الإيمان يمان والحكمة يمانية

عناصر الخطبة

  1. ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن
  2. فضائل أهل اليمن
  3. تعرض أهل اليمن لمؤامرات عديدة
  4. استنقاذ اليمن واجب على كل قادر
  5. اجتماع الكلمة من أعظم أسباب النصر
  6. فضل نُصرة المظلُوم والدفاع عن الدين.
اقتباس

إن التمدُّد الانقلابيَّ الطائفيَّ الباغي في اليمَن هو امتِدادٌ لما فعلَه أصحابُ الجرائِم في العراق وفي سوريا؛ إذ إن المدَّ الصفويَّ الطائفيَّ الذي انتشرَ في الأمة، يعمَدُ إلى العمل المُسلَّح، ونشر الفوضَى والقتل، وكم ذاقَ الناسُ على اختلاف مذاهبِهم في العرق وسوريا من ويلات الحروب التي غذَّاها هؤلاء، وأدارُوا رحَاها، تطحَنُ المدنيِّين من الأطفال والرجال والنساء بلا رحمةٍ ولا شفقةٍ ولا حياء. وإن التصدِّي لهذا المدِّ الطائفيِّ في اليمَن واجبٌ على القادِرين؛ فهو عدوٌّ للدين، عدوٌّ لأهل بلدِه وأبناء شعبِه، كما هو عدوٌّ لجيرانِه، مع أنه لا يُمثِّلُ إلا نسبةً ضئيلةً منهم، ومع ذلك يحمِلُ أهلَ اليمن كلَّهم على مُعتقَداته وأفكاره، آلَتُه في ذلك الحديدُ والنار، والقتلُ والسَّجنُ والتهجير…

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي أنزل الحديدَ وجعلَ فيه للناس بأسًا، وشرعَ مُدافعَة الباغي ومن لم يرفَع بالحقِّ رأسًا، ليرجِع عن غيِّه أو يذوقَ من الحزم كأسًا، أحمدُ الله ربي وأشكرُه، وأستعينُه وأستغفرُه، أمرَنا ألا ندَعَ لبثنيان باطلٍ أُسًّا، ولا لزرع ضلالةٍ غرسًا، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قهَرَ خلقَه جنًّا وإنسًا.

 وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه أنارَ الله به غلَسًا وأذهبَ رِجسًا، تركَنا على المحجَّة البيضاء فتوحيدُ الله وشريعتُه، وأصحابُه وآلُه هم أنصارُه وشِيعتُه، وإن رغِمَت أنوفُ من أبَوا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وأصحابِه كلما أصبحَ الكونُ وأمسَى، صلاةً وسلامًا دائمَين إلى يومٍ تخشعُ فيه الأصواتُ للرحمن فلا تسمعُ إلا همسًا.

أما بعد، أيها المسلمون:

فإن الأمرَ بتقوى الله هي خيرُ الوصايا، وهي العُدَّة عن الرَّزايا، والمدفَعُ للبلايا، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)﴾[الطلاق: 2، 3].

أيها المسلمون:

حين كان نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- يُجاهدُ لإعلاء شريعة الله، وبسط كلمتِه في الأرض، وقد لقِيَ من الأقرَبين والأبعَدين ما لقِي، كانت جبالُ اليمَن تسيلُ برجالٍ تنحدِرُ لسهول الحجاز، تحُثُّ خُطاها للقاء النبيِّ الخاتِم، لم تسُقها للدين سيُوف، أو مخافة حُتُوف. وإنما فِطرٌ صافية، وقلوبٌ للإيمان راغِبة.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أتاكم أهلُ اليمن، هم أرقُّ أفئِدةً، وأليَنُ قلوبًا، الإيمانُ يمانٍ والحكمةُ يمانيَّةٌ" (رواه البخاري).

وفي "صحيح مسلم": "الإيمانُ يمَانٍ، والفقهُ يمانٍ، والحكمةُ يمانيَّةٌ".

وفي العصر الإسلاميِّ الأول كان الحجازُ كمثَل الطائر والشامُ واليمنُ جناحاه، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يقرِنُ بينهما في الفضائل والجهاد؛ فاليمنُ أصلُ العرب ومادَّتُهم، هم أهل السكينة والوقار، والفقه والاعتِبار، وأربابُ البلاغة والأدب وحلو الأشعار، أنصارُ الرسالة، وقادةُ الجهاد والبَسَالة.

دعا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالبركة لأرض اليمَن، وأخبرَ أنها أرضُ إيمان، وأثنَى على أهلِها بالإيمان والفقهِ والحكمة، ورقَّة الأفئِدة ولِين القلوب، وأنهم مدَدُ الإسلام وجُندُه.

عن أبي أُمامة الباهليِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله استقبلَ بي الشام، وولَّى ظهري اليمَن، وقال لي: يا محمد! جعلتُ ما تُجاهَك غنيمةً ورزقًا، وما خلفَ ظهرِك مدَدًا .. الحديث" (أخرجه الطبراني).

وعن ثوبان -رضي الله عنه-، أن نبيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني لبعُقر حوضِي أذُودُ الناسَ لأهل اليمَن، أضرِبُ بعصايَ حتى يرفَضَّ عليهم" (رواه مسلم).

قال النوويُّ: "قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "أذُودُ الناسَ لأهل اليمَن، أضرِبُ بعصايَ حتى يرفَضَّ عليهم"، معناه: أطرُدُ الناسَ عنه غير أهل اليمَن، ليرفَضَّ على أهل اليمن؛ أي: يسيلَ عليهم".

وعن ابن عُمر -رضي الله عنه-، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم بارِك لنا في شامِنا، اللهم بارِك لنا في يمَنِنا .. الحديث" (رواه البخاري).

أيها المسلمون:

ولم تزَل بلادُ اليمن مأرِزًا للمؤمنين، حافِلةً بالعلماء والصالحين، أهلُها أهلُ صبرٍ وحكمةٍ، وحلمٍ وقناعةٍ وحِنكة. حتى بُلُوا بطُلابِ دُنيا ممن باعُوا ذِمَمهم، وخذَلُوا أمَّتَهم، فتمالؤُوا مع العدوِّ على أهلِهم، وشذَّ عن اليمانيِّين شِرذِمةٌ باغية، تدعمُها قوًى إقليميَّةٌ كارِهةٌ للعرب، حائِدةٌ عن الهُدى والسُّنَّة، تهدِفُ إلى بسط هيمَنتها على اليمَن، وجعلِه مُنطلَقًا لنفوذِها على بلاد العرب والمسلمين.

وتحالَفَت الفئةُ الباغيةُ مع جماعاتٍ باعَت وطنَها ودينَها لاستِجلاب مكاسِب شخصيَّة، أو عائليَّة على حساب عروبة اليمَن وعقيدته، تُحرِّكُهم وتُموِّلُهم في ذلك كُتلةُ شرٍّ اعتادَت على عداء العرب والمُسلمين، وسعَت لزراعة شوكَةٍ في خاصِرةِ الجزيرة العربية، مُكرِّرةً نفسَ المشهَد، ونفسَ الزرع الذي غرَسَته في الشام، ولم يلقَ العربُ والمسلمون من زرعِهم ذلك خيرًا.

ففي الوقتِ الذي يُطيلُ لسانَه على اليهود، تتوجَّه بنادِقُه لصدور العرب والمسلمين، وقد لقِيَ منه جيرانُه الربُ شرَّ ما لقِيَ جارٌ من جارِه، وذلك بعد أن عثَا في بلادِه فسادًا واغتِيالاً.

وكُتلةُ الشرِّ تُريدُ لوليدِها الناشِئ في اليمَن بأن يقوم بذاتِ الدَّور الذي قامَ به أخوهُ في الشام، وفي سبيلِ ذلك لم تردَعهم رحمةٌ ولا دين، ولم يحترِموا مواثيق أو قوانين؛ بل خرجوا باغِين على سُلطةٍ نظاميَّة، ولاحقُوا الحاكم وحكومتَه التي اجتمعَ عليها أهلُ اليمَن، واحتَجَزوا رئيسَ الدولة ومن معَه من المسئولين، وحاصَروا المُدن والقُرى، وألحَقُوا بأهلها صنوفَ العذاب والهوان والأذَى، وعاثُوا في بلاد اليمَن قتلاً وسلبًا ونهبًا، وسعَوا فيها فسادًا وإرهابًا وتخريبًا.

دمَّروا المساكن والبيوت، والمساجِد والمدارِس والجامعات، وقتلوا المسلمين المُسالِمين وشرَّدوهم في داخل بلادهم، يُريدون إذلالَ اليمن وقهرَ أهله، واستِعباده للأعداء الغُرباء. يعبَثُون بأمن الشعب اليمنيِّ، ويُروِّجون للطائفيَّة ويزرَعون الإرهاب.

بل تعالَت أصواتُهم مُهدِّدين المنطقة كلَّها، مُصرِّحين بالعُدوان على بلاد الحرمين الشريفين، وشر الفوضَى والإرهاب في بلاد الأمن والإيمان، ومأرِز الإسلام والسلام، ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران: 118].

عباد الله:

ولم تكُن المملكةُ العربيةُ السعوديةُ وأشقاؤُها بمعزلٍ عن هذه الكارِثة المُحيطة منذ البداية؛ بل سعَت المملكةُ بعقلها وحِلمِها لإطفاء نار الفتنة، وصناعة المُبادرَات ورعايتها، وجمع الفُرَقاء ودعم الحوار، وتجنِيب اليمَن أن ينزلِق في حروبٍ أهليَّة، أو ينفلِتَ في الفوضَى والاضطِراب.

وصبَرَت طويلاً .. وحلُمَت كثيرًا .. لكنَّ نداء العقل ضاعَ في عماية العمالَة والطائفية، واستقوَى البُغاةُ بتدخُّلات الغُرباء السافِرة، الرامِية إلى زعزعَة المنطقة، ونشر الفوضَى والاحتِراب الداخليِّ، وتكرَّر نقضُ العقود، وخفر العهود، فلم يعُد في القوس منزَع.

فاجتمَعَت إرادةُ الغَيُورين من أمة الإسلام.

فقلَّدوا أمرَهم لله درُّهمُ *** رحبَ الذراعِ بأمر الحربِ مُطَّلِعَا

وقيَّضَ الله للحوادِث الملكَ الحازِم، والشجاعَ العازِم، خادم الحرمين الشريفين، وحارِس بلاد العرب والمسلمين، وناصِر السنَّة والدين: سلمان بن عبد العزيز، فكانت "عاصفة الحزم"، ومرامِي العزم، تخضُدُ شوكَةَ من جلَبَ العدوَّ لدمار ديارِه، وأذيَّة جارِه.

فابتدأَت "عاصفة الحزم" باسم الله، وانطلَقَت على بركَة الله؛ لتقتلِع الشرَّ من أُسِّه، وتفلُقَ هامَةَ رأسِه، وتُعيدَ اليمَن لليمانيِّين، فلا رجعةَ لساسان بعد الإسلام، ولا عُجمةَ تطرأُ على لسان اليعربِيِّين؛ لتبقَى اليمَنُ كما وصفَها النبيُّ الهادِي محضِنًا للإيمان والحِكمة. فهم للإسلام مدَد، وللعرب عُدَد، وللشدائِد وتَد.

وقام الملِكُ مُتمثِّلاً قولَ الأول:

قُوموا قيامًا على أمشاطِ أرجُلِكم *** ثم افزَعوا قد ينالُ الأمنَ من فزِعَا

فكان قرارُ الملك – نصره الله – قرارًا شُجاعًا حكيمًا، جاء في وقتِ أمسِّ الحاجة، ولبَّى أمنيةَ الأمة المُحتاجة، قيامًا بحقِّ الأُخُوَّة وحقِّ الجوار، واستِجابةً لنداء الشعبِ اليمنيِّ المُسلِم، وإغاثةً للملهُوف، وحمايةً للدِّمار، وإنقاذًا لبلاد الإسلام من سيطَرة المدِّ الصفويِّ المُحتلِّ.

بارَك الله خُطَى الملِك، وبارَك في عُمره وعملِه، وأيَّده بتأييده.

وإننا نُهنِّئُ الأمةَ المسلمةَ في كل مكانٍ بهذه العزَّة والمنَعَة، والعزم والحزم، والاجتماع والتحالُف والائتِلاف، ونسألُ الله الكريمَ أن يجعلَ العاقبةَ حميدةً حسنةً على الإسلام والمسلمين عامَّة، وعلى أهل اليمَن خاصَّة، وأن تكون بدايةً لكسر صنَم التمدُّد الخطير في الأمة. "عاصفة الحزم" ردَّت إلى الأمة روحَها وأملَها، وجمعَت الكلمة، ووحَّدَت الصفَّ، وعرَّفَت الأمةَ بعدوِّها.

اللهم اجعَلها فاتِحةَ خيرٍ على أمةِ الإسلام، تُعيدُها إليك، وتُرجِعُ أمرَها إليك، وتجتمعُ كلمتُها، وتزدادُ نُصرةً للسنَّة والدين، اللهم زِدنا تحالُفًا وقوةً وعودةً إليك.

عباد الله:

إن التمدُّد الانقلابيَّ الطائفيَّ الباغي في اليمَن هو امتِدادٌ لما فعلَه أصحابُ الجرائِم في العراق وفي سوريا؛ إذ إن المدَّ الصفويَّ الطائفيَّ الذي انتشرَ في الأمة، يعمَدُ إلى العمل المُسلَّح، ونشر الفوضَى والقتل، وكم ذاقَ الناسُ على اختلاف مذاهبِهم في العرق وسوريا من ويلات الحروب التي غذَّاها هؤلاء، وأدارُوا رحَاها، تطحَنُ المدنيِّين من الأطفال والرجال والنساء بلا رحمةٍ ولا شفقةٍ ولا حياء.

وإن التصدِّي لهذا المدِّ الطائفيِّ في اليمَن واجبٌ على القادِرين؛ فهو عدوٌّ للدين، عدوٌّ لأهل بلدِه وأبناء شعبِه، كما هو عدوٌّ لجيرانِه، مع أنه لا يُمثِّلُ إلا نسبةً ضئيلةً منهم، ومع ذلك يحمِلُ أهلَ اليمن كلَّهم على مُعتقَداته وأفكاره، آلَتُه في ذلك الحديدُ والنار، والقتلُ والسَّجنُ والتهجير.

فكان استِنقاذُ اليمَن من براثِن الاحتلالِ الصفويِّ واجبٌ شرعيٌّ، والقتالُ في سبيلِه جهادٌ في سبيلِ الله، والدفاعُ عن اليمَن هو دفاعٌ عن الرُّكن اليمانيِّ الذي يُجاهِرُ الأعداءُ بإرادة احتِلالِه، ويُهدِّدون أمنَ الحرمين وقبلةَ المسلمين.

ولأن اليمَن عانَى لمُدَّةٍ تزيدُ على نصفِ قرن، فلعلَّ ما أصابَه أخيرًا هي العلَّةُ التي يصِحُّ منها الجسَد، ليعودَ اليمَنُ كما كان سعيدًا بقاماته العلمية، وهاماته التجارية، ليحتضِنَه الخليجُ والعربُ حيث مكانه الطبيعيُّ، ومحلُّه الأساس.

فيا أيها اليمانيُّون الكرام:

أمامَكم فُرصةٌ تاريخيَّةٌ سنَحَت.. وأيدِي إخوةٍ كرامٍ امتدَّت.. وقلوبُ مليار مسلمٍ تعاطَفَت وودَّت.. فأجمِعوا رأيَكم، واحزِموا أمرَكم، ووحِّدوا كلمتَكم، وغلِّبوا مصلحةَ الإسلام والعروبة، وكونوا صفًّا واحدًا لاقتلاع الشوك من جسَد اليمَن المُثخَن. فقد خلَت من قبلكم المثُلات، وانظُروا ما حلَّ في بلادٍ أُخريَات، بعثَت لها كُتلةُ الشرِّ أحزابًا وميليشيَّات، فما زادَها إلا قتلاً وفُرقَة، ولم تعُد على البلاد إلا بالأسى والحُرقة.

إن اجتماعَ الكلمة من أعظم أسباب النصر، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال: 46].

طهِّروا بلادَكم من رِجس القتَلَة والمُجرمين، طارِدُوا المخلوعَ وعصابتَه الذي أفقرَ البلادَ، وظلمَ العباد، ودعا إلى تدمير كل جميلٍ في بلدِكم.

كما ندعُو كلَّ علماء اليمَن ودُعاتها ومُجاهدِيها، وزعماء القبائل والسَّاسة، وقادَة الجيش والجُند أن يتَّقُوا الله ويقوموا بحقِّ الأمانة التي قلَّدهم الله إياها، وأن يُوحِّدوا كلمتَهم، ويُنظِّموا صفوفَهم ليدفَعوا عن دينهم وعقيدتهم وبلد الإسلام، ويُجمِعوا أمرَهم على تخليصِ اليمَن من المشروع الطائفيِّ، والذي – والله – لا يُريدُ بهم خيرًا.

إنها أمانةٌ ضخمةٌ، في وقتٍ حرِج. فليتذكَّر كلُّ واحدٍ قولَ الجبَّار – جل جلاله -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]،

إنها فُرصةٌ للالتِفاف حول القيادة، وتفويتِ الفُرصة على المُتربِّصين.

بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عزَّ فارتفَع، وذلَّ كل شيءٍ لعظمَته وخضَع، لا مانِع لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لما منَع، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى أصحابِه ومن سارَ على نهجِه واتَّبضع.

وبعد:

فنداءٌ للعلماء وطلبَة العلم بجهاد الكلمة بالحُجَّة والبُرهان، والتعليم والبيان، ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52].

لا بُدَّ من بيان الحقائِق في توضيحِ خطَر ما دخلَ على المُسلمين من عقائِد فاسِدة، تعودُ على الإسلام بالنقضِ والعداء للمسلمين من سلَفِهم وخلَفِهم.

وهل يوجد أضلُّ من قومٍ يُعادُون السابِقين الأولين، من المُهاجِرين والأنصار؟! وليس لهم سعيٌ إلا في هدمِ الإسلام، ونقضِ عُراه، وإفساد قواعِده، وسفكِ دماء المسلمين. بصِّروا العامَّة، وقوموا بالأمانة.

عباد الله:

إن نُصرة المظلُوم والدفاع عن الدين، وقتالَ البُغاة وحمايةَ الديار من أعظم القُرُبات، وأوجَب الواجِبات.

والحمدُ لله الذي وفَّق خادمَ الحرمين الشريفين لهذا القرار التاريخيِّ الحازِم، والذي بادَرَت القياداتُ العربيةُ والإسلاميةُ مشكورةً بالتحالُف معه، ولقِيَ تأييدًا كبيرًا من العلماء، والمُنظَّمات الإسلاميَّة والهيئات الشرعيَّة، في أقطار الأرض. كما حظِيَ بالتأييد الكبير من العُقلاء في العالَم.

اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك الصالِحين.

اللهم مُنزِل الكتاب، مُجرِيَ السحاب، هازِم الأحزاب، انصُر جنودَنا وقوِّ عزائمَهم، وسدِّد رميَهم، وصوِّب آراءَهم، وانصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم.

اللهم عجِّل بزوال الباغِين الذين يُعادُون أولياءَك، ويصدُّون عن دينِك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك.

اللهم انصُرنا في عاصفة الحزم، اللهم اجعَلها بردًا وسلامًا على عبادِك المؤمنين، وصرصرًا عاتيةً على الخونةِ الظالِمين.

اللهم أنِلنا وإخواننا في اليمَن من بركَاتها، واسقِ عِدانا من زُعافها، اللهم اجعَلها عاصفةً بفروع الشرِّ وأصوله، دافعةً له قبل حُصولهن أنت عضُدُنا ونصيرُنا، بك نصُول وبك نُقاتِل.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، وأزواجِه أمهات المؤمنين.

اللهم تقبَّل دعاءَنا، اللهم تقبَّل دعاءَنا يا حيُّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

سبحان ربِّك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.