غض البصر

عناصر الخطبة

  1. استهانة الناس بالنظر المحرم في هذا الزمان
  2. أهمية البصر ومنزلته من الحواس
  3. خطورة النظر المحرم
  4. استغلال الأعداء للمرأة في الإفساد
  5. آثار النظر إلى الحرام وعواقبه
  6. الأسباب المعينة على غض البصر
  7. فوائد غض البصر
اقتباس

إن البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأقرب طرق الحواس إليه، وما أكثر السقوط من جهته، ولذلك بدأ الله تعالى في الآية فأمر بالغضّ من البصر قبل حفظ الفرج، لماذا؟! لأن البصر هو أقرب طريق للقلب. كما أن غض البصر ليس مختصًّا بالرجال، بل الأمر موجّه كذلك للنساء، حيث أمر الله -سبحانه وتعالى- المؤمنات بغض أبصارهن وحفظ فروجهن: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ ..

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، قال -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

أيها الإخوة: لقد استهان كثير من المسلمين في هذه الأيام بالنظر المحرم إلى النساء، وهذا شيء مشاهد، ويعلمه الجميع، فترى كثيرًا من الناس يستهينون بالنظر إلى النساء الأجانب في الأسواق وفي أماكن تجمّعات الناس وعبر ما يُعرَض في كثير من القنوات الفضائية ومن خلال أجهزة الجوالات والحاسبات الآلية، والله -جل في علاه- يقول لعباده المؤمنين: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30، 31]، فأين نحن من أمر الله لنا بالغضّ من البصر؟!

عباد الله: إن البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأقرب طرق الحواس إليه، وما أكثر السقوط من جهته، ولذلك بدأ الله تعالى في الآية فأمر بالغضّ من البصر قبل حفظ الفرج، لماذا؟! لأن البصر هو أقرب طريق للقلب.

كما أن غض البصر ليس مختصًّا بالرجال، بل الأمر موجّه كذلك للنساء، حيث أمر الله -سبحانه وتعالى- المؤمنات بغض أبصارهن وحفظ فروجهن: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ الآية [النور:31].

أيها الإخوة في الله: إن إطلاق البصر في المحرمات ذنب عظيم ينبغي عدم الاستخفاف به والتهاون فيه، حيث يقول الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العينان زناها النظر، والأذنان زناهما الاستماع"، والحديث في الصحيحين، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: "يا علي: لا تُتْبِعِ النظرةَ النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة". رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله البَجَلِي قال: سألت النبي عن نظرة الفَجْأَة -وهو البَغْتَة من دون قصد- فأمرني أن أصرف وجهي.

إن معظم المصائب والذنوب والخطايا أولها نظرة، ألم تسمعوا قول الشاعر:

كلُّ الحوادِثِ مَبْدَؤُهـا مِن النَّظَـرِ *** ومُعْظَم النـارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّررِ كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قـلب صاحبها *** فَتْـكَ السِّهـامِ بلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ والمـرءُ مـا دام ذا عـين يقَـلّبُها *** في أَعْيُنِ الغِيدِ موقوفٌ على الخَطَرِ يسرُّ مُقْـلَتَه مـا ضـرَّ مُهْجَتَـه *** لا مـرحبًا بسرور عـاد بالضرَرِ

أيها المسلمون: لقد تفنَّن أعداؤنا وأعداء الفضيلة والطهر والعفاف في إغواء وإفساد وإغراء المسلمين ليلاً ونهارًا من خلال إفساد المرأة واستخدامها آلة وألعوبة لتحقيق مخططاتهم، وهذا -أيها الإخوة- مِصْداق لحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ففي صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاء"، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".

ولذلك عرف المفسدون أثر المرأة في إفساد المجتمع، فجَنّدوا طاقاتهم، وكدحوا واجتهدوا من أجل حَفْنَة مال حرام قليل لا بارك الله في جهودهم، وسَيُسْألون عن هذا المال يوم القيامة، وسَيُسْألون عما تسبّبوا به في إفساد مجتمعات المسلمين بهذا الإغواء، ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾ [النساء:27].

أيها المسلمون: إن مَن أطلق لبصره العَنَان فينظر للنساء الفاسدات في القنوات الفضائية أو في المنتزهات أو في الشواطئ أو في الأسواق أو عبر الجوالات أو أجهزة الحاسب الآلي سيصاب بأمر عظيم يفسد عليه دينه، ألا وهو فساد القلب، فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، فهي بمنزلة الشرارة من النار تُرمَى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه. ولقد قيل: "الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم بعده"، ورحم الله القائل:

وكنتَ متى أرسلتَ طَرْفَـكَ رائدًا *** لقلبك يومًـا أتعبتـك المناظِرُ رأيتَ الذي لا كـله أنت قـَادِرٌ *** علـيه ولا عن بعضه أنت صابرُ

أي: إذا أرسلت نظرك فإنك ترى ما لا تقدر على تحصيله، ولا تصبر على عدم حصول بعضه، وهذا من عجائب النظر. فهو سهم ترميه فيعود إليك.

وقال غيره:

يا راميًا بسهـام اللحْظِ مجتهدًا *** أنت القَتِيل بما ترمي فلا تُصِبِ

أيها المسلمون: ألا يخاف من لم يغضّ بصره أن يحدث له الجزاء في الدنيا قبل الآخرة؟! والجزاء من جنس العمل، وكما تدِين تُدَان، وكما مرّ معنا في الحديث أن العين تزني وزناها النظر، ولهذا يقول الشافعي -رحمه الله-:

عفُّوا تعفّ نساؤكم في المَحْرَمِ *** وتَجنّبوا مـا لا يـليقُ بِمسـلمِ إن الزنا دَيْـن فـإن أقـرضتَهُ *** كان الوفَا مـن أهل بيتك فاعلمِ مَن يزْنِ يُزْنَ بـه ولـو بجدارِه *** إن كـنتَ يا هذا لَبِيبًا فـافهمِ

وقد توعّد الله من يخون ببصره إلى ما لا يرضيه -جل وعلا-، فقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ﴾ [غافر:19]، وخائنة الأعين هو نظر المُسَارَقَة، وهو النظر الذي يخفيه المرء من جليسه حياءً أو خوفًا أو احترامًا، والله -جل وعلا وتقدّس- أولى وأولى أن يُسْتحيى منه جل شأنه، وقد قال -سبحانه وتعالى- عمّن يخشى الناس ولا يخشى الله في السر: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾ [النساء: 108].

أيها الإخوة: إن من عقوبات النظر المحرّم إبطال الطاعات، وبسببه يُصابُ المرء بالغفلة عن الله والدار الآخرة، فإن القلب إذا شُغِل بالمحرمات أورثه ذلك كسلاً عن ذكر الله وملازمة الطاعات، بل إن عين الناظر للحرام لا قيمة ولا دِيَة لها في الشريعة، فمن تعمّد النظر في بيوت الناس مُتَجَسِّسًا تهدر عينه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو اطّلع أحد في بيتك ولم تأذن له فخَذَفْتَهُ بحصاة ففَقَأَتْ عينه ما كان عليك جناح". متفق عليه.

عباد الله: إن تقوى الله -عز وجل- والخوف من عقابه ودعاءه والاستعانة به وشكره على نعمه أكبر مُعِين على التخلّص من النظر الحرام، فإن من تمام شكر نعمة البصر أن لا يُعصَى الله -عز وجل- بها، وعلينا أن نتذكّر عظيم الجزاء عند الله لمن غضّ بصره، وأنّ مَن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.

ليس الشجـاعُ الذي يحمي مَطِيّته *** يومَ النزالِ ونارُ الحربِ تشتعِلُ لكن فتًى غضَّ طرفًـا أو ثنى بصرًا *** عن الحرام فذاك الفارسُ البطلُ

إن الخوف من سوء الخاتمة وترك صحبة الأشرار يعين كذلك على ترك النظر الحرام، فإن الشخص يأخذ من صفات من يخالطه، و"المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يُخَالِل"، كما أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.

إن المسلم الذي رزقه الله بزوجة عليه أن يتذكّر أن الله أغناه بحلاله عن حرامه، فليشكر هذه النعمة، وإذا تعرض لنظرة مسمومة فعليه أن يبادر بعلاج ما يقع في قلبه من أثر تلك النظرة، ففي الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان، وتُدبِر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأتِ أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه". رواه مسلم.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:  

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على جزيل نعمه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فيا أيها الإخوة في الله: إن لغض البصر عن الحرام فوائد وثمرات نجنيها في الدنيا والآخرة ينبغي التأمل فيها حتى لا تضيع منا هذه الخيرات، في مقابل حصول الحسرات من عدم غض الأبصار.

فمن فوائد غض البصر: تخليص القلب من ألم الحسرة، وبغض البصر يحصل للقلب قوة وثبات وشجاعة ونور وإشراق يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، ومن غض بصره آتاه الله الحكمة، ولا تكاد تخطئ فراسته، وتجده مسرورًا وفرحًا ومُنشرِحًا، ويحس باللذة أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العِفّة أعظم من لذة الذنب.

إن غض البصر سبب لمحبة الله والأنس به، وبه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب، وغض البصر يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه، ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب سامته سوء العذاب.

إن غض البصر طريق للجنة، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم". حديث حسن.

أيها الإخوة: المسلم مطلوب منه أن يمتثل قول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت"، ومُطالَبٌ أيضًا أن يراقب ربه في الخلوات، كما هي حاله أمام الناس، ولا ينتهك حرمات الله إذا خلا بها بمفرده. والمسلم مُطالَبٌ بإقامة المعروف وإنكار المنكر، كلٌّ بحسب جهده وموقعه، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، الأبُ راع ومسؤولٌ عن أهل بيته، فلا يسمح بالمجلات الخليعة ولا البرامج المدمرة التي أصبحت تزرع الضلالات والفتن بدخول البيت، على المسلمين أن يحذروها، وأن يقوا أنفسهم وأهليهم منها.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن الذين يقولون: سمعنا وأطعنا، اللهم ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة.