الإصلاح

عناصر الخطبة

  1. الإصلاح مطلب شرعي وإنساني
  2. تأملات في آيات الإصلاح في القرآن الكريم
  3. بدء قصة الإصلاح في الأرض
  4. الإصلاح ومحاربة الفساد سبب لإرسال الرسل
  5. رفع المفسدين لشعارات الإصلاح
  6. صفات الإصلاح الحقيقي
  7. ثمرات الدعاوى الزائفة للإصلاح
  8. الطريق إلى الإصلاح
اقتباس

إن الإصلاح الذي ينبثق من الدين هو ما يكون رحمة وسلاماً, ولطفاً وسعادة, وسمواً وإشراقاً؛ إصلاح يهب كالنسيم العليل, ويمضي كالجـداول الرقراقـة, ويتدفق كالأنهار العذبة, يروي الظمأ, ويذهب العطش, ويسعد الأرواح, ويبهج القلوب, ويقر الأعين, وينبه الغافل, ويعلم الجاهل, ويهدي التائه, ويرشد الحيران, ويوحد الصف, ويجمع الكلمة، وينبذ الهوى? ..

الإصلاح ظاهرة صحية، ودلالة قوية على علو الهمة، وقوة العزيمة، واحترام الذات، وحب الخير، والتنكر للذل والركون والركود؛ ومن قبل ذلك هو مطلب شرعي رباني لا تقوم الحياة إلا به. 

وحينما يعود المرء إلى النهر الرقراق، والنبع المتدفق، والمنهاج الأَجَلِّ، إلى القرآن الكريم، يجد ما يبهر النفس، ويطرب الحس، ويهز الوجدان، ويبعث الإكبار والإجلال والخشوع والخضوع لهذا القرآن العظيم، والمنهج القويم، الذي ما من خير في الدنيا والآخرة إلا حواه ودلنا عليه، وما من شر إلا وقد جلَّاه وحذرنا منه.

والمتأمل لآيات الإصلاح في القرآن الكريم يجد الآتي:

1/ وردت كلمة الإصلاح بمشتقاتها في القرآن الكريم حوالي مائتي مرة, والإكثار من ذكر الشيء يدل على العناية به.

2/ وردت كلمة الإصلاح في آيات كثيرة مرتبطة بكلمة الفساد ومقابله، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة:220]، ووردت في آيات أخرى مقابلة للسيئة، كقوله تعالى: ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة:102].

3/ وردت كلمة الفساد وهي ضد الإصلاح حوالي خمسين مرة.

4/ ورد الربط الوثيق في القرآن الكريم بين الإيمان والإصلاح، كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأنعام:48]، وبين التقوى والإصلاح كقوله تعالى: ﴿فَمَن اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف:35]، وبين التوبة والإصلاح كقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا﴾ [البقرة:160]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا﴾ [النساء:16]، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:5].

5/ يبين القرآن الكريم أن رسالة الأنبياء -عليهم السلام- هي الإصلاح: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ [هود:88].

6/ أن الفساد وترك الإصلاح هو سبب كل نقمة، وأساس كل بلية، وعنوان كل شقاء.

هذه بعض الملامح العامة لهذا الموضوع في القرآن الكريم. الصلاح ضد الفساد، وهو بمعنى الاستقامة والاعتدال والتقويم. الفساد بمعنى خروج الشيء عن الاعتدال والاستقامة.

تبدأ قصة الصلاح والفساد من قبل خلق ابن آدم، حيث تخوفت الملائكة من وجوده في الأرض لأنها صالحة سليمة نقية، وقد يأتي إليها هذا المخلوق فيفسد فيها، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:30].

ونوع الاستفهام هنا -كما قال البلاغيون- هو استفهام استرشادي, وليس استفهاماً استنكارياً؛ إذ يستحيل على الملائكة أن يستنكروا شيئاً يريد الله له أن يكون, أو أن يعترضوا عليه -سبحانه-, وإنما هم يسألون عن الحكمة في ذلك, فيقولون: يا ربنا! ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون.

وقد علمت الملائكة من علم الله تعالى أنه لا شيء أبغض إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض، وهذا هو المتحقق في هذا الزمن على يد بني آدم؛ فإن سفك الدماء ظاهرة مألوفة، بل لقد سالت الأرض بدماء الناس وأكثرهم أبرياء، بل وأكثرهم مسلمون، وكذلك الفساد، فلم تعرف الخليقة في تاريخها أشد فسادا ولا أعظم فجورا مما تتلطخ به الأرض في هذا الزمان.

وبين لنا -جل وعلا- في كتابه أن الأنبياء -عليهم السلام- بعثوا إلى أقوامهم للإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين، هذا هو صالح عليه السلام ينادي في قومه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء:150-152].

وها هو شعيب -عليه السلام- يهتف بالنداء نفسه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت:36].

وموسى -عليه السلام- ينادي في بني إسرائيل: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة:60]؛ وها هو يقدم النصيحة الغالية لأخيه: ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:142].

وكذلك يزجي موسى هذه النصيحة الغالية إلى قارون: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:77].

ولقد ابتلي موسى بفرعون وبني إسرائيل الذين بلغوا أقصى درجات الفساد والفسق والضلال: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ(10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12)﴾ [الفجر:10-12].

والأدهى من ذلك والأمر أن فرعون كان يدعي الصلاح والإصلاح ويتهم موسى -عليه السلام- بالفساد، قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر:26]، وهذا هو المنطق المعكوس عند أهل الكفر والضلال في كل مكان وزمان كما يفعل فراعنة العصر حينما يتآمرون على المصلحين، ويعلنون الحرب على المسلمين، ويشوهون صورة الناصحين، ويتهمونهم بأنهم يفسدون في الأرض، فلا بد من إعلان الحرب عليهم لإقامة العدل والحرية والسلام والأمن والديمقراطية!

فهذه السمة والمغالطة يجليها لنا القرآن الكريم، ويبين أنها أسلوب يتبعه الكافرون كما سمعنا، ويسلكه أيضا المنافقون والمراوغون والعلمانيون الذين يمتهنون الفساد، ويسعون للفسق، ويقودون البشرية إلى المهاوي والمهالك.

ثم إذا ما دعوا للكف عن فسادهم قالوا نحن لا نفسد ولكننا نصلح، فهم ينادون بالتحلل والتفسخ والشهوات والشبهات واللهو والضياع والتنكر للدين، ويقولون هذا هو السبيل الأقوم للإصلاح ورقي الأمم: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ(12)﴾ [البقرة:10-12].

ولقد حذر القرآن أشد التحذير من المتظاهرين بالإصلاح وهم سدنة الفساد وأربابه، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)﴾ [البقرة:204-205].

وممن يشبه هؤلاء في الفهم المعكوس وفي سلوك طريق الفساد بحجة الإصلاح من يحمل شعار الدين، ويتزيا بزي الإسلام، ثم يمتهن العنف والقتل والتخريب وإشاعة الخوف والرعب بحجة الإصلاح والتقويم، وذلك هو الفساد بعينه، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:104].

إن الإصلاح الذي ينبثق من الدين هو ما يكون رحمة وسلاماً, ولطفاً وسعادة, وسمواً وإشراقاً؛ إصلاح يهب كالنسيم العليل, ويمضي كالجـداول الرقراقـة, ويتدفق كالأنهار العذبة, يروي الظمأ, ويذهب العطش, ويسعد الأرواح, ويبهج القلوب, ويقر الأعين, وينبه الغافل, ويعلم الجاهل, ويهدي التائه, ويرشد الحيران, ويوحد الصف, ويجمع الكلمة، وينبذ الهوى, ويمقت العقد, ويأبى الطغيان, ويأنف الجور, ويتزيا بالعدل, ويتجمل بالعقل, ويستنير بالحكمة, ويمضي على بصيرة؛ الدليل ديدنه, والحجة عنوانه، والإقناع برهانه؛ إصلاح يفرح به المسلمون, ويسر به المؤمنون, ويشرق بروعته الحاقدون والمغرضون.

أما الدعاوى الزائفة, والشعارات الطائشة, والاتهامات المنمقة، والشبهات المموهة, فهي دلالة على حمق أصحابها, وبرهان على جهل أربابها, لا تهدي ضالاً, ولا ترد غاوياً, ولا تصنع معروفاً, ولا تثمر فضيلة.

وإن العجب لا ينقضي من أناس يتبجحون بالإصلاح, وإرادة الخير, ونصرة الدين, ثم يخالفون منهج الدين, وسمو المنهج, وصفاء الرسالة, يثيرون الفتن, ويشعلون الإحن, ويزرعون الفرقة, ويفرحون بالفوضى, بل يعزفون ألحان الرضا على ترويع الآمنين, وقتل المسلمين, وتخريب المنشآت, وتفجير المجمعات, وإن لكل شيء ثمرة, فما هي ثمار أفعالهم؟! ولكل فعل نتيجة، فما نتائج أفكارهم؟! لقد استثارت المسلمين, وأثارت غضب الموحدين, وعمقت الكُرْه والبغض لأولئك المرجفين, ثم عادت عليهم الحسرة والندامة, والخيبة والخسران, والمحق والتشريد, بما كسبت أيديهم, وجنَتْه أفكارهم, ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

إن المصلح الذي يحبه الله ويحبه عباد الله هو الذي يمضي على نور من الله واتباعٍ لنبيه, يدعو إلى الكتاب, ويقيم الصلاة, ويستقيم على الجادة, قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف:170].

وإن الله تعالى قد رتب أشد العقوبة على أي عمل يؤدي إلى الفساد في الأرض، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة:33].

إن للقرآن الكريم إشارة بديعة, وإلماحات جميلة, واستمع إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:56]، إنه ينهى عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها, ثم يرشد إلى الفعل الجميل الذي هو الإصلاح بعينه, والفوز برمته, وهو التقرب إلى الله، والانطراح بين يديه, والخوف من عقابه, والطمع في مغفرته, واليقين بأن رحمته وعطائه وفضله إنما يناله المحسنون وليس المسيئين, والمصلحون وليس المفسدين.

إن المتأمل لآيات الإصلاح يجد المزج القوي بينها وبين التقوى, وتزكية النفس, وحب الخير، وسلامة المقصد؛ وأي دعوى للإصلاح لا تجمع تلك الصفات فهي دعوة خائبة, ومسيرة غاوية؛ وإن المفسدين من جميع الأطراف والتوجهات مهما حاولوا الإصلاح أو ادعوه فلن تفلح جهودهم، ولن تثمر أعمالهم حتى ولو تخللها شيء مما يصلح للناس أو يصلح به الناس، فهم في الأصل أصحاب فساد، وسلكوا سبيل فساد، وهذا لا يُصلح أبدا: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس:81]؛ قال الأصفهاني في هذه الآية: إن المفسد يضاد الله في فعله فإنه يفسد، والله تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصلاح، فهو إذا لا يصلح عمله.

إن الصلاح والإصلاح ومحاربة الفساد والإفساد طريق للعزة، وسبيل للكرامة، وعنوان للفلاح، ورفعة للأمم، وحفظ للشعوب، وكسب لمرضاة الواحد الأحد، ونجاة من عقابه: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [هود:116]، وإن الحاجة إلى الإصلاح من الأمور الملحة في حياة الفرد والأمة: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود:117].

إن الطريق إلى الصلاح والإصلاح يقتضي العقل والعدل والحكمة حتى تثمر جهود المصلح، وتؤتي أكلها؛ وأما سلوك سبيل المفسدين فلا يصلح، والسير في ركب المنافقين والشهوانيين لا يصلح، وكذلك التهور باسم الدين لا يصلح، والعنف والتخويف والإرهاب لا يصلح، بل هو سبيل المنهزمين، وطريق العابثين؛ إن الطريق الوحيد للإصلاح الحقيقي، الإصلاح النافع الماتع الخيِّر النيِّر هو طريق الأنبياء -عليهم السلام-.

إن على المسلمين أن يسعوا لإصلاح قلوبهم، وإصلاح نياتهم، وإصلاح أعمالهم، وإصلاح مسيرتهم الحياتية سياسيا واقتصاديا وإداريا، إصلاحاً ينبعث من قلوب مخلصة، وأنفس مؤمنة، وأرواح زكية تسعى للإصلاح؛ رغبة في الإصلاح، رغبة في الرقي، رغبة في العزة، رغبة في الكرامة، لا تسعى للإصلاح وتنادي به, ويبقى مجرد شعارات جوفاء، وعبارات خرقاء، ثم يمارس الفساد، ويعاقر الفسق، ويستمرأ الظلم، فأولئك عاقبتهم الخسران في الدنيا والآخرة: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة:220].