الأمانة

عناصر الخطبة

  1. الأمانة شأنها عظيم وخطرها جسيم
  2. نظرة الإسلام إلى الأمانة
  3. من معاني الأمانة وصورها الاجتماعية
  4. صور من إضاعة الأمانة في الدين والمجتمع
  5. ضرورة التعفف عن استغلال المناصب
  6. من صور الأمانة العظيمة: الحفاظ على المال العام
  7. من صور ضياع الأمانة في الممتلكات العامة.
اقتباس

لا ينبغي لأحد ممن ولي أمرًا أو يعمل في عمل، أن يعبث في الأموال، أو أن يسرق أو يختلس مالاً أو عقارًا، فإن تكن الدولة لا تراه فإن الله يراه، وأين يذهب من الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟!.. أين من يضيع المال العام من هذه الرواية العظيمة من صور سلفنا الصالح، وقد كان من مشايخنا مَن لا يستعمل القلم الذي يكون في الجامعة في أموره الخاصة ولا قطعة الورق. إن الموظف إذا قام بأداء عمله بجدّ يرجو ثواب الله أبرأ ذمته، واستحق الأجرة على العمل، ثم إنه إذا خان أو غش يكون قد أدخل على نفسه وعلى أهله وأولاده مالاً حرامًا، فليتق الله -عز وجل- في نفسه أولاً، وفيهم ثانيًا، ولا يطعمهم الحرام.

الخطبة الأولى:

الحمد لله عظَّم شأن الأمانات؛ أحمده سبحانه أمر بالأمانة في جميع الطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعبود بحق في الأرض والسماوات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حثنا على الوفاء بالعهود والبعد عن الخيانات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ذوي العهود والأمانات.

أما بعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- أخبر في محكم التنزيل فقال سبحانه: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:72].

أيها المسلمون: أدوا الأمانات، أتدرون ما معنى أداء الأمانات؟ أتدرون ما هي الأمانات؟

إن كلمة الأمانة في الشريعة تشمل جميع جوانب الحياة العقدية منها، والعلمية والعملية التي تكون بين الخالق والمخلوق وبين الخلق بعضهم بعضًا.

فمن الأمانة أن يكون الإنسان يظهر الإسلام حقيقة فلا يكون إيمانه إيمانًا لسانيًّا نفاقيًّا، ومن الأمانة أن يكون الإنسان يؤدي الصلاة حقيقة، ومن الأمانة الطهارة، الوضوء والغسل من الجنابة.

الأمانة -معاشر المسلمين- وما أدراكم ما الأمانة شأنها عظيم وخطرها جسيم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا﴾ يا ترى لماذا أبين؟ ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾ [الأحزاب: 72]، ذكر العلماء والمفسرون أن الإباء من الأرض ومن السماء ومن الجبال إنما كان خوفًا وإشفاقًا من الأمور المترتبة عليها.

روى أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلسه جاءه أعرابي، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فمضى رسول الله يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال وكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى من حديثه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أين السائل عن الساعة؟"، قال: ها أنا يا رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة"، قال الأعرابي: كيف إضاعتها؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ " (رواه البخاري).

يا إخوة الإيمان: إن الإيمان مادته مشتقة من الأمن، والأمن والأمان والأمانة كلها مراجعها واحد في اللغة.

الإسلام نظر إلى الأمانة نظرة واسعة؛ فإنها صفة واسعة الدلالة تدل على معاني شتى، وحفظ الودائع وحقيقتها في دين الله أضخم وأجل وأعظم.

نعم! إن الأمانة هي التي فرضها الله يتواصى المسلمون بعضهم بعضًا برعايتها يستعينون بالله -عز وجل- على حفظها؛ فقد كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- من دعائه للمسافر: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك"، وكان كذلك عليه الصلاة والسلام يقوله لكل مسافر. (رواه الترمذي وأحمد).

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" (رواه البخاري).

بل إنه عليه الصلاة والسلام مع مكانته الشريفة مع علمه وعمله الجسيم كان يستعيذ بالله من ضياعها، فقد روى أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ".

أيها المسلمون: إن من معاني الأمانة وضع الشيء في المكان الجدير اللائق به، فلا يُسند منصب إلا لمن يستحقه، لا يُنظر إلى قرابة ولا يُنظر إلى واسطة، فقد روى مسلم أن أبا ذر قال يا رسول الله وهو قريب رسول الله وصاحبه وخليله وملازمه، قال للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "ألا تستعملني يا رسول الله"، قال: فضرب يده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذر! إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذ بحقها وأدِّ الذي عليها".

إن الكفاية العلمية والعملية لازمة لصلاح المرء حتى يكون مؤهلاً لحمل الأمانة، وتأملوا إلى نبي الله يوسف لم يقل اجعلني على خزائن الأرض فإني رسول الله، ولكن قال: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:55].

ومن معاني الأمانة -يا عباد الله- أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملاً في العمل المنوط به، وأن يحسن به تمام الإحسان والإتقان، وقد روى الطبراني وصححه الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه".

إنها الأمانة، وخيانة الواجبات -يا عباد الله- من ضياع الأمانة وتتفاوت اسمًا ونكرًا، وأشدها شناعة ما يكون في الدين، وما يصيب جمهور المسلمين وما يعرض العباد والبلاد للضياع أو الفوضى، قال عليه الصلاة والسلام: "لكل غادر لواء يرفع له بقدر غدرته"؛ أي: أن الإنسان الذي يبايع الإمام، ثم يغدر؛ فإنه يكون يوم القيامة ممن يُبعَث وله لواء الغدر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "ألا ولا غادر أعظم من أمير عامة" (رواه البخاري).

ومن معاني الأمانة -أيها المسلمون-: ألا يستغل الرجل منصبه ومكانته العلمية أو العملية في أموره الخاصة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" (رواه أبو داود).

فإياكم والتشبع من المال العام؛ فإن ذلك جريمة منكرة، أما الذي يلتزم حدود الله في الأمانة ويؤدي وظيفته فهو عند الله من المجاهدين في سبيل الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "العامل إذا استُعمل فأخذ الحق، وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" (رواه الطبراني).

فاتق الله أيها الموظف، أيها العامل، أيها الرجل الذي اؤتمنت على أمانة، فإنك إذا خرجت فأنت في سبيل الله إذا استُعملت فأخذت الحق وأعطيت الحق.

وشدد الإسلام في ضرورة التعفف عن استغلال المناصب حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ استَعْمَلْناه منكم على عَمَلٍ، فكتَمَنا مخيطًا -إبرة الخياطة- فما فوقَه، كان غُلولاً يأتي به يومَ القِيامَةِ" (رواه مسلم).

وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً، فلما جاء قال: "هذا لكم"، أي: لبيت مال المسلمين، وهذا أُهدي إليَّ، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ –نهي أن يكون الرجل هكذا- لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي".

ونحن نقول: إياك أن تكون ممن خان أرضًا أو خان مالاً أو دينارًا أو درهمًا، فتأتي يوم القيامة ورسول الله يقول: "فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ كذا وكذا"، وهو يقول عليه الصلاة والسلام: "اللهم هل بلغت لا أغني عنك من الله شيئًا".

ومن صور الأمانة العظيمة عباد الله الحفاظ على المال العام؛ فإن ذلك واجب على كل مسلم، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم".

هل يريد أحدكم أن يأكل مال اليتيم، وتعلمون ما جاء في مال اليتيم فالذي يأكل من مال بيت مال المسلمين أعظم جرمًا؛ وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولذلك كان عمر يقول: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم".

مهما عملت الحيل والتسويفات ومهما قلت؛ فإن الله يعلم، فإياك والخيانة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" (رواه أبو داود).

يقول الله جل وعلا: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161].

روى الإمام مسلم وغيره عن ابن عباس عن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كلا والذي نفسي بيده؛ إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة غلها"، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا ابن الخطاب ! اذهب فنادِ في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون".

وتأملوا كيف ربط -صلى الله عليه وسلم- بين اسم الإيمان وبين أداء الأمانة وعدم الخيانة.

أيها المسلمون: لا ينبغي لأحد ممن ولي أمرًا أو يعمل في عمل، أن يعبث في الأموال، أو أن يسرق أو يختلس مالاً أو عقارًا، فإن تكن الدولة لا تراه فإن الله يراه، وأين يذهب من الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟!

يقول عمر بن عبدالعزيز: "كان إذا جاءه زواره ليلاً ليتحدثوا في أمور المسلمين أوقد لهم شمعة يستضيئون بها، فإذا أكملوا حديثهم وجلسوا يتسامرون أطفأ الشمعة، وكان يقولون له: لِمَ يا عمر؟ فيقول: هذه الشمعة من بيت مال المسلمين، وكنا نتحدث في مصالحهم، أما وقد فرغنا من ذلك أطفأت سراجي"، وجاء له بزكاة المسك فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته؛ ورعًا عن المال العام، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة، قال: وهل يُستفاد منه إلا برائحته؟!

الله أكبر! أين من يضيع المال العام من هذه الرواية العظيمة من صور سلفنا الصالح، وقد كان من مشايخنا مَن لا يستعمل القلم الذي يكون في الجامعة في أموره الخاصة ولا قطعة الورق.

ومن صور ضياع الأمانة في الممتلكات العامة: الغش، وما أكثره! ومن ذلك ما يفعله بعض الشركات وبعض العمال حيث إنهم يغشون في العقود ثم لا يوفون بالعهود حينئذ، ماذا يفعلون؟ يسيرون هذه العقود ويجعلونها صحيحة بالرشوة أو الواسطة، وأين يذهبون من الله والله يقول: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:188].

وقال عبد الله بن العاص: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3)﴾ [المطففين: 1- 3].

لا يرضى الموظف أن يُخصَم من راتبه فلس، فضلاً عن دينار، فكيف يرضى بالتأخير أو يرضى بمرضية كاذبة، والله يقول في صفات المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون:8]، وقال جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(28)﴾ [الأنفال: 27- 28].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين!

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد أيها المسلمون: فاتقوا الله فإن الله يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ويقول الله جل وعلا في صفات المؤمنين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون:8].

إن الموظف -يا عباد الله- إذا قام بأداء عمله بجدّ يرجو ثواب الله أبرأ ذمته، واستحق الأجرة على العمل، ثم إنه إذا خان أو غش يكون قد أدخل على نفسه وعلى أهله وأولاده مالاً حرامًا، فليتق الله -عز وجل- في نفسه أولاً، وفيهم ثانيًا، ولا يطعمهم الحرام.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقنا جميعًا للقيام بأداء الأمانات، وأن يجعلنا ممن يوفون العهود والمواثيق.

هذا وصلوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أمركم الله فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك محمد وارض الله عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين  وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.