يوم عرفة .. إكرامه خاص ونفعه عام

عناصر الخطبة

  1. أهمية يوم عرفة وفضائله
  2. أحوال السلف في يوم عرفة
  3. دروس نافعة من تاريخ يوم عرفة
  4. الأعمال المشروعة في يوم عرفة
اقتباس

أيها المسلمون، يا من أنتم خارج عرفة: اعلموا أن بركات عرفه تصلكم، ونفع عرفه يعم عليكم، فما أنتم عاملون؟ وكيف أتعبد الله في يوم عرفه وأنا خارج عرفة؟ أيها المسلمون: هذا اليوم المبارك، يوم عرفة، نقوم فيه بعملين صالحين يحبهما الله -تعالى-، وشرعهما لنا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ودعانا أن نفعلهما يوم عرفة، وأن نتعبد الله بهما: العمل الأول: هو أن…

الخطبة الأولى:

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان.

وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله..

وبعد:

أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها: ما شرف يوم عرفه؟

يوم عرفة هو يوم عيد خاص للأمة المسلمة الموحدة، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[المائدة: 3] قال عمر: "قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم بعرفة، يوم جمعة".

ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "يوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة، ولذلك كُره لمن بعرفه صومه".

يوم عرفة ذلك اليوم المشهود، يوم أقسم الله به، ولا يقسم الله إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3].

ففي الحديث الحسن الذي يرويه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة".

 يوم عرفة، يوم الإكرام، يوم أكرم الله فيه مَنْ في عرفه خَاصّة، أكرمهم أيّما إكرام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبرا".

وفي رواية: "وأما وقوفك بعرفة فإن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك"[حديث حسن].

 يوم عرفة يوم العتق من النار، قال فيه نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة".

 عباد الله: لقد كان للسلف الصالح من هذه الأمة أحوال طيبة في هذا اليوم من انشراح الصدر والرغبة والرجاء في مغفرة الله في هذا اليوم، فكان أبو عبيدة الخواص يقول في الموقف: "وكان بعد ما كَبُر يأخذ بلحيته، ويقول: يا رب قد كبرت فأعتقني".

قال ابن المبارك: "جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إليّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له".

وروي عن الفضيل: أنه نظر إلى نشيج الناس، وبكائهم عشية عرفة، فقال: "أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه سدس درهم، أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: واللهِ لَلْمَغْفِرَةُ عند الله أهون من إجابة رجل لهم بسدس درهم".

عباد الله: ما أحوال نبينا -صلى الله عليه وسلم- في ذلك اليوم؟

أيها المؤمنون في كل الدنيا: يوم عرفة نستذكر به ذلك اليوم التاريخي، ذلك اليوم الذي لن يتكرر في الدنيا مرة ثانية، ذلك اليوم الذي وقف فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الموقف المشهود، وقف على صعيد عرفة.

ففي ذلك اليوم، يوم عرفة، أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- عرفةَ، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، ثم أتى بطن الوادي، ووقف، وقد اجتمع حوله أكثر من مائة وعشرين ألفاً من الصحابة المؤمنين، الموحدين، الحاجين، العابدين، الذاكرين، اجتمعوا في صعيد عرفة، بعد أن غابت شمس المؤمنين الموحدين عنه قروناً عديدة، بعد أن تعطلت عرفات، فلا تلبية تسمع ولا دعاء يطلب، ولا ربا يذكر، ولا إلها يوحّد، أكثر من مائة وعشرين ألف صحابي حول نبي الرحمة في صعيد عرفات، على جبل الرحمة، بعد أن لم يكن يرتاده أحد.

نعم، وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في عرفات خطيباً بالناس، مبلغاً لدين الله، مبلغاً عن ربه، معلما لأمته، ناصحا لأتباعه.

نعم، في حجة الوداع خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبته الخالدة فكان مما قاله لهم ولنا ولمن سيأتي بعدنا: "أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم بينكم حرام، فلا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وإن ربا الجاهلية موضوع، وقضى الله أنه لا ربا، واستوصوا بالنساء خيرا، إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، أن ربكم واحد، وإن إلهكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

نعم، في ذلك اليوم أشهد الله على أنه بلغ رسالته، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد".

في ذلك اليوم ودع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بتلك الكلمات الحزينة، فقال لهم: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".

هذا هو يوم عرفة يوم فيه إكرام الرب، ووحي النبوة، ورجاء السلف.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله…

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها المسلمون، يا من أنتم خارج عرفة: اعلموا أن بركات عرفه تصلكم، ونفع عرفه يعم عليكم، فما أنتم عاملون؟ وكيف أتعبد الله في يوم عرفه وأنا خارج عرفة؟

أيها المسلمون: هذا اليوم المبارك، يوم عرفة، نقوم فيه بعملين صالحين يحبهما الله -تعالى-، وشرعهما لنا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ودعانا أن نفعلهما يوم عرفة، وأن نتعبد الله بهما:

العمل الأول: هو أن نصوم يوم عرفة؛ شرع لك نبيك -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة، وأعظم الله الأجر لعباده الصائمين فيه، فلئن كان الحجاج يقفون في صعيد عرفات يُلبّون ويَدْعون، فإن الله قد أكرم عباده الذين لا يقفون في أرض عرفات ولم يكتب لهم الحج، أكرمهم بمضاعف الأجر وتكفير الذنب، فنفعهم ببركات هذا اليوم فضلا منه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".

العمل الصالح الثاني: هو أن ندعو يوم عرفة وأن نذكر ذِكْر الموحدين فيه، نعم، هذا اليوم المبارك، يوم عرفة هو يوم الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة".

قال المباركفوري: قوله: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة": "لأنه أجزل إثابة، وأعجل إجابة".

وهذا اليوم المبارك -يوم عرفة- هو يوم الذكر والتسبيح بتوحيد الله، قال فيه صلى الله عليه وسلم: "وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".

فلنكثر يوم عرفة من الدعاء، ومن هذا الذكر المبارك.

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا يا رب العالمين.