فضل الإصلاح بين الناس

عناصر الخطبة

  1. حرص الإسلام على تآلف ووحدة المسلمين
  2. أمر الإسلام بالإصلاح بين الناس
  3. من فضائل الإصلاح بين الناس
  4. شروط واجب توفرها في المصلح
  5. ما يشترط في الصلح
  6. أنواعٌ من الإصلاح
اقتباس

وإن الإصلاح بين الناس عام في أحوال الناس سواء أحوال مادية أو أحوال شخصية وأسرية أو وجهات نظر بين دعاة وكتاب وغير ذلك فهو عام في جميع شؤون الحياة، فأعظمها الصلح بين الزوجين، فعندما يختلف الزوجان فيما بينهما فالساعي بالإصلاح يوفق بينهما توفيقاً يضمن به -بتوفيق الله- اتفاقهما حتى لا يُلجأ إلى الخصومة ويلجأ إلى الطلاق، فيصلح بين الزوجين في سبيل اجتماع كلمتهما ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: إن من هداية الله للمؤمنين ورحمته بهم أن وحدهم بالإسلام، وجمع قلوبهم بالإيمان، فلمَّ شعثهم، وأزال عنهم الضغائن والأحقاد، وجعلهم أمة متعاونة كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10]، ويقول -جل وعلا-: ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ [آل عمران:103]، ويقول -جل وعلا-: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63)﴾ [الأنفال:62-63].

أيها الأخوة .. أيها المسلمون: فما من سبيل يزيد في لحمة الأمة ويقرب بعضها من بعض إلا أرشد الإسلام إليه إما وجوباً أو استحباباً، ولا سبيل يبعد الأمة بعضها عن بعض وينفر القلوب إلا حذر ونهى عنه، أمر بالبر والصلة، أمر بإفشاء السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، والنصيحة للمسلم؛ ونهى عن العقوق، والقطيعة، والسخرية، واللمز، والهمز، والغيبة، والنميمة، والقذف، والبهتان، وأنواع السباب والشتام.

ومع هذه التحرزات التي أرشد الإسلام إليها وربى الإسلام عليها إلا أن العبد في خضم هذه الحياة ومخالطته للناس لا بد أن يكون هناك غضب وغفلة، فربما اعتدى على الآخرين بأقوال أو بأفعال، فجاء الإسلام ليرأب الصدع، ويقرب القلوب، فأرشد إلى الإصلاح بين الناس، والإصلاح بين الناس أمر مشروع أمر الله به في كتابه فقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات:9]، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.

أيها المسلم: إن الإصلاح بين الناس عمل شريف، عمل فاضل، وثوابه عند الله عظيم فمن فضائله أن الإصلاح بين الناس خير ما يتناجى فيه المتناجون، قال تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:114]، فأنظر أخي إلى قوله: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء:114]، فهذا خير ما يتناجى فيه المتناجون؛ ولذا قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة:9].

ومن فضائل الإصلاح بين الناس أنه نفعٌ متعدٍّ، أفضل من الاشتغال بنوافل الصيام والصلاة والصدقة، لتعدي نفعه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بما هو أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"، قالوا بلى يا رسول الله! قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".

ومن فضائله أنه عمل يرضي الله ورسوله، يقول -صلى الله عليه وسلم- لأبي أيوب: "ألا أخبرك بعمل يرضي الله ورسوله"، قال نعم، قال: "أصلح بين الناس إذا فسدوا، وقارب بينهم إذا تباعدوا".

ومن فضائله أن المصلح بين الناس قد تصدق على نفسه، وقابل نعم الله بشكرها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: " يُصبح على كل سُلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة".

ومن فضائل الإصلاح بين الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباح للمصلح الكذب، مع أن الكذب من كبائر الذنوب لكن أباح للمصلح الذي يقصد الخير أن يكذب توسلاً إلى جمع الكلمة، وقطع دابر الفساد؛ تقول أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيرا".

ومن فضائله أن المصلح لو احتاج إلى بذل مال في سبيل إطفاء فتنة وتقارب القلوب لأُعطي من الزكاة مقدار ما دفع ولو كان غنياً؛ فإن الله يقول في الصدقة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ﴾ [التوبة:60]، قال العلماء رحمهم الله: إن الغارم على قسمين: غارم لمصلحة نفسه، كمن تحمل حقوق الناس لمصلحة نفسه الخاصة فعجز وتعب عن ذلك من غير سرف ومن غير مغامرة، فيعطى من الزكاة ما يقضي به دينه؛ وكذلك من غرم لمصلحة الآخرين، وهو الذي يصلح بين الناس، فبذل مالاً في سبيل ذلك، فإنه يُعطى من الزكاة مقدار ما بذل ولو كان غنياً.

أيها المسلم: ولكن المصلح بين الناس عمله شريف؛ لأنه يقوم بالإصلاح والتوفيق بين الآخرين وإصلاح الحال وإزالة أسباب القطيعة والنزاع، قال العلماء رحمهم الله: لابد لهذا المصلح أن تتوفر فيه الصفات التالية: فأولاً، أن يكون مخلصًا لله في عمله لا يريد رياء ولا سمعة، ولكن تقرباَ إلى الله، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:114].

ومنها أن يعتقد أن ما يفعله امتثال لأمر الله حيث يقول تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1]؛ ومنها أن يعلم أن الإصلاح جمع للقلوب لقوة الأمة، وصلابتها، واجتماع كلمتها؛ حتى يكون رعباً في قلوب أعدائها؛ ومنها أن يشكر الله إذ وفقه لهذا العمل الصالح، وجعله ممن يُرجَع إليه في ذلك الأمر.

ومنها أنه لا يقدر على الإصلاح حتى يعلم حقيقة القضية ويسمع من الطرفين كليهما، ويدرس الأمر دراسة واضحة، حتى يكون إقدامه على علم وبصيرة.

ومن ذلك أيضاً أن يكون ذا عدل في إصلاحه فلا يقصد بإصلاحه إضرار فلان ونفع فلان ولا مجاملة هذا مع ضرر هذا لأن الله يقول: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ [الحجرات:9]، فالمصلح لا يريد الضرر، لذا لا يجامل غنياً لغناه، ولا قوياً لقوته، ولا ذا جاهٍ لجاهه؛ ولكن يحترم القوي والضعيف، ويصلح صلحاً لا ينفع غنياً ويضر فقيراً، وإنما تكون المنفعة للجميع؛ لأن قصده وجه الله والدار الآخرة.

ولا بد أن يكون على علم حتى لا يخالف الشرع فيما يقول، وينبغي له أن يستعين بالله في كل أموره، فمهما أعطي العبد من قوة وكيس ورأي إلا أنه فقير إلى الله في كل أحواله.

أيها المسلم: وهذا المصلح بين الناس يصلح صلحاً لا يترتب عليه إحلالُ حرامٍ أو تحريمُ حلال، فإن الصلح جائز للمسلمين ما لم يكن ارتكاب حرام وتعطيل مباح؛ بل يكون موافقاً للشرع، ويختار الوقت المناسب، ويقطع الطريق عن النمامين والمفسدين بما يسعى فيه من الخير والصلاح.

أيها المسلم: وإن الإصلاح بين الناس عام في أحوال الناس سواء أحوال مادية أو أحوال شخصية وأسرية أو وجهات نظر بين دعاة وكتاب وغير ذلك فهو عام في جميع شؤون الحياة، فأعظمها الصلح بين الزوجين، فعندما يختلف الزوجان فيما بينهما فالساعي بالإصلاح يوفق بينهما توفيقاً يضمن به -بتوفيق الله- اتفاقهما حتى لا يُلجأ إلى الخصومة ويلجأ إلى الطلاق، فيصلح بين الزوجين في سبيل اجتماع كلمتهما، والله يقول تعالى: ﴿وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء:128]، وقال: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء:35]. فبالإصلاح بين الزوجين، ودراسