جريمة السرقة وبعض أنواعها

عناصر الخطبة

  1. حث الإسلام على طلب الرزق وتحذيره من المكاسب الخَبيثة
  2. صيانة الإسلام للأموال وذمه للسرقة
  3. عقوبة السارقِ المحددة في الشريعة الإسلامية
  4. آثار تطبيق حد السرقة على الفرد والمجتمع
  5. تطبيق النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء للحدود الشرعية
  6. ثمرات وفوائد تطبيق الحدود الشريعة
  7. شمولية مفهوم السرقة وبعض صورها
  8. أسباب انتشار جريمة السرقة
  9. وسائل الحد من جريمة السرقة ومحاربتها
اقتباس

إنَّ السارقَ قد ارتكب خُلقًا سيّئًا، ضعُفت نفسه عن العمل، ضَعفت نفسه عن الإنتاج، ضعُفت نفسه عن التنافسِ في سبُل الخير، وإنما لَجَأ إلى هذه الطّرُق الملتَوِية يعرِّض فيها دينَه، ويعرِّض فيها حياتَه وسمعتَه، ويغامِر وربّما وقع في الفخّ فقُضِي عليه فخَسِر دنياه وآخرَتَه، وإن نال منَ السرقة ما نال، فمال الحرامِ هو سحتٌ وظلم وعدوان، يجعَل قلبَه دائمًا يلهَث، لا…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله:

أما بعد:

أيها المسلمون: إنَّ الله -تعالى- أمر العبادَ بطلَبِ الرّزق، وحثَّهم على ذلك، فقال تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[العنكبوت: 17].

وقالَ جلّ جلاله: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾[الملك: 15].

وحرَّم الإسلام على المسلم سؤالَ الناس، ورغَّب المسلم في القناعةِ بما أعطاه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال المسألةُ بوجهِ أحدكم حتى يلقَى الله وليس في وجهِه مزعةُ لحم".

ورغَّب في الاكتسابِ، فقال صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذَ أحدكم حبلَه فيحتطب فيبيعه خيرٌ له من أن يسألَ الناسَ أعطوه أم منعوه".

وحرّم الله على المسلِم المكاسبَ الخَبيثةَ، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾[النساء: 29].

وفي الإسلام دعوةٌ للمسلم لاحترامِ أموالِ الآخرين، وحِفظِها وصيانتِها، وأنّ هذا من الضروريّات التي دعا إليها، فأموالُ المسلمين يحرم التعدِّي عليها إتلافًا واغتصابًا، سَرِقة وغشًّا وخِيانة، ولأجلِ هذا حرِّمَت سرقةُ أموال المسلمين، وجُعِلت السرقة كبيرةً من كبائر الذنوب، جريمةً من الجرائم الأخلاقيّة التي لا يتَّصف بها ذو دينٍ صحيح، واستقامةٍ على الخير.

ذلكم -أيّها المسلم- أنَّ السرقة خلُقٌ ذميم، خلُق رذيل، خلُقٌ يملِي أنّ هذا السارقَ لا قَدرَ له ولا قيمة، ذَلكم أنّ هذا السارقَ عضوٌ أشلّ في مجتمعه، لا يعوَّل عليه ولا يطمأَنّ إليه ولا يركَن إليه، لماذا؟

لأنّ هذا شخصٌ مجرِم عطَّل القُوَى التي منَحَه الله إياها، منحه الله السمعَ والبصر والعقلَ، ويسَّر له الأمورَ، لكنّه لم يرضَ بهذا، بل سخَّر حواسَّه وقواه في أمور رديئة رَذيلة.

إنَّ السارقَ قد ارتكب خُلقًا سيّئًا، ضعُفت نفسه عن العمل، ضَعفت نفسه عن الإنتاج، ضعُفت نفسه عن التنافسِ في سبُل الخير، وإنما لَجَأ إلى هذه الطّرُق الملتَوِية يعرِّض فيها دينَه، ويعرِّض فيها حياتَه وسمعتَه، ويغامِر وربّما وقع في الفخّ فقُضِي عليه فخَسِر دنياه وآخرَتَه، وإن نال منَ السرقة ما نال، فمال الحرامِ هو سحتٌ وظلم وعدوان، يجعَل قلبَه دائمًا يلهَث، لا يقنَع بالحلال ولا يطمئنّ إليه، بل لو خيِّر هذا بين كسب الحلالِ والحرام لكان الحرامُ عنده أحسنَ وألذَّ من الحلال؛ لأنَّ فطرتَه قد انتكسَت -والعياذ بالله-: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾[فاطر: 8].

إنها يدٌ خبيثة تمتدّ إلى الأموال والبيوت، والسيارات والجولات، ووصلت إلى جيوب المصلين لسرقة محافظهم لحظة زحمة الأبواب في المساجد، تُروّع الآمنين، وتأكل أموالَ الناس ظلمًا وعدوانًا، وربما زيَّنت له نفسُه الخبيثة أن يتوسَّل إلى جريمتِه بسفكِ الدماء، وقتلِ الأبرياء، فيرتكِب الآثام بعد الآثام.

ولهذا جعل الله عقوبةَ السارقِ قطعَ يدِه عقوبةً له على هذا الظلمِ، هذه اليدُ التي لو جُنِي عليها لوجب فيها نصفُ الدّية، فإذا سرقَت وخانت هانَت وحُكِم بقطعها، حتى يراه الآخرون فيعتبِروا ويتَّعظوا ويعلَموا أنّ هذا مآل السارقين وجزاؤهم في الدنيا، وما عندَ الله لهم من العقوبةِ إن لم يتوبوا أضعافُ ذلك، قال الله -تعالى-: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[المائدة: 38].

حكمٌ من الله وعقوبةٌ رادعة لتكون مانعةً لهؤلاء وغيرهم: ﴿فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ فتُقطَع يده اليمنى، وإن عاد فاليُسرى، وهكذا حتى يسلَم الناس من شرِّه وبلائه: ﴿جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

هذا الحكمُ الشّرعيّ متى طبَّقه المسلِمون، وحافظوا عليه، فإنهم يضمَنون حِفظَ الأموال، واستقرارَ الأمن وقوّتَه؛ لأنّ الأمةَ لا يمكن أن يستقرَّ لها قرار إلا بتنفيذِ أحكام الله، فحدودُ الله التي شرعَها ربّ العالمين رادِعة لأهل الإجرام، ومُوقِفة لهم عند حدِّهم، وحاجِزة بينهم، وبين الاستمرار في رذائِلهم وقبائحهم.

ومحمّد -صلى الله عليه وسلم- طبَّق هذا الحكمَ، ونفَّذ هذا الحكمَ طاعةً لله، وتحكيمًا لشرعه، وردعًا لمن تُسوّل له نفسُه الإقدامَ على هذه الجريمة.

ففِي عهد المصطفَى -صلى الله عليه وسلم- سُرِق من صفوان بنِ أميّة رداؤه من تحت رأسِه، فأتى بالسّارِق للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكانت قيمةُ الرداء لا تجاوِز عشرين درهمًا، فأمر النبيُّ بقطع يدِ ذلك السارِق، فقال صفوان: "يا رسول الله تقطَع يده في رداء! هو له؟" قال: "هلاّ قبل أن تأتِيَني به" فأمَر بقَطع يدِه.

وامرأةٌ من بني مخزوم كانت تستعير المتاعَ وتجحده، وفي بعض الروايات أنها تسرِق، فأمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدِها، فهمَّ قريشًا أمرُها، وقالوا: من يكلِّم فيها رسولَ الله؟ فما رأَوا إلاّ أسامة حِبَّ النبيّ وابن حبّه، ومولاه وابن مولاه، فكلَّموه أن يشفعَ ليُسقِط هذا الحدَّ حتى لا تفتَضِح القبيلة بأن قطِعَت يدُ امرأةٍ من نسائهم، فلمّا كلَّمه غضِب صلى الله عليه وسلم على أسامة، وقال: "أتشفَع في حدٍّ من حدود الله؟!" ثمّ خطَب النّاس، فقال: "إنما أهلَكَ مَن كان قبلَكم أنهم إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيف أقاموا الحدَّ عليه، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنتَ محمّد سرقَت لقطعتُ يدَها" ثم أمَر بها فقُطعت يدُها.

هذا الحكمُ الشّرعيّ عندما ينفِّذه المسلمون طاعةً لله يجِدون لذّةَ ذلك، وراحةَ الأمّة وسلامتَها.

حدودُ الله عدلٌ وخَير، حدود الله مصلَحَة للحاضِرِ والمستقبل، حدود الله لا ظلمَ فيها ولا جَورَ.

يَدٌ كانت ذا شرفٍ وقيمة، لكن لما زلَّت وهانت قُطِعَت بمقدارِ رُبعِ دينار، فكان في شرعِ الله أنَّ اليدَ تقطَع إذا سرَقَت رُبعَ دينار أي ما يعادل ريالَين أو نحو ذلك؛ لأنَّ النظر ليس لقلَّة المسروقِ أو كثرتِه، النظرُ أنها جريمة يجِب استِئصالها من أفراد المجتمع والقضاءُ عليها، وفي الحديث: "لعَنَ الله السارق يسرِق الحبل فتُقطَع يدُه، ولعن الله السارقَ يسرِق البيضةَ فتُقطع يده".

وقَطَع أمير المؤمنين عثمان بنُ عفان -رضي الله عنه- يدَ سارِقٍ سرَق أترُجّة قوِّمَت بربعِ دينار فقطَع يدَه فيها.

هكَذا جاءت شريعةُ الإسلام لترسِيَ دعائمَ الأمن والاستقرار، وتقضي على الفساد، وتوجِّهَ المجتمع إلى الجدِّ في طلب الرّزق، والبُعد عن المسالك الخبيثةِ، والطّرُق السّيّئة.

أيّها المسلمون: إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام الحدودَ في مجتَمَعِه، وهي الحدود الصالِحة لكلِّ مجتمع إلى أن تقومَ الساعة، فلا يقِي المسلمين شرَّ السّرَّاق وغيرهم من أصحاب الجرائم إلا حدودُ الله إذا أقيمَت.

وإذا كانت هذه في سرقَة الأموال الخاصّة، فكَذَلك سرقةُ الأموال العامة، فإنها غلّ، يقول الله -جل وعلا-: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾[آل عمران: 161].

أيها المسلمون: حدودُ الله جامِعة بين أمرَين: رَدع للمجرمين، وإيقاف لهم عند حدِّهم، حتى يرتَدِعوا ويعلَموا أنّه لا مَناصَ مِن تنفيذِ حدودِ الله، فتدعُو إلى ارتداع المجرمين وإمساكِهم عن شرّهم.

وثاني ذلك: أنَّ الحدودَ طُهرة لمن أقيمَت عَليه، تمحِّصه وتطهِّره من جريمته، ولذا قال الله في السّارق: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[المائدة: 39].

جيء بسارقٍ للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: "ما إخالك سرقتَ؟ قال: بلى سرقتُ، فردَّدها عليه ثلاثَ مرّات، ثم قطع يده، ثم أُتي به، فقال: استغفِر لي، قال: "اللّهمّ اغفِر له" فدعا له.

وفي بعض الألفاظ عن عائشةَ في قصّة المرأة التي قُطِعَت يدُها، قالت: "كانت تأتيني فتشكو إليّ حاجتَها، فأرفعها لرسول الله فيقضِي حاجتها.

ولما حسُنَت توبَتُها، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها-: "أخبرِيها بأنَّ يدَها أمامها في الجنّة".

أيها المسلمون: قد يظن البعض من الناس أن مفهوم السرقة محصور فقط في أخذ مال الغير من حِرْزه، والاستيلاء عليه بدون وجه شرعي وكفى.

ولكن مفهوم السرقة أعمق من هذا بكثير، فقد تفنن الناس فيها، واخترعوا اختراعات، حتى صارت أنواعاً ودرجات بعضها أظلم وأعقد من بعض.

فمن أنواع السرقات التي انتشرت في الآونة الأخيرة في العالم أجمع: سرقة الأعمال الأدبية، وسرقة المؤلَّفات بكاملها أو بعضها، أو الخروج على قانون الاقتباس، وهذا ما قد عمَّت به البلوى.

وكذلك ما تفعله بعض دور النشر والتحقيق التي لا ضمير لها، وكذا بعض الأفراد الذين يعملون في هذا المجال فمصائبهم لا تعد ولا تحصى.

كل هذا سرقة للتراث، وقتل للنبوغ والابتكار وإهلاك الاقتصاد.

ومن أنواع السرقات: سرقة بعض المدراء لجهود مرؤوسيهم، ولا سيما إذا كان هذا المدير ذا فصاحة وبيان، وعنده القدرة على التلاعب بالألفاظ والاستخفاف بعقول الآخرين، والتأثير عليهم بسحر لسانه، وقوة بيانه، وكذبه وتماديه في الباطل، فيخلط مع الكلمة ألف كذبة، ليأكل بلسانه حقوق الموظفين التابعين لإدارته.

وهذا الصنف من المدراء كثير، لا كثَّرهم الله في كل زمان ومكان.

ومن أنواع السرقات: ذلك الرجل الذي يسرق عرق عمّاله، ذلك العامل الذي تحمّل الغربة عن أهله وبلده، وكم في قلبه من لوعة، يأتي إلى هذا البلد فيظن الخير، ولكن يصادف بكفيل تجرَّد عن الرحمة، فيسلبه راتبه الذي لا يتجاوز 500 ريالاً، ثم يفاوضه على التنازل مقابل نقل كفالته، ألا خسئت مثل هذه الأخلاق.

ومن أعظم أنواع السرقات: سرقة دين الناس وأخلاقهم من قبل أرباب القنوات الفضائية، هذه القنوات التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وكل يوم تُفتح قنوات جديدة أكثر ميوعة وخلاعة وانحداراً، سَرقت من المسلمين دينهم وأخلاقهم، وضيعت عليهم صلواتهم، وأفسدت صيامهم، فإذا سُرق من المسلم أغلى ما يملك وهو دينه وعقدته فماذا بقي له بعد ذلك.

والناس قد يقيموا الدنيا ولا يقعدوها لو سُرق شيئاً من دنياهم، لكنهم لا يتحركون ولا يبالون وقد سُرق منهم دينهم وأخلاقهم، وهذا من البلادة وموت الشعور -نسأل الله السلامة والعافية-.

ولا أظنني محتاج في هذا المقام أن أبين خطورة القنوات الفضائية؛ لأن خطرها أصبح ظاهراً للجميع، والكثير يعانون الأمرين من انحدار كثير من الجوانب في بيوتهم وأولادهم، من إهمال وتضييع للصلوات والدراسة والوظيفة.

ومن أهم أسباب ذلك وغيره مما يعانيه المجتمع أجمع في عدد من الجوانب هو: سرقة دين الناس وأخلاقهم من قبل أرباب القنوات الفضائية بشكل خاص، ومن الإعلام بشكل عام -والله المستعان-.

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرّحيم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله …

أما بعد:

أيها المسلمون: لماذا انتشرت جريمة السرقة؟.

المشكلة -يا عباد الله- لا يرتبط حلها بالجهات الأمنية فقط، فالجهات الأمنية والرقابية هي جزء من الحل، والمشكلة لها جوانبها الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية.

فظهور مشكلة كالسرقة في أي مجتمع، فإن المجتمع مسؤول بأكمله عن حلّها، ومن الخطأ والظلم: أن يتنصل أحد من المسؤولية، وإن كانت المسؤولية بشكل غير مباشر.

فمشكلة التربية التي نعاني منها اليوم ومنذ سنوات هي لا تزال تظهر لنا اليوم هذا الكمّ الهائل من المشاكل، مشكلة سوء التربية هي التي تُظهر لنا المسلِم السارق، هي التي تُظهر لنا المسلم الذي يتعاطى المخدرات، هي التي تُظهر لنا المسلم الديّوث، هي التي تُظهر لنا المسلم الخائن، هي التي تُظهر لنا المسلم الغشاش والزاني والمرابي والعاق.

كلّ هذا سببه سوء التربية، وما يحصل داخل البيوت في سنوات الطفولة والتربية والغرس يخرج خارج البيوت حينما تشتد السواعد، ما يحدث داخل البيوت من انصراف الأبوين أو أحدهما عن أبنائه، ومن عدم اتفاق الأبوين على كلمة سواء في تربية الأبناء، أو ما يشهده البيت من قسوة الأب على أبنائه حينما يقعون في الخطأ، ما تشهده بعض البيوت من انفصال الأبوين عن بعضهما وتبعات ذلك، ما يشهده البيت من تأخر الأب عن البيت لساعات متأخرة للسمر واللهو، ما تشهده البيوت من إعطاء توكيل بالتربية إلى القنوات الفضائية إلى ما تبثه في أخلاقهم من السموم، فماذا فعلت الأفلام التي جلها إجرام وسرقة وسطو مسلح ومخدرات وانتهاك أعراض؟!

من الطبيعي أن يتأثّر المشاهد خاصة المراهق بما يشاهده في كل يوم، وهذا الأمر قد أثبتته جميع الدراسات المحلية والعربية والعالمية: القنوات الفضائية تشكل اليوم أكبر خطر على الأخلاق واللعب بالعقول والأفكار.

وممن يتحمل المسؤولية اليوم أيضاً: المدرسة: التي انصب دورها على بعض التعليم أكثر من التربية، فأصبحت بعض المدارس للأسف محاضن لتعلّم الأخلاق السيئة من الأقران.

فالواجب اليوم: العمل على إرجاع دور المدرسة الحقيقي في التربية، والتوجيه السليم، فالمدرسة هي البيت الثاني لأبنائنا.

فعلى العاملين في حقل التعليم: استشعار عظم المسؤولية التي تحمّلوها، وأن يتقوا الله في أبناء المسلمين.

وممن يتحمّل المسؤولية في انتشار جريمة السرقة: البطالة التي يعيشها كثير من الشباب اليوم، فهؤلاء إذا توفرت لهم الوظائف وقبلها الفرص التعليمية استفادوا وأفادوا، لكن أن يبقى آلاف من الشباب يتسكعون في الشوارع دون عمل أو وظيفة، ومع كثرة حاجيات الشباب وضعف الدين قد يجنح عدد منهم إلى السرقة ليحصل على المال لسد حاجته.

ومن الأسباب أيضاً: الفقر الشديد، وقلة ذات اليَد، وهي إن لم تكن سبباً مباشراً ولكنها عامل مساعد على الجريمة، فكم من فقير وهم الأكثر لم يفكر مجرد التفكير في الانحراف، ولكن أحيانًا مع قلة الدين، أو تفكك الأسرة، أو إغراء أصدقاء السوء، أو الوقوع في مصيبة، أو الرغبة في المتعة وحتى لا يكون أقلّ من فلان وفلان، فيلجأ إلى الاختلاس والنصب والاحتيال والرشوة.

فواجب المسلمين اليوم: أن يكونوا يدًا واحدة، فالغني لا بد له من إعطاء الفقير حقه، وحينما لا يؤدي هذا الحق تظهر المشاكل في المجتمع، لا بد أن تنفق الأموال ولا تتوقف من زكاة ونذور وكفارات وصدقات كلها تعود على الفقراء لسدّ عوزهم وحاجتهم.

أيها المسلمون: السرقة في المجتمع مصيبة تحصل على بعض الناس، ويسلم منها آخرون، وكل ذلك في كتاب من قبل أن يبرأها سبحانه.

وعلى المسلم: الأخذ بالأسباب الشرعية والحسّية في الوقاية من السرقة، فتحصين المسلم لنفسه وأولاده وبيته بالأذكار والأوراد الشرعية في الصباح والمساء من أقوى الأسباب في دفع مثل هذه المصائب وغيرها.

وليعلم العبد: أن ما سُرق منه، فهو صدقة محتسبة بإذن الله.

ومن الأسباب التي يجب أن نقف صفاً واحدا فيها هو: عدم تسهيل السرقة، فالمال إذا لم يكن في حزر أمين كان ذلك تفريطًا وغفلة من صاحبه، فكم من إنسان ترك سيارته ومحرّكها يدور ثم عاد ولم يجدها؟ وكم من إنسان وضع مالاً في سيارته ثم عاد ولم يجده؟.

ومن الأمور التي يوجه إليها الناس هو: عدم شراء الأموال المسروقة، فبعض البضائع التي يشك في أمرها وتباع في قارعة الطريق وعلى الأرصفة بأسعار غريبة قد تكون مسروقة، والسارق يبيع في العادة بأيّ ثمن، فشراء مثل هذه البضائع تشجيع بشكل غير مباشر على تصريفها.

هذا وصلّوا -رحمكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمَرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الراشدين …