روح الصلاة ولبها الخشوع

عناصر الخطبة

  1. فضائل الخشوع في الصلاة
  2. مظاهر الخشوع ومعالمه
  3. صور من خشوع السلف الصالح في صلاتهم
  4. أفعال تناقض الخشوع وتنقصه
  5. الوسائل المعينة على الخشوع في الصلاة.
اقتباس

وأصلُ الخشوعِ: هو لينُ القلب ورقتُه وسكونُه وخضوعُه وانكسارُه وحرقتُه.. فإذا خشع القلبُ تبعه خشوعُ جميعِ الجوارحِ والأعضاءِ لأنها تابعةٌ له.. ومن فرَّغ قلبه لله -تعالى- في صلاته ولم ينصرف حصل على ما ذكره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمرو بن عبسة السُّلمي -رضي الله عنه- الطويل، وفيه أنه قال بعد أن ذكر فضائل الوضوء: “.. فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ..”..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الأحبة: لقد مدح الله في كتابه المخبتين له والمنكسرين لعظمته الخاضعين والخاشعين لها. فقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[الأنبياء:90].

ولقد شرعَ الله لعباده من أنواع العبادات ما يظهرُ فيه خشوعُ الأبدانِ الناشئُ عن خشوع القلبِ وذلِه وانكساره، وأعظمُ ما يظهر من ذلك من العبادات الصلاة، وقد مدح الله -تعالى- الخاشعين فيها فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)﴾[المؤمنون:1-2].

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ-، فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً –أي: ما لم يعملها- وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ“(رواه مسلم).

أي: أن تكفير الذنوب بسبب الخشوع الصلاة مستمر في جميع الأزمان لا يختص بزمان دون زمان.

وعَنْ مُجَاهِدٍ -رحمه الله-، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة:238]، قَالَ مِنَ الْقُنُوتِ: “الرُّكُوعُ، وَالْخُشُوعُ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَخَفَضُ الْجَنَاحِ مِنْ رَهْبَةِ اللهِ -عزَّ وَجَلَّ-“(رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيْمَانِ).

وأصلُ الخشوعِ: هو لينُ القلب ورقتُه، وسكونُه وخضوعُه، وانكسارُه وحرقتُه.. فإذا خشع القلبُ تبعه خشوعُ جميعِ الجوارحِ والأعضاءِ؛ لأنها تابعةٌ له، كما قال رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ“(متفق عليه عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا-).

فإذا خشعَ القلبُ خشع السمعُ والبصر، والرأس والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام.. لهذا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رُكُوعِهِ يَقُول: “اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَلَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ, أَنْتَ رَبِّي، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي, وَبَصَرِي, وَمُخِّي, وَعَظْمِي, وَعَصَبِي، وَلَحْمِي وَدَمِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي“(رواه مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ-).

وعدم الخشوع في الصلاة يقلِّل من أجر العبد، ويُضعِف ثمراتِ الصلاة، قال ابن القيم -رحمه الله-: “وفَوتُ الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها بين يدي الرب -تبارك وتعالى-، الذي هو روحها، ولُبُّها، فصلاةٌ بلا خشوعٍ، ولا حضور كبدنٍ ميِّتٍ لا روح فيه، أفلا يستحي العبد أن يُهديَ إلى مخلوقٍ مثله عبداً ميِّتاً، أو جارية ميِّتة؟! فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها: من ملكٍ، أو أميرٍ، أو غيره، فهكذا؛ سواء الصلاة الخالية عن الخشوع، وجمع الهمة على الله -تعالى- فيها، بمنزلة هذا العبد أو الأمة الميِّت الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك“.

أيها الأحبة: والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرَّغ قلبَه للصلاة واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وقد ذكر الله -تعالى- الخاشعين والخاشعات في عباده الأخيار بقوله: (أَعَدَّ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب:35]، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ -رحمه الله-: “كَانَ الْعُلَمَاءُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَهَابُ الرَّحْمَنَ أَنْ يشدَّ بَصَرُهُ، أَوْ يَلْتَفِتُ، أَوْ يَعْبَثُ بِشَيْءٍ، أَوْ يُقَلِّبُ الْحَصَى، أَوْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ مِنْ شَأْنِ الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِيًا مَا دَاَمَ فِي صَلاَتِهِ“.

وذكر -رحمه الله- مِنْ أحوال السلف في صلاتهم ما يأخذ الألباب من ذلك قوله: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: “مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ يُصَلِّي، وَنَحْنُ خَارِجُونَ فَيُرَى كَأَنَّهُ اسْطُوَانَةٌ، وَمَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالاً“.

وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ -رحمه الله- إِذَا صَلَّى كَأَنَّهُ وَتَدٌ لَا يَقُولُ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا. وكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رحمه الله- إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ وَتَدٌ. وَقَالَ زُبَيْدٌ: “رَأَيْتُ زَاذَانَ يُصَلِّي كَأَنَّهُ جِذْعٌ قَدْ حُفِرَ لَهُ“. وكان العنبس بن عقبة إذا قام في الصلاة كأنه جذم حائط وكان إِذا سجد وقعت العصافير على ظهره من طول سجوده.

هذه صفات خشوعهم في جوارحهم في صلاتهم، أسأل الله بمنّه وكرمه أن يوفقنا إلى الخشوع في صلاتنا ويتقبلها منا.

أيها الأحبة: من الحِكَم العظيمة لتشريع الصلاة أن يقبل العبد على ربه -تبارك وتعالى- ويكثر من ذكره، ويخشع قلبه ويخضع بين يديه؛ فمن أقام الصلاة وراعى آدابها وخشوعها، كتب الله له أجرًا كبيرًا، ومن فقَد الخشوع في صلاته قلَّ أجره فيها؛ فَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ [من صلاته] وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا سُدْسُهَا، خُمْسُهَا رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا نِصْفُهَا“(رواه أبو داود وحسنه الألباني).

أيها الإخوة: هناك مظاهر للتقصير في الصلاةِ تسبِّبُ عدمَ الخشوع، منها وأعظمُها: العجلةُ في الصلاة، وعدمُ الطمأنينةِ فيها.. والطمأنينةُ هي التمهلُ والاستقرار بقدر القول الواجب في الركعة.

وقد عَدَّ الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المستعجلَ في صلاته أشدَ الناسِ سرقهً فقد ذُكِرَتْ السَّرِقَةُ عِنْد رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَقَالَ: “أَيُّ السَّرِقَةِ تَعُدُّونَ أَقْبَحُ“؟ فَقَالُوا: الرَّجُلُ يَسْرِقُ مِنْ أَخِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ أَقْبَحَ السَّرِقَةِ, الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ“، قَالُوا: كَيْفَ يَسْرِقُ أَحَدُنَا صَلَاتَهُ؟ قَالَ: “لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا, وَلَا سُجُودَهَا, وَلَا خُشُوعَهَا“(رواه أحمد وهو حديث صحيح).

وأشدُ من ذلك قَولَ الرَسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى صَلَاةِ رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ“(رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني: حسن صحيح).

والالتفاتُ -أيضاً- سرقةٌ يسترقها الشيطان من صلاة العبد؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: “هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ“(رواه البخاري عن أَبَي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ (أي: في صلاته) مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ انْصَرَفَ عَنْهُ“(رواه ابن خزيمة والحاكم، وقال الألباني: حسن لغيره).

ومن التقصير في الصلاة: رفعُ البصر إلى السماءِ في الصلاة؛ فإنه ينافي الأدب مع الله، ولذلك كان حراماً، وحذر منه النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحذيراً بالغاً، وقال فيه قولاً شديداً فَقَالَ: “مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ“، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ (أي: في الإنكار على رفع البصر) حَتَّى قَالَ: “لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ“(كناية عن العمى أي تعمى أبصارهم) (رواه البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).

وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ“(يعني: أبصارهم فيبقون بلا أبصار) (رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).

قال النووي: “فيه النهيُ الأكيدُ والوعيدُ الشديد في ذلك، وقد نقل الإجماعَ في النهي عن ذلك“..

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

أيها الأحبة: لقائلٍ أن يقول: ما هي المعيناتُ على الخشوعِ في الصلاة؟

نقول: من أهمها البعدُ عن منقصات الصلاة التي سبقَ ذكرها، والأخذُ بضدها من الطمأنينةِ، وقلةِ الحركةِ، وعدمِ الالتفاتِ، وعدمِ رفع البصر إلى السماء، وفي ذلك استكمالٌ للواجباتِ وبعدٌ عن المحرماتِ..

ومما يعين على الخشوع في الصلاة: أن يستحضرَ العبدُ عند دخولِهِ في الصلاةِ أنه سيقفُ بين يدي ربِهِ وخالقه الذي يعلم سره ونجواه، ويعلم ما توسوسُ به نفسه، ويعلمُ أنه إذا أقبل على ربه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرضَ اللهُ عنه.

ومما يعينُ على الخشوع: استحضارُ معنى ما نقول في صلاتنا من تلاوة وذكر ودعاء وأن ننصتَ إذا قرأ الإمامُ، ونتأملَ معانيَ الآياتِ ونتدبرَها.. وإذا تواردت علينا الهواجس فلنستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

ومما يعين كذلك: عدمُ الالتفاتِ بالنظرِ يميناً وشمالاً وقصرُ البصرِ على موضعِ السجود، وقد كان من هدى النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام إلى صلاته طأطأ رأسه.

فعوِّد نفسكَ -أيها المبارك- على ذلك، وسيهديك الله سبيل الخير، قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العنكبوت:69].

أيها الأحبة: ومما يظهرُ فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام، وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن ذلك فقال: “هو ذُلّ بين يدي عزيز“.

ومن أعظمِ المعيناتِ على الخشوعِ والإقبالِ على اللهِ في الصلاةِ: أداءُ الصلاةِ مع الجماعةِ، والسعيُ إليها مع الأذانِ.

ومما يعين كذلك: المحافظةُ على الرواتبِ ولها أثرٌ كبير في الإقبال على الصلوات المكتوبة وإتمامها..

ومن أعظمِ الوسائلِ المعينة على الإطلاقِ في جلبِ الخشوعِ وحصولِ المصلي على لذتِه: الدعاءُ.. بأن تدعوَ اللهَ بفاقةٍ وافتقارٍ بأن يعينَك على إحسانِ العبادةِ، وسيستجيبُ لك كما وعد: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60]،  اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

إن من فرَّغ قلبه لله -تعالى- في صلاته ولم ينصرف حصل على ما ذكره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمرو بن عبسة السُّلمي -رضي الله عنه- الطويل، وفيه أنه قال بعد أن ذكر فضائل الوضوء: “.. فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ..” وذكر عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه سمع هذا من النبي -صلى الله عليه وسلم أكثر من سبع مرات (رواه مسلم).

هذا وصلوا وسلموا على رسول الله ..