بدعة الاحتفال بالمولد النبوي

عناصر الخطبة

  1. الاحتفال بالمولد النبوي بدعة منكرة
  2. براهين بدعية الاحتفال بالمولد
  3. منكرات الموالد
اقتباس

إن البدع والمحدثات في الدين من الأمور التي حرّمها الله تعالى ورسوله، وإن من البدع المحدثة التي يتعبد بها بعض المسلمين بدعة الاحتفال بالمولد النبوي -على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم-. والاحتفال بالمولد بدعة منكرة، وأول من أحدثها العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد بيّن العلماء قديمًا وحديثًا بطلان هذه البدعة والرد على من ابتدعها وعمل بها، فلا يجوز الاحتفال بالمولد، لأمور وبراهين …

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليمًا كثيرًا.

أَمّا بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى كما أمركم بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70، 71].

عباد الله: إن البدع والمحدثات في الدين من الأمور التي حرّمها الله تعالى ورسوله، وإن من البدع المحدثة التي يتعبد بها بعض المسلمين بدعة الاحتفال بالمولد النبوي -على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

والاحتفال بالمولد بدعة منكرة، وأول من أحدثها العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد بيّن العلماء قديمًا وحديثًا بطلان هذه البدعة والرد على من ابتدعها وعمل بها، فلا يجوز الاحتفال بالمولد، لأمور وبراهين منها:

أولاً: الاحتفال بالمولد من البدع المحدثة في الدين التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يشرعه لا بقوله، ولا فعله، ولا تقريره، وهو قدوتنا وإمامنا، قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَاب﴾، وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، وقال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

ثانيًا: الخلفاء الراشدون ومن معهم من أصحاب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يحتفلوا بالمولد، ولم يدعوا إلى الاحتفال به، وهم خير الأمة بعد نبيها، وقد قال -صلّى الله عليه وسلّم- في حق الخلفاء الراشدين: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".

ثالثًا: الاحتفال بالمولد من سنة أهل الزيغ والضلال؛ فإن أول من أحدث الاحتفال بالمولد الفاطميون العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد انتسبوا إلى فاطمة -رضي الله عنها- ظلمًا وزورًا، وبهتانًا؛ وهم في الحقيقة من اليهود، وقيل: من المجوس، وقيل: من الملاحدة، وأولهم المعز لدين الله العبيدي المغربي الذي خرج من المغرب إلى مصر في شوال سنة 361هـ، وقدم إلى مصر في رمضان سنة 362هـ، فهل لعاقل مسلم أن يقلد الرافضة ويتبع سنتهم ويخالف هدي نبيه محمد -صلّى الله عليه وسلّم-؟!

رابعًا: إن الله -عزّ وجل- قد كمل الدين فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، والنبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بيّنه للأمة، ومعلوم أن نبينا -صلّى الله عليه وسلّم- هو أفضل الأنبياء، وخاتمهم، وأكملهم بلاغًا، ونصحًا لعباد الله، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله -عز وجل- لبيَّنه -صلّى الله عليه وسلّم- لأمته، أو فعله في حياته، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم".

خامسًا: إحداث مثل هذه الموالد البدعية يفهم منه أن الله تعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، فلا بد من تشريع ما يكمل به الدين! ويفهم منه أن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لم يبلغ ما ينبغي للأمة حتى جاء هؤلاء المبتدعون المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه، زاعمين أن ذلك يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله -عز وجل-، وعلى رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-. والله عز وجل قد أكمل الدين وأتم على عباده نعمته.

سادسًا: صرّح علماء الإسلام المحققون بإنكار الموالد، والتحذير منها عملًا بالنصوص من الكتاب والسنة، التي تحذر من البدع في الدين، وتأمر باتباع النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وتحذّر من مخالفته في القول وفي الفعل والعمل.

سابعًا: إن الاحتفال بالمولد لا يحقق محبة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وإنما يحقق ذلك: اتباعه، والعمل بسنته، وطاعته -صلّى الله عليه وسلّم-، قال الله -عز وجل-: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

ثامنًا: الاحتفال بالمولد النبوي واتّخاذه عيدًا فيه تشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وقد نُهينا عن التشبه بهم، وتقليدهم.

تاسعًا: العاقل لا يغتر بكثرة من يحتفل بالمولد من الناس في سائر البلدان، فإن الحق لا يعرف بكثرة العاملين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وقال -عز وجل-: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.

عاشرًا: القاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- كما قال الله -عزّ وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾، وقال –عزّ وجل-: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله﴾، ولا شكّ أن من رد الاحتفال بالمولد إلى الله ورسوله يجد أن الله يأمر بإتباع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كما قال سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾، ويبيّن -سبحانه وتعالى- أنه قد أكمل الدين وأتم النعمة على المؤمنين. ويجد أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يأمر بالاحتفال بالمولد، ولم يفعله، ولم يفعله أصحابه، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة.

الحادي عشر: إن المشروع للمسلم يوم الاثنين أن يصوم إذا أحب؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: "ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل عليَّ فيه"، فالمشرع التأسي بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- في صيام يوم الاثنين، وعدم الاحتفال بالمولد.

الثاني عشر: عيد المولد النبوي لا يخلو من وقوع المنكرات والمفاسد غالبًا، ويعرف ذلك من شاهد هذا الاحتفال، ومن هذه المنكرات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:

أكثر القصائد والمدائح التي يتغنَّى بها أهل المولد لا تخلو من ألفاظ شركية، والغلو والإطراء الذي نهى عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله".

يحصل في الاحتفالات بالموالد في الغالب بعض المحرمات الأخرى: كاختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وقد يحصل فيها الشرك الأكبر كالاستغاثة بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، أو غيره من الأولياء، والاستهانة بكتاب الله -عز وجل- فيشرب الدخان في مجلس القرآن، ويحصل الإسراف والتبذير في الأموال، وإقامة حلقات الذكر المحرف في المساجد أيام الموالد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق القوي من رئيس الذاكرين، وكل ذلك غير مشروع بإجماع علماء أهل الحق.

يحصل عمل قبيح في الاحتفال بمولد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك يكون بقيام البعض عند ذكر ولادته -صلّى الله عليه وسلّم- إكرامًا له وتعظيمًا، لاعتقادهم أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يحضر المولد في مجلس احتفالهم؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، فإن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله -عز وجل-: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ(15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ(16)﴾، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع". فهذه الآية، والحديث الشريف وما جاء في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة. "وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن البدع في الدين من الأمور المحرمة التي حرّمها الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هذه البدع كما سمعتم بدعة الاحتفال بالمولد، وما يحصل فيه من المفاسد والاختلاط بين الرجال والنساء، والمضاهاة لدين الله تعالى، وتعدّي حدوده، فاتقوا الله تعالى، واتّبعوا ولا تبتدعوا.

هذا؛ وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله تعالى بذلك فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين.