام البيّنات، ونَصَب الأدلّـة على وحدانيته.

عباد الله: إن قضية "حقوق الإنسان"، أشغلت العالم اليوم بجميع أممه ودوله ولا تزال، وهي قضية كبرى، ومسألة عظمى، جديرة بالبحث والدراسة والعناية والرعاية من وجهة النظر الشرعية الإسلامية، ذلك أنّ تسلط العالم الغربي واستبداده، فرض هيمنته الفكرية والإعلامية على كثير من دول العالم، مع ماخالطه من ظلم وتهميش للمسلمين.

ومن جهة أخرى فإن مبادئ "حقوق الإنسان" السائدة في العالم، قد أعدَّها وصاغها ساسة العالم الغربي، فهي من نتاج ثقافته وأفكاره، التي تقوم على أساس الحرية المطلقة -غير المنضبطة- في جميع ميادين الحياة.

الممعن في النظر لعالمنا اليوم يرى أنه عالم غارق في أوحال المادية، والذي أصبح في حاجة ماسة إلى من يُسمعه صوت السماء، وينقذه من الضياع، ويشق له الطريق إلى السلام الآمن من غير خوف، ضمن أسرة دولية إنسانية واحدة، جعلهم الله -سبحانه وتعالى- شعوباً وقبائل؛ ليتعارفوا، وليتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، كما قال -تعالى-: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]؛ لأن التعاون على الإثم والعدوان يمحو كل كرامة للإنسان.

فالمقصود بحقوق الإنسان الحقيقية: (تلك المبادئ والقوانين العامة التي اتفقت عليها الأديان والقوانين الدولية فيما يتعلق باحترام الإنسان في مجال عقيدته، وحريته، وثقافته، وفي مجال حقوق المرأة والطفل، والقضايا السياسية، وحرية التفكير… وهي حقوق كفلتها الشريعة الإسلامية، وجميع الأديان، والقوانين الدولية)، ويخرج منها ما خالف الشرع.

عباد الله: إن الإسلام اعتبر المرأة النصف الآخر للإنسان، فبوأها مكانة سامية، وأكرمها بنتاً، وزوجةً، وأماً؛ فأعطاها حق الحياة كالرجل، والتصرف بالملكية، وحق العمل الشريف الذي يحفظ كرامتها، والعودة الصحيحة إلى الشرع الحنيف والاستفادة منه في بعض القضايا والمعضلات التي تخص المرأة.

أيها المسلمون: هذا هو دينكم العظيم، دين العدل، دين الحرية، دين الكرامة، دين الحضارة، دين الانسانية؛ هذا دينكم الذي يحفظ للمواطن كرامته، وعقيدته، وماله، وعرضه، ويعطيه حقوقه، ويمنحه حرية الكلمة، ويشجعه على قول الحق والصدق.

هيَّا لنضع النقاط على الحروف بالتعريج المختصر عن أهم حقوق الإنسان في الإسلام وفاءً لعظمة الإسلام وكرامة للإنسان.

أولاً: حق الحياة: لقد كرم الله الإنسان على سائر مخلوقاته فقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، وميزه على سائر مخلوقاته فسخر له السموات والأرض، قال -تعالى-: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [لقمان:20].

سخر ذلك وهيأه لقيام حياة كريمة للإنسان، تحفظ فيها حرمته وروحه، لا يعتدي على هذه الروح أحد بقتلها وإزهاقها؛ فحرم الإسلام القتل، واعتبره جريمة ضد الإنسانية كلها.

وعدَّ إنقاذ النفس الإنسانية وحفظها من الهلاك والإزهاق نعمة على الإنسانية، فقال -تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾ [الإسراء:33]. وقال -سبحانه-: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة:32].

ويعبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك المعنى أصدق تعبير، يقول: "لَزَوالُ الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" رواه الترمذي بسند صحيح.

ومن حقوق الإنسان في الإسلام عدم الاعتداء عليه اعتداء معنويا، فيحرم تنقص الإنسان والوقوع في عرضه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الحجرات:11].

ثانيا: حق الأمن: جاء الإسلام بالتأكيد على حقوق تكفل الحياة الكريمة والعيش في أمن وأمان، فلا يجوز التعرض له بالقتل، كما لا يجوز الاعتداء على جسده بالضرب، أو إتلاف جزء من أجزائه بالجرح أو القطع.

كما حذر الإسلام من الاعتداء بأي شكل آخر من أشكال الاعتداء على المشاعر بالسب والشتم والاحتقار والتخويف والازدراء وظن السوء به ونحو ذلك، فأراد الإسلام للإنسان أن يمارس حقه في الحياة في أمن وطمأنينة؛ لذا قرر جملة من الأحكام والعقوبات التي تكفل للإنسان حماية من كل ضرر أو اعتداء عليه، ليتسنى له أن يمارس حقه في الحياة الحرة الآمنة، قال -تعالى-: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة:45]، وقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة:178].

ثالثا: حق المسكن وحرمته: حفظ الإسلام للإنسان حق السكن، بل وكفل له الأمن في مسكنه؛ لأنه مأواه، ومكمن سره، ومكان راحته وطمأنينة نفسه.

فالسكن من الأمور الأساسية لضمان حياة كريمة، تبعده عن عوارض الكون، كحَرِّ الصيف وبرد الشتاء.

ضَمِن الإسلام هذا الحق لكل سكان الدولة الإسلامية من المسلمين وأهل الذمة، فكفل ذلك الحق لكل فرد من أهل الذمة، كما يكلفه تماماً لكل فرد من المسلمين.

فلا يجوز لأحد أن يدخل مسكناً إلا بإذن صاحبه، قال -تعالى-: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا…﴾ [النور:27]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استأذن ثلاث مرات فإن أُذن له وإلَّا فليرجع" أخرجه البخاري، وقوله: "لو اطلع في بيتِكَ أحَدٌ ولم تأذن له فحذفته بحصاة، ففقأت عينه، ما كان عليك جناح" أخرجه البخاري.

رابعا: حق التعليم والتعلم: وقد كانت أولى آيات القرآن الكريم دعوة للقراءة والمعرفة، قال -تعالى-: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)﴾ [العلق:1-3].

كما قدر القرآن مكانة العلم والعلماء، قال -تعالى-: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9].

وإننا لنرى في الإسلام منزلة الجهاد والمجاهدين، وكم حث الإسلام على الجهاد، إلا أنه جعل طلب العلم والتعليم مبرراً كافياً للتخلف عن الجهاد إذا لم يتعيّن، أي الجهاد، قال -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة:122]، فهو حق كفله الإسلام لأفراد الدولة، وحثهم على طلبه في شتى فروعه المختلفة، وعلومه المتنوعة، ما لم يكن ضاراً بالمجتمع، أو لم يترتب على اكتسابه مصلحة.

وقد ضمنت الدولة أن تسهل سبل طلب العلم وتحصيله فهو من الضروريات، فأناط الإسلام بها مسؤولية نشر العلم، والقيام على أمره، وتمكين جميع المواطنين منه.

وقد بلغ اهتمام الإسلام بالعلم وحرصه على تعميمه أن جعل إحدى الوسائل المؤدية إلى الإفراج عن الأسرى قيام كل واحد منهم تعليم عدد من أبناء المسلمين، وهذا ما وقع في غزوة بدر.

خامسا: حق العمل: كفل الإسلام الحق في العمل لكل فرد، وفي تولي الوظائف العامة في الدولة الإسلامية لجميع الأفراد الذين يعيشون في كنف هذه الدولة دونما تفرقة أو تمييز بينهم لأي اعتبار كان سوى اعتبار الكفاءة والاقتدار والنزاهة، ومؤدى ذلك أن لكل فرد الحق في العمل الذي يتفق مع قدراته وميوله.

ومن مظاهر حث الإسلام على العمل ما جاء في كتاب الله من قوله: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" أخرجه البخاري.

وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام لم يكتف بكفالة حق العمل؛ بل حدد ووضع ضمانات لحماية هذا الحق، وتنظيم ممارسته وفقاً لمعايير عادلة وإنسانية.

ومن أمثلة هذه الضمانات: النهي عن اللجوء إلى السخرة وفرض العمل قسراً على أي فرد دون رغبة أو رضا، كما حث على إعطاء العامل أجره دون تأخر.

سادسا: حق التنقل وحرية السفر: التنقل حق للإنسان في داخل بلده، وكذلك السفر خارجه بحرية تامة دون عوائق تمنعه من هذا الحق، إلا إذا تعارض مع حق غيره أو حقوق الجماعة.

فلا تقوم حياة إلا بالحركة، وهي وسيلة للعمل، والعمل وسيلة للكسب، والكسب وسيلةٌ للحياة، وقوام الحركة التنقل بالغدو والرواح.

فقد أقر الإسلام حرية التنقل مطلقة في المباحات، والسفر للتجارة والتكسب وغير ذلك؛ قال -تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15].

وقد أوقع الإسلام أشد العقوبة بمن مس أمن وحرية الأفراد في التنقل بين أرجاء الدولة أو من دولة إلى أخرى، قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة:33].

سابعا: حق التملك: عمد الإسلام إلى إقرار حق الفرد في التملك، والتملك يمثل النظام الذي قامت عليه حياة المجتمعات على تعدادها، واستقرت عليه نظمه الاقتصادية على اختلافها، فلا شبهة في تقرير هذا الحق الواضح الصريح في الإسلام، ولا شبهة كذلك في أنه قاعدة الحياة الإسلامية، قال -تعالى-: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء:32].

والإسلام لا يدع حق الملكية مطلقاً دون تقييد أو ضوابط؛ بل نظمه بطريقة تحقق مصلحة الفرد والجماعة، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج:24-25].

كذلك أحاط الإسلام ملكية الفرد بسياج قوي من الحماية، وفرض عقوبات قاسية على كل معتد عليها أياً كانت صورة هذا الاعتداء.

ثامنا: الحق في حرية الاعتقاد: فالحق في حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل أفراد المجتمع من الحقوق التي أقرها الإسلام، وتحقيقاً لهذا الحق رفع الإكراه عن الإنسان في عقيدته، قال -تعالى-: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة:256].

فالعقيدة الإسلامية سبيلها الأمثل الاقتناع، فهى لا تقبل الإكراه، والعقل هو الذي يقرر قبوله لها فترسخ في الفؤاد، وليس الإكراه من سبيل إليها.

ولو كان الإسلام يعتمد العنف والقهر والإكراه لترسيخ عقيدته في النفوس فلن يكون هناك أقوى ولا أغلب ولا أقهر من الله -تعالى-، قال -تعالى-: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:99].

وعلى هذا المبدأ سار المسلمون في معاملتهم وحروبهم مع أهل الأديان الأخرى، فكانوا يبيحون لأهل البلد الذي يفتحونه أن يبقوا على دينهم مع أداء الجزية والطاعة للحكومة القائمة، وكانوا في مقابل ذلك يحمونهم ضد كل اعتداء، ويتركون عقائدهم وشعائرهم ومعابدهم، ففي حديث بريدة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله، فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال-، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم" رواه مسلم.

تاسعا: حق التعبير عن الرأي: وهذا يدخل ضمن نطاق الحقوق والحريات الأساسية للإنسان في الإسلام الذي كان له فضل كبير في التأكيد على أهميتة، فلم تكتف الشريعة الإسلامية باعتبار إبداء الرأي والتعبير حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان، وإنما اعتبرته أيضاً أحد الواجبات الأساسية التي يتعين على الفرد المسلم الاطلاع بها.

فالمسلم ملزم بذلك طالما اقتضى الأمر ذلك، فالساكت عن الحق -أي عن قول الحق- شيطان أخرس.

كما حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على ممارسة حقهم في التعبير وفي إبداء الرأي وعدم التردد.

فقد أقر الإسلام هذا الحق في أوسع نطاق، لمنح كل فرد الحق في النظر والتفكير وإبداء رأيه بطرق سليمة وواضحة.

عاشرا: حق الضمان الاجتماعي: يقوم المجتمع الإسلامي أساساً على التضامن والإخاء، قال -تعالى-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]، وقال -تعالى-: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:3]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" أخرجه البخاري.

ويتحقق الضمان الاجتماعي في شريعة الإسلام على كافة المستويات وشتى الصور، أولها تكافل الأسرة في النفقة والإرث والوصية.

قال -تعالى-: (وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأنفال:75، الأحزاب:6]، يأتي بعد هذا التعاون حق الجوار، قال -تعالى-: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾ [النساء:36].

وتتسع دائرة الضمان الاجتماعي إلى تعاون المجتمع بعضه مع بعض، وذلك عن طريق الصدقات الواجبة، قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60]، وصدقات التطوع، قال -تعالى-: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة:245].

الحادي عشر:حق التفكير في الظواهر العلمية (الكونية): فقد منح الإسلام الإنسان الحق في التفكير بحرية في ظواهر الكون من فلك وطبيعة وإنسان وحيوان ونبات، والأخذ بما يهديه إليه تفكيره، وما يقتنع بصحته من نظريات.

فالإسلام لم يحاول مطلقاً أن يفرض نظرية علمية معينة بصدد أية ظاهرة من ظواهر الكون؛ بل حث على النظر في ظواهر الكون والتأمل فيها واستنباط قوانينها العامة؛ قال -تعالى-: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾ [الغاشية:17-20]، وقال -تعالى-: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:185].

الثاني عشر: الحق في احترام إنسانية الإنسان: وذلك فيما يتصل بالآداب الإنسانية في الحياة وبعد الممات، فقد روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: مرت جنازة فقام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقمنا، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي! فقال: "أوليست نفساً؟ إذا رأيتم الجنازة فقوموا".

الثالث عشر: الحق في احترام العهود والمواثيق وعدم النكث بها: أوجب الإسلام على المسلمين أن يحترموا كل عهد وميثاق أبرموه مع أي طرف كان، وأن لا يعتدوا على قومٍ بينهم وبينهم ميثاق ما لم ينقضوا شيئاً منه أو يعينوا على المسلمين غيرهم.

وقد ذكر الله ذلك في قوله -تعالى-: ﴿إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:4].

ولقد ضرب خلفاء المسلمين وقادتهم أمثلة فريدة في الوفاء بالعهد تمتلئ بها كتب السير والتاريخ.

الرابع عشر:حق الجوار للمستجير: وحق الجوار للمستجير حفظه الإسلام وقرره، وإن كان المستجير كافراً؛ بل ومحارباً، فأوجب على المجير المؤمن التزامات قررها القرآن حيث قال: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:6]، فحق اللجوء الذي يعطى للمشرك إنما يعزز رسالة الأمة، ويظهر سماحة الدين، ويهيئ المناخ الصالح والفرص الملائمة لإبلاغه.

وعليه؛ فهذه كلمات موجزة عن حقوق الإنسان في الإسلام، يظهر لنا من خلالها أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة، وأوسع باب.

والإسلام حين أقر تلك الحقوق لم يغفل الجانب الغريزي في الإنسان من حب السيطرة والاستيلاء والاستزادة، فالناس جميعاً في نظر الإسلام أصحاب حقوق وحريات ما لم تصطدم بالخير، أو بحق الغير.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي دبر الأنام بتدبيره القوي، وقدر الأحكام بتقديره الخفي، وهدى عباده إلى الرشاد، وأنطقهم بألسنة حداد، وجعل مصالح معاشهم بالعقول محوطة، ومناجح معادهم بالعلم منوطة، فضّل نبيه بالعلم تفضيلا، وأنزل عليه القرآن تنزيلا، صلى الله عليه وعلى آله كنوز الهدى، وعلى أصحابه بدور الدجى.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

في الإسلام؛ الشريعة هي مصدر حقوق الإنسان، فالحقوق مأخوذة منها، سواء من نصوص خاصة أو من نصوص عامة أو من القواعد العامة للشريعة، فما تقرره فهو الحق، وما تنفيه فليس حقا وإن رآه الغرب حقا.

الغرب يتعامل بحقوق الإنسان حسب الهوى، فتجد أن شعوبه في الجملة تعطى شيئا من تلك الحقوق، لكن إذا تعلق الأمر بغيرهم فتنتهك حقوق الشعوب، وتحتل البلدان، وتنهب خيراتها، ويقتل الأبرياء، هذه هي البلاد التي تتشدق بحقوق الإنسان، وما احتلال العراق وأفغانستان عنا ببعيد، وسكوت الغرب عن مجازر المسلمين في الشام وبورما وغيرهما دليل على الإفلاس من حقوق الإنسان.

فحقوق الإنسان عندهم نسبية تختلف من مكان ومكان، ومن زمان وزمان، فليست حقوقا ثابتة؛ بل متغيرة، بخلاف حقوق الإنسان في الإسلام.

الغرب يستغل حقوق الإنسان لفرض ثقافته على العالم، منتهكا خصوصية الدول التي ترجع لدين أو عرف أو غيره، وخصوصا ما يتعلق بالمرأة، فيريد أن يفرض نموذج المرأة الغربية على الدول تحت غطاء حقوق المرأة، بفرض الاختلاط، ونزع الحجاب، والحرية في المعاشرة مع من شاءت.

هرَبوا مِن الرِّقِّ الذي خُلِقُوا لَهُ *** وَبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ والشَّيْطانِ

لفظ المساواة لفظ يكثر سماعه، والأصل أن الآدميين يستوون في حقوق عامة أشرت إلى أهمها؛ لكنهم يختلفون بأعمالهم، فلذا لو سوي بينهم في كل شيء لحصل الظلم، فكيف يساوى العامل بالقاعد؟ كيف يساوى البر بالفاجر؟ كيف يساوى الذكر بالأنثى؟ فالصواب هو العدل بين الخلق، وليس المساواة، فيجب العدل، ويحرم الظلم، فيجازى الشخص على قدر عمله، وعلى قدر موافقته لربه.

وربنا يأمرنا بالعدل لا المساواة، فهذه قاعدة شرعية من أحكم الحاكمين: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم:35-36]، ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة:100].

عباد الله: صلوا على النبي المختار…