استعمال الحكمة في الأمور

عناصر الخطبة

  1. التعريف بالحكمة
  2. الحكمة في معرفة حق الله وحق الرسول -صلى الله عليه وسلم-
  3. الحكمة في التعامل مع المصالح والمفاسد
  4. الحكمة في الاعتراف بفضائل الغير والنظر إلى أخطائهم بمنظار الرحمة والعدل
  5. الحكمة في الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه وشكر الناصحين
  6. الحكمة في عدم الدخول في أمر حتى يعرف الخلاص منه
  7. الحكمة في الاستمرار على العمل النافع المفيد
  8. سلوك طريق الحكمة وإعطاء كل ذي حق حقه
اقتباس

إن من الحكمة: أن يكون الإنسان رشيدا في تصرفه، فيبدأ بالأهم فالأهم، ويأخذ بالأصلح فالأصلح. فإذا كان أمامه مصلحتان قدم أنفعهما، وإذا رأى مصلحة عامة، ومصلحة خاصة، قدم العامة؛ لأنها أنفع وأشمل. وإذا دار الأمر بين: أن يفعل واجبا، أو تطوعا، ولا يمكنه القيام بهما جميعا قدم…

الخطبة الأولى:

الحمد لله الملك الوهاب الغني الجواد، والمتصرف في خلقه بما تقتضيه حكمته البالغة، ورحمته الشاملة، فهو الحكيم الرحيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد:

فقد قال الله -تعالى-: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة: 269].

الحكمة، هي: التصرف الرشيد الذي توضع به الأمور مواضعها اللائقة بها، بإعطاء كل ذي حق حقه، والاعتراف لكل ذي فضل بفضله.

وإن أبلغ الحكمة: معرفة العبد حق فاطره وخالقه -سبحانه وتعالى-، فإنه سبحانه له الحق الأكبر على عباده، وله الفضل العظيم عليهم.

فعلى العبد: أن يعرف ذلك لربه، ثم يقوم بما تقتضيه هذه المعرفة من شكره وطاعته، خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه.

وإن من الحكمة: أن يعترف الإنسان للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بما له من الحقوق، بأن يشهد بقلبه ولسانه أنه عبد الله ورسوله الصادق المصدوق، فيكون متبعا له مقدما لشريعته وهديه على كل شريعة وهدي معتقدا أن شريعته هي النظام الوحيد في إصلاح الدنيا والآخرة.

وإن من الحكمة: أن يكون الإنسان رشيدا في تصرفه، فيبدأ بالأهم فالأهم، ويأخذ بالأصلح فالأصلح.

فإذا كان أمامه مصلحتان قدم أنفعهما، وإذا رأى مصلحة عامة، ومصلحة خاصة، قدم العامة؛ لأنها أنفع وأشمل.

وإذا دار الأمر بين: أن يفعل واجبا، أو تطوعا، ولا يمكنه القيام بهما جميعا قدم الواجب على التطوع؛ لأنه آكد.

وإذا نشأ من فعله مصلحة ومفسدة، وتكافأتا، أخذ بدرء المفسدة؛ لأن درء المفسدة عند التكافؤ أولى من جلب المصلحة.

ومن الحكمة: أنه إذا تعارضت مفسدتان، وكان لا بد من فعل إحداهما أخذ بأخفهما ضررا، وأقلهما مفسدة.

ومن الحكمة: أن يعترف الإنسان لكل ذي فضل بفضله، فيعترف لمن أسدى إليه معروفا دينيا أو دنيويا بمعروفه، ويكافئه عليه إن أمكنه، فإن لم يجد ما يكافئه دعا له حتى يظن أنه كافأه.

ومن الحكمة: أن ينظر الإنسان إلى تصرفات غيره بمنظار الرحمة والنصح والعدل، فإن كل أحد لا بد أن يخطئ إلا من عصمه الله -تعالى-.

ولكن ليس من الحكمة: أن ينظر الإنسان إلى جانب الخطأ فقط، ويدع جانب الصواب، بل ينظر إلى الجانبين، ويوازن بينهما، ثم يسعى في إصلاح الخطأ، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملاحظة الأمرين بقوله: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها خلقا آخر"[مسلم (1469) أحمد (2/329)].

وقد يكون صاحبك مرتكبا خطأ في نظرك أنت وعندما تناقشه يتبين لك أنه ليس خطأ، فالتراجع في الأمور والمناقشة فيها بإخلاص وإرادة صالحة من أكبر الأسباب في إصلاحها ونجاحها.

ومن الحكمة: إذا نبه الإنسان على خطأ أن لا يركب رأسه، ويعبد هواه، فيمضي في خطئه ورأيه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والمؤمن ضالته الحق حيث وجده أخذه.

وكثير من الخلق يمنعه منصبه أو جاهه من الرجوع إلى الحق بعد ما تبين له، وهذا من السفه.

فنسأل الله أن يعيذنا من ذلك.

ومن الحكمة: إذا جاءك أخوك ناصحا لك أن لا تعبس بوجهه أو تظهر له الاستياء، فإن من حق الناصح أن يقابل بالشكر، فإن شكر الناصح فضيلة للمنصوح، وتشجيع للناصح، ولا مانع من أن تبين له الأسباب التي أدت إلى فعل ما نصحك من أجله.

أيها الناس: وإن من الحكمة: أن لا يدخل الإنسان في أمر حتى يعرف الخلاص منه، فإن بعض الناس يغتر بظواهر الأمور ومبادئها، حتى إذا تورط فيها لم يستطع الخلاص منها.

وإن من الحكمة: أن من ابتدأ بعمل وارتاح له فليستمر عليه، فمن بورك له في شيء فليلزمه.

وبعض الناس يبدأ الأعمال ولا يتممها فيمضي عليه الوقت سبهللا من غير فائدة، فمثلا يقرأ في هذا الكتاب أو في هذا الفن ثم يدعه من غير أن يكمله، وينتقل إلى غيره، ثم إلى آخر من غير تكميل الأول، فيضيع عمله، وينقضي عمره، بلا فائدة.

وكذلك في الأعمال الأخرى، كل يوم له عمل، وكل يوم له رأي، فيضيع الوقت عليه من غير فائدة.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-: واعرفوا الحكمة، واسلكوا طريقها، وأعطوا كل ذي حق حقه، وكل عمل ما يستحقه، واعترفوا لكل ذي فضل بفضله، فإن ذلك هو الحكمة: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة: 269].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم … إلخ…