الإضاءة في مسائل الطهارة (2)

عناصر الخطبة

  1. صفة الوضوء المجزئ والمسنون
  2. أصناف الناس في الوضوء
  3. الحكمة في غسل الأعضاء الأربعة
  4. مسائل مهمة تتعلق بالوضوء والطهارة.
اقتباس

يجب على الجميع معرفة صفة الوضوء؛ على كل كبير وصغير، وعامي ومتعلم، حتى يعبد المرء ربه على بصيرة وهدى ونور وضياء. فالقاعدة الأصولية “ما وجب عليك عمله وجب عليك علمه”، ومن حسن التراجم للبخاري: “باب العلم قبل القول والعمل”، والبعض يكتفي بمعلومات قديمة ودراسات ماضية لم يتقنها أو نقص علم بها، فيقع في صفة الوضوء في خلل ونقص وإساءة، لذا يجب تجديد المعلومات وسؤال أهل الذكر عن المهمات لاسيما صفة الوضوء وتطبيقه واقعيًّا ملموسًا وبين الأهل والأولاد محسوسًا وأمام الطلاب والصغار مدروسًا. ومن اللطائف كان أحد العلماء يقف على أبواب المطاهر والوضوء يعلّم الناس صفته ويصوب الخطأ فلُقِّب شيخ المطاهر…

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جملني بالطهارة وشرع لنا الوضوء والنظافة والنزهة والعبادة، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الوضوء مفتاح الصلوات والعبادة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المأخوذ عنه صفة الوضوء ومسائله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل التقى من عباده فنسأله سبحانه أن يجعلنا من أتباعه.

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا المولى تفوزوا بالدنيا والأخرى وتتطهروا باطنا وظاهرا تنالوا الفوز والسعادة والهنا.

إخوة الإسلام سارعوا وسابقوا ونافسوا، اصبروا وصابروا ورابطوا على الخيرات قبل فواتها وعلى الطاعات قبل الرحيل عنها، وعلى العبادات قبل تعسر الوصول إليها.

إخوة الإسلام: مضى معنا في جمعة ماضية "الإضاءة في مسائل الطهارة"، وأخذنا الحلقة الأولى فضل الوضوء وأثره، ومعنا في لحظتنا هذه الحلقة الثانية "صفة الوضوء ومسائله".

الوضوء -يا مسلمون- هو التعبد لله باستعمال ماء طهور في أعضاء مخصوصة على صفة مخصوصة، الوضوء فرض لكل صلاة ذات تكبير وتسليم وتحليل وتحريم، لا تصح صلاة إلا بوضوء فهو شرطها المقدم، وأصلها المحكم، ومن شأن الشرط أن يتقدم على المشروط وقدمت الطهارة على الصلاة من باب القاعدة التخلي قبل التحلي.

وليدخل في الصلاة طاهرًا ظاهرًا وباطنًا، ومن هذا الباب وجب على الجميع معرفة صفة الوضوء على كل كبير وصغير، وعامي ومتعلم، حتى يعبد المرء ربه على بصيرة وهدى ونور وضياء.

فالقاعدة الأصولية "ما وجب عليك عمله وجب عليك علمه"، ومن حسن التراجم للبخاري: باب العلم قبل القول والعمل، والبعض يكتفي بمعلومات قديمة ودراسات ماضية لم يتقنها أو نقص علم بها، فيقع في صفة الوضوء في خلل ونقص وإساءة، لذا يجب تجديد المعلومات وسؤال أهل الذكر عن المهمات لاسيما صفة الوضوء وتطبيقه واقعيًّا ملموسًا وبين الأهل والأولاد محسوسًا وأمام الطلاب والصغار مدروسًا.

ومن اللطائف كان أحد العلماء يقف على أبواب المطاهر والوضوء يعلّم الناس صفته ويصوب الخطأ فلُقِّب شيخ المطاهر.

فاستمعوا بإنصات وأدركوا بإثبات وأناة، وطبّقوا بين الأولاد والبنات صفة وضوء نبيكم المصطفى، فالوضوء من الكتاب والسنة مستقى ومنها فقط متلقى، الوضوء -أيها الإخوة- هو فعل المتوضئ، وهو إمرار الماء على الأعضاء الأربعة الوجه واليدان والرأس والرجلان، مأخوذ من الوضاءة وهي النزاهة والنظافة.

صفة الوضوء يا مسلمون تنقسم إلى قسمين وتفترق إلى جزأين: صفة مجزأة وصفة كاملة فإليكم إياها مفصلة باختصار مع حذف الأدلة.

