أنوار الوحي وظهور نجم الإسلام

عناصر الخطبة

  1. ضرورة معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم-
  2. اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- ونشأته
  3. قصة بدئ الوحي
  4. تكليف النبي -صلى الله عليه وسلم– بالإنذار
  5. إسلام خديجة -رضي الله عنها-
  6. دور خديجة –رضي الله عنها- في تثبيت النبي –صلى الله عليه وسلم
  7. إسلام علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-
  8. علو شأن الإسلام بإسلام أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-
  9. أسماء الصحابة الذين أسلموا بدعوة أبي بكر
  10. قصة إسلام طلحة بن عبيد الله
اقتباس

نُبِّيءَ بِـ﴿إِقْرَأْ﴾ وَأُرْسِلَ بـ ﴿الْمُدَّثِّرْ﴾، وَبَلَدُهُ مَكَّةَ، وَهَاجَرِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَكَانَ عُمْرُهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ بُعِثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَمَّا كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ؟ وَكَيْفَ أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّدَاً بِالرِّسَالَةِ؟ فَاسْمَعُوا مَا…

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدَاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ إِقْرَارَاً بِهِ وَتَوْحِيدَاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ شَاهِداً وَمُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً.

اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِنَ الضَّرُورَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ: مَعْرِفَةَ نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِأَنَّهُ الذِي جَاءَ دِينُنَا مِنْ طَرِيقِهِ.

وَأَمَرَنَا اللهُ -عز وجل- بِاتِّبَاعِهِ، وَجَعَلَ الْمِيزَانَ لِمَحَبِّةِ اللهِ لَنَا اتِّبَاعَهُ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ نَبِيَّنَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِم، وَهَاشِمُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقُرَيْشُ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ-، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَثَلاثٌ وَعِشْرُونَ نَبِيَّاً رَسُولاً.

نُبِّيءَ بِـ﴿إِقْرَأْ﴾ وَأُرْسِلَ بـ ﴿الْمُدَّثِّرْ﴾، وَبَلَدُهُ مَكَّةَ، وَهَاجَرِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَكَانَ عُمْرُهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ بُعِثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَمَّا كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ؟ وَكَيْفَ أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّدَاً بِالرِّسَالَةِ؟

فَاسْمَعُوا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي ذَلِكَ: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها-: أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -أَيْ يَتَعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ" -أَيْ: لا أَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ- قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)﴾[العلق:1-5].

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ -رضي الله عنها- فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي" فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَالله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ -صَاحِبُ السِّرِّ، أَيْ: الْوَحْيُ- الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ[البخاري (3) و(4953)].

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: وَكَانَ رَسُولُنَا -صلى الله عليه وسلم- وُلِدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وُنُبِّئَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ! قَالَ اللهُ -تعالى-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ﴾[البقرة: 185].

فَكَانَ بِهَذَا نَبِيَّاً، وَلَكِنْ لَمْ رَسُولاً لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالإِنْذَارِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ -تعالى- عَلَيْهِ صَدْرَ سُورَةَ الْمُدَّثِّرْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)  وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ(5)﴾[المدثر: 1-5].

فَصَارَ بِهَذَا رَسُولاً.

ثُمَّ إِنَّ رَسُولَنَا -صلى الله عليه وسلم- دَعَا إِلَى رَبِّهِ وَتَوْحِيدِهُ، وَدَعَا إِلَى نَبْذِ الشِّرْكِ وَالأَوْثَانِ، فَكَانَتْ خَدِيجَةُ زَوْجَتُهُ -رضي الله عنها- أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنَ اللهِ وَآزَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، فَخَفَّفَ اللهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَكَانَ لا يَسْمَعُ شَيْئَاً مِمَّا يَكْرَهُهُ فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إِلَّا فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا إِذَا رَجَعَ إِلَيْهَا تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَنْهُ وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرِ النَّاسِ، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِبَادِ مِنَ النُّبُوَّةِ سَرَّاً إِلَى مَنْ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بَنْ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ الإِسْلَامِ.

ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ خَدِيجَةُ -رضي الله عنها- وَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا؟ قَالَ: "دِينُ اللهِ الذِي اصْطَفَى لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، فَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى!".

فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرَاً حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ! فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سِرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ أَمْرُهُ! فَقَالَ لَهُ: "يَا عَلِيُّ إِذَا لَمْ تُسْلِمْ فَاكْتُمْ".

فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَوْقَعَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيَاً إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَاءَهُ، فَقَالَ: مَاذَا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَتَكْفُرُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الأَنْدَادِ".

فَفَعَلَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- وَأَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ.

ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ -رضي الله عنه-، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمَوَالِي.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الأَحْرَارِ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه-، وَإِسْلَامُهُ كَانَ أَنْفَعَ مِنْ إِسْلامٍ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ إِذْ كَانَ مُعَظَّمَاً فِي قُرَيْشٍ وَرَئِيسَاً مُكَرَّمَاً، وَصَاحِبَ مَالٍ يَبْذُلُ الْمَالَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ.

رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا دَعَوْتُ أَحَدَاً إِلَى الإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مَا عَكَمَ عَنْهُ -أَيْ: مَا تَأَخَّرَ- حِينَ ذَكْرَتُهُ، وَلا تَرَدَّدَ فِيهِ".

وَذَلِكَ أَنُّهُ كَانَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ الْبِعْثَةِ، وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحُسْنِ سَجِيَّتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى الْخَلْقِ، فَكَيْفَ يُكْذَبُ عَلَى اللهِ؟

فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ، وَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى اللهِ مَنْ وَثَقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ يَغْشَاهُ، وَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنهم-، فَانْطَلَقُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهَمْ أَبُو بَكْرٍ.

فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ، وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ هُمُ الذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ فِي الإِسْلَامِ وَصَدَقُوا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنَ عِنْدِ اللهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَكَانَ لِإِسْلَامِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ؛ فَيَقُولُ رضي الله عنه: "حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ هَذَا الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: نَعَمْ أَنَا، فَقَالَ هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قُلْتُ وَمَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَذَا شَهْرُهُ الذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ!.

قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ، فَخَرَجْتُ سَرِيعَاً حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدِيثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ مُحَّمُدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَمِينُ قَدْ تَنَبَّأَ، وَقَدْ اتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: اتَّبَعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلَقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ: فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ.

فَاللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الْغَلاء وَالوَبَاء، وَالرِّبَا وَالزِّنَا، وَالزَّلازِلِ وَالْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].