تقوى الله والحذر من بطشه

عناصر الخطبة

  1. ثمرة التفكر والاعتبار
  2. ما يضر الدين وما يقضي عليه
  3. سبيل النجاة
  4. من سعادة بني آدم وشقاوته
  5. المبادرة بالأعمال
  6. ما جاء في حكمة داوود عليه السلام
اقتباس

لو اعتبر الناس وتفكروا في تقلب الليل والنهار وانقضاء الأعمار وبغتة الآجال وغرور الآمال وفتنة الأهل والمال وسرعة تعاقب السنين والانخداع بزخرف الدنيا والانهماك بملذاتها وقد آذنت بزوال.. لو تفكروا واعتبروا لأصلحوا العمال وقدموا لآخرتهم الحسنات وكفوا عن السيئات، ولكان همهم حسن المآل وعاقبة الأحوال، ولنزعوا من شر الأخلاق إلى أفضل الخصال ..

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه الذين نالوا من الفضل كماله.

أما بعد: فاتقوا الله كما أمركم، وتقربوا إليه كما رغبكم فيه، واحذروا ما عنه نهاكم.

عباد الله: لو اعتبر الناس وتفكروا في تقلب الليل والنهار وانقضاء الأعمار وبغتة الآجال وغرور الآمال وفتنة الأهل والمال وسرعة تعاقب السنين والانخداع بزخرف الدنيا والانهماك بملذاتها وقد آذنت بزوال.. لو تفكروا واعتبروا لأصلحوا العمال وقدموا لآخرتهم الحسنات وكفوا عن السيئات، ولكان همهم حسن المآل وعاقبة الأحوال، ولنزعوا من شر الأخلاق إلى أفضل الخصال..

لكن النقص والخلل في الاعتقاد والأعمال والأقوال بما يرد على القلوب بالشهوات والشبهات وضعف العزائم والإرادات في أداء الفرائض والواجبات والوقوع في المحرمات.. كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله… "؛ فأصلحوا قلوبكم بالقرآن وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

ألا وإن الدين تضره البدع والمحدثات وتقضي عليه وتضره الشهوات المحرمات، وما انحط المسلمون إلا بوقوع الشهوات والبدع والمحرمات في مجتمعاتهم.. قال الله -تعالى-: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾ [مريم: 59]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة.. ".

يا من اغتر بالنعم.. يا من لم يساكن قلبه الندم.. يا من تجرأ على ذي المجد والكرم.. يا من نسي الموت وفجأته.. ويا من نسي القبر وظلمته؛ اتق الله في نفسك فلن تطيق بطش الله وعقوبته..

واعلموا عباد الله أن سبيل النجاة واحدٌ لا ثاني له وهو ما سلكه السلف الصالح؛ فإذا اقتفيت آثارهم كنت من الفائزين وإن خالفتهم كنت من الهالكين.. قال الله -تعالى-: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء: 115]، أين نحن من حال السلف الصالحين الذين رفعهم الله درجات وجعلهم قدوةً في الصالحات.. طهرتهم العبادات وزكتهم أعمالهم ولم يتدنسوا بالسيئات.

أيها المسلم: إن كنت على نهجهم فاحمد الله واسأل الثبات على دينك، وإن كنت مقصر والتقصير واقع من كل أحدٍ فاجتهد لتكون معهم، وإن كنت مخالفًا لهم فتب إلى الله قبل الموت..

تمسك بالكتاب والسنة، واعرف حال السلف الصالح وأحببهم؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " المرء مع من أحب "، واعمل بما نقل عنهم من السيرة الصالحة ومن الوصايا الخالدة والحكم النافعة، واغتنم حياتك قبل طي أيامك؛ فإن وراء الحياة الدنيا حياة الأبد.. إما نعيمٌ وإما عذابٌ أليم.

قال أيفع بن عبد الكلاع: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ قال الله: يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم، قال: نِعْمَ ما اتَّجَرْتُمْ في يومٍ أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي.. امكثوا فيها خالدين مخلدين، ثم يقول لأهل النار: كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ فيقولوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم، فيقول: بئس ما اتَّجَرْتُمْ في يومٍ أو بعض يوم سخطي ومعصيتي وناري.. امكثوا فيها خالدين مخلدين ".. رواه ابن أبي حاكم نعيم في الحلية.. مرسل.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ ".. رواه البخاري..

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:  أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: " كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل ".

وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ".. رواه البخاري.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " قال لرجل: اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ".. رواه الحاكم وصححه..

واغتنامها بالعمل الصالح، قال بعض السلف: " ما من يوم ينشق فجره إلا قال: يا ابن آدم إني خلقٌ جديد؛ فاعمل في الصالحات فإني لا أعود أبدا ".

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الدنيا: " إنها لدار صدقٍ لمن صدقها، ودار عافيةٍ لمن فهم عنها، ودار غنىً لمن تزود منها، متجر أولياء الله.. اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة ".

وقال الحسن: " نعمت الدنيا كانت الدنيا للمؤمن؛ وذلك لأنه عملٌ قليل وأخذ زاده منها إلى الجنة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق؛ وذلك لأنه ضيع لياليه وكانت زاده إلى النار ".

ألا وإن من سعادة ابن آدم أن يتوب إلى الله دائمًا من الذنوب كلها في كل وقت، قال الله – تعالى-: ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص: 67].

ألا وإن من شقاوة ابن آدم أن يؤخر التوبة حتى تفوته.. قال -تبارك وتعالى-: ﴿ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة: 126]، قال -تبارك وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾ [فاطر: 5 – 6].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم..

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى..قال الرب -جل وعلا-:﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾ [آل عمران 133 – 134]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة ". رواه مسلم.

ومعنى " خاصة أحدكم أو أمر العامة ": الفتنة التي تخص الواحد في نفسه أو الفتن التي تصيب عامة الناس؛ فإنها تشغل عن العبادات.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " بادروا بالأعمال سبعاً.. هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال.. فشر غائبٍ يُنتَظر، أو الساعة.. فالساعة أدهى وأمر ". رواه الترمذي.

وقال وهب: " مكتوبٌ في حكمة آل داود -عليه السلام-: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعةٍ يحاسب فيها نفسه، وساعةٍ يناجي فيها ربه، وساعةٍ يلقى فيها إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعةٍ يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل؛ فإن هذه الساعة عونٌ له على تلك الساعات، وفضل بلغة واستجمام للقلوب ": يعني ترويح لها.

عباد الله..﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: – 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " من صلَّى علي صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرا"؛ فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين..

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلم تسليماً كثيرا..

اللهم وارض عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين – أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارض عنا بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين يا رب العالمين، اللهم نفس كرب المكروبين من المسلمين يا رب العالمين، اللهم واقض الدين عن المدينين من المسلمين، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم ألف بين قلوب المسلمين على الحق يا أرحم الراحمين وأصلح ذات بينهم وأهدهم سبل السلام، اللهم فقهنا والمسلمين في الدين إنك أنت العليم الحكيم، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، وشماتة الأعداء ودرك الشقاء وجهد البلاء، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت اعلم به منا؛ أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين .

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح اللهم ولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى.. اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين، واجمع به كلمة المسلمين إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه يا رب العالمين، اللهم احفظه إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم وفق نائبه لما تحب وترضى ولما فيه الخير يا رب العالمين، اللهم وارزقه العافية والصحة إنك على كل شيءٍ قدير.

اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرٌ لشعوبهم وأوطانهم يا رب العالمين.

اللهم أبطل مكر أعداء الإسلام، اللهم أبطل كيد أعداء الإسلام إنك على كل شيءٍ قدير اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك يا أرحم الراحمين يا قوي يا عزيز.

اللهم أنت الإله الحق لا إله إلا أنت إله الأولين والآخرين وإله الدنيا والآخرة، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أصلح لنا شأننا كله يا رب العالمين يا حي يا قيوم.

اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم وأعذنا من شر كل ذي شر. عباد الله..﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: – 90] .

﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: – 91]..

اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ﴾.