الصفة الأولى المجزأة وسميت مجزئة لأنها تجزئ عن صاحبها وتبرأ ذمته بها، وهي غسل كل عضو مرة مرة كاملة مسبغة وهي غسل الأعضاء الأربعة المذكورة في سورة المائدة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾[المائدة: 6].

فصفتها أنك تنوي وتسمي وتغسل وجهك مرة واحدة مسبغة ومنه المضمضة والاستنشاق والاستنثار مرة مرة.

ثم تغسل يديك من رؤوس الأصابع إلى المرفقين وتدخل مرفقيك في الغسل، ثم تمسح رأسك مرة واحدة، تبلّ يديك بالماء وتمسح جميع رأسك وتمسح أذنيك مع مسح رأسك، ولا تأخذ لهما ماء جديد، وكيف ما مسحت رأسك أجزيت.

ثم تغسل رجليك مرة واحدة من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وتدخل الكعبين في غسل الرجلين، فخلاصتها غسل الوجه واليدين والرجلين مرة واحدة ومسح الرأس مرة واحدة مرتبة متوالية.

وأما الصفة الثانية: وهي الهيئة الكاملة فهي ما اشتملت على الواجب والسنة وهي أنك تنوي وتسمي وتغسل كفيك ثلاث مرات، ثم تتمضمض وتنثر وتستنشق، ولك فيها صفتين: الأولى: الوصل أي وصل المضمضة مع الاستنشاق بمعنى أنك تأخذ غرفة واحدة فتتمضمض بنصفها وتستنشق بنصفها فتكون غسلت بست غسلات، وأخذت ثلاث غرفات وهي أصح الصفتين كما جاء في الصحيحين وهي من السنن المهجورة وعلى الكثير مجهولة.

الثانية: الفصل أي فصل المضمضة عن الاستنشاق فتأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق، فيكون ذلك ست غسلات بست غرفات، ثم تغسل وجهك من منابت الشعر غالبًا إلى الذقن، ثم طولا شعر رأسك غالبا إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا تستوعب غسله كاملاً ثلاثًا، ثم تغسل يديك ثلاثا ثلاثا من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، ثم تمسح برأسك مرة واحدة، وصفة المسح هي أن تبل يديك بالماء وتضعها على مقدم الرأس ثم تذهب بهما إلى مؤخره ثم ترجع إلى الموضع الذي بدأت منه وتدخل أصبعيك  داخل الأذن وتمسح بإبهامك ظاهرها، ثم تغسل رجليك ثلاثًا ثلاثًا مع الكعبين ثم تقول الذكر الوارد ومنه ذكران صحيحان الأول مرفوعا.

من توضأ فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" (رواه مسلم).

والثاني موقوفًا "مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ فِي رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وكذا الطبراني عن أبي سعيد موقوفًا صحيحًا).

الناس -أيها الناس- مع سهولة الوضوء ومكانته وثوابه؛ هم فيه طرفان ووسط، فطرف فرط في الوضوء لا يقيمون له وزنا ولا عناية وحكما لا يتعلمونه ولا يدرسونه ولا يحافظون عليه ولا يذكرونه، وطرف ثانٍ أفرطوا في الوضوء فزادوا وأسرفوا وغلوا وسوسوا، وكلما توضأ وخرج وسوس له الشيطان، وأوقعه في الحرج فيمكث الساعات ويتوضأ كرات ومرات، ومن ثم تفوته الْجُمَع والجماعات.

وطرف ثالث وسط حافظ على وضوئه كما جاء عن رسوله، فتوضأ الصفة الشرعية والسنن المرعية وجاء بالواجب منه والسنية.

أيها المسلمون: ومن الحكمة في غسل الأعضاء الأربعة أنها آلات الأفعال التي يباشر بها العبد حياته وما يريد فعله، وبها يعصي الله ويتقي، فناسب تطهيرها باطنا وظاهرا وتنظيفها من أوساخها وأدرانها، وهذه الأعضاء أسرع حركات الإنسان في العصيان الوجه بما فيه السمع والبصر واليدين والرأس والرجلين.

ومن الحكمة تطهيرها، تطهير ظاهرها دلالة على تطهير باطنها، فيجب استحضار النية لما يترتب عليها من الطهارة الحسية والمعنوية وتكفير الذنوب والسيئة.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي، ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه..

أيها الإخوة في الدين: عرفنا صفة الوضوء كما جاء عن سيد المرسلين، وثمة مسائل -أيها الإخوة الأفاضل- تتعلق بالوضوء والطهارة، فاستمعوا إليها بأوجز عبارة:

الأولى: استحضار النية وفضل الوضوء فبقدر استحضارك يكون ثوابك وأجرك.

الثانية: الواجب غسل الأعضاء مرة مرة مع الإسباغ والإكمال والتتمة.

الثالثة: أن الغسلة الثانية والثالثة سُنة.

الرابعة: أن الرأس يُمْسَح مرة واحدة ولا يغسل.

الخامسة: لو خالف في غسل الأعضاء في العدد جاز فلو غسل وجهه مرة ويديه مرتين ورجله ثلاثًا صح، ولو غسل اليد اليمنى مرتين واليسرى ثلاثًا صح.

السادسة: ليس لأعضاء الوضوء ذِكْر ودعاء وما يرد ويذكر فهو موضوع على سيد البشر، ولم يرد إلا الذكر بعد الانتهاء كما سمعنا فيما مضى.

السابعة: ما يفعله البعض عقب الوضوء من استقبال القبلة والإشارة بالسبابة ورفع البصر فليس على ذلك دليل ولا أثر.

الثامنة: تخليل الأصابع على نوعين في اليدين والرجلين، وهما إذا كان الماء يستوعبهما ويصل إلى ما بينهما؛ فسُنة أن يخلل أحيانًا، وأما إذا كان الماء لا يصل إليهما لقربهما وتلاصقهما فيجب إيصال الماء إلى ما بينهما.

التاسعة: شعر اللحية لا يخلو من حالتين كثيف وخفيف، الأولى أن يكون كثيفا بمعنى يغطي الوجه والبشرة كاللحية والشارب وما على الخدين، فهذا حكمه غسل ظاهره فقط، الثانية أن يكون خفيفًا بمعنى يرى الوجه والبشرة، فهذا حكمه يجب إيصال الماء إلى باطنه؛ فالكثيف يغسل ظاهره والخفيف يغسل ظاهره وباطنه.

العاشرة: فروض الوضوء ستة: وهي غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، والترتيب في غسل الأعضاء والمولاة في غسلها.

الحادية عشرة: ما نبت للإنسان في محل الفرد كالإصبع الزائدة يجب غسله.

والثانية عشرة: يجب إزالة كل حاجز ومانع في أعضاء الوضوء؛ كل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كالملصقات والطامس والبويات وكالمناقير للنساء، ونحو ذلك، وكالزيوت الحاجزة والدهانات المانعة، وأما الأصباغ والمكياج والحنة ذات الألوان فقط مما لا جرم له فلا بأس به.

الثالثة عشرة: مقدار الوضوء أن يتوضأ بِمُدّ وهو ملء الكفين المعتدلين، ولو زاد فلا بأس ويقتصر بقدر الإمكان على السنة دون إسراف وتبذير. وليعلم أن الوضوء عبادة والتنظف والغسل عادة، ولهذا من السنة أن يتوضأ من إناء.

الرابعة عشرة: التجاوز على غسل الأعضاء أربعة أو خمسة بدعة محدثة وتعدٍّ وإساءة، فالواجب مرة والثلاث سُنة، والرابعة بدعة.

الخامسة عشرة: يجوز أن يصلي الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد، بل لو صلى أيامًا بوضوء واحد جاز، والسنة أن يجدد الوضوء لكل صلاة مفروضة.

السادسة عشر: لو غسل اليد اليسرى قبل اليمنى صح وضوءه، وكذا في الرجلين والسنة التيامن في غسل الأعضاء.

السابعة عشرة: مما يقع حاجزًا ما يفعله بعض النساء، وكذا الرجال من لبس الأظافر الصناعية فوق الأظافر الأصلية يجب خلعها ونزعها عند الوضوء علاوة على ما فيها من التشبه بالكافرات والفاجرات.

الثامنة عشرة: ما يفعله بعض الناس من لبس الشعر الصناعي المسمى "الباروكة" للحاجة كالصلع أو للتجميل، لا يجزئ المسح عليها، مع أن لبس هذه الباروكة لغير مرض وحاجة محرم، ومثلها الأهداب والرموش الصناعية، فمع أنه محرم لا يجزئ المسح والغسل عليها.

التاسعة عشرة: المرأة كالرجل في مسح الرأس، وإن كان ملفوفًا أو منثورًا فيمسح على أعلاه فقط.

العشرون: وهي الخاتمة يا مسلمون يجوز الاستعانة في إحضار الوضوء كما يجوز صبّ الماء على المتوضئ، والأفضل إذا لم يكن حاجة أن يباشر هو بنفسه العبادة.

وأخيرًا: توضئوا كما جاء عن رسولكم، واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم، وتفقهوا في مسائل دينكم تعبدوا ربكم كما أمركم، وسيأتي حلقة ثالثة من الإضاءة في مسائل الطهارة بإذن الله وحده.

هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.