حسن الخلق

عناصر الخطبة

  1. أهمية حسن الخلق
  2. فضل حسن الخلق
  3. خلق النبي صلى الله عليه وسلم
  4. خلق الصحابة رضي الله عنهم
  5. أصل الأخلاق
  6. أخلاق المؤمن
اقتباس

شرع الله لعبادة أنواعًا من الطاعات والقربات، وأمرنا وأمر الأمم قبلنا بعبادةٍ تقرب العبد من ربه وإلى خلقه، بها يثقل الميزان يوم القيامة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: “ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن”. رواه الترمذي. وترفع في درجاته وتزيد في حسناته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: “إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم” ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيها المسلمون: شرع الله لعبادة أنواعًا من الطاعات والقربات، وأمرنا وأمر الأمم قبلنا بعبادةٍ تقرب العبد من ربه وإلى خلقه، بها يثقل الميزان يوم القيامة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن". رواه الترمذي. وترفع في درجاته وتزيد في حسناته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم". رواه أبو داود.

وثوابه يتضاعف ولو كان بأمر يسير منها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا". رواه البخاري. وهي أكثر ما يدخل الناس الجنة، سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق". رواه الترمذي.

بها يكمل إيمان العبد؛ "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"، وأعلى الدرجات في الآخرة لمن أداها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". رواه أبو داود. قال ابن القيم -رحمه الله-: "الدين الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه في صلاته أن ينالها فكان يقول: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت". رواه مسلم. قال ابن رجب -رحمه الله-: "لا تتم التقوى إلا بحسن الخلق".

وأقرب الناس منزلةً إلى الرسل يوم القيامة أحسنهم خلقًا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا". رواه الترمذي.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي صحابته بها فقال لمعاذ: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". رواه الترمذي.

وهي منجية – برحمة الله- من النار، قال -عليه الصلاة والسلام-: "اتق الله ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمةٍ طيبة". متفق عليه.

وبعث الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- للدعوة إلى الأخلاق الصالحة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق". رواه أحمد.

واتصف الرسل -عليهم السلام- بأعالي الأخلاق وجميلها؛ فنوح -عليه السلام- دعا قومه تسعمائة وخمسين عامًا صابرًا عليهم، وإبراهيم -عليه السلام- كان كريمًا، نزل به ضيفان فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين حنيذ، وإسماعيل -عليه السلام- كان صادق الوعد، ويوسف -عليه السلام- قال لمن كان سببًا في غربته وسجنه: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ﴾ [يوسف: 92]، وموسى -عليه السلام- كان حييا لا يُرى شيءٌ من جلده، ونبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أكمل الناس أخلاقًا، وصفه الله بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، نشأ وعاش متحليًا بكل خلقٍ كريمٍ مبتعدٍ عن وصفٍ ذميم، قال له رجل: يا خير البرية، فقال متواضعًا: "ذاك إبراهيم". رواه مسلم.

وكان أكرم الخلق نفسًا؛ فما رد سائلاً، وأطلقهم وجهًا، قال جرير -رضي الله عنه-: "ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم"، وأشدهم وفاءً، إن مرض أحدٌ من صحابته عادَهُ، وإن افتقده سأل عنه، وكان أرحمهم قلبًا، يتجوز في صلاته إذا سمع بكاء الصبي كراهة أن يشق على أمه، وألينهم طبعًا، إذا دخل إلى بيته اشتغل في مهنة أهل بيته.

وكان أعظمهم صبرًا؛ خرج من بيته والحجر على بطنه من الجوع فما اشتكى، وأوسعهم عفوًا، قاتله أعداؤه وأدموه، ولما فتح مكة قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وأوفرهم حلمًا؛ آذاه قومه فسأله ملك الجبال أن يطبق عليهم جبلين فأبى، وقال لعائشة -رضي الله عنها-: "عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش". متفق عليه.

ولم يضرب شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا، وعلى هذا النهج القوي من الإيمان بالله وعلو الخلق سار الصحابة -رضي الله عنهم-، فكانوا ذوي خلق جمّ مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال عروة -رضي الله عنه-: "إذا أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيمًا له". رواه البخاري.

وقال عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: "ما كان أحدٌ أحبّ إليَّ من رسول الله ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه". رواه البخاري.

وكان الصحابة -رضي الله عنهم- مثالاً في تبجيل بعضهم بعضًا، قال عمر -رضي الله عنه-: "أبو بكر أحلم مني وأوقر، وعثمان -رضي الله عنه- تستحي منه الملائكة لحيائه".

وبعد:

أيها المسلمون: ما أكرم العبد نفسه بمثل الإيمان بالله ودماثة الخلق، وأصل الأخلاق التوحيد، فمن فقده لم ينتفع بغيره، قالت عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن ابن جدعان -وكان من رؤساء قريش في الجاهلية- يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ينفعه؟! فقال: "إن ذلك لن ينفعه؛ إنه لم يقل يومًا: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين". رواه مسلم.

وإذا تحلَّى المسلمون بأخلاق القرآن صلح المجتمع، وكانوا دعاة خيرٍ إلى الدين بالقدوة والأفعال الحميدة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: أخلاق المؤمن استقامة في دين، وبشاشة في لين، وعفو مع إحسان، وكرم في العطاء، وعطاء في الفاقة، وتفريج كربة، وكلمة طيبة، وإفشاء سلام، وبر بالوالدين، وإحسان للجار، قال ابن المبارك -رحمه الله-: "الأخلاق بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى".

والله -عز وجل- قسَّم الأخلاق كما قسم الأرزاق، والقرآن جامع لمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، سُئِلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان خلقه القرآن".

فاقتدوا بنبيكم بالتخلق بأخلاق القرآن، وسيروا على نهج صحابته الكرام، وكونوا بأخلاقهم أسوة لغيركم، تنالوا السعادة في الدارين، ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نسألك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم ألهمنا الصواب، ووفقنا للحق وجنِّبنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].