من هدايات السنة النبوية (3) حديث العلم والهدى

عناصر الخطبة

  1. قيمة النور الذي أنزل عليه
  2. أقسام الناس تُجاه ذلك النور
  3. ندرة أهل العلم والعمل في هذا الزمن
  4. طائفة القيعان –التي لا تعلم فتعمل- تمثل الغالبية من الناس في هذا الزمن
اقتباس

طريقُ الكتاب والسنة لا يضلُّ سالكها، ولا يهلك ضاربُها، طريقُ الأمنِ والسعادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة، ضلت بأهل الأهواء أهواؤهم، وحادت بالعقلانيين عن الحق عقولهم، وهام بأهل الوجدان في أَوْدِيَة الضَّلال وجدانهم، ولم يسلم من غوائل الأهواء، وأشواك الضلال، إلا أهلُ الحق والإيمان، الذين اعتصموا بالكتاب والسنة، وأحسنوا التلقي عن سلف الأمة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ (الأحزاب: 70 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله -تعالى-، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور مُحْدَثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون: طريقُ الكتاب والسنة لا يضلُّ سالكها، ولا يهلك ضاربُها، طريقُ الأمنِ والسعادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة، ضلت بأهل الأهواء أهواؤهم، وحادت بالعقلانيين عن الحق عقولهم، وهام بأهل الوجدان في أَوْدِيَة الضَّلال وجدانهم، ولم يسلم من غوائل الأهواء، وأشواك الضلال، إلا أهلُ الحق والإيمان، الذين اعتصموا بالكتاب والسنة، وأحسنوا التلقي عن سلف الأمة، فحينما كان لأهل الأهواء في كل ضلال مسلك، ومن كل مذهب مَنْزَع، وفي كل هوًى مشرب؛ بقي أهل السُّنَّةِ على الأَمْرِ الأوَّل، والطريق الأوحد، المُوَصِّل إلى رِضْوَان الله -تعالى- والجنَّة.

أيها الإخوة: وهذا حديث من السنة يُظهر فيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من قيمة النور الذي أنزل عليه، ويذكر أقسام الناس تُجاه ذلك النور، من منتفع به وغير منتفع، ومُقْبِل عليه ومُعْرِض عنه، وداعٍ إليه وصادٍّ عنه، إنه حديث العلم والغيث، والهدى والنور، الذي يرويه أبو مُوسى الأشْعَرِيّ -رَضِيَ الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ مَثَلَ ما بَعَثَنِي الله -عزَّ وجلَّ- به من الهُدَى والعلم؛ كَمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أَرْضًا؛ فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أَجادِبُ أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفةً منها أخرى، إنما هي قيعان لا تُمْسِكُ ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مَثَل من فَقُه في دين الله، وَنَفَعَهُ بِما بَعَثَنِي اللَّهُ، فعَلِم وعلَّم، ومَثَل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدَى الله الذي أرسلت به"؛ أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم[1].

شَبَّه -صلى الله عليه وسلم- ما بُعِثَ به من الهُدَى والعِلْم بالغَيْث الذي يغيث العِبَاد، ويُحْيِي البلاد، ولقد كان الناس قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم- أمواتًا وإن كانوا يتحركون، وأشقياء وإن كانوا يتنعمون، لَهُمْ أَعْيُنٌ ولكنهم لا يبصرون، ولهم آذان ولكنهم لا يسمعون، ولهم عقول ولكنهم لا يعقلون: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان:44]، ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ﴾ [الأعراف:179].

فكان لابُدَّ لهذه الآذان الصُّمِّ، والأعْيُنِ العُمْيِ، والقُلُوبِ الغُلْفِ مِنْ عِلْمٍ يَفْتَحُهَا ويُنَوِّرُها، وكان من المُتَحَتِّم لإحياء النفوس الميتة من غَيْثٍ يَبْعَثُها وينهض بها؛ إذ إن حال الناس بلا هدى؛ كحال الأرض بلا غيث؛ فكان ذلك ما بعث الله به مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-.

ولم يُعَبّر عنه في الحديث بالمطر؛ لأن المطر قد ينزل ولا حاجة مُلِحَّة، أما الغيث فمطر مُحْتَاج إليه يغيث الناس عند قِلَّة المياه، وقد كان النَّاسُ مُتَحَيِّرِينَ قَبْلَ بَعْثَتِهِ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى أَغَاثَهُمُ الله بِالوَحْيِ[2]؛ فاخْتَلَفَتْ مَوَاقِفُ النَّاسِ مِنْهُ؛ كما تَخْتَلِفُ طوائِفُ الأَرْضِ في استقبالِ غَيْثِ السَّماءِ: "فكانت منها طائِفَةٌ طَيِّبَةٌ- وفي رِوَاية البخاري (نقية) – قَبِلَتِ الماءَ فَأَنْبَتَتِ الكلأ، والعُشْب الكثير"، وهكذا تنتفع الأرض الطيبة، يصيبها الغيثُ فَتَسْتَقْبِلُه ثم تنتجُ العشب والكلأ؛ لينتفع به أهل الأرض.

وأهلُ العلم والإيمان يَتَعَلَّمُونَ عُلوم الشريعة فيحفظونها ويفقهونها، ويعملون بها ويبلغونها أرض طيبة، وعلماء عاملون لهم دروس ومحاضرات، وفَتَاوى ومصنفات علموا فعملوا، وتعلموا فعلَّموا. يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقولون الحق لا يخافون في الله لَوْمَة لائم. يهدون الضال، ويفتون السائل، ويرشدون المسترشد مع عبادة في الخلوات، وتدبر للآيات، وتفكر في عجائب المخلوقات، أولئك نتاجهم ونفعهم؛ كنتاج الأرض الطيبة، أخضر طيب، ينتفع به سائر الأحياء، ويغذي جميع الأبدان؛ بل نتاجهم أكثر طيبًا، وأعظم نفعًا؛ إذ هو غِذَاء القُلُوب، وما حياة الأبدان إذا ماتت القلوب!! "فذلك مثل من فَقُه في دين الله، ونفعه بما بَعَثَنِي الله به فعلم وعلم".

وأما الطائفة الثانية من الأرض: فاختزنت الغيث؛ لينتفع به الغير وإن لم يظهر أثره عليها: "وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا" شُبِّهت بها طائفة من العلماء تعلمت لكنها ما عملت، وحفظت لكنها ما فقهت، فمهمتها تنحصر في حفظ هذا العلم حتى يأتي من ينتفع به، أراض أجادب تمسك الماء ولا تنتفع به، والأجادب من أهل العلم يحفظونه ولا يظهر أثره عليهم لا في ورع ولا تقوى، ولا عمل ولا دعوة، أو لا يفقهون ما حفظوا؛ ولكنهم ينقلونه إلى غيرهم فيفقهونه، فمنفعتهم في حفظ العلم؛ كما حفظت الأرض الجدباء الماء.

قال النووي -رحمه الله تعالى-: "والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها؛ لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس: لهم قلوب حافظة؛ لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل؛ فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم، أهلٌ للنفع والانتفاع؛ فيأخذه منهم فينتفع به"[3]. ا هـ.

"وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً" إنه مَثَلُ الطائفة التي لا تعلم فتعمل، ولا تحفظ فتُؤَدِّي، فلا نفع فيها ولا خير بلغها النور والهدى فما حفلت به، وربما أعرضت عنه، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "ومثالها من الأرض: السباخ، وأشير إليها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لم يرفع بذلك رأسًا"؛ أي أَعْرَضَ عنه فلم ينتفع به ولا نفع، والثانية: من لم يدخل في الدين أصلاً؛ بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض: الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولم يقبل هدى الله الذي جئت به"[4] ا.هـ.

فكان في الحديث: حافظ فقيه عامل داعية؛ فهو خير الناس، وأقل منه حافظ فقيه عامل؛ لكنه غير معلم ولا داعية فاقتصر بالنفع على نفسه دون غيره، وبعده حافظ غير فقيه أو غير منتفع بِعِلمه، ثم أسوأ الناس غير مبال بالهدى والعلم، وأسوأ منه معرض عن الدين كله[5].

أسأل الله -تعالى- أن ينفعنا بما نقول ونسمع، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يتوفَّانا على الإيمان والسنة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمُتَّقِين، ولا عُدْوَان إلا على الظَّالِمِين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وَليّ الصالحين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين – صلى الله وسلم وبارك عليه-، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم تفلحون: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحشر:18].

أيها الإخوة المؤمنون: كلما تقادم زمن البعثة النبوية ازداد السوء في الأرض، ولا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه؛ كما هو ثابت في أخبار الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، وفي أزمنة انتشار الشر والفساد؛ فإن الطائفة الأولى الطيبة من العلماء العاملين يندرُ وجودها في الأمة حتى لا تكادُ توجد؛ إذ يشوبُ العلم مايشوبه من حبِ الدنيا، وضعف الإخلاص، وقلةِ التورع، وخشية الناس.

وتكون الطائفة الثانية أكثر في الناس من الأولى؛ فتبصرُ حفَّاظًا لا يفقهون، وفقهاء لا يعملون؛ فيأخذ العلم عنهم من ينتفع في نفسه، وينفع به الناس، فهم كأجادب الأرض، أمسكت الماء حتى انتفعت به الأحياء، وهذه الطائفة وإن كانت أكثر من الأولى إلا أنها تبقى قليلة في الناس.

ومع تحول جمهور الأمة إلى الغثائية؛ فإن طائفة القيعان تمثل الغالبية العُظْمَى من الناس، ونماذجها في الناس متعددة؛ فالمنحرفون في عقيدتهم، المُتَرَدُّونَ في هُوَّةِ الشرك، أوِ المُقَيَّدون بأغلال البدعة والضلالة، يظنُّونَ أنَّهم على صواب، ويحسبون أنهم على شيء وهم في ظلمات الباطل والخطأ يهيمون، هؤلاء على قائمة القيعان التي ما انتفعت بهدى الله – تعالى- ونوره، وتبلغ هذه القيعان نسبة مخيفة؛ إذ إن غالبية أمة الإسلام في هذا الزمن هي من هذا الصنف في شتى البلاد والبقاع.

والمنحرفون في فكرهم، المنافقون في عقيدتهم، الذين يريدون تغريب الأُمَّة وعلْمنتها، واستبدال دينها بفلسفات الشرق والغرب ما هم إلا أنموذج سيئ لهذه القيعان في الأمة؛ جاءهم العلم والهدى فرفضوه وأعرضوا عنه، واتهموه بالرجعية والظلامية. وكيف لا يكون من القيعان السيئة من يجعل النور ظلامًا، والهدى ضلالاً؟!

وحسبك من انحرافهم أنه كلما أخفقت فلسفة أو نظرية عند أصحابها، ركبوا أختًا لها أشدَّ شذوذًا وانحرافًا، ويكفيك من خبثهم وضررهم طول نفسهم واستماتتهم في حرب الإسلام وأهله، كفى الله المسلمين شرورهم، وَرَدَّ كيدهم إلى نحورهم.

وقطاع عريض من الأمة يُمَثّلون درجاتٍ متفاوتة من هذه القيعان المتنوعة؛ منهم من قصروا في الفرائض، وارتكبوا الموبقات، وجهِلوا كثيرًا من أحكام الدين، وآخرون برعوا في كثير من علوم الدنيا؛ لكنَّهم جهِلوا الضَّرورِيَّ من علوم الشريعة: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الرُّوم: 7]، ومِنْ هؤلاءِ وأولئك قيعان استنكفت أن تتعلم الضروري من الدين بحجة التخصص، واستعظمت نفوسها أن تنتظم في حلقة لتحْفَظَ آيةً أوْ سُورةً مِنَ القرآن، واستكبرت أن تحضر درسًا لتتعلم فريضة أو تُتقِنَ عبادة، وارتأت أن ذلك يَمَسُّ كرامتها، ويَحُطُّ من قدرها؛ مع أن كثيرًا من أفراد هذه الطائفة لا يحسن قراءة الفاتحة، أو لا يعرف كيفية الوضوء أو الصلاة على وفق السنة.

وقيعان أخرى لا يستهان بعددها جهلت أخبار الإسلام والمسلمين؛ لكنها أتقنت أخبار السياسة، وأنباء الإذاعة، وطائفة الشباب من هذه القيعان لا تعرف شيئًا عن ملاحم المسلمين وبطولاتهم وأعلامهم وتاريخهم؛ لكنها تعرف الكثير عن تاريخ السفلة والمنحطين من أهل الرياضة والتمثيل، والغناء، والرقص.

إنها قيعان استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، اهتمت بما لا ينفع في الدنيا والآخرة، وغفلت عن النفع الدائم الذي لا ينقطع.

وبعد: أيها الإخوة: فهذه أقسام الناس تجاه الهدى والنور الذي أنزل على -محمد صلى الله عليه وسلم-، فلينظر كل عاقل موقعه من هذه الطوائف، وليحذر أن يكون من القيعان التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ، ولم لا يحرص ويجاهد نفسه على أن يكون من الطائفة الطيبة التي أمسكت الماء، وأنبتت الكلأ، ونفعت الناس؟

ثم ليحاسب كل عبد نفسه قبل أن يحاسب، ويزن أعماله قبل أن توزن؛ فإن الموعد قريب، والحساب عسير، ألا وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم بذلك رب العزة والجلال…

ــــــــــــــــ

[1] أخرجه أحمد (4/399)، والبخاري في العلم؛ باب فضل من عَلِم وعلَّم (79)، ومسلم في الفضائل؛ باب بيان مثل ما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهدى (2282)، والبغوي في "شرح السنة" (135). [2] انظر: "فتح الباري" لابن حجر ( 1/211)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (1/265)، و"عمدة القاري" للعيني (2/80)، و"دليل الفالحين شرح رياض الصالحين" لابن عِلاَّن (2/212). [3] شرح النووي على صحيح مسلم (15/69) وانظر: "شرح الأبي" (8/215). [4] فتح الباري لابن حجر (1/212-213). [5] اختلف العلماء في عدد الطوائف التي احتواها الحديث: فالنووي في "شرح مسلم" جعلها ثلاث طوائف من الأرض، وثلاث طوائف من الناس (15/69)، وتبعه في ذلك العيني في "عمدة القاري" (2/79)، والشيخ العثيمين في "شرحه على رياض الصالحين" (3/352)، والحافظ في الفتح: يرى أن في كل مثل طائفتين فالمثل الأول فيه الحافظ الفقيه المعلم، والحافظ فقط. والمثل الثاني فيه من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه وهو؛ كالأرض السباخ، والطائفة الثانية من المثل الثاني من لم يدخل في الدين أصلاً انظر: "الفتح" (1/212-213)، وكلامه – رحمه الله – أكثر دِقَّة وفقهًا.