في فضل التوبة والاستغفار

عناصر الخطبة

  1. أهمية التوبة
  2. رحمة الله بنا بفتحه باب التوبة
  3. خطأ الاعتماد على عفو الله مع التمادي في المعاصي
  4. وجوب المبادرة إلى التوبة
  5. شروط التوبة .
اقتباس

إن ابن آدم مخلوق ضعيف، وقد حف به أعداء كثيرون من شياطين الجن والإنس؛ يحسِّنون له القبيحَ، ويقبِّحون في نظره الحسن، ومع هؤلاء الأعداءِ نفسُه الأمارة بالسوء؛ تدعوه إلى تناول الشهوات المحرمة؛ فهو معرَّض للخطر من كل جانب، لكن مع هذا كله قد جعل الله له حصناً إذا أوى إليه رجعت هذه الأعداء كلها خاسئة مدحورة ..

الحمد لله القائل في كتابه المبين: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). أحمده إذ فتح لعباده التوبة، ودعاهم إليها، ووعدهم أن يتقبلها منهم إذ فتح لعباده باب التوبة، ودعاهم إليها، ووعدهم أن يتقبلها منهم ويمحو بها سيئاتهم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. لا رب لنا سواه. ولا نبعد إلا إياه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله.

عباد الله: إن ابن آدم مخلوق ضعيف، وقد حف به أعداء كثيرون من شياطين الجن والإنس؛ يحسِّنون له القبيحَ، ويقبِّحون في نظره الحسن، ومع هؤلاء الأعداءِ نفسُه الأمارة بالسوء؛ تدعوه إلى تناول الشهوات المحرمة؛ فهو معرَّض للخطر من كل جانب، لكن مع هذا كله قد جعل الله له حصناً إذا أوى إليه رجعت هذه الأعداء كلها خاسئة مدحورة. وذلكم الحصن هو توبته إلى ربه، والاستعانة به، واللهج بذكره؛ قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.

فمن بدرت منه خطيئة، أو ارتكب معصية فبادر بالتوبة والاستغفار وأتبعها بالحسنة التي تمحوها – كفرها الله عنه ووقاه خطرها. يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ إن التوبة الصادقة تمحو الخطيئة مهما عظمت. كما قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾.

لقد عرض الله التوبة على الذين هم أشد جرماً، الذين يقتلون أنبياءه ويقولون: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ ويقولون: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ لقد دعا هؤلاء إلى التوبة فقال سبحانه: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

إن الله سبحانه فتح بابه للتائبين ليلاً ونهاراً "يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل". يتلطف سبحانه بعباده الذين كثرت سيئاتهم وعظمت خطاياهم فينهاهم عن أن تحملهم كثرةُ ذنوبهم على القنوط من رحمة الله وترك التوبة منها؛ فيقول سبحانه: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ(54)﴾ الآيات.

إن الذنب مهما عظم فعفو الله أعظم، وإن من يظن أن ذنباً لا يتسع له عفو الله ومغفرته فقد ظن بربه ظن السوء؛ لأن القنوط من رحمة الله من أعظم كبائر الذنوب؛ قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.

ولكن ليس معنى هذا أن يعتمد العبد على سعة عفو الله ورحمته، ويتمادى في المعاصي والذنوب، وينسى العقوبة والانتقام من العصاة؛ لأن هذا معناه الأمن من مكر الله ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ(47)﴾.

فيجب على العبد أن يعترف بذنبه، ويطلب من ربه مغفرته، ويبادر بالتوبة منه؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.

إنه يجب على العبد أن يبادر بالتوبة فإنه لا يدري متى يحضره الأجل. فيحال بينه وبين التوبة، وتفوته الفرصة فيندم حين لا ينفعه الندم، وينتقل إلى الدار الآخرة مثقلاً بالذنوب حاملاً للأوزار.

إن الله -سبحانه- حذر من ذلك فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ(18)﴾.

وقال -صلى الله عليه وسلم- " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أي ما لم تحضره الوفاة.

ومن يدري متى يموت. إنه لا يعلم أحد منا متى نهاية أجله؛ لأن الموت يمكن حضوره في كل لحظة. ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.

أيها المسلمون: إن التوبة ليست مجرد لفظ يتردد على اللسان من غير التزام لمدلوها. إن مدلول التوبة هو الرجوع من المعصية إلى الطاعة وذلك لا يكون إلا بتوفر شروط التوبة التي هي:

أولاً: الإقلاع عن الذنب؛ أي تركه، والابتعاد عنه وعن أسبابه الموصلة إليه.

ثانياً: الندم على ارتكابه؛ بأن يحزنه ويسوءه ما وقع منه من المعصية، ويستحي من ربه.

ثالثاً: أن يعزم عزماً جازماً على أن لا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى طول حياته.

رابعاً: وإذا كان الذنب الذي تاب منه يتعلق بحق المخلوق فلا بد أن يتحلل منه، ويطلب منه المسامحة؛ فإن كان هذا الحق مالاً قد أخذه منه بغير حق؛ اغتصاباً، أو سرقة، أو خيانة في معاملة، أو وديعة، أو عارية – وجب رده إليه إن كان باقياً، أو ردُّ قيمته إن كان تالفاً، وإن كان الحق غير مالي؛ كأن استطال في عرضه بغيبة أو نميمة أو سب أو شتم – وجب عليه أن يستسمحه إن أمكن، أو يدعو له ويثني عليه إذا لم يمكن التحلل منه. أو خاف من إخباره بذلك ضرراً أكبر. وإن تعدى عليه في بدنه؛ بضرب أو قطع طرف أو جراحة – وجب عليه أن يمكِّنه من الاقتصاص منه بقدر مظلمته إن شاء صاحب الحق الاقتصاص، أو يعفو عنه إن شاء العفو. وإن كان الحق حدَّ قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه؛ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلّلْ منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم. إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ".

وروى مسلم عنه -أيضاً- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا. فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".

فاتقوا الله -عباد الله-، وبادروا بالتوبة قبل فوات أوانها؛ فإن الأعمار محدودة، والمهلة مقدرة، ولكل أجل كتاب، وكل ما هو آت قريب.

وفقني الله وإياكم للتوبة النصوح والعمل الصالح.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(11)﴾.

بطاقة المادة

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية

ملفات ذات علاقة

العنوان اللغة
فضل الاستغفار العربية
الاستغفار في الكتاب والسنة العربية
الاستغفار للغير العربية
مع التوبة والتائبين العربية
التوبة وفضلها العربية
التوبة إلى الله تعالى العربية