الإسلام يشجع الأعمال المنجزة بالإحسان إلى المسنين والعجزة

عناصر الخطبة

  1. مراحل حياة الإنسان
  2. واجبنا نحو كبار السن
  3. ثواب من أحسن معاملة كبار السن
  4. مظاهر عناية الإسلام بكبار السن
اقتباس

نقف اليوم مع كبير السن، وكم ضيعت حقوقه، وجرحت مشاعره وأحاسيسه، ومنهم من يعيش غربة بين أهله وأولاده، فلا يجد من يجالسه ولا من يواسيه ويؤنسه، إذا تكلم قاطعه الصبيان، وإذا أبدى رأيا ومشورة سفهه الصغار، فأضحت تجاربه وحكمته وخبرته في الحياة إلى …

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق الخلائق وحدد أعمارها وآجالها، وقدر أقواتها وأرزاقها، نحمده سبحانه وتعالى ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب: 70- 71].

أما بعد:

عباد الله: يخرج كل إنسان من الرحم ضعيفا ليبدأ حياته على الأرض، ثم يكون طفلا بإذن الله، ثم يغدو بعد مراحل الطفولة والصبا شابا يمده الله بالقوة، ويعيش أجمل الأيام والذكريات، مع الأصحاب والأحباب، وأنعم بشاب نشأ في عبادة الله! ثم تمر السنون والأعوام، يتنقل فيها هذا الإنسان في سفر هذه الحياة، حتى يصير إلى المشيب والكبر والشيخوخة والهرم، يردد فيها الكثير من الناس:

ألا ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب

فكيف تعامل الإسلام مع هذه الفئة؟ وما دور الشباب في تعامله مع المسنين والعجزة منهم بالخصوص سواء كانوا أقارب أو جيران أو من نخالطهم في مجالسنا ومساجدنا؟

وبعد أن لانت القلوب، وأصبحت أوعية للتقوى، بعد انصراف الشهر المطهر، وأصبح الخطاب القرآني أقرب إلى النفوس التي زكت بالصيام والقيام، نتدبر قول الله -تعالى-: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54].

ونلتفت إلى فئة ممن يعيشون حولنا من المسنين والعجزة، فكيف نظر ديننا الإسلام إلى هؤلاء؟ وما واجبنا نحوهم؟ وما الثواب المنتظر لمن أحسن معاملتهم؟

أيها المسلمون والمسلمات: إن الشيخ الكبير الذي وهن عظمه، وتقدم سنه، وضعفت قوته، وشاب شعر رأسه، نظر الله إليه ورحمه، وعفا عنه، فهو ممن قال فيهم سبحانه: ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا(99)﴾[النساء: 98- 99].

ونقف اليوم مع كبير السن، وكم ضيعت حقوقه، وجرحت مشاعره وأحاسيسه، ومنهم من يعيش غربة بين أهله وأولاده، فلا يجد من يجالسه ولا من يواسيه ويؤنسه، إذا تكلم قاطعه الصبيان، وإذا أبدى رأيا ومشورة سفهه الصغار، فأضحت تجاربه وحكمته وخبرته في الحياة إلى ضياع وخسران، وقد يرى أن معظم أقرانه وجلساءه قد فارقوا الحياة.

فيا معشر المسنين: إنكم كبار في قلوبنا فلا تحزنوا، إنكم كبار بعظيم فضلكم علينا، أفنيتم شبابكم من أجلنا، لقد ربيتم، وبنيتم، وضحيتم، وإن الخير يبقى ولا يفنى! و﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].

أما أنتم يا معشر الشباب، فاعلموا أن إجلال الكبير وتوقيره ومساعدته لقضاء حوائجه، سنة من سنن الأنبياء والرسل، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)﴾ [القصص: 23- 24].

يا معشر الشباب: ارحموا كبار السن ووقروهم امتثالا لأمر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا".

وخاصة الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، ثم الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وطاعة لأمر الله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)﴾ [الإسراء: 23-24].

يا معشر الشباب: أنشروا واذكروا ما كان من حسنات الكبار، وإذا كانت هناك سيئات وهنات فاستروها واغفروها، فإنه ليس من البر إظهار زلة من أحسن إليك دهرا.

عباد الله: إن أسعد الناس من ختم الله له بالخير وذكرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "خيركم من طال عمره، وحسن عمله، وشركم من طال عمره، وساء عمله" فأطيلوا أعماركم بإحسان العمل، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

أقول ما تسمعون، ويغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، ولكل عبد قال آمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ألف بين قلوب عباده المؤمنين، شبابا كانوا أو مسنين.

أيها المسلمين والمسلمات: إذا كانت عناية دول بمرحلة الشيخوخة تتجلى في تكوين جمعيات لرعاية المسنين، وظهور نظام التقاعد، وإحداث التأمينات الاجتماعية، فإن الإسلام  -ولله الحمد-، قد أكد على ذلك، وجعل رعاية المسنين ضمن المسؤولية التي ينال القائم بها ثوابا وأجرا حسنا: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

وقد جاء أول أمر لإمام صلاة الجماعة بتخفيف الصلاة مراعاة لحال كبار السن، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير".

ورخص المشرع لكبير السن بالإفطار في رمضان والإطعام عن كل يوم، وإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أعطى النموذج بتوقير كبار السن، فقد ربى أصحابه -رضي الله عنهم- على ذلك، عن أنس رضي الله عنه- قال: جاء أبو بكر –رضي الله عنه بأبيه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال عليه الصلاة والسلام: "لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه".

وهذا عمر الفاروق: يمر بباب قوم وعليه سائل يسأل، وهو شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عمر عضده ضربا خفيفا، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟  قال: يهودي، قال عمر: فما ألجأك إلى السؤال؟ قال: الجزية، والحاجة والسن، فأخذه عمر إلى بيته، وأعطاه شيئا، ثم أرسل إلى خازن المال، فقال له: أنظر هذا وضرباءه، والله ما أنصفناه، إن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾[التوبة: 60].

هكذا -أيها المسلمون- فهم الناس الأولون تعاليم الدين، وبهذا أمرنا رب العالمين، وعلى هذا سار النبي الأمين، وتبعه صحابته الأكرمين، فهلا نطيع ونقتدي أيها المؤمنون؟