سجود الشكر

عناصر الخطبة

  1. سجود الشكر عبادة مهجورة
  2. أسباب سجود الشكر ودواعيه
  3. ذكر بعض مواطن سجود الشكر في الصدر الأول
  4. صفة سجود الشكر
اقتباس

إن النعم نوعان: مستمرة ومتجددة، فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شرع لها سجود الشكر، شكرًا لله عليها وخضوعًا له وذلاً في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله لا يحب الفرحين ولا الأشرين، فكان… أما عند حصول النعم فقد ثبت في حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «خرج نحو أُحد فخرّ ساجدًا فأطال السجود ثم قال…

أما بعد: لقد شرع الله تعالى لنا عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة أن نسجد له تعالى، وهذا يسمى بسجود الشكر. هذه العبادة التي نغفل عنها والبعض قد يجهل الحكمة منها وقد يجهل كيفية أدائها. فهذا السجود عباد الله يشرع في حالين: أولاً تجدد النعم. وثانيًا: اندفاع النقم. 

أما تجدد النعم فالمراد تجددها لا حصولها؛ لأن نعم الله على عباده كثيرة لا عدّ لها ولا حصر كما قال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34]، فلو أراد العبد أن يسجد لله عند كل نعمة تحصل له لبقي طول عمره ساجدًا لربه، لكن المقصود عند تجدد النعم مثل: إنسان نجح في الاختبار وهو مشفق أن لا ينجح فهذا تجدد نعمة فيسجد لها. أو سمع بانتصار للمسلمين في أي مكان فهذا تجدد نعمة فيسجد لله شكرًا. أو بُشر بولد، فهذا أيضًا تجدد نعمة فيسجد لله شكرًا.

أما اندفاع النقم: كرجل حصل له حادث سيارة وتهشمت السيارة وخرج سالمًا فهنا يسجد؛ لأن هذه النقمة وُجد سببها وهو الانقلاب لكنه سلم. أو إنسان اشتعل في بيته حريق فيسر الله القضاء عليه وأطفأه، فهذا اندفاع نقمة يسجد لله تعالى شكرًا. أو سمع بخبر يفرحه ويكون هذا الخبر اندفاع بلاء عن المسلمين، كموت ظالم، أو هلاك فاجر، أو زوال رأسٍ من رءوس الشر والفساد، فيشرع له أن يسجد لربه شكرًا لله تعالى على زوال هذه المصيبة وهلاك هذا الظالم وراحة الناس من شره.

ففي حديث لأبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كان إذا جاءه أمر يُسرّ به خر ساجدًا شكرًا لله تعالى، وأتاه بشير يبشره بظفر جندٍ له على عدوهم وكان رأسه في حجر عائشة فقام وخر ساجدًا».

وسجد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين جاءه قتل مسيلمة الكذاب.

وسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين وجد ذا الثُّدية في الخوارج الذين قتلهم. وتوارى الحسن البصري رحمه الله تعالى عن الحجاج سبع سنين، فلما بلغه موته قال: "اللهم قد أمتّه فأمت سنته"، وسجد شكرًا لله وقرأ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: 5].

أما عند حصول النعم فقد ثبت في حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «خرج نحو أُحد فخرّ ساجدًا فأطال السجود ثم قال: إن جبريل أتاني وبشرني فقال: إن الله تعالى يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله تعالى شاكرًا».

ومثله حديث سعد بن أبي وقاص في سجوده صلى الله عليه وسلم شاكرًا لربه لما أعطاه ثلث أمته، ثم سجد ثانية فأعطاه الثلث الآخر، ثم سجد ثالثة فأعطاه الثلث الباقي.

وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري، أن عليًا رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان، خر ساجدًا ثم رفع رأسه فقال: «السلام على همدان، السلام على همدان».

وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " إن النعم نوعان: مستمرة ومتجددة، فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شرع لها سجود الشكر، شكرًا لله عليها وخضوعًا له وذلاً في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله لا يحب الفرحين ولا الأشرين، فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره. ونظير هذا السجود عند الآيات التي يخوف الله بها عباده كما في الحديث " إذا رأيتم آية فاسجدوا " وقد فزع النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية انكساف الشمس إلى الصلاة، وأمر بالفزع إلى ذكره، ومعلوم أن آياته تعالى لو تزل مشاهدة معلومة بالحس والعقل ولكن تجددها يحدث للنفس من الرهبة والفزع إلى الله ما لا تحدثه الآيات المستمرة، فتجدد هذه النعم في اقتضائها لسجود الشكر كتجدد تلك الآيات في اقتضائها للفزع إلى السجود والصلوات، ولهذا لما بلغ فقيه الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس موت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم خر ساجدًا فقيل له: أتسجد لذلك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم آية فاسجدوا» وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا؟" انتهى..

أيها المسلمون: وصفة سجود الشكر أن يكبر ويسجد، ولا يكبر إذا رفع ولا يسلم. وذهب جمع من أهل العلم على أنه لا يشترط لها الطهارة أيضًا.

أيها المسلمون: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».

قال النووي رحمه الله: قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح ثم فسره بأن المؤمن يستريح من نصب الدنيا والفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" معنى الحديث أن الموتى قسمان: مستريح ومستراح منه، ونصب الدنيا: تعبها. وأما استراحة العباد من الفاجر معناه: اندفاع أذاه عنهم، وأذاه يكون من وجوه منها: ظلمه لهم ومنها ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك، وربما نالهم ضرره وإن سكتوا عنه أثموا. واستراحة الدواب منه كذلك، لأنه كان يؤذيها ويضر بها ويحملها ما لا تطيقه، ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك. واستراحة البلاد والشجر فقيل: لأنها تمنع القطر بمصيبته.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويحتمل أن يكون المراد براحة العباد منه لما يقع لهم من ظلمه وراحة الأرض منه لما يقع عليها من غصبها ومنعها من حقها وصرفه في غير وجهه.

الخطبة الثانية:

لم ترد.