وقفات مع الشتاء

عناصر الخطبة

  1. اشتداد البرد تذكير بزمهرير جهنم
  2. البرد عدو ينبغي الاستعداد له
  3. وقفات مع الشتاء
اقتباس

مشهدٌ تعجز الكلماتُ عن وصفه! تتأثر له القلوب المتحجرة، إنَّ المرء ليستَصغرُ نفْسَه أمامَ هؤلاء العظماء الذين لا تصفرَّ وجوههم فزعًا من الموت، وإنما يعلوها البشر والسرور، وتغشاها السكينة والطمأنينة! لقد قُتل ابن مِلْحَانَ شهيدًا على يد عدو الله ابن الطفيل دون أن يراعي حق أبي براء في الجوار، قتله دون أن ينظر…

الحمد لله الذي جعل أيام العام فصولا ومواسم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، أما بعد:

فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وتفكروا في أحوالكم، واشكروا نعم الله عليكم، فإنكم بذلك مأمورون، وعلى إحسانكم مجزيون قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128] قال السعدي -رحمه الله-: “الله مع المتقين المحسنين، بعونه وتوفيقه وتسديده، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأحسنوا في عبادة الله، بأن عبدوا الله كأنهم يرونه فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه“.

معاشر المسلمين: إنَّ اشتداد البرد هذه الأيام يذكرنا بزمهرير جهنم قال -صلى الله عليه وسلم-: “قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ، فَأْذِنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ، أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ” (متفق عليه)، قال ابن حجر -رحمه الله-: “الْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّةُ الْبَرْدِ وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلُّهَا وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ“.

معاشر المسلمين: إنَّ على المسلم الاستعداد لفصل الشتاء بلبس الملابس الواقية من البرد له ولأهل بيته خصوصاً كبار السن والصغار، قال ابن رجب -رحمه الله-: “روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصية: “إنَّ الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً فإن البرد عدو سريعٌ دخوله بعيدٌ خروجه، وإنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لمَّا فتحت في زمنه، فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته -رضي الله عنه-“.

وإليكم بعض الوقفات مع فصل الشتاء:

الوقفة الأولى: أنَّ نزول المطر إنما هو بفضل الله ورحمته، ليس للأنواء وهي النجوم والكواكب دور في ذلك وليست سبباً في نزوله، قال -صلى الله عليه وسلم-: “أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ“ (متفق عليه).

الوقفة الثانية: من الأحكام في فصل الشتاء:

أولاً: فضل إسباغ الوضوء على المكاره، قال -صلى الله عليه وسلم-: “أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ” (أخرجه مسلم)، قال السيوطي -رحمه الله-: “إسباغ الْوضُوء إِتْمَامه على المكاره كشدة الْبرد“.

ثانياً: مشروعية المسح على الخفين، وهذه رخصة مَنَّ الله بها على عباده، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.

ثالثاً: إطفاء النار قبل النوم قال -صلى الله عليه وسلم-: “لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ” (أخرجه مسلم)، قال النووي -رحمه الله-: “هَذَا عَامٌّ تَدْخُلُ فِيهِ نَارُ السِّرَاجِ وَغَيْرُهَا، وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ، وَإِنْ أُمِنَ ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنَّه لابأس بِهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ“، وقال  -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ” (متفق عليه).

رابعاً: كراهة الصلاة وأمامه نار، قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: “تكره الصلاة إلى النار…؛ لأن فيه تشبهاً بعباد النار المجوس، فإذا كان قدامه شيء يطفئه، أو يَحُطُّه خلفه، أو عن يمينه، أو عن شماله لا يُخليِّه قُدَّامه، …الصلاة صحيحة، لكن يكره ذلك؛ لأنَّ فيه نوعاً من التشبه“. وقال ابن رجب -رحمه الله-: “كره أكثر العلماء الصلاة إلى النار“.

معاشر المسلمين: أمَّا إذا كان أمام المصلي دفاية فقد قال الإمام ابن عثيمين -رحمه الله-: “الناس في حاجةٍ إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة، فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلَّت، وإن جعلوها عن أيمانهم أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم وهم الذين يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أنَّ المكروه تبيحه الحاجة، ثم إنَّ الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام، وإنَّما تكون أمام المأمومين وهذا يُخفف أمرها، لأنَّ الإمام هو القدوة ولهذا كانت سترته سترة للمأموم“.

الوقفة الثالثة -يا عباد الله-: في فصل الشتاء تزداد حاجة الفقراء والمساكين إلى الملابس والطعام ووسائل التدفئة، فتفقدوا المحتاجين ابتداء من الأقارب والجيران وغيرهم، وكذلك أهمية تفقد رعاة الغنم والإبل وتزويدهم بما يحتاجون من ملابس ولُحُفٍ ووسائل تدفئة وفي ذلك أجر عظيم.

الوقفة الرابعة: نتذكر في شدة البرد أهلنا المشردين في سوريا والعراق وبورما، ونتذكر أهلنا في البلدان الفقيرة فهم بأمسِّ الحاجة إلى الملابس واللحف والطعام، فأحسنوا بالتبرع إليهم عبر الجهات الرسمية مثل هيئة الإغاثة والندوة العالمية للشباب الإسلامي.

الوقفة الخامسة: نتذكر في شدة البرد أهلنا المرابطين على حدود بلادنا، نراهم يسهرون في حماية هذه البلاد، ونتذكر رجال الأمن وما يقومون به من جهود حفظاً للأمن، ونحن في بيوتنا آمنين مطمئنين لا نتعرض لشدة البرد ولا نواجه عدواً أو مفسداً أو مخرِّباً كما هم يواجهون، فحقهم علينا الدعاء لهم بالثبات والنصر والتوفيق.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً حمداً والشكر له شكراً شكراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

معاشر المسلمين: الوقفة السادسة: أهمية اغتنام أوقات الشتاء بفعل الطاعات بصيام ما تيسر من نهاره وقيام ما تيسر ما ليله فقد كان السلف -رحمهم الله- يستغلون أوقات الشتاء بالأعمال الصالحة، قال عُمَرُ -رضي الله عنه-: “الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ الْعَابِدِينَ”، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: “أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى غَنِيمَةٍ بَارِدَةٍ؟ قَالُوا: مَاذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ” قال ابن رجب -رحمه الله-: “معنى كونها غنيمة باردة أنها غنيمة حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفواً صفواً بغير كلفة، وأما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم“.

وقال الحسن -رحمه الله-: “نعم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه، وعن عبيد بن عمير أنَّه كان إذا جاء الشتاء قال: يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا وقصر النهار لصيامكم فصوموا… بكى معاذ -رضي الله عنه- عند موته وقال: إنَّما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر“.

اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات بفعل الطاعات.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل على محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده وارزقهما بطانة صالحة ناصحة، وأبعد عنهما بطانة السوء واجعل عملهما في رضاك وأعز بهما دينك واجمع بهما كلمة المسلمين على الحق، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان وول عليهم خيارهم واكفهم شرارهم ووفقهم لتحكيم كتابك وسنة -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم عليك بأعداء الدين الذين يحاربون دينك وأولياءك وعبادك الصالحين اللهم خالف بين قلوبهم واهزمهم بقوتك يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالصليبيين والصهاينة والمجوس والحوثيين والروس وأعوانهم اشدد وطأتك عليهم ومزقهم وزلزلهم وصب عليهم عذابك وأليم عقابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين، يا مُجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم الحوثيين والرافضة وأعوانهم في اليمن والعراق وسوريا اللهم طهرها من نجس الرافضة المعتدين، اللهم عليك بالصهاينة في فلسطين اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك واهزمهم بقوتك وعظمتك وانصرنا عليهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد وانشر رحمتك على العباد.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم عليك بمن يدعون إلى المظاهرات والثورات ويشعلون نيران الفتن والحروب في بلاد المسلمين اللهم أطفئ فتنهم ونيرانهم واجعلها وبالا عليهم.

اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها وزدها قوة وأمنا ورخاء وشكرا وزدها تمسكا بالدين.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين اللهم فرج كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين….

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182].