واجب المسلم في ذكرى المولد النبوي

عناصر الخطبة

  1. بدعية الاحتفال بالمولد النبوي
  2. سوء أحوال المسلمين وفساد قلوب كثير منهم
  3. أدلة بدعية المولد النبوي
  4. بدائل لهذه البدعة
اقتباس

الاحتفال بالمولد مخالف لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يعرفه -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة ولا التابعون -رضي الله عنهم-، ولو كان في الاحتفال به خير لأرشدنا إليه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما أرشدنا إلى صوم يوم الاثنين الذي ولد فيه، بل نجد أنه -صلى الله عليه وسلم- حذّرنا من الإحداث في الدين، ودعانا إلى التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ففي الحديث: “وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ…

الخطبة الأولى:

انتهينا في الخطبة السابقة إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي أحدثه المتأخرون، هو بدعة من البدع المستحدثة، ورغم تحذيرات الدعاة والمنصفين من انتشار هذه البدعة، إلا أنه مع الأسـف الشديد، هناك جهات مسؤولة، وقيادات دينية وسياسية ستستمر في الاحتفال بالمولد، وطوال شهر ربيع الأول؛ ولهذا وجدت أن من واجبي أن يسـتمر حديثي معكم اليوم حول نفس الموضوع، نبين واجبنا في هذه المناسبة وكيف تكون علاقاتنا مع بعضنا البعض تجاه هذه البدعة؛ لأنه مما يدعو إلى الحزن والأسف، أن كثيرًا من أصحاب الموالد والمحبذين لها -ومن بينهم علماء وطلبة علم- قد غالوا في تمجيد هذه البدعة، وأكبروا من شأنها وتعظيمها إلى حد أن بعضهم لا يتورع أن ينسب من ينكـر هذه البدعة إلى الكفر والخروج من الدين بقوله: أن فلانًا يكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه لا يحب الاحتفال بالمولد، يقول ذلك وهو يعلم أن من يكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو لا يحبه يكفر بإجماع المسلمين، ومن هنا كان قَوْلُهُ: إن فلانًا يكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكفيرًا له، وتكفير المسلم لا يحل بحال من الأحوال.

مع العلم أنه لا ينكـر البدعة ولا ينهى عنها ويحذر منها إلا مؤمن صالح، فكيف يُتَّهَمُ المؤمن الصالح بالكفر والعياذ بالله؟! ألم يعلم هؤلاء الغلاة في شأن بدعة المولد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ". وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: "وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلا حَارَ عَلَيْهِ". أي رجع عليه ما قاله من الكفر أو اللعن.

إن من حق المسلم على المسلم أن يأمره بالمعروف إذا تركه، وينهاه عن المنكر إذا ارتكبه، فهل إذا قام المسلم بحق أخيه فأمره أو نهاه يجازيه أخوه بأسوأ جزاء وأقبحه بنسبته إلى الكفر والعياذ بالله تعالى؟!

وهذا في الحقيقة يعود إلى سوء أحوال المسلمين، وفساد قلوبهم وأخلاقهم بسبب بعدهم عن التربية الإسلامية، التي هي قوام حياة المسلمين، وسبب سعادتهم في الدارين؛ إذ قد انعدمت هذه التربية منذ قرون عدة وانعدم بينهم من يقوم بها فيهم مع شديد الأسف -إلا من رحم ربي-، فهذه الأمة المحمدية حاجتها إلى التربية الروحية والخلقية أمس من حاجاتها إلى الطعام والشراب؛ إذ ما كملت في الصدر الأول ولا سعدت إلا على التربية الروحية والخلقية، يقول الله -عز وجل-: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، ونظيرها من آل عمران: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾.

فتزكية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه هي تربية نفوسهم وأخلاقهم على الكمالات والفضائل، بما كان يغذوهم به يوميًا ويروضهم عليه من أنواع السـنن والآداب حتى كمُلُوا وطَهُُرُوا، فطريق الدين والعبادات الصحيح إنما هو ما بينه الذي خلق الخلق على لسان رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فمن زاد عن هذا أو نقص، فقد خالف الحكيم الخلاق العليم، خالف بتركيبة الأدوية من عند نفسه، فربما صار دواؤه داءً، وعبادته معصية وهو لا يشعر؛ لأن الدين قد كمل تمام الكمال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…﴾. فمن زاد فيه شيئًا فقد ظن أن الدين ناقص، وهو يكمله بعقله الفاسد، وخياله الكاسد.

فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض نبيه -صلى الله عليه وسلم- فما هذا الرأي الذي أحدثه الناس، بعد أن أكمل الله دينه؟! إن كان ما جاؤوا به هذا من الدين في اعتقادهم، فمعنى هذا أن الدين لم يكمل عندهم إلا برأيهم، وهذا خطر عليهم عظيم؛ لأن معناه رد للقرآن، وإن لم يكن من الدين فأي فائدة في الاشتغال بما ليس من الدين، أفلا يعقلون؟!

على هذا النهج قام الصحابة -رضي الله عنهم- من بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتربية المسلمين في كل البلاد التي انتشروا فيها، وخَلَفَهُم بعد وفاتهم تلامذتُهم من التابعين، ومن تابعي التابعين مع من بعدهم، وسارت أمة الإسلام كاملة طاهرة خيرة إلى أن انعدمت فيها هذه التربية، وانعدم رجالها، فسادتها الفوضى والضعف والانقسام، وتقاسمتها الأهواء والشهوات، وتولى تربيتَها رجال ليسوا أهلاً لذلك، وصرنا نرى خريجي الجمعيات السرية التي تعمل على الأهداف اليهودية أمثال: خريجي نوادي الروتاري، والليونز، وشهود ياهوه، والبهائيين، والعلمانيين، والليبراليين… إلى آخر هذا الطابور من العملاء والفساق، نراهم ما زالوا يتبوأون المناصب الكبرى في البلاد الإسلامية، فزادوا في سوء حالها واضطراب أمرها، تستخدمهم الصليبية الدولية والصهيونية العالمية في تنفيذ مخططاتها لاختراق تعاليم الدين الإسلامي، وهدم مبادئ الشريعة والقيم والأخلاق.

كل ذلك يجعلنا نتساءل: ما هو واجبنا إذًا حيال الاحتفال بالمولد؟!

خلاصة القول: أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي كما ثبت لنا هو بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها؛ وذلك لأسباب كثيرة منها:

أولاً: الاحتفال بالمولد مخالف لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يعرفه -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة ولا التابعون -رضي الله عنهم-، ولو كان في الاحتفال به خير لأرشدنا إليه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما أرشدنا إلى صوم يوم الاثنين الذي ولد فيه، بل نجد أنه -صلى الله عليه وسلم- حذّرنا من الإحداث في الدين، ودعانا إلى التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ففي الحديث: "وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".

السبب الثاني أن كثيرًا من المسلمين اتخذوه عيدًا شرعيًا ورسميًا، تعطل فيه دواوين ومصالح الحكومة والمدارس، والأعياد الشرعية عيدان فقط؛ فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟"، قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". أفلا نرضى بما رضيه الله لنا من أعياد؟!

ثالثًا: جعله عبادة يتقرب بها إلى الله -عز وجل- لدرجة أنهم في بعض الأماكن يتهمون من لم يحضر المولد بالمروق من الدين، وهو أمر يندي له الجبين؛ إذ إن أي عبادة لها حيثيات أربع، وهي كميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها، ولا يقدر على إيجاد هذه الحيثيات وتحديدها وتعيينها إلا الله -عز وجل-، ومن المعلوم أن بدعة المولد أحدثها الحاكم العبيدي الشيعي الباطني الملقب بالمعز لدين الله بدوافع سياسية، أراد بها أن يكسب ود أهل مصر ورضاءهم بادعائه محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل البيت، وعليه فلا يمكن أن تكون قربي إلى الله بحال من الأحوال، فكيف نعبد الله بما اخترع الناس؟!

رابعًا: عدم فعل السلف للمولد النبوي، مع أنهم أعرف الناس بحقوق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان فيه خير لسبقونا إليه، فإنهم كانوا أشدَّ محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأكثر تعظيمًا له منا، وعلى الخير كانوا أحرص، ولكنهم علموا أن محبته وتعظيمه إنما تكون في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته، انصياعًا لأمر الله -عز وجل-: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فعلينا أن نلفظ بدعة المولد حتى نكون من هؤلاء المحسنين.

خامسًا: لم ينقل الاحتفال بهذه البدعة عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها المبطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، فهل ترضى لنفسك أن تسير وراءهم وأنت مغمض العينين، كالثور في الساقية؟! طبعًا لا وألف لا.

سادسًا: إن الاحتفال بالمولد فيه مشابهة للنصارى في احتفالهم بمولد المسيح -عليه السلام-؛ لأن شريعتهم التي حرفوها تقوم على الغلو في الأشخاص، وديننا ينهانا عن الغلو ويحذرنا من التشبه بهم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، وهو أمر خطير وعاقبته وخيمة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: "من تشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة".

الخطبة الثانية:

هذه بعض الأسباب التي لا يماري عاقل في ضرورة الامتناع عن بدعة المولد بسببها، لكن قد يقول البعض: إن بدعة المولد، لا تخلو في الجملة من بعض الخير، فما هو البديل عن هذه البدعة؟! نقول وبالله التوفيق:

إن قراءة قصة المولد وما تتضمنه من استعراض للنسب الشريف والشمائل المحمدية الطاهرة، فإن البديل عن ذلك أن يأخذ المسلون أنفسهم بالجد، فيجتمعوا في مساجدهم كل يوم، مثلاً، من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، يجتمعون على عالم بالكتاب والسنة يعلمهم أمور دينهم، ويفقههم فيه، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويومئذ سيتعلمون النسب الشريف، ويدرسون الشمائل المحمدية، ويتصفون بما فيه الأسوة منها، وبذلك يصبحون حقًا من أتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحبائه المحتفين به صدقًا وحقًا لا ادعاءً ونطقًا.

وأما عن الذكر وقراءة القرآن: فإن البديل أن يكون لأحدهم ورد في الصباح وورد في المساء، وورد في آخر الليل؛ أما أوراد الصباح والمساء فهي كثيرة ثابتة في الصحاح والسنن، وأما ورد آخر الليل فصلاة ثماني ركعات يقرأ في كل ركعة ما تيسـر له من القرآن، ويختم صلاته بثلاث ركعات يصلي اثنتين ويوتر بواحدة، مع المحافظة على صلاة الجماعة في بيوت الله.

أما عن السماع -الأغاني والتواشيح-: فالبديل الخير أن يقتني المسلم عددًا من تسجيلات عظماء المجودين للقرآن الكريم، وهي كثيرة وميسرة بفضل الله تعالى، أمثال يوسف كامل البهتيمي، والمنشاوي، والصيفي، والطبلاوي… وغيرهم، وكلما جفّت النفس يفتح جهازه، يستمع إلى كلام الله، عندها يطرب الطرب الحق، الذي يثير الشوق إلى الله تعالى، والرغبة في جواره الكريم.

وأما عن إطعام الطعام وتناوله مع الإخوان، فبابه مفتوح، وطريقه لا يتوقف على مناسبة أو موسـم، فليطبخ المسلم طعامه وليدع الفقراء بل والأغنياء وليأكل وليحمد الله -سبحانه وتعالى-، وليشكره، ومن يشكر الله يزده: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ…﴾، والله خير الشاكرين، أما من لا يسـتطيع إقامة الولائم فما عليه إلا أن يوسـع في الطبخة وليهد منها جاره، فلعلنا نرى بيوتنا تتهادى أنواع الطعام في العمارة الواحدة كما كانت تفعل الأسر من قبل.

اللهم إنا نسألك أن تحيينا على سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وتميتنا على ملته، وتحشرنا في زمرته -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم.

اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يستجاب لها.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.