حقيقة الخوارج ‘داعش‘

عناصر الخطبة

  1. وجوب الكشف عن ضلال أهل البِدع والأهواء
  2. أهمية التحذير من مقالات الغلاة ومذاهبهم
  3. بيان حقيقة داعش وفساد عقيدتهم وخبث مسلكهم
  4. صور من جرائم الخوارج قديمًا وحديثًا
  5. من سمات الجهاد في الإسلام
  6. داعش صناعة استخباراتية لجذب المخدوعين
  7. براءة مناهجنا الشرعية من تخريج الغلاة
  8. التصدي لخطر الخوارج واجب على الجميع.
اقتباس

و”داعش” اسمٌ جامعٌ للخُبث والخبائِث، حشوشٌ مُحتضرة، وأوكارٌ قذِرة، وكيانٌ لمجموعةٍ من الأخلاط والأوباش والأجلاف، وأبواق الشرِّ والنفاق، وسيوف الفتنة وسرايا إبليس. الغارِقين في الغيّ، البالغين في البغي، المُسترسِلين في التجنِّي على الإسلام والتنفير منه، والتشويه لسُمعته وصُورته. حملوا – زاعمين – لواءَ الجهاد، فإذا الجهادُ عندهم مُمارسةٌ قذِرة، وأفعالٌ مقبُوحة، وجِماعُ الوحشيَّة والهمجيَّة، والعُنف والسَّبي والذبح والقتل والغدر، والتفجير والتكفير…

الخطبة الأولى:

الحمد لله العطايا من فضلِه تُرتقَب، وهو المرجُوُّ لكشف الكُرَب، أحمدُه وقد أغنَى وأقنَى وأعطَى ووهَب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةَ عبدٍ حقَّق التوحيد ونبذَ الشركَ والبدعَ والفِرقَ والأحزابَ وتلك أعظمُ القُرَب.

وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه برِئَ ممن فرَّق دينَه واحتزَب، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه والصحابةُ نترضَى عنهم ونحبُّهم واللعنةُ على من كفَّرهم وأبغضَهم وسبَّهم وعليهم كذَب.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتَّقوا الله فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:

الكشفُ عن ضلال أهل البِدع والأهواء، والتحذيرُ من مقالاتهم ومذاهبهم واجبٌ في الشريعة.

قال الإمام ابن بطَّة -رحمه الله- في "الإبانة الكبرى": "وإنما ذكرتُ هذه الأقوال من مذاهبِهم، ليعلَم إخوانُنا ما اشتملَت عليه مذاهبُ الجهمية من ألوان الضلال وصُنوف الشرك وقبائّح الأفعال، وليجتنِب الحدَث ممن لا علمَ له مُجالستَهم وصُحبتَهم وأُلفتَهم، ولا يُصغِي إلى شيءٍ من كلامهم وأقوالهم".

ومن الفِرق الضالَّة عقيدةً ومنهجًا، وفكرًا وسلوكًا: فرقةٌ سلبَت عقولَ بعض الجُهَّال والأغرار والأحداث، بشعاراتٍ تُلهِبُ حماستَهم، وتُحرّك عواطِفهم، وتسلُب عقولَهم.

فرقةٌ كوَّنت لها كيانًا، أسمَته: "دولة الإسلام في العراق والشام"، الذي عُرف واشتهر لدى الناس باسم "داعش".

و"داعش" اسمٌ جامعٌ للخُبث والخبائِث، حشوشٌ مُحتضرة، وأوكارٌ قذِرة، وكيانٌ لمجموعةٍ من الأخلاط والأوباش والأجلاف، وأبواق الشرِّ والنفاق، وسيوف الفتنة وسرايا إبليس.

الغارِقين في الغيّ، البالغين في البغي، المُسترسِلين في التجنِّي على الإسلام والتنفير منه، والتشويه لسُمعته وصُورته.

حملوا – زاعمين – لواءَ الجهاد، فإذا الجهادُ عندهم مُمارسةٌ قذِرة، وأفعالٌ مقبُوحة، وجِماعُ الوحشيَّة والهمجيَّة، والعُنف والسَّبي والذبح والقتل والغدر، والتفجير والتكفير.

غايتُهم إثارةُ الفوضَى، وإيقاظُ الفتنة، وتفريقُ الجماعة، وزعزعةُ الأمن، ومُحاربةُ أهل السنة والجماعة، ودعمُ أعداء الملَّة.

ومن عداوتهم للإسلام والمُسلمين: تفجيرُ المساجِد وقتلُ المُصلِّين.

وحسبُك من جرائِمهم الجريمةَ النكراء، والفِعلةَ الخسيسة الشَّنعاء: تفجيرُ المُصلِّين في مسجِد قوة الطوارِئ في عسير.

فرحمَ الله القتلى وتقبَّلهم في الشهداء، وعافا الجرحَى وهو سميعُ الدعاء، وهوَّن على أهليهم المُصيبةَ والبلاء.

أيها المُسلمون:

الشرعُ قد أوجبَ تطهيرَ المساجِد وصيانتَها، وحرَّم تقذيرَها وتجنيسَها، وأباحَت "داعش" تفخيخها وتفجيرَها، وإهانةَ المصاحِف فيها.

والشرعُ حرَّم المرورَ بين يدي المُصلِّي، فقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلمُ المارُّ بين يدي المُصلّي ما عليه لكان أن يقّف أربعين خريفًا خيرٌ له من أن يمُرَ بين يديه".

فحرَّم الشرعُ قطعَ صلاته، وأباحَت "داعش" تفجيرَه وتقطيعَ أوصالِه.

قاتلَهم الله أنَّى يُؤفَكون. أيَّ باب شرٍّ على الإسلام فتَحوا؟! وأيَّ ذبحٍ حرامٍ – ويحهم – ذبَحوا؟! وأيَّ دمٍ زكيٍّ معصومٍ قد سفَحوا؟!

فاحذَروا "داعش" المارِقة، أحفاد الصُّفرية والأزارِقة .. احذَروا خلافة الخوارِج المُعاصِرة، أحفاد الراسبيِّ وقُطريِّ وذي الخُويصِرة.

وما "داعش" إلا صنيعةُ استِخباراتٍ إقليميَّةٍ ودوليَّة، جنَّدوا لها من يقودُها ويُحرِّكها وفقَ سياستهم وإرادتهم، مُستغلِّين الجماعات التكفيرية ورموزَها، وقياداتها وفِكرها. مُستميلين من السفهاء والبُلهاء، والغوغاء والصِّغار والأغرار والأحداث من يكون حطَبَها ووقودَها.

وقديمًا خطَّط ابنُ السوداء – يهوديٌّ خبيثٌ من صنعاء: عبدُ الله بن سبأ – خطَّط ضد الخلافة الراشدة، والجماعة المُسلمة.

فاستغلّ بعضَ الغوغاء، واستخفَّ بعضَ الدَّهماء، وأشعل الفتنةَ في صدورهم، فحشدَ وجمعَ وألَّب، حتى خرجَ في جمعٍ خبيثٍ إلى بلد رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -، يُهدِّدون ويتوعَّدون أميرَ المؤمنين الخليفةَ الراشد، والكريمَ المُجاهد، الصادق البارّ، شهيد الدار: عُثمان بن عفان – رضي الله عنه وأرضاه -، الذي جهَّز جيشَ العُسرة، حتى ما يفقِدون خِطامًا ولا عِقالاً، وجاء بألف دينارٍ في كُمِّه، فنثرَها في حجر رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -، وجعلَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يُقلِّبُها ويقول: "ما ضرَّ عُثمان ما عمِل بعد اليوم".

وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "من يحفِر بئر رومةَ وله الجنة؟". فحفرَها عُثمان، وجعلَها سِقايةً لابن السبيل وتوسِعةً للمُسلمين، إلى غير ذلك من مناقِبه.

عُثمان – رضي الله عنه – يُحاصَر في داره، ويُمنعُ من الصلاة في مِحرابه، ويتمالؤُ القوم عليه، فيقتُلونه والمُصحف بين يديه.

فما أخبثَ الخوارِج في كل عصر! وما أشدَّ فتنتهم ومِحنتَهم على الإسلام وأهلِه!

يقولُ حسانُ بن ثابت – رضي الله عنه – يرثِي عُثمان – رضي الله عنه – ويبكي، ويهجُو قاتِليه:

أتركتُم غزوَ الدروبِ وجِئتُمُ *** لقتالِ قومٍ عند قبر محمدِ

فلبئسَ هديُ الصالحين هُديتُمُ *** ولبئسَ فعلُ الجاهلِ المُتعمِّدِ

فكأن أصحابَ النبي عشيَّةً *** بُدنٌ تُنحَّرُ عند بابِ المسجدِ

أيها المسلمون:

يا شبابَ الإسلام! الجهادُ ذروةُ سنام الإسلام، وليس الجهادُ عملياتٍ انتحاريةً عبثيَّة، وتفجيراتٍ إجراميَّة تقتُلُ النفوسَ المعصُومة، وليس الجهادُ حركات تمرُّد وعصيان، وليس الجهادُ مُظاهرات وثورات غوغائيَّة هادِرة، وليس الجهادُ أن يتقحَّم المرءُ الهلَكة في حروبِ الفتنة، التي لا رايةَ لها ولا إمام، ولا خِطام ولا زِمام. إن الجهادَ أسمَى من ذلك كلِّه.

وليس الإسلامُ جماعاتٍ وتنظيماتٍ وتكتُّلاتٍ وأحزابًا وفِرقًا، يُوالَى عليها ويُعادَى عليها. الإسلامُ والجهادُ والدعوةُ رسالةٌ سماويةٌ سامِية، لا تحمِلُ إلا العدلَ والرحمةَ والخيرَ للبشرية.

ولكن أعداءَ الملَّة أقاموا كياناتٍ إجراميَّةً مثل "داعش"، ما فتِئُوا يدعمونها ويُحرِّكونها لتشويه صُورة الإسلام والجهاد، وخلخلة البلاد الإسلامية، وزعزعة أمنها واستِقرارها، وإنهاكها بالحروب والصراعات.

والعلامةُ اللائحةُ، والحُجَّةُ الواضحةُ على ذلك أن تلك التنظيمات لا ساحةَ لها إلا بلادَ المُسلمين؛ ففيها يُقتِّلون ويُحرِّقون، ويُفجِّرون ويسلُبون ويعبَثون، ولنساءِ المُسلمين يخطِفون ويسبُون، ولأموال المُسلمين يغنَمون.

وصدقَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – في وصفِهم؛ إذ قال: "يقتُلون أهلَ الإسلام، ويدَعُون أهلَ الأوثان".

فاحذَروا – يا شبابَ الإسلام – تلك الجماعات التكفيرية الجهادية، واحذَروا الحزبيَّات والتنظيمات. احذَروا الانتِماء لها، أو الانضِواء تحت رايتها، أو مُبايعَة قادتها ومُرشديها ومُؤسِّسيها. احذَروا بيعةَ الخليفةِ المجهول، والنَّكِرة المخبُول؛ فمُبايعتُهم انحرافٌ وضلال، وطاعتُهم إثمٌ وحُوبٌ وعِصيان.

أيها المسلمون:

يسعَى أعداءُ الحق والسنَّة إلى إلصاق تلك الجماعات الإرهابية بالدعوة السلفيَّة، أو الدعوة النقيَّة التي قام بها الإمام الأواب محمد بن عبد الوهاب – أجزلَ الله الأجرَ والثواب -، كما لم ينفكُّوا ينسِبونها إلى المملكة العربية السعودية وعلمائِها ومناهجها، فيُقال: السلفية الجهادية، ويُقال: داعش الوهابية. وإننا نأسَف أن يسيرَ في رِكاب هؤلاء بعضُ كُتَّابنا ومُفكِّرينا.

إن بلادَنا المملكة العربية السعودية وعلماءَها ومناهِجنا وشبابَنا براءٌ من تلك الجماعات الإرهابية، وإن شذَّ من شذَّ. وليس في مناهجنا أو فتاوى علمائِنا كلمةٌ واحدةٌ تُبرِّر لتلك الأفعال الإجرامية الخبيثة، أو تُؤسِّس لتلك الجماعات الإرهابية البغيضة.

والمملكة العربية السعودية ليست دولةَ ظُلم وعُدوان، ولكن من حاربَها وجهَّز السلاحَ للاعتِداء على أرضها وحُدودها، ونشر الفتاوى والتصريحات التي تُهدِّدُ أمنَها، وكوَّن كياناتٍ خبيثةٍ لزعزعة استِقرارها، ولم يُنصِت لصوت الحكمة والعقل، والسياسة والتذكير. من فعلَ ذلك فسيجِدُ شعبَ المملكة العربية السعودية شعبَ الحرب والضرب، على حدِّ قول الشاعر:

وكنتُ امرأً لا أبعثُ الحربَ ظالمًا *** فلما أبَوا أشعلتُها كل جانِبِ

أرِمتُ بدفعِ الحرب حتى رأيتُها *** عن الدفع لا تزدادُ غيرَ تقارُبِ

فلما رأيتُ الحربَ حربًا تجرَّدَت *** لبِستُ مع البُردَين ثوبَ المُحارِبِ

اللهم ادفع عنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار، يا عزيزُ يا غفار.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي الطَّول والآلاء، أحمدُه على ما أسالَ من وابِل العطاء، وأسبلَ من جميل الغِطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه الشافعُ المُشفَّعُ يوم الفصل والقضاء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه الأتقِياء الأوفِياء.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].

أيها المسلمون:

علينا جميعًا واجبٌ عظيمٌ في النهوض بمسؤولياتنا، والمُسارعة إلى إقامة مشروعٍ مُتكاملٍ لحماية شبابنا من الآفات: البَطالة، والانحِراف، والمُخدِّرات، وحمايتهم من الغلُو والتطرُّف والإرهاب، وخطر الجماعات التكفيرية والإرهابية.

إن شبابَنا في حاجةٍ إلى من يأخذُ بأيديهم، ويحنُو عليهم، ويستمِعُ إلى مُعاناتهم، ويُساعِدهم في حلِّ مُشكِلاتهم، ويُعلِّمُهم ويُنبِّهُهم، ويُحذِّرُهم ويُحاوِرُهم، وليس الأمرُ خُطبًا تُخطَب، ولا مقالاتٍ تُكتَب.

وإن على الآباء والأولياء أن يُذلِّلوا أنفسَهم لواجبِ التربية والتعليم لأبنائِهم، ومُحاورتهم، والقُرب منهم، والقيام بحقِّهم، قبل استِفحال الداء، وإعواز الدواء.

وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ بشير الرحمةِ والثواب، ونذيرِ السَّطوة والعقاب، الشَّافِع المُشفَّع يوم الحساب، وعلى جميع الآلِ والأصحاب، وعنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّاب.

اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المُسلمين يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائِبَيه لما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.

اللهم يا حي يا قيوم، اللهم ادفَع عن بلاد المُسلمين الحروبَ والفتنَ والشرورَ والصراعات يا رب العالمين.

اللهم ارحَم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا عظيمُ يا كريمُ يا رحيمُ.