نماذج من نعم الله في شهر رمضان

عناصر الخطبة

  1. نعمة إنزال القرآن في شهر رمضان
  2. نصرة المسلمين في غزوة بدر الكبرى
  3. ظهور عزة المسلمين في فتح مكة
  4. نعمة فرض صيام نهار رمضان ومشروعية قيام ليله
  5. فضائل ليلة القدر والحرص إدراكها
اقتباس

في هذا الشهر المبارك: أنعم الله على عباده بفرض الصيام، وجعله أحد أركان الإسلام، وجعل ثواب من صامه إيمانا واحتسابا أن يكفر عنه ما تقدم من الآثام. وفي هذا الشهر المبارك: أنعم الله على العباد بمشروعية القيام، فمن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. وفي هذا الشهر المبارك: أنعم الله على هذه الأمة بليلة القدر التي…

الخطبة الأولى:

الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونصر نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ببدر، وسماه يوم الفرقان، وأعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان، فيا له من عز ارتفع به صرح الإسلام، واندك به بنيان الشرك والطغيان.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الرحمن.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروه، وأعانوه، فنعم الأنصار هم، ونعم الأعوان، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-: واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعم وافرة سابغة خصوصا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان، ففيه: أنزل الله كتابه المبين، رحمة للعالمين، ونورا للمستضيئين، وهدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾[هود:1].

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[فصلت: 42].

فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، من تمسك به نجا، ومن طلب الهدى منه اهتدى، ومن أعرض عنه وقع في الهلاك والردى، فبؤسا للمعرضين الهالكين.

وفي هذا الشهر: غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها عساكر الإيمان، وجنود الرحمان، وهزم فيها جنود الشيطان، وأنصار الشرك والطغيان، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بلغه خروج أبي سفيان بعير قريش من الشام، ندب أصحابه إلى تلك العير، فخرجوا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فقط لا يريدون إلا العير لا يريدون عدوهم، ولكن الله بحكمته جمع بينهم على غير ميعاد ليقضي سبحانه ما حكم به، وأراد، فإن أبا سفيان لما علم بخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث صارخا إلى أهل مكة يستنجدهم ليمنعوا عيرهم، فخرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله يقول قائلهم: "والله لا نرجع حتى نقدم بدرا، ونقيم فيها ثلاثا ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمور، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا قالوا هذا، ولكن الله بما يعملون محيط، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأنصاره حفيظ، فأوحى الله إلى ملائكته: ﴿أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(13)﴾[الأنفال: 12 ، 13.].

فقيض الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من أسباب النصر ما به انتصروا، ولأعدائه وحربه كسروا، فقتلوا من صناديد قريش وفريقا أسروا، ورجع فل قريش مهزومين موتورين خائبين، فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين.

وفي هذا الشهر المبارك: فتح الله مكة البلد الأمين على يد خليله ونبيه محمد أفضل النبيين، وطهرها من الأصنام والمشركين، وذلك هو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل به الناس في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج في عشرة آلاف من أصحابه لعشر مضين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة يريد غزو قريش حين نقضوا صلح الحديبية، فدخل مكة مؤزرا منصورا على إحدى مجنبتيه حواريه الزبير بن العوام، وعلى الأخرى سيف الله خالد بن الوليد، فدخلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاضعا لربه مطأطئ رأسه تواضعا، وتعظيما لله رب العالمين، وركزت رايته بالحجون، ثم نهض وأصحابه المهاجرون والأنصار بين يديه، وخلفه، وعن يمينه، وشماله رضي الله عنهم، فطاف بالبيت، وكان على البيت وحوله ثلاثمائة وستون صنما، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يطعنها بقوس في يده، ويقول: ﴿جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[الإسراء:81].

فلما أكمل طوافه دخل الكعبة، فرأى فيها الصور، فأمر بها، فمحيت، ثم أخذ بباب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ماذا يصنع، ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم؛ كما قال يوسف لإخوته: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾[يوسف:92] "اذهبوا فأنتم الطلقاء"[النسائي (4799) وابن ماجه (2628)].

وفي هذا الشهر المبارك: أنعم الله على عباده بفرض الصيام، وجعله أحد أركان الإسلام، وجعل ثواب من صامه إيمانا واحتسابا أن يكفر عنه ما تقدم من الآثام.

وفي هذا الشهر المبارك: أنعم الله على العباد بمشروعية القيام، فمن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.

وفي هذا الشهر المبارك: أنعم الله على هذه الأمة بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه.

وبركات هذا الشهر كثيرة وفيرة، فاحمدوا الله على ما أنعم به عليكم فيه، وإياكم أن تضيعوا فرص أيامه ولياليه، فلو علمتم ما فيها لتمنيتم أن يكون السنة كلها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله -تعالى-: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾[البقرة: 152].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.