كنوز عشر ذي الحجة

عناصر الخطبة

  1. أعمال يسيرة أجورها عظيمة
  2. فضائل عشر ذي الحجة
  3. أهمية العبادة في أوقات الغفلة
  4. صنائع المعروف تقي مصارع السوء
  5. الأضحية من معالم الملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية
  6. بعض أحكام الأضحية.
اقتباس

اعلموا -إخوة الإسلام- أن في شريعتنا كنوزًا عظيمة، وأعمالاً يسيرة أجورها عظيمة، علم الله –تعالى- أن فينا ضعفًا، فأراد لنا خيرًا بمثل هذه الكنوز، يوفّق لها مَن وفَّقه الله، ويغفل عنها اللاهون. ونحن قادمون على أيام عظيمة، وعلى موسم من المواسم العبادية الرائعة الجميلة، أيام لا يعرف قدرها ولا فضلها ولا ما ورد فيها من نصوص، إلا من وفقه الله -عز وجل-، وإذا علم فالموفقون هم من يعملون، ومن يجاهدون أنفسهم لاستثمار مثل هذه الكنوز، في مثل هذه المواسم، بعد يومين عشر أيام عظيمة نحن مقبلون عليها فضل من الله –تعالى- عظيم لكل مسلم، نسأل الله الكريم من فضله…

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

 أما بعد إخوة الإيمان: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرة ربكم، ورضوانه وجناته، واعلموا -إخوة الإسلام- أن في شريعتنا كنوزًا عظيمة، وأعمالاً يسيرة أجورها عظيمة، علم الله –تعالى- أن فينا ضعفًا، فأراد لنا خيرًا بمثل هذه الكنوز، يوفّق لها مَن وفَّقه الله، ويغفل عنها اللاهون.

 نحن قادمون على أيام عظيمة، وعلى موسم من المواسم العبادية الرائعة الجميلة، أيام لا يعرف قدرها ولا فضلها ولا ما ورد فيها من نصوص، إلا من وفقه الله -عز وجل-، وإذا علم فالموفقون هم من يعملون، ومن يجاهدون أنفسهم لاستثمار مثل هذه الكنوز، في مثل هذه المواسم، بعد يومين عشر أيام عظيمة نحن مقبلون عليها فضل من الله –تعالى- عظيم لكل مسلم، نسأل الله الكريم من فضله.

 فقد فضّل الله عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام، وجاء فيها نصوص عجيبة مليئة بالكنوز والخيرات والأجور العظيمة لمن أراد الخير، يكفينا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله! فقال رسول الله: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء".

وعنه أيضاً -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى" قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".

فهذه النصوص وغيرها مما صحّ، دليلٌ على فضل الأيام القادمة عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة من غير استثناء شيء منها، وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج:28]، قيل المعلومات: أي العشر من ذي الحجة. والأيام المعدودات التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه هي أيام التشريق.

والله –تعالى- أقسم بها في قوله: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2)﴾ [الفجر: 1- 2]، والله لا يُقسم إلا بأمر عظيم، وقد ذكر أهل التفسير أن الليالي العشر هي: العشر من شهر ذي الحجة،  هذا هو قول جمهور المفسرين وهو القول الراجح. والله أعلم.

وشهد لها الرسول-صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل أيام الدنيا،كما في قوله الذي تقدم، وحث-صلى الله عليه وسلم- على كل عمل صالح فيها، فالعمل فيها أحب وأفضل وأعظم أجراً، لشرف الزمان، ويشرف الزمان والمكان إن كنت حاجاً، وخصها -صلى الله عليه وسلم- بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فيها كما في مسند الإمام أحمد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله، العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".

وهذا دليل على استغلال حتى اللحظة فيها بذكر الله. وهكذا كان السلف -رضوان الله عليهم-، فهذا سعيد بن جبير كان إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدر عليه. وروي أنه قال: "لا تطفئوا سُرجكم ليالي العشر" كناية عن القراءة والقيام.

و"كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- يخرجان إلى الأسواق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما"، فترتج الأسواق بالتكبير والتهليل تعظيماً لها وإظهاراً لفضلها، ولذا يستحب رفع الصوت في التكبير والتهليل في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة:185]، فالتكبير إعلان واعتراف لهداية الله ونعمته علينا، وفيه تذكير للغافل، وإظهار لعزة المسلم، كما فيه إحياء ما اندرس من السنن أو كاد، وفي ذلك ثواب عظيم دل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحيا سنة من سنتي قد أُميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً" (رواه الترمذي 7/413 وهو حسن بشواهده).

وهذه الأيام شرفت لوقوع أعمال الحج فيها وهو ركن من أركان الإسلام، ولأنها جمعت أمهات العبادة من صلاة وصيام وصدقة وحج، مما لا تجتمع مثل هذه الأمهات في وقت آخر، وفيها أحب الأيام وأعظمها وهو يوم العيد، ويوم الحج الأكبر في القول الراجح. وفيها يوم عرفة اليوم التاسع وصيامه يكفر الله به ذنوب سنتين، كما أخبر-صلى الله عليه وسلم.

فتنبهوا عباد الله لفضلها وتذاكروا بعظمتها وخيرها فهي تأتي في أوقات غفلة خاصة لمن لم يحج فإنه يعيش بين أهله وفي بيته، وفي إجازة، فتذهب هذه الأيام من حيث لا يشعر، فهو في أكل وشرب، وذهاب وإياب، فتنتهي عشر ذي الحجة وهو في غفلة عنها، وعن فضلها.

ولذلك قال أهل العلم: "إن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها..كمن قام مثلاً في جوف الليل وأكثر الناس نيام..".

فتواصوا -إخوة الإيمان- بالعمل الصالح فيها، وأحيوا التنافس في بيوتكم وبين أهلكم وأولادكم على كل عمل خير وبر، واطرقوا كل أبواب الخير والمعروف فإن العبد لا يدري متى يُفتَح له منها فيكون سبب سعادته وتوفيقه في الدنيا والآخرة، فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وربكم كريم رحيم متى أقبل العبد عليه، أقبل الله إليه، فأروا الله من أنفسكم خيراً وأكثروا من الاستغفار والتوبة والإقلاع عن المعاصي، وأكثروا من النوافل كالصيام والصلاة والصدقة وقراءة القرآن وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، وكل عمل صالح لعموم اللفظ "ما من أيام العمل الصالح فيهن..".

واحفظوا  جوارحكم  من مبطلات الأعمال كنظر العينين وسلاطة اللسان، والقيل والقال، والغيبة، وأكل الحرام من رباً وغش، ونجش ورشوة واحتيال.

ثم إن في هذه الأيام العظيمة: عبادة لا تتأتى إلا في عشر ذي الحجة، وهي الأضحية فإنها علم من معالم الملة الإبراهيمية، والشريعة المحمدية عليهما السلام، فقد ثبت "أن النبي-صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما" كما في الصحيحين.

 ومن بعض أحكام الأضحية: أن من أراد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة برؤيا أو باكتمال الشهر فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئا من شعره أو من أظفاره أو من جلده حتى يذبح أضحيته؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- "أن الرسول-صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة"  في لفظ " إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره"، كما عند أحمد في المسند، وعند مسلم في صحيحه. وفي لفظ: "فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي". وفي لفظ: "فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً".

ومن نوى الأضحية أثناء العشر فإنه يمسك من حين نيته عن الأخذ من شعره أو من بشرته أو من أظفاره.

والحكمة من هذا النهي: أن المضحي لمّا شارك الحاج ببعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله –تعالى- بذبح القربان. شاركه ببعض خصائص الإحرام من  الإمساك عن الشعر ونحوه، أما أهل المضحي فيجوز لهم أن يأخذوا في أيام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم، أما للمضحي أي الذي دفع مال الأضحية فلا يجوز، فهذا حكم خاص بكل من نوى الأضحية.

ومن أخذ من شعره أو من ظفره أو من بشرته فلا يخلو من ثلاث حالات: إما أن يكون  ناسياً أو جاهلاً،  ومن كان متعمداً، ومن أخذ لحاجة، فإن كان متعمداً: فإن أضحيته لا تفسد بل يذبحها، لكنه آثم بمعصيته، وعليه أن يتوب إلى الله، ولا يعود، ومن هذا حلق اللحى والتساهل فيه، وحلق الشعر ليلة العيد.

وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه. وإن احتاج إلى أخذه – أي: لحاجة ماسّة- فله أن يأخذ ما ضايقه أو ما احتاج إلى أخذه مثل أن ينكسر ظفره، فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر على عينيه فيزيله أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح أو غيره.

 اللهم إنا نسألك الفقه في الدين، والبصيرة والمعرفة في أحكامه وحِكَمِه. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .