نواقض الإسلام (2)

عناصر الخطبة

  1. المقصود بالإسلام
  2. بعض نواقض الإسلام
  3. ضابط التكفير بنواقض الإسلام
  4. اجتناب نواقض الإسلام
اقتباس

الإسلام -عباد الله- هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. والإسلام مداره على شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وأسباب الردة كلها ترجع إلى أمر واحد هو مناقضتها للشهادتين. واعلموا أن كثيراً من اليهود والنصارى يودون…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾[آل عمران: 19].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيرا.

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، ولا تخالفوا أمره ولا تعصوه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85].

فالإسلام -عباد الله- هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

والإسلام مداره على شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

وأسباب الردة كلها ترجع إلى أمر واحد هو مناقضتها للشهادتين.

واعلموا أن كثيراً من اليهود والنصارى يودون أن يردوا المسلمين عن دينهم بقدر ما يستطيعون: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[البقرة: 109]، وهذه غايتهم، وهي غاية إبليس.

فالجهل بنواقض الإسلام وعدم تعلمها، يجعل الإنسان يقع فيها وهو لا يشعر، وذلك لانتشارها بين كثير من المسلمين.

فمن نواقض الإسلام: الاستهزاء بشيء من دين الله، أو ثوابه، أو عقابه؛ فهذا كفر بإجماع المسلمين، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ كما لو هزل مازحاً،كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(66)﴾[التوبة: 65-66].

روى ابن جرير عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي مَجْلِسٍ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلاءِ, أَرْغَبَ بُطُونًا, وَلا أَكْذَبَ ألسنًا, وَلا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بِحَقَبِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ، تَنْكُبُهُ الْحِجَارَةُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(66)﴾[التوبة: 65-66]".

فقولهم: إنما كنا نخوض ونلعب، أي: إننا لم نقصد حقيقة الاستهزاء، وإنما قصدنا الخوض واللعب، نقطع به عناء الطريق، كما في بعض روايات الحديث، ومع ذلك كفرهم الله -جل وعلا-؛ لأن هذا الباب لا يدخله الخوض واللعب، فهم كفروا بهذا الكلام مع أنهم كانوا من قبل مؤمنين.

فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ كالاستهزاء بالعلم الشرعي وأهله لأجله، والاستهزاء بثواب الله وعقابه، والاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أجل أمرهم به أو نهيهم عنه، والاستهزاء بالصلاة أو بالمصلين لأجل صلاتهم، والاستهزاء بمن أعفى لحيته لأجل إعفائها، أو بتارك الربا لأجل تركه؛ -فمن استهزأ بذلك- فهو كافر.

والاستهزاء إما أن يكون صريحاً؛ كالذي نزلت فيه الآية، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين.

وإما أن يكون غير صريح؛ وهذا هو البحر الذي لا ساحل له، مثل: الرمز بالعين، وإخراج اللسان، ومد الشفة، والتنحنح، والغمز باليد عند تلاوة كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فحذار حذار من كلمة يفوه بها الإنسان لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار، ويكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه.

ويجب على كل مسلم أن يقاطع المستهزئين بدين الله ولا يجالسهم لئلا يكون منهم، كما قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾[النساء: 140].

والسحر ناقض من نواقض الإسلام؛ ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾[البقرة: 102].

والسحر عُقَدٌ ورُقى يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين لتضر المسحور.

والسحر من علم الشياطين؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة:102].

والصرف، هو السحر الذي يُقصد به تنفير الأحبة بعضهم عن بعض، كالتفريق بين الزوجين: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: 102].

والعطف، عمل سحري كالصرف، ولكنه يعطف الرجل عما لا يهواه إلى محبته بطرق شيطانية.

وهو التولة، شيء يضعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.

والساحر كافر يجب قتله على القول الصحيح؛ لأنه مفسد في الأرض؛ وبقاؤه على وجه الأرض فيه خطر كبير على الأفراد والمجتمعات، وفي قتله قطع لفساده وإراحة للعباد والبلاد من خبثه.

ومن ابتلي بالسحر فليصبر على ما قدره الله عليه؛ ولا يذهب للسحرة لحل السحر بسحر مثله؛ لأن من ذهب إلى السحرة من أجل سؤالهم أو النظر فقط لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، ومن صدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ولكن عليه بالرقية الشرعية، كما رقى جبريل رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لما سُحر؛ فقرأ عليه المعوذتين فانحل السحر بأمر الله.

أيها المسلمون: ومن ظاهر المشركين وعاونهم على المسلمين، فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ  فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[المائدة: 51].

ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، فتنة عظيمة دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقلَّ فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن والإغراء بالمال -فيكون جاسوساً للمشركين- من أجل مصالح شخصية على حساب مجتمع مسلم بأكمله.

وهذا كله بسبب الإعراض عن تعلم العلوم الشرعية، والإقبال على تعلم العلوم اليونانية والفلسفية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾[الممتحنة: 13].

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، يا ذا الجلال والإكرام.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[الزمر: 22].

عباد الله: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى -عليه السلام-، فقد جاء بناقض من نواقض الإسلام؛ لأنه لا يمكن التدين لله والوصول إلى رضاه من غير طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ ولأن هذا يناقض شهادة أن محمداً رسول الله والإيمان بها، إذ لا طريق إلى الله أبداً إلا شريعته الخالدة؛ وقد سدَّ الله كل طريق إلى الجنة، فلا يفتح إلا من طريقه، قال صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ،إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"[رواه مسلم(153)].

ومن أعرض عن دين الله -تعالى-، لا يتعلمه ولا يعمل به، فقد أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾[السجدة: 22].

والمقصود بهذا الإعراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلماً، ولو كان جاهلاً بتفاصيل الدين.

وبهذا المعنى يتبين لك حكم كثير من عباد القبور في زماننا هذا وقبله، فإنهم معرضون عما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- إعراضاً كلياً، بأسماعهم وقلوبهم، ولا يصغون لنصح ناصح وإرشاد مرشد، فهؤلاء كفار لإعراضهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾[الأحقاف: 3].

ولا فرق في جميع هذه النواقض -والسابقة منها- بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره.

فمن عمل شيئاً من هذه الأمور ولو كان غير جاد، أو عملها خائفاً، فإنه يكفر؛ إلا المكره؛ كما قال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[النحل: 106].

فمن أكره بالتهديد والقتل، أو الضرب الموجع، على أن يقول مثلاً: إن الرسول كذاب، وقال بلسانه ما يتخلص به من ذلك البلاء، وقلبه مطمئن بالإيمان؛ فليس بكافر؛ لأن القلب لا يستطيع أحد أن يتسلط على ما فيه من اعتقاد ويكره على تركه.

فلنتق الله -عباد الله-، ولنجتنب الشرك بالله والاستهزاء بدين الله -تعالى-، ولنحبس ألسنتنا بالخوض عما لا يعنينا، ولا نمزح في أمر الدين، ولنقبل على تعلم دين الله وتعليمه، ولنكن مفاتيح للخير مغاليق للشر، ولنحافظ على أمننا وإيماننا وديننا: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران: 8].

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[آل عمران: 47].

وصلوا وسلموا على نبيكم…