يوم عرفة

عناصر الخطبة

  1. عرفة يوم من أيام الله وموسمٌ من مواسم الإيمان
  2. فضائل يوم عرفة
  3. فيوض رحمات الله على العِباد يوم عرفة
  4. عظمة مشهد عرفات
  5. من عِبَر وحِكَم يوم عرفة
  6. لُبّ العبوديَّة وأساسُها يوم عرفة
  7. سنن النبي صلى الله عليه وسلم في الأعياد
اقتباس

مشهد عرفات منظرٌ لم ترَ أهيب منه العيونُ، وموطنٌ لم تَخشَع في مثله القلوبُ، فسبحان مَن علَّق الأرواح بتلك الديار الجدباء، حيث لا ظِلَّ فيها ولا نظارة ولا ماء، وإنما تحمل في محيطِها الشعور والمشاعر التي لا يُنسِيها الزمان، ولا تمحُوها الأيَّام، قد جعَل الله -سبحانه- في هذا المنسك من العِبَر والعَبَرات، والذِّكرى والعظات ما يزيد الإيمان، ويغرس التقوى ..

الحمدُ لله الملك العَلاَّم، ذي الفضْل والإنعام، أحمَدُه – سبحانه – وأشكُرُه أنْ جعَلَنا من خير أمَّة أُخرِجت للأنام، وأشهَدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه خير مَن صلَّى وصام، وحجَّ البيت الحرام. فصلوات ربي وسلامُه عليه وعلى آله الكِرام، وصَحابته الأعلام، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا ما تَعاقَبت الليالي والأيَّام.

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله أيُّها المسلمون حَقَّ التقوى، واعلَموا أنَّ الرابح حقًّا مَن استَكثَر من الطاعات، وتزوَّد بالباقيات الصالحات، واستعدَّ لما هو آت، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18].

عَرَفَاتُ قَلْبِي لَجَّ بِالشَّكْوَى *** دَوَّى بِصَرْخَتِـهِ وَكَمْ دَوَّى هَـاجَ الفُؤَادُ تَمَلَّكَتْنِي عَـبْرَةٌ *** لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ وَالنَّجْوَى هَذِي جُمُوعُ المُسْلِمِينَ تَوَحَّدَتْ *** فِي بُقْعَةٍ نَفْسِي بِهَا نَشْـوَى

عرفة… ما أعظمه من يوم ، وما أشرَفَ وأطيب ساعاته، موسمٌ من مواسم الإيمان، له في القلب لوعة وشان ، ما أشرَقَت الشَّمس في دهرها على يومٍ خير منه .

يوم عظيم عند أهل الأرض وملائكة السَّماء، أقسَمَ به المَلِك العظيم، وهو – سبحانه – لا يُقسِم إلاَّ على أمرٍ عظيم؛ فقال – جلَّ في علاه -: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3].

قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: "اليوم الموعود يومُ القيامة، واليوم المشهود يومُ عرَفة، والشاهِد يومُ الجمعة"؛ رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.

إخوة الإيمان: كيف لا يكون ذلك اليوم زمانه مشهود، ومِيقاته في الدهر محفور، وقد أتَمَّ الله فيه النعمة، وأكمل الدين؟

أتَمَّ فيه النعمة بالعفو والرحمة عن العباد، وإتمام النعمة الإلهيَّة يتجلَّى بالعفو والمغفرة؛ كما قال – سبحانه -: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ [الفتح:2].

وأكمَلَ الله – عزَّ وجلَّ – في هذا اليوم الدين، فعاد الحج على ملَّة إبراهيم – عليْه السلام – بالتوحيد الخالص، بعد أنْ كان ملطخًا بالشِّرك والوثنيَّة .

وأكمَلَ الله فيه الدِّين يوم أنْ حجَّ المسلِمُون عامَهم ذلك مع النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فكمل بذلك دينهم؛ لاستِكمال عمَل أركان الإسلام كلِّها.

ها هو رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقف وسط جموعِ الحجيج في عرفة، قد اطمأنَّت نفسُه على هذا النُّسك العظيم، وقرَّت عينُه وهو يرى الأمَّة تشهَدُ له في ذلك الموقف بأنَّه قد بلَّغ رسالةَ ربِّه، وأدَّى الأمانة، ونصَح الأمَّة، وتدنو الشَّمس من الغُرُوب، وعُيُون الآلاف المؤلَّفة تَرمُق رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لتأتَمَّ به، بعد أنْ قضَوْا معه في صَعِيد عرفة يومًا لا يُنسَى أبدًا.

فما راعَ تلك الجموع إلاَّ ناقة رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد سمرت في مكانها، وانخَفَض رأسُها حتى كاد عنقها يندقُّ في الأرض، ثم برَكتْ بعد ذلك، ونزَل منها رسولُ البشَر – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتأتي أسماء بنت عُمَيس، وتضَع فوق رأسِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – رداءً، فعرف الناس أنَّ الوحي قد نزَل من السماء، وأنَّ هناك رسالةً سماويَّة لأهل الأرض، فاشرأبَّت الأعناق، واحتَدقَت الأبصار، وتلهَّفت القلوب، شوقًا لخبر السماء.

ثم سُرِّي عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وعَلامات الاستِبشار قد علَتْ مُحيَّاه. فدوَّى – صلَّى الله عليه وسلَّم – لتلك الجموع آية عظيمة، استَبشرَتْ بها وفودُ الحجيج أيَّما بشارة.

أنزَلَ الله – عزَّ وجلَّ – في هذا المكان وتلك اللحظة قولَه – تعالى -: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].

ولكنَّ الفاروق الملهَمَ عمر بن الخطاب لَمَّا ذلفت لسمعه تلك الآية استَعبَر وبكَى، وقال: ليس بعد الكمالِ إلاَّ النُّقصان.

واستَشعَر أنَّ من معناها أنَّ مهمَّة رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد انتهَتْ بكمال الدين، وأنَّ أجلَه قد دنا وحان، وظلَّ هذا الموقف عالِقًا في نفْس عمر، ماثِلاً أمامَ عينه حتى إذا كان يوم خلافته دخَل عليه أحدُ أحبار اليهود، فقال لعمر: آيةٌ في كتاب ربِّكم لو علينا – معاشر اليهود – نزَلتْ لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، فقال عمر: أيُّ آية؟ فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزَلتْ فيه على النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو قائمٌ بعرفة يوم الجمعة.

إخوة الإيمان: في هذا اليوم العظيم تتجلَّى رحمةُ الله على العِباد، ويُفِيض الملك الديَّان من خَزائِن مُلكِه الشيءَ العظيم، فيَرحَم العِباد، ويُجِيب السُّؤال، ويجبر الكَسِير، ويُيسِّر العَسِير، ويدنو الجبَّار ملك السموات والأرض من السماء الدنيا، فيُباهِي بأهل الأرض ملائكةَ السماء، ويقول: "انظُرُوا إلى عِبادي، أتَوْني شُعثًا غُبرًا ضاحين من كُلِّ فجٍّ عميق، أُشهِدكم أنِّي قد غفرتُ لهم".

ويعتق الرحمن من النار في ذلك اليوم الأفواجَ الكثيرة، والأعدادَ العظيمة ، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ما من يومٍ أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة"؛ رواه مسلم في صحيحه.

ويَرى الشيطان هذا العَطاءَ الإلهيَّ المنسكب على أهل الموقف، فيصغر شأنُه، ويندَحِر أمرُه، ويَزداد حَقارةً إلى حَقارته.

إخوة الإيمان: مشهد عرفات منظرٌ لم ترَ أهيب منه العيونُ، وموطنٌ لم تَخشَع في مثله القلوبُ، فسبحان مَن علَّق الأرواح بتلك الديار الجدباء، حيث لا ظِلَّ فيها ولا نظارة ولا ماء، وإنما تحمل في محيطِها الشعور والمشاعر التي لا يُنسِيها الزمان، ولا تمحُوها الأيَّام، قد جعَل الله – سبحانه – في هذا المنسك من العِبَر والعَبَرات، والذِّكرى والعظات ما يزيد الإيمان، ويغرس التقوى .

من تلك العِبَر:

– مشهد الوفود في عرفات، يرى المسلم بعينِه ألوانَ الناس من كلِّ الأجناس، قد اختَلفَتْ ديارُهم، وتعدَّدتْ لغاتهم، وتنوَّعت حاجاتهم، يجتَمِعون في صعيدٍ واحد، وزيٍّ واحد، وهتاف واحد، يدعون ربًّا واحدًا، يجأرون إليه بقلوبٍ أحرَقَها الشوقُ، وألهبَها الحنينُ، فلا تسمع بين تلك الجموع إلاَّ تأوُّهات التائبين، وأنين الخاشِعين، وضَراعة المفتقرين.

إنَّه بحقٍّ مشهدٌ يُهيج العَبَرات، ويسكب الدمعات.

هَذِي ضُيُوفُكَ يَا إِلَهِي تَبْتَغِي *** عَفْوًا وَتَرْجُو سَابِغَ البَرَكَاتِ وَفَدُوا إِلَى أَبْوَابِ جُودِكَ خُشَّعًا *** وَتَزَاحَمُوا فِي مَهْبِطِ الرَّحَمَاتِ فَاقْبَلْ إِلَهَ العَرْشِ كُلَّ ضَرَاعَةٍ *** وَامْحُ الذُّنُوبَ وَكَفِّرِ الزَّلاَّتِ

عرفات تجسيدٌ عمليٌّ لقول المولى – عزَّ وجلَّ -: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92].

والله لو عملتْ الأمَّة ما عملتْ، وبذَلت كلَّ وسعها على أنْ تجتمع في مكانٍ واحدٍ، وهدف واحد، وكلمة واحدة – لما استَطاعَتْ أنْ تجتَمِع بمثْل اجتماعِها في هذا المحفل المشهود والمؤتمر العالمي. ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

– في عرفات تتجلَّى للمسلم حقيقةُ الدنيا؛ فلا يرى أحدًا يَبنِي فيها دُورًا، ولا يشيد قُصورًا؛ لأنَّها ساعاتٌ قلائل، ثم يَأتِي الرَّحِيل، ويستعدُّ العبد لما بعد ذلك اليوم، ثم بعد ذلك الرحيل إلى دياره الأولى، ومَعاقِله الأصيلة.

فيغرس العبد في قلبه مع هذه المعاني شجرةَ الزهد، فيَعلَم أنَّه في هذه الدنيا كأنَّه غريبٌ أو عابرُ سبيل، فلماذا يكون بها ولأجلها منشغِلاً، فكأنَّه عنها غير مرتحل.

أُؤَمِّلُ أَنْ أَحْيَا وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ *** تَمُرُّ بِيَ الْمَوْتَى تُهَزُّ نُعُوشُهَا وَهَلْ أَنَا إِلاَّ مِثْلُهُمْ غَيْرَ أَنَّ لِي *** بَقَايَا لَيَالٍ فِي الزَّمَانِ أَعِيشُهَا

– في عرفات يتجرَّد الجميع من مخيطِهم، ويُضَحُّون لربِّهم، مُستَجِيبين لندائه، في بقعةٍ محدودة قد ضاقَتْ بها الخلائق، الكلُّ مشغولٌ بحالِه، راجيًا من ربِّه نوالَه، فيستَشعِر العبد مع تلك المناظرِ المشهدَ العظيم، والحشرَ المهول في عرَصَات القيامة؛ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 6].

إنَّه بحقٍّ منظرٌ يُوقِظ العقول اللاهية، ويُحيِي القلوب الغافلة.

أَمَا وَاللهِ لَوْ عَلِمَ الأَنَامُ *** لِمَا خُلِقُوا لَمَا هَجَعُوا وَنَامُوا لَقَدْ خُلِقُوا لِأَمْرٍ لَوْ رَأَتْهُ *** عُيُونُ قُلُوبِهِمْ تَاهُوا وَهَامُوا مَمَاتٌ ثُمَّ قَبْرٌ ثُمَّ حَشْرٌ *** وَتَوْبِيخٌ وَأَهْوَالٌ عِظَامُ لِيَوْمِ الحَشْرِ قَدْ عَمِلَتْ رِجَالٌ *** فَصَلَّوْا مِنْ مَخَافَتِهِ وَصَامُوا

– هناك في عرفات تَزُول الطبقيَّة، وتَتهاوَى المُفاخَرة؛ فلا عظيم هناك ولا حقير، ولا مأمور ولا أمير، ولا غني ولا فقير، الناسُ في موطن عرفات سواسيةٌ كأسنان المشط، لا فضلَ للونٍ على لون، ولا تميُّز لجنسٍ على جنس، وهذه هي شريعةُ السماء، قد شهدت عرفات أنَّ خير البشر – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد دوَّى صوتُه بين جنباتها بقوله: "كلُّكم بنو آدم، وآدمُ من تراب، ليس لعربيٍّ على أعجميٍّ فضلٌ، ولا لأعجميٍّ على عربيٍّ فضلٌ، ولا لأسود على أحمر فضل، ولا لأحمر على أسود فضل إلاَّ بالتقوى، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم".

أيُّها المؤمنون: دعاء العبد لربِّه وافتِقارُه إليه، هو لُبُّ العبوديَّة وأساسُها، والدُّعاء في هذا اليوم بخاصَّة له عند الرحمن شأنٌ وأي شأن؛ يقول – عليه الصلاة والسلام -: "خَيْرُ الدُّعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ"؛ رواه الترمذي وغيرُه، وهو حديثٌ حسن.

ولئنْ حازَ الحاجُّ أجرَ المغفرة والرحمة والمباهاة، فإنَّ فضْل الله الوهَّاب على عباده الصائمين الذين لم يحجُّوا قد طاب بإجابة دُعائِهم، وتَكفِير سيِّئاتهم، وستْر عيوبهم يُسأَل النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن صوم يوم عرفة، فيقول: "يُكفِّر السنة الماضية والباقية"؛ رواه مسلمٌ وغيره.

فاتَّقوا الله أيُّها المؤمنون، وأحسِنُوا استِغلالَ هذا اليوم، فما هو إلاَّ ساعات معدودة، ولحظات محدودة، فاغتَنِموها – رحمكم الله- بالتوبة والاستغفار، والذِّكر والقرآن، والتضرُّع والدعاء، حَقِّقوا رَجاءَكم بربِّكم بحسن الظنِّ به، تجرَّدوا إلى ربِّكم بنُفُوسٍ زكيَّة، وقلوبٍ مُخبِتة، ودعاء صادق خالص.

استَغفِروا الرحمن في يوم الرحمة على ما مضى وكان، فإنَّ ربَّكم غفورٌ رحيم، جواد كريم، يستَحي من عباده إذا رفَعُوا إليه أيديهم أنْ يردَّهم صفرًا.

وهو – سبحانه – يحبُّ ندَم التائبين، وتوبة النادِمين، يعفو عن الزلاَّت، ويَغفِر السيِّئات. حتى ولو كانت تلك الخطيئات مثلَ زبَدِ البحر أو مثل رمل عاج، أو كعدد أيَّام الدنيا – لَمَحاها الرحيم كما يمحو الليلَ النهارُ.

بارَك الله لي ولكم في القرآن.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله وكفَى، والصَّلاة والسَّلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى.

أمَّا بعدُ: فيا عباد الله: وبعد يوم عرفة المشهود نستقبل يومًا عظيمًا، وموسمًا عزيزًا، هو سيِّد الأيَّام، وغرَّة في جبين العام، يوم الأضاحي والثجِّ، والتكبير والعجِّ.

قال شيخ الإسلام: وكما أنَّ ليلة القدر أفضلُ الليالي، فإنَّ يوم النحر أفضل أيَّام العام.

روى الإمام أحمد وغيره بسندٍ صحيح أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: "أعظمُ الأيَّام عند الله: يوم النحر، ثم يوم القر"، ويوم القر هو: يوم الحادي عشر.

وما حازَ هذا اليوم تلك الأفضليَّة إلاَّ لاجتِماع أنواع الطاعات التي لا تجتَمِع إلاَّ في هذا اليوم؛ من نحرٍ ورمي، وحلق وتكبير، وطواف وسعي.

هذا العيد – إخوةَ الإيمان – شرَع الله لنا فيه سُنَنًا وآدابًا تمثَّلَها النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – واقتَفَى أثَرَه وآثارَه في ذلك صحابتُه – رضوان الله عليهم – فعَضُّوا عليها بالنواجذ، وحافِظوا عليها؛ شكرًا لله على ما أتَمَّ به من النعمة، وهدَى به الأمَّة.

* فمن سُنَن الحبيب – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الأعياد: أنَّه كان يتَجمَّل فيه، فيلبس أجملَ وأحسن ثيابِه، ويَدَّهِنُ بأحسن طِيبه.

قال ابن القيِّم – رحمه الله -: وكان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يَلبَس أجملَ ثيابه، وكان له حلَّةٌ يلبَسُها للعيدَيْن والجمعة، ا.هـ.

ومن التهيُّؤ والتجمُّل للعيد: الاغتسال؛ روى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح أنَّ ابن عمر – رضي الله عنهما – كان يغتسل للعيدَيْن.

وابن عمر – رضِي الله عنه – من أشدِّ الصحابة تمسُّكًا وتحرِّيًا لسنَّة النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم.

* وكان – عليه الصلاة والسلام – في عيد الفطر يأكُل قبلَ خروجه للصَّلاة؛ قال بُريدة – رضي الله عنه -: كان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لا يخرُج يومَ الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يُصلِّي؛ رواه الترمذي، وصحَّحه ابن حبان.

وعند البخاري: كان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، وفي رواية: ويأكلهنَّ وترًا.

ومن السنن أيضًا: أنْ يخرج المسلِم إلى صلاة العيد ماشيًا -إذا تيسَّر له ذلك – وأنْ يخرج من طريقٍ ويرجع من طريقٍ آخَر.

قال عليُّ بن أبي طالبٍ: من السنَّة أنْ تخرج إلى العيد ماشيًا؛ رواه الترمذي وحسَّنَه.

وقال جابر بن عبدالله: كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذا كان يوم عيدٍ خالَف الطريقَ. رواه البخاري.

ومن السنن أيضًا: أنْ يخرج المسلمُ إلى صلاة العيد مُكبِّرًا مُهلِّلاً.

عبادَ الله: وحَثَّ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – الناسَ – ذكورهم وإناثهم – على الخروج لصَلاة العيد، حتى ولو كانت المرأة حائضًا؛ روى الشيخان عن أمِّ عطيَّة قالت: أمَرَنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأنْ نُخرِج العَواتِقَ (أي: الجواري البالغة) والحُيَّض في العيدَيْن؛ يَشهَدنَ الخير ودعوةَ المسلمين، ويعتَزِل الحُيَّض المصلَّى.

* كما يشرع في العيد: أنْ يُهنِّئ المسلِمون بعضهم بعضًا بالعِبارات الجميلة، والدعوات الحسنة؛ فقد صَحَّ عن أصحاب النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّهم إذا التقَوْا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منَّا ومنكم.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.