عمود الإسلام (15) صلاة الظهر

عناصر الخطبة

  1. للصلاة شأن عظيم عند الله تعالى
  2. السبب في تسمية صلاة الظهر بالصلاة الأولى
  3. بعض أحكام وسنن صلاة الظهر
  4. لصلاة الظهر فوائد نفسية وصحية
اقتباس

وَفِي بَعْضِ الْأَمْصَارِ يُصَلِّي بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ؛ وَقَدْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا الْعَمَلَ، وَذَكَرُوهُ فِي الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ هِيَ فَرْضُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يُصَلِّيهَا ظُهْرًا إِلَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا.

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النِّسَاءِ: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 أَيُّهَا النَّاسُ: لِلصَّلَاةِ شَأْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ وَلِذَا فَرَضَهَا وَجَعَلَهَا عَمُودًا لِلدِّينِ، وَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّمَوَاتِ الْعُلَى مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. وَهِيَ صِلَةٌ بَيْنَهُ -سُبْحَانَهُ- وَبَيْنَ عِبَادِهِ، وَرَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقُرَّةُ عَيْنٍ لِلْمُوقِنِينَ الْخَاشِعِينَ. وَهِيَ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ وَالْفَلَاحِ، وَبَابٌ لِلسَّعَادَةِ وَالنَّجَاحِ، وَمُذْهِبَةٌ لِلْهَمِّ وَالْغَمِّ، لَا يُحَافِظُ عَلَيْهَا عَبْدٌ فَيَتْعَسُ أَوْ يَشْقَى ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(46)﴾[الْبَقَرَةِ: 45- 46]، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)﴾[الْمُؤْمِنُونَ: 1- 2].

وَصَلَاةُ الظُّهْرِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَةِ، وَتُسَمَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ رِحْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا -هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ- صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَفِي كَوْنِهَا تُسَمَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ”(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: “كَانَتْ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ“.

وَوَقْتُهَا وَسَطَ النَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ، عَقِبَ تَسْجِيرِ جَهَنَّمَ، فَمُؤَدِّي صَلَاةِ الظُّهْرِ يَسْتَجِيرُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ تَسْجِيرِهَا، فَحَرِيٌّ بِمَنْ حَافَظَ عَلَى الظُّهْرِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ؛ فَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ: “ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَعُلِمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ قُبَيْلَ الزَّوَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِقَائِمِ الظَّهِيرَةِ الَّذِي تُسْجَرُ فِيهِ جَهَنَّمُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: “ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ اسْتُحِبَّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ، وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا حَتَّى تَذْهَبَ شِدَّةُ الْحَرِّ؛ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَمْشُونَ إِلَى الصَّلَاةِ وَمَنَازِلُهُمْ بَعِيدَةٌ عَنِ الْمَسْجِدِ؛ وَلِيَكُونَ أَتَمَّ لِخُشُوعِ الْمُصَلِّي؛ وَهَذِهِ هِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  كَمَا أَخْبَرَ عَنْهَا أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ“(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَجَاءَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ“(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَبْرِدْ“، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: “أَبْرِدْ“، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ“(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

وَالسُّنَّةُ إِطَالَةُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: “لَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى“(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَإِنْ قَرَأَ أَحْيَانًا سُورَةً بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ؛ لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- (عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ).

وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَاتِبَةَ الظُّهْرِ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَأَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ بَنَى اللَّهُ -تَعَالَى- لَهُ بِهِنَّ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: “أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ“(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الظُّهْرِ فَحَسَنٌ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ“(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ).

وَفِي بَعْضِ الْأَمْصَارِ يُصَلِّي بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ؛ وَقَدْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا الْعَمَلَ، وَذَكَرُوهُ فِي الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ هِيَ فَرْضُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يُصَلِّيهَا ظُهْرًا إِلَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا.

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَنَا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْعَامِلِينَ، الْمُتَّبِعِينَ لِلْأَثَرِ وَالسُّنَّةِ، الْبَعِيدِينَ عَنِ الْإِحْدَاثِ وَالْبِدْعَةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ…

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾[الْبَقَرَةِ: 43].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: صَلَاةُ الظُّهْرِ تَأْتِي وَسَطَ النَّهَارِ بَعْدَ سَاعَاتٍ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّبَاحِ؛ فَتُزِيلُ التَّوَتُّرَ النَّاتِجَ عَنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ أَوْ طَبِيعَتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ رَاحَةُ الْمُؤْمِنِ، فَيَرْتَاحُ الْمُوَظَّفُونَ وَالْعُمَّالُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ جَسَدِيًّا بَعْدَ سَاعَاتٍ مِنَ الْعَمَلِ، كَمَا يَرْتَاحُونَ ذِهْنِيًّا بِإِفْرَاغِ شِحْنَاتِ التَّوَتُّرِ وَالْقَلَقِ الَّتِي اخْتَزَنُوهَا أَثْنَاءَ عَمَلِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ فَصُدُورُهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَكْثَرُ رَاحَةً وَانْشِرَاحًا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَيَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ نَشَاطًا وَإِقْبَالًا عَلَى الْعَمَلِ مِنْ جَدِيدٍ.

هَذَا؛ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَهَاوَنُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْهَمِكُ فِي عَمَلٍ أَوْ فِي اجْتِمَاعٍ وَيُضَيِّعُ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مُصَلَّى وَظِيفَتِهِ، وَكَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَقْطَعَ اجْتِمَاعَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ وَأَزْكَى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)﴾[الْأَعْلَى: 14-15]، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[طه: 14]، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ أَنْسَى صَاحِبَهُ ذِكْرَ اللَّهَ -تَعَالَى-؟! وَجَازَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-مَا بِالسُّوقِ وَقَدْ أَغْلَقُوا حَوَانِيتَهُمْ وَقَامُوا لِيُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ فَقَالَ: “فِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(38)﴾[النُّورِ: 37-38].

وَفِي الصَّيْفِ يَكْثُرُ فِي النَّاسِ سَهَرُ اللَّيْلِ وَنَوْمُ النَّهَارِ حَيْثُ الْإِجَازَةُ، وَكَثِيرًا مَا تَضِيعُ صَلَاةُ الظُّهْرِ؛ فَمِنَ النَّائِمِينَ مَنْ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَفَضْلُهَا وَأَجْرُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفُوتُهُ الْوَقْتُ فَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، وَرُبَّمَا جَمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ بِلَا عُذْرٍ سِوَى السَّهَرِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّوْمِ فِي النَّهَارِ، وَهَذَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾[مَرْيَمَ: 59]، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّ إِضَاعَتَهَا هُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: “لَا يُحَافِظُ أَحَدٌ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَيُكْتَبُ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَفِي إِفْرَاطِهِنَّ الْهَلَكَةُ، وَإِفْرَاطُهُنَّ: إِضَاعَتُهُنَّ عَنْ وَقْتِهِنَّ”. وَيُخْشَى عَلَى مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ تَأْخِيرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَنْ وَقْتِهَا بِالنَّوْمِ عَنْهَا مِنْ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ، وَأَنْ يُرْضَخَ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: “أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ“(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

فَلْيَتَّقِ اللَّهَ -تَعَالَى- كُلُّ مُتَهَاوِنٍ بِالصَّلَاةِ، وَلْيُحَافِظْ عَلَيْهَا فِي الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهَا عَمُودُ الدِّينِ، وَرَاحَةُ الْقَلْبِ وَالضَّمِيرِ، وَصِلَةُ الْعَبْدِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…