نصيبنا من الحكمة

عناصر الخطبة

  1. أهمية الحكمة وشروطها
  2. تعريف الحكمة ومعانيها وماهيتها
  3. صفات الحكماء
  4. ثناء القرآن على صفة الحكمة
  5. منافع الحكمة
  6. حقيقة الحكمة وأقسامها
  7. طرق اكتساب الحكمة
  8. قصص في كيفية تعامل الحكماء مع المواقف المختلفة
اقتباس

إنَّ من آتاه الله الحِكْمَة، فقد آتاه خيرًا كثيرًا، وأيُّ خير أعظم من خير فيه سعادة الدَّارين، والنَّجاة من شقاوتهما!. وكمال العبد متوقِّف على الحِكْمَة، إذ كماله بتكميل قوَّتيه العلميَّة والعمليَّة، فتكميل قوَّته العلميَّة: بمعرفة الحقِّ، ومعرفة المقصود به، وتكميل قوَّته العمليَّة: بالعمل بالخير وترك الشَّر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل، وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا …

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول الله -تعالى-: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة: 269].

يقول الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "يعني بذلك جل ثناؤه: يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم، فقد أوتي خيرا كثيرا".

وقال السعدي -رحمه الله-: "إنَّ من آتاه الله الحِكْمَة، فقد آتاه خيرًا كثيرًا، وأيُّ خير أعظم من خير فيه سعادة الدَّارين، والنَّجاة من شقاوتهما!".

وقال: "فكمال العبد متوقِّف على الحِكْمَة، إذ كماله بتكميل قوَّتيه العلميَّة والعمليَّة، فتكميل قوَّته العلميَّة: بمعرفة الحقِّ، ومعرفة المقصود به، وتكميل قوَّته العمليَّة: بالعمل بالخير وترك الشَّر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل، وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك".

إذاً، هي ثلاثة شروط: معرفة الحق، ومعرفة المقصود به، والعمل بمقتضى ذلك.

بهذه الثلاثة يكمل العبد قوته العلمية والعملية، ويكون حكيما.

معاشر الإخوة: العلم والحكمة معنيان يكمل أحدهما الآخر، فالعلم نقيض الجهل، وهو إدراك الشيء على ما هو عليه، إدراكا جازما، هذا هو العلم، وتعريفه شرعا عند البعض، هو: المعرفة.

أما الحكمة: الحَكَمَةُ: ما أحاط بحَنَكَي الفرس، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تمنعه من الجري الشَّديد، وتُذلِّل الدَّابَّة لراكبها، حتى تمنعها من الجِماح، ومنه اشتقاق الحكمة؛ لأنها تمنع صاحبها من الأخلاق الأراذل.

ولذلك يقول: وأَحْكَمَ الأَمْرَ: أي أَتْقَنَه فاستَحْكَم، ومنعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عمَّا يريد.

قال أبو إسماعيل الهروي -رحمه الله-: "الحِكْمَة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه".

وقال ابن القيِّم -رحمه الله-: "الحِكْمَة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي".

ومهما أطلق على إنسان بأنه حكيم، فما لم تدله حكمته على الحق إذا انتصب الحق أمامه، فليس بحكيم، مهما ذاع صيته، وقيل عنه كذا وكذا.

وبهذا ندرك؛ لماذا سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا الحكم عمرو بن هشام، سماه أبا جهل، فعمرو بن هشام كانوا يسمونه أبا الحكم؛ لأنه كان يعرف في مجتمع قريش بالحكمة والرأي السديد، حتى إنه دخل دار الندوة، وهو لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره، ولكن بعد ظهور الإسلام فقد عمرو بن هشام حكمته وحلمه، وصار من ألد أعداء الدعوة، صار شرسا قاسيا، فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جهل؛ لأنه لم يقبل الحق فحسب، بل قتل واضطهد أهله.

في سنن النسائي بسند صحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي عند البيت، وملأ من قريش جلوس، وقد نحروا جزورا، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجدا فيضعه، يعني على ظهره يعني على ظهره صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به ثم أمهله، فلما خر ساجدا وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي جارية، فجاءت تسعى، فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته، قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط".

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "فو الذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد".

العلم -أيها الإخوة-: ما لم يتصف بالحكمة، يخطئ صاحبه، فيقول الحق نعم، لكن في وقت لا يناسب، أو مكان لا يناسب، أو أمام أناس لا يصلح أن يقال الكلام أمامهم، فيفسد أكثر مما يصلح، ولذلك قال ابن مسعود أحد حكماء الصحابة وعلمائهم، قال رضي الله عنه: "مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ؛ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ".

وكذلك قال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: "إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت، ويهرب من الناس، فاقتربوا منه، فإنه يلقى الحكمة".

والمقصود يهرب من الناس، أي من لغو ولهو.

وقيل: زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت.

فالحكيم يعرف بالصمت، وقلة الكلام.

إذا تكلم تكلم بالحق في وقته، وإن تلفظ تلفظ بخير، أو سكت تماما، كما هو توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت".

أيها الإخوة: لا يثنى على صفة بشرية في القرآن والسنة إلا وبالإمكان أن يكتسبها الإنسان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾[لقمان: 12].

وقال تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة: 269].

وقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[النحل: 125].

وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها".

وفسر ابن عباس -رضي الله عنه- قوله: ﴿كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ﴾[آل عمران: 79] أي "فقهاء حكماء".

وهناك أقوال للسلف من علماء الأمة، يقول حماد بن أبي حنيفة -رحمه الله-: "كان يقال من يستقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، ومن عرف بالحكمة لمحته الأعين بالوقار".

وعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ فِي الدُّنْيَا الْحِكْمَةَ، وَفِي الآخِرَةِ الرَّحْمَةَ".

الحكمة لها منافعها البالغة، لها منافعها على الإنسان، من منافعها: أنها طريق إلى معرفة الله -جل وعلا-، موصلة إليه، مقربة منه، وحينها ينقطع العبد الحكيم عمن سواه، ولا يطمع في غيره.

والحكمة أيضا سمة من سمات الأنبياء والصالحين، وعلامة للعلماء العاملين، ومزية للدعاة المصلحين.

من أهم منافع الحكمة: الإصابة في القول والسداد في العمل.

والحكمة ترفع الإنسان درجات، وتشرفه وتزيده، من مكانته بين الناس.

قال مالك بن دينار: "الحكمة تزيد الشريف شرفا، وترفع المملوك، حتى تجلسه مجالس الملوك".

الحكمة فيها دلالة على كمال العقل، وعلى علو شأن صاحبها، وهذا يجعله قريبا من الناس، حبيبا إلى قلوبهم، محل الثقة فيهم، يطلبون رأيه، فإذا قال يسمعون، وإذا أوصى يطيعون.

هكذا تصنع الحكمة، تعطي العبد نفاذا في البصيرة، وتهذيبا للنفس، وتزكية للروح، ونقاءً للقلب، وتكسو العبد بثوب الوقار، وتحليه بحلة الهيبة، ويكون صاحبها كالغيث حيثما حل نفع، وأينما وضع أفاد.

والحكمة تحفظ الإنسان عن ارتكاب السوء، أو التلفظ به، أو عمل ما يضطره للاعتذار، وطلب العفو، قال أبو القاسم الجنيد بن محمد، وقد سئل عما تنهى الحِكْمَة؟ فقال: "الحِكْمَة تنهى عن كلِّ ما يحتاج أن يُعْتَذر منه".

ولذلك نحن في حاجة إلى إكمال هذا الجانب في شخصيتنا قدر استطاعتنا.

أنا لا أقصد الأخلاق الكريمة فقط، بل الحكمة: أن تضع كل شيء في موضعه الصحيح.

أن تكون قاسيا في موطن القسوة، حين يكون في القسوة دفعا للشر.

أن تكون متسامحا في موطن التسامح، حين لا يكون التسامح ضعفا ولا خوارا.

أن تكون رحيما في موطن الرحمة، حين يكون في الرحمة مصلحة شرعية.

وأن تكون شديدا في موطن الشدة، حين يكون في اللين وترك الشدة فتحا لأبواب الفساد.

وأن تكون كريما في موطن الكرم، وحريصا في موطن الحرص.

أن تضع كل شيء في موضعه الصحيح.

هذه هي الحكمة، لكن كيف تكتسب الحكمة؟

إن الحكمة قسمان: حكمة فطرية، يؤتيها الله -عز وجل- من يشاء، ويتفضل بها على من يريد، وهذه لا يد للعبد فيها، وهي التي عناها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما كتب إلى أبي موسى الأشعري: "إن الحكمة ليست عن كبر السن، ولكنه عطاء الله يعطيه من يشاء".

والقسم الثاني: حكمة مكتسبة، يكتسبها العبد بفعل أسبابها، وترك موانعها، فيسهل انقيادها له، وتجري على ألفاظه التي ينطق بها، وتكتسي بها أعماله التي يفعلها.

أسأل الله -تعالى- أن يمن علينا بأسباب الحكمة.

وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فمن طرق اكتساب الحكمة: التفقه في الدين؛ لأن معرفة الأحكام الشرعية تقي من الوقوع في الأخطاء، وتعين على وضع الشيء في موضعه الصحيح.

ومن الطرق: مجالسة أهل الصلاح، والرأي السديد، والاختلاط بهم، والاستفادة من هديهم، لذا كان لقمان يقول لابنه، وهو يوصيه، ويدله على طريق الحكمة: "يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء".

من طرق اكتسابها: العبادة الحقة لله -سبحانه-، وتقوية الصلة به، ذكرا وخشية وحبا.

البعد عن المعاصي، والاجتهاد في طرد الهوى، كل ذلك من طرق نيل الحكمة، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "من أحسن عبادة الله في شيبته لقاه الله الحكمة عند كبر سنه".

وذلك قوله: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾[يوسف: 22]".

فمما يكافأ به المحسنون على إحسانهم الذين كانوا يعبدون الله كأنهم يرونه، مما يكافأ به هؤلاء: الحكمة.

وابن الجوزي يقول: "لكل باب مفتاح، ومفتاح الحكمة طرد الهوى".

مما يكسب الحكمة: تحري الإنسان الحلال في مأكله ومشربه، وملبسه، وشأنه كله.

فبركة الحلال وتحريه؛ تظهر ثمرتها في الدنيا قبل الآخرة.

مما يكسب الحكمة: كثرة التجارب والاستفادة من مدرسة الحياة، وكم علمتنا الحياة ما لم يعلمنا ألف كتاب، تجارب الحياة كفيلة لزرع التؤدة والحلم والحذر، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".

ومما يكسب الحكمة: أن لا يستقل الإنسان استقلالا مفرطا، فيعتز بقوله، ويعتمد على رأي نفسه، في كل أمره، ولو كان يجهل، بل عليه أن يستشير ذوي الخبرة والتجربة من إخوانه الصالحين، ليزداد بصيرة بالعواقب.

معاشر الإخوة: الحياة مليئة بالمفاجئات، والمواقف المتنوعة، والناس فيها أنواع وأجناس، الكبير والصغير، والمثقف والبسيط، والغني والفقير، والسمح والغضوب، والطيب والشرير، والعاقل والسفيه، وما لم يكن لدى الإنسان حكمة، فلن يقدر على مواجهة تلك المواقف، ولا التعامل مع أولئك الأصناف من الناس، بمختلف مشاربهم، بالطريقة الآمنة السليمة، فيعرف متى يبتسم، ومتى يخطط، ومتى يسمح، ومتى يحاسب، ومتى يعفو ويصفح، ومتى يجب أن يكون قويا، متى يجب أن يبدو ضعيفا، بل متى يجب أن يظهر أنه غافل، وليس بغافل.

للجُودِ بابٌ في الأنام ولَمْ تَزَلْ *** يُمناكَ مفتاحاً لذاكَ البابِ

لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ *** لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي

كل هذا من الحكمة، في شعب الإيمان عن أبي الدرداء أنه قال: "إنا لنكشر في وجوه أقوام، ونضحك إليهم، وإن قلوبنا تلعنهم".

بعض الناس ما تستطيع تتقي شره، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة، أو بئس أخو العشيرة" وقال مرة: "رجل" فلما دخل عليه، ألان له القول، فلما خرج، قالت عائشة: قلت له الذي قلت، ثم ألنت له القول فقال: "أي عائشة، شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من ودعه الناس، أو تركه الناس، اتقاء فحشه".

وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!.

وعن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- قال: "قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبية- نوع من القماش-، ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانطلقت معه، قال: ادخل، فادعه لي، قال فدعوته له، فخرج إليه، وعليه قباء منها، وقال: "قد خبأت هذا لك" قال: فنظر إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "رضي مخرمة".

وقال ابن بطال: "قال المؤلف: "المدارة من أخلاق المؤمنين، وهى خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وسل السخيمة".

جاء في الجامع الصغير من حديث جابر -رضي الله عنه- قوله صلى الله عليه وسلم: "مداراة الناس صدقة".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

الله أعز الإسلام والمسلمين…