حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على التوحيد

عناصر الخطبة

  1. وجوب تحقيق العبودية الكاملة لله الواحد الأحد
  2. من مظاهر حِرصِ المُصطفى على التوحيد وعنايتِه البالِغة بتحقيقِه
  3. النهي عن صور معاصرة من الشرك
  4. التحذير من كل ما يُخالِفُ حقائِق التوحيد ويُناقِض أصوله.
اقتباس

الجَأ إلى الله وحدَه عند الشدائِد والكروبِ، وتعلَّق به سبحانه دون من سِواه عند المُلِمَّات والخُطوب. إنها وصيَّةٌ يجبُ على مُجتمعات المُسلمين وهم يُحيطُ بهم مكرُ الأعداء، ومُخطَّطاتُهم بما لا يُوصَفُ في مثلِ هذا المقامِ. لقد ذهبَ عصرُ المُناداة لما يُحيطُ المُسلمون من البشر غربًا أو شرقًا، إنما هو تحقيقُ التوحيد، ورفعُ الأقوال بقلوبٍ مُفضِيةٍ إلى الله بصدقٍ أن يكشِفَ الضرَّاء، وأن يُنزِل الرحمةَ على المُسلمين. ومن القواعد المُقرَّرة: أن من استعانَ أو استعاذَ أو استغاثَ بمخلوقٍ ميتٍ أو غائبٍ أو حاضرٍ فيما لا يقدِرُ عليه إلا الله، فذلك شركٌ مُحبِطٌ للعمل..

الخطبة الأولى:

الحمد لله دافع البلوى، وكاشِف الضرَّاء، وسامِع النجوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي المُصطفى والعبدُ المُجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه أهل الوفا.

أما بعد .. فيا أيها المسلمون:

أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله – جل وعلا -، وطاعته في السرِّ والنجوى؛ فبذلك يحصُلُ الخيرُ والفلاحُ والسعادةُ في الآخرة والأولى.

أيها المسلمون:

الأساسُ الذي يسعَدُ به المُسلم، وبه يُفلِح: هو تحقيقُ العبودية الكاملة لله الواحد الأحد. العبودية التي لأجلِها خُلِقَ الإنسان، ومن أجلِها أُوجِد، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، أي: يُفرِدوني بالعبادة، بأن يكون العبدُ مُخلِصًا لله – جل وعلا -. مُخلِصًا لله في قصده، صادقًا له في محبَّته وتعظيمه – عزَّ شأنُه -. مُخلِصًا لخالقه في خوفِه وخشيتِه، ورجائِه ودُعائِه. مُخلِصًا لله في ظاهرِه وباطنِه، في توجُّهاته وتحرُّكاته وإراداته.

يقول – سبحانه – لنبيِّه محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)﴾ [الأنعام: 162، 163].

أخي المسلم:

لقد حرِصَ القرآنُ والسنةُ على تأصيلِ هذا الأصل العظيم، وفي توجيهات النبي الكريم تلخيصًا لما في القرآن.

عن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – قال: كنتُ خلفَ النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: «يا غُلام! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ الله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأَل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلَم أن الأمةَ لو اجتمعَت على أن ينفَعوك بشيءٍ لم ينفَعوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ، وجفَّت الصُّحُف» (أخرجه الترمذي، وقال: "حسنٌ صحيح". وهو مشهورٌ عند أهل العلم).

إنها – أيها المسلمون – وصيَّةٌ تحمِلُ في مضامِينها غرسَ تعظيمِ الله – جل وعلا – في النفوس، وتبتغِي تحقيقَ عقيدةٍ عظيمةٍ، ألا وهي: أن الذي بيدِه مقالِيدُ الأمور وأزِمَّتُها، وعنده خزائنُ الكون ومفاتِحُ كل شيءٍ هو الله – جل وعلا -. هو الذي يقضِي الحاجات، ويُجيبُ الدعوات، ويجلِبُ الرَّحمات.

الخلقُ كلُّهم فقراءُ إليه – سبحانه -، مُضطرُّون إلى فضلِه وكرمِه وعطائِه ورحمتِه، فلا قيامَ لهم طرفةَ عينٍ إلا به – سبحانه -، ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: 62].

العبادُ كلُّهم إليه في اضطِرار، وإلى رحمتِه في افتِقار، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].

إن المُسلمين اليوم وهم تُحيطُ بهم ما لا يُوصَف من الكُروب والخُطوب، في حاجةٍ إلى سماع هذه الوصيَّة سماعَ استِجابةٍ، سماعَ من يعلَم أنه مُلزَمٌ ألا يقصِدَ في قضاءِ الحوائِج وتفريجِ الهُموم وكشفِ الكُروبِ إلا لخالقِه – عز وجل -.

إنهم يُردِّدون في صلاتِهم: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، فليكُن ذلك في قلوبِهم، وليتمثَّل في واقعِهم.

وصيَّةٌ – أيها المُسلمون – تُنذِرُ المُسلمَ من الوقوعِ في أسباب الهلاكِ الأبديِّ، والعذابِ السرمديِّ، حينما يتوجَّه المخلوقُ إلى غير خالقِه يدعُوه ويستغيثُ به في الشدائِد والبليَّات، ويسألُه من دون الله في كشفِ الضرَّاء وجلبِ السرَّاء، مما لا يملِكُه إلا الخالقُ العظيم، ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ(14)﴾ [فاطر: 13، 14].

وفي حديثِ ابن مسعودٍ – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من ماتَ وهو يدعُو من دون الله نِدًّا دخلَ النارَ» (أخرجه البخاري).

إن نبيَّنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – يُعلِّمُنا بهذا التعليم النبوي المُوجَز، الذي يُوجِزُ توجيهاتِ القرآن وأهدافَه ومقاصِدَه وغاياتِه في أوامره ونواهِيه، وأخبارِه وقصَصِه، بأن من تعلَّقَ بالله وأنزلَ به حوائِجَه، وفوَّضَ أمرَه إليه، كفَاه كلَّ ما أهمَّه من أمور الدنيا والآخرة.

يقول الله – جل وعلا -: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38]، ويقول – سبحانه -: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3].

وأما من تعلَّق بغير الله – جل وعلا -، وسكَنَ إليه؛ وُكِلَ إليه وأصبحَ حينئذٍ في ذلٍّ وضعفٍ وهوانٍ، ووقعَ في الشُّرور والنَّكبَات.

يقول الله – جل وعلا -: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 85].

ونبيُّنا – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من تعلَّقَ شيئًا وُكِل إليه» (أخرجه أحمد والترمذي).

فالتزِم – أيها المسلم – بتلك الوصيَّة، حتى لا تتلاعَبَ بك الأهواء، وتتقاذَفَ بك الآراء، فلا عصمةَ من ذلك إلا بنهجِ منهجِ هذه الوصيَّة الغرَّاء التي تربَّى عليها صحابةُ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، حتى بلغَ بهم كمالُ التوحيد في تطبيقِ هذه الوصيَّة، بما يُحدِّثُنا به عوفُ بن مالك الأشجعيُّ قال: "كنا عند رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – نفرَ تسعةً أو ثمانيةً أو سبعةً -، فقال – عليه الصلاة والسلام -: «لا تسأَلوا الناسَ شيئًا»، فلقد رأيتُ بعضَ أولئك النَّفَر يسقُطُ سوطُ أحدهم، فما يسألُ أحدًا يُناوِلُه إياه" (أخرجه مسلم).

اشتكَى ابنُ أخِ الأحنفِ بن قيسٍ وجعَ ضرسٍ، فقال له الأحنفُ: لقد ذهبَت عيني منذ أربعين سنةٍ، فما ذكرتُها لأحدٍ، إنما هو الشكوَى إلى الله – جل وعلا -.

فيا أيها المسلم:

الجَأ إلى الله وحدَه عند الشدائِد والكروبِ، وتعلَّق به – سبحانه – دون من سِواه عند المُلِمَّات والخُطوب. إنها وصيَّةٌ يجبُ على مُجتمعات المُسلمين وهم يُحيطُ بهم مكرُ الأعداء، ومُخطَّطاتُهم بما لا يُوصَفُ في مثلِ هذا المقامِ.

الله – جل وعلا – يقولُ عن نبيِّه يونس: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾ [الأنبياء: 87، 88].

لقد ذهبَ – أيها المُسلمون – عصرُ المُناداة لما يُحيطُ المُسلمون من البشر غربًا أو شرقًا، إنما هو تحقيقُ التوحيد، ورفعُ الأقوال بقلوبٍ مُفضِيةٍ إلى الله – جل وعلا – بصدقٍ أن يكشِفَ الضرَّاء، وأن يُنزِل الرحمةَ على المُسلمين.

قال – صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصابَ أحدَكم همٌّ أو لأواءٌ فليقُل: الله ربي لا أُشرِكُ به شيئًا». يقولُها بلسانِه، وواقعُه مُصدِّقٌ لما يقولُه بلسانِه.

وكان – عليه الصلاة والسلام – يدعُو عند الكربِ: «لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض وربُّ العرش العظيم».

ومن القواعد المُقرَّرة: أن من استعانَ أو استعاذَ أو استغاثَ بمخلوقٍ ميتٍ أو غائبٍ أو حاضرٍ فيما لا يقدِرُ عليه إلا الله، فذلك شركٌ مُحبِطٌ للعمل.

أيها المسلمون:

كيف تحقَّق الفلاحُ والعزَّة، كيف تحقَّقَت لدولة الإسلام الأولى العزَّةُ المُتناهِية، والفتوحاتُ والنصرُ والعزَّةُ التي ذكرَها المُؤرِّخون من الأعداء قبل الأصدِقاء، بعزَّةٍ وشُموخٍ. إنه تحقيقُ التوحيد لله – جل وعلا -، إنه صِدقُ الالتِجاءِ إلى الربِّ – عز وجل -.

لذا حرِصَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – على غرسِ شجرةِ التوحيدِ في النفوسِ، وجاهدَ في الدعوةِ إلى هذا الأصلِ، وعلى حمايةِ جنابِ التوحيدِ حمايةً كاملةً من أن ينالَه نقصٌ أو خللٌ في الأقوال أو في الأفعال أو في المقاصِد أو الإرادات.

سُئِل عن الرجلِ يلقَى أخاهُ فيُسلِّم عليه، أينحنِي له؟ قال: «لا» (أخرجه أحمد والترمذي، وحسَّنه).

كلُّ ذلك من أجلِ منعِ الخُضوعِ إلا لله – جل وعلا -، لتتربَّى النفوسُ على الشُّموخ عن الخُضوع إلا لله – عز وجل -.

في البخاري: أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تُطرُوني كما أطرَت النصارَى عيسى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقُولوا: عبدُ الله ورسولُه».

إنه أرادَ من الأمة ألا تخنعَ ولا تخضعَ ولا تذلَّ ولا تدعُو ولا تستغيثُ إلا بالله – جل وعلا -.

إخوة الإيمان:

من مظاهر حِرصِ المُصطفى على التوحيد، وعنايتِه البالِغة بتحقيقِه: أن سَدَّ كلَّ ذريعةٍ يتسلَّطُ بها الشيطانُ لإيقاعِ العباد في أوحالِ الشِّرك وخُرافات الجاهليَّة.

لذا حرِصَ – عليه الصلاة والسلام – بتوجيهاته الغرَّاء الزاجِرة عن التوجُّه إلى أهلِ القُبُور، والالتِجاءِ إليهم، والتضرُّع أمامَ أعتابِهم، والاستغاثةِ بأهلِها في الشدائِد والكُروبِ، مما لا يصلُحُ أبدًا إلا لفاطرِ الأرضِ والسماوات.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «اللهم لا تجعَل قبرِي وثنًا يُعبَد، اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ اتَّخذُوا قبورَ أنبيائِهم مساجِد».

اعتنَى – عليه الصلاة والسلام – بتعظيم الخالِقِ وتوحيدِه عنايةً كبيرةً؛ لأن هذا هو أصلُ دعوتِه، فحذَّر من وسائل الشيطان وإغوائِه بالافتِتان بالتمائِم والحُروز وتعليقِها على النفوس والأموال، بدعوَى أنها تدفعُ الشُّرور والآفات، كما حصلَ من بعضِ الناسِ حينما قلَّ العلمُ وكثُر الجهلُ.

في "المُسند": «من تعلَّق تميمةً فقد أشركَ».

حذَّر – عليه الصلاة والسلام – من الاغتِرار بالمُشعوِذين والدجَّالين والأفَّاكين، فقال – عليه الصلاة والسلام -: «من أتَى كاهنًا أو عرَّافًا فصدَّقَه بما يقولُ؛ فقد كفرَ بما أُنزِل على محمدٍ» (رواه الأربعةُ والحاكم).

وللأسَف في عصر ما يُسمَّى بالتقنيَّات، وعصر الحضارة، تكثُرُ في الإعلام وفي واقعِ الناس الذَّهابُ إلى الأفَّاكين وإلى العرَّافين وإلى الكهَنة، وإلى سُؤالهم عن المُستقبل، مما يُعلَم بالضرورة من دينِ الإسلام أنه لا يعلمُه إلا الله – جل وعلا -.

كما بيَّن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – حينما سُئل عن النُّشرة، فقال: «هي من عملِ الشيطانِ».

والنُّشرةُ: حلُّ السِّحر بسحرٍ مثلِه.

فيا أيها المسلمون:

إن نبيَّنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – حرِصَ أن نكونَ مُوحِّدين في غايةِ التعظيمِ والمحبَّةِ لخالقِنا – جل وعلا -، ففي مقامٍ قد تدعُو النفسُ إلى ما لا يحِلُّ، وهو مقامُ التداوِي، يُذكِّرُ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أمَّتَه بقضيَّةِ التوحيد التي يجبُ العنايةُ العظيمةُ بها، تعلُّقًا بالله – جل وعلا -، والتِجاءً إليه، وتوكُّلاً عليه، وعدمَ الالتِفاتِ إلا إليه – سبحانه -.

يقول فيما روَته عائشةُ – رضي الله عنها وعن أبيهَا -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا عادَ مريضًا قال: «اللهم ربَّ الناسِ، أذهِبِ الباس، اشفِ أنت الشافِي، لا شفاءَ إلا شفاؤُك، شفاءً لا يُغادِرُ سقمًا».

وقال – عليه الصلاة والسلام – لعُثمان بن أبي العاصِ الثقفيِّ – رضي الله عنه -، حينما شكَا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وجعًا يجِدُه في جسَده منذ أسلَم، فقال له رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ضَع يدَكَ على الذي تألَّم من جسَدِك وقُل: بسمِ الله ثلاثًا، وقُل سبعَ مراتٍ: أعوذُ بالله وقُدرتِه من شرِّ ما أجِد وأُحاذِر» (أخرجه مسلم).

إخوة الإسلام:

وفي مقامِ حِرصِه العظيمِ – عليه الصلاة والسلام – على جنابِ التوحيد، واهتمامِه البالِغ بتحقيقِه في نفوسِنا، يأتي توجيهُه الكريمُ فيما رواه ابن عباسٍ – رضي الله عنهما -، أن رجُلاً قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: ما شاءَ الله وشئتَ! فقال له النبيُ – صلى الله عليه وسلم -: «أجعَلتَني لله عِدلاً؟! بل ما شاء الله وحدَه».

وفي حديثِ حُذيفةَ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا تقُولوا: ما شاءَ الله وشاءَ فُلان، ولكن قُولوا: ما شاءَ الله ثم شاءَ فُلان».

ومن جوانِبِ حرصِه – عليه الصلاة والسلام – على أمَّته، وإرشادِهم إلى الحذَر من كل ما يُخالِفُ حقائِقَ التوحيد ويُناقِضُ أصولَه أو وجوبَه، فيُوجِّهُ إلى الأمة خطابَه العظيم، فيما رواه عُمرُ – رضي الله عنه -، أنه قال: «إن الله ينهاكُم أن تحلِفُوا بآبائِكم، من كان حالِفًا فليحلِف بالله أو ليصمُت». قال عُمر: فواللهِ ما حلفتُ منذُ سمعتُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – ذاكرًا ولا آثِرًا.

وفي حديث سنَدُه حسنٌ عند أهل العلم: «من حلفَ بغير الله فقد كفرَ أو أشركَ».

فيا أيها المسلمون:

إن أردتُّم السعادةَ والفوزَ في الدار الآخرة، وأردتُّم العزَّة والفلاحَ والنجاةَ والسعادةَ في الدنيا، فعليكُم بتحقيقِ التوحيد، اجعَلوا تحقيقَ توحيد الله – جل وعلا – نصبَ أعيُنكم، عيشُوا لعبادةِ الله – جل وعلا -.

وعبادةُ الرحمنِ غايةُ حُبِّه *** مع ذُلِّ عابدِه هما قُطبَانِ

عيشُوا لعبادة الله – جل وعلا – وتعظيمِه، والتعلُّق به في كل شأنٍ، وألزِموا النفوسَ والقلوبَ بتعظيمِ خالقِها. الصلاة، الزكاة، الحجُّ، جميعُ شعائر الإسلام خادمةٌ لهذا الأصلِ العظيم؛ فليس من سبيلِ المُصلِّين أن يُصلُّوا ثم يلتفِتوا إلى غير الله – جل وعلا -.

اسلُكوا بالجوارِح ما يُرضِي بارِئَها، يتحقَّقُ لكم الخير، وتفوزُوا بعظيم الأجر، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(14)﴾ [الأحقاف: 13، 14].

جعلَني الله وإياكم من المُحقِّقين للتوحيدِ، المُحقِّقين لغايةِ التعظيمِ لخالقِهم ورازِقِهم – جل وعلا -.

أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.

أيها المسلمون:

في مقام حمايةِ النبي – صلى الله عليه وسلم – للتوحيدِ، وصيانتِه العظيمةِ لجنابِه، منعَ كلَّ ما يتوهَّمُه البشرُ من الأوهام الباطِلة، والظُّنون الفاسِدة.

ففي حديث عمران: «ليس منا من تطيَّر أو تُطيِّر له، أو تكهَّن أو تُكهِّن له، أو سحَرَ أو سُحِرَ له» (أخرجه البزَّار، وسنَدُه حسن).

وفي حديث مُعاوية بن الحكم السُّلميِّ قال: يا رسولَ الله! أمورٌ كنا نصنَعُها في الجاهليَّة: كنا نأتي الكُهَّان! قال: «فلا تأتُوا الكُهَّان». قال: قلتُ: كنا نتطيَّر.

والطِّيَرةُ – أيها المُسلمون – هي ما أمضاكَ إلى فعلٍ أو ردَّك عن تصرُّف.

قال: كنا نتطيَّر! قال: «ذلك شيءٌ يجِده أحدُكم في نفسِه، فلا يصُدَّنَّكم» (أخرجه مسلم).

فاسلُكوا بأنفُسكم سبيلَ القرآن، وألزِموا حياتَكم سُنَّة سيِّد ولدِ عدنان – عليه أفضلُ الصلاة والسلام -.

ثم إن اللهَ أمرَنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الإكثارُ من الصلاة والسلام على النبي العظيم.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابِه.

اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم اكشِف كُربات المُسلمين، اللهم اكشِف كُربات المُسلمين، اللهم اكشِف كُربات المُسلمين، اللهم اكشِف عن إخواننا المُسلمين في اليمن، وفي سُوريا، وفي العراق، وفي سائر أوطانِ المُسلمين كلَّ ضرَّاءٍ وسوءٍ ومكرُوهٍ.

اللهم أعِد عليهم الأمنَ والأمان، اللهم أنزِل عليهم الأمنَ والأمان، اللهم اكتُب العزَّة والسُّؤدَد لأمة الإسلام يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر للمُؤمنين والمؤمنات، والمُسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين.

اللهم ولِّ على المُسلمين خيارَهم، اللهم من مكرَ بالإسلام وأهلِه اللهم فعليك به، اللهم اجعَل تدميرَه في تدبيرِه يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق إمامَ المُسلمين في هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين لما تحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما تحبُّ وترضاه يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أطفِئ الفتنَ عن المُسلمين، اللهم أطفِئ الفتنَ عن المُسلمين.

اللهم احفَظ جنودَنا في كل مكان، اللهم احفَظ رجالَ أمننا في كل مكان، اللهم احفَظ رجالَ أمننا في كل مكان، اللهم اجزِهم عن الإسلام والمُسلمين خيرًا، اللهم اجزِهم عن الإسلام والمُسلمين خيرًا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ، اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ، اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ الإسلام من كل سُوءٍ ومكروهٍ.

اللهم إنا نعوذُ بك من الغلاء والوباء، اللهم إنا نعوذُ بك من الغلاء والوباء، اللهم إنا نعوذُ بك من الغلاء والوباء، ومن سُوء الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن يا حي يا قيوم.

اللهم يا غنيُّ يا حميد، اللهم أغِثنا وأغِث ديارَ المُسلمين، اللهم أغِثنا وأغِث ديارَنا وديارَ المُسلمين، اللهم أغِث ديارَنا وديارَ المُسلمين.

اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا يا ذا الجلال والإكرام، يا غنيُّ يا حميد، يا ذا الجلال والإكرام، يا رحيم يا رحمن.

عباد الله:

اذكُروا الله ذكرًا كثيرًا.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.