سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- (73) – فتح مكة (1)

عناصر الخطبة

  1. أسباب فتح مكة
  2. أحداث الغزوة وفعالياتها
  3. محاولات أبي سفيان
  4. أهم الدروس والعبر المستفادة من قصة حاطب بن أبي بلتعة.
اقتباس

إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان ليتأخر عن نُصرة من دخلوا في حلفه، وما كان -صلى الله عليه وسلم- ليسكت عن أولئك الغدرة الذين لم يُراعوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل لقد بلغ منه الغضب مبلغًا عظيمًا..

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أفضل صلاة وأزكى تسليم.

أما بعد: عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالسعيد من راقب الله، وأحسن تعامله مع ربه، واتبع هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فالمسلم العاقل يتحرى سلامة المنهج والذي لن يكون إلا باتباع هدي القرآن والسنة، وما أحوجنا في واقعنا لتتبع سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والوقوف على دروسها وعبرها.

وكنا قد بدأنا بسلسلة خطب السيرة النبوية وواقعنا المعاصر، ووصلنا بفضل الله -تعالى- بالحديث عن غزوتي مؤتة وذات السلاسل والتي كانت بعد عمرة القضاء في السنة الثامنة ، وها هي الخطبة الثالثة والسبعون عن فتح مكة- شرفها الله- فما هو السبب الذي دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- للتحرك نحو مكة؟

لقد كان بين بني خُزَاعة وبني بكر مناوشات وعداوات، فلمّا كان صلح الحديبية بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش، وكان من شروطه: ومن أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش فليدخل، دخلت خُزَاعُة في عقد رسول -صلى الله عليه وسلم-، ودخلت بنو بكر في عقد قريش، وفي شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرًا من صلح الحديبية في العام الثامن من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كلَّمت بنو بكر أشراف قريش أن يُعينوهم بالرّجال والسّلاح على عدوّهم من خزاعة، وذكَّروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم، فأعانوهم بالسّلاح والرّجال، ومنهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان، وغيرهم، واتفقوا على ذلك سرًّا؛ لئلّا تحذر خزاعة، ودون علم بعض زعماء مكة كأبي سفيان. (انظر: سبل الهدى والرشاد 5/201).

وبينما كانت خزاعة آمنة لحال الموادعة، تعدَّت قريش وبنو بكر على منازل خزاعة ليلًا وهم آمنون، وعامّتهم صبيان ونساء وضعفاء الرّجال، فلم يزالوا يقتلونهم، فهربوا إلى الحرم، فطاردوهم حتى قاتلوهم في الحرم. (انظر: سبل الهدى والرشاد 5/201).

فإلى أي حد بلغ غدرهم؟ وكيف أقدموا على نقض عهودهم على هذا النحو من الفجور؟! وقد ظنَّ رؤساء قريش أن هذا لا يبلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم “ندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذّمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاء الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة إلى صفوان بن أمية، وإلى سُهَيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل فلاموهم بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة وقالوا: إنّ بينكم وبين محمد مدّة وهذا نقض لها” (سبل الهدى والرشاد 5/201).

وكان من نتيجة هذا الاعتداء أن طلبت خزاعة العون من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فخرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكبًا من خزاعة؛ يستنصرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويخبرونه بالذي أصابهم، وما ظاهرت عليهم قريش ومعاونتهم لهم بالرجال، والسّلاح، وحضور صفوان بن أمية وعكرمة، ومن حضر من قريش، وأخبروه بالخبر، حتى قال عمرو بن سالم الخزاعي مستنصرًا الحلف الذين بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ***حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا﴿القديم

فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا ﴿حاضر﴾ *** وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا(العون)

فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا(تهيأ للحرب) *** إِنْ سِيمَ (طُلب منه) خَسَفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا ﴿تغير

فِي فَيْلَقٍ(العسكر الكثير) كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا *** إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا

وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا *** وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا

فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا ***قَدْ جَعَلُوا لِي بِكَدَاءَ(موضع بأعلى مكة) مَرْصَدَا

هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ(اسم ماء بأسفل مكة لخزاعة) هُجَّدَا *** فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ“، فَمَا بَرِحَ حَتَّى مَرَّتْ عَنَانَةٌ –سحابة- فِي السَّمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ“. وأمرَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ بالجِهَازِ وكتمَهُمْ مخْرَجَهُ، وسألَ اللهَ أن يُعَمِّيَ على قريشٍ خبرهُ حتَّى يبغتهُمْ في بلادِهِمْ. (البيهقي في السنن الكبرى 18859).

إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان ليتأخر عن نُصرة من دخلوا في حلفه، وما كان -صلى الله عليه وسلم- ليسكت عن أولئك الغدرة الذين لم يُراعوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل لقد بلغ منه الغضب مبلغًا عظيمًا، حتى قالت أمنا عائشة -رضي الله عنها-: “لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَضِبَ فِيمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ بَنِي كَعْبٍ غَضَبًا لَمْ أَرَهُ غَضِبَهُ مُنْذُ زَمَانٍ، وَقَالَ: “لَا نَصَرَنِيَ اللَّهُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ“، قَالَتْ: وَقَالَ لِي: “قَوْلِي لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَتَجَهَّزَا لِهَذَا الْغَزْوِ“، فَجَاءَا إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَا: أَيْنَ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِيمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ بَنِي كَعْبٍ غَضَبًا لَمْ أَرَهُ غَضِبَ مُنْذُ زَمَانٍ مِنَ الدَّهْرِ“(أبو يعلى 4380، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 162): رواه أبو يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش، عن أبيه، عنها، وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح).

واستدراكًا من قريش على صنيعها أرسلت أبا سفيان؛ لعله يصلح ما أفسده بعضهم، فخرج أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على ابنته أمِّ حبيبة -رضي الله عنه-ا، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طوته عنه، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: والله لقد أصابك بعدي شرّ. (انظر: سيرة ابن هشام 2/396).

عباد الله: إن هذا الموقف الحاسم لا يُستغرب من أم حبيبة، فهي ممن هاجر الهجرتين وقد قطعت صِلاتها بالجاهلية منذ أمد بعيد، فلما رأت أباها لم تر فيه الوالد الذي له التقدير والاحترام، وإنما رأت فيه رأس الكفر الذي وقف في وجه الإسلام وحارب رسوله تلك السنوات الطويلة، وهذه العقيدة الراسخة، وهذا الإيمان الصادق، وهذا الولاء والبراء لله رب العالمين كلها معاني ثابتة راسخة في هذا الجيل الفريد من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

ثم خرج أبو سفيان حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلَّمه فلم يرد عليه شيئًا، ثم ذهب إلى أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-م وطلب منهم أن يشفعوا له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرفضوا لما رأوا من غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا عاد أبو سفيان إلى مكة بخفي حنين، فلما رأته قريش، قاموا إليه فقالوا: “ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟ فقال: والله لقد أبى عليَّ، وفي لفظ: لقد كلمته، فو الله ما ردّ على شيئًا، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيرًا، ثم جئت ابن الخطاب -رضي الله عنه- فوجدته أدنى العدو، وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شيء منهم إلا أنّهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قومًا أطوع لملك عليهم منهم له” (سبل الهدى والرشاد 5/208).

ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالاستعداد للخروج إلى مكة وأوصاهم، ثم ابتهل لربه داعيًا أن يتم عليهم هذا التحرك دون أن تكتشفه قريش فقال: “اللهُمَّ خُذْ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَلَا يَرَوْنَا إِلَّا بَغْتَةً، وَلَا يَسْمَعُونَ بِنَا إِلَّا فَجْأَةً“(دلائل النبوة للبيهقي 5/ 11).

وأمر أصحابه أن يحافظوا على سِرِّية المسير إلى مكة، فأطاعوه جميعًا إلا ما كان من حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه-، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ، فَقَالَ: “انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا” قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟” قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفَسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ“، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ: “إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ “. فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ﴾إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[الممتحنة: 1]. (البخاري 4274، ومسلم 2494).

معاشر المسلمين: ولنا مع قصة حاطب وقفات:

أولها: أن في هذا الحديث معجزةً ظاهرةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في إخباره بالرسالة ومكان وجودها.

ثانيها: جواز هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلًا أو امرأةً.

ثالثها: جواز هتك الستر إذا كان فيه مصلحة، أو كان في الستر مفسدة، وإنما يكون الستر إذا لم يكن فيه مفسدة، ولا يفوت به مصلحة.

رابعها: أن أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك، كما لا يُحد العاصي ولا يُعزر إلا بإذن الإمام.

وخامسها: إقالة ذوي العثرات، فمن وقعت منه هفوة أو زلة؛ فيجوز العفو عنه كما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحاطب -رضي الله عنه- من عفوه عنه بعدما اطلع عليه من فعله.

سادسها: فضل من شهد بدرًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- .

ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان في عشرة آلاف من أصحابه قاصدًا مكة، وخيَّر أصحابه بين الصيام وبين الفطر، وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصيام شق على بعض أصحابه أمرهم بالإفطار، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ -موضع بين مكة والمدينة-، فَصَامَ النَّاسُ، فقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمِ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: “أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ“(مسلم 1114).

ووصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مَرِّ الظّهْرَانِ -على مرحلة من مكة-، فعسكر فيها، وأمر أصحابه أن يشعل كل واحد منهم نارًا، فأوقدوا عشرة آلاف شعلة نار.

أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا بثّ الرعب في قلوب قريش، وهذا من حنكته -صلى الله عليه وسلم- العسكرية للتأثير النفسي على العدو، خرج أبو سفيان يتحسس الأخبار فأخذه العباس بن عبد المطلب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- .

فما الذي جرى بينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ وكيف دخل رسول الله وأصحابه مكة، هذا موضوع الخطبة القادمة بمشيئة الله -تعالى-.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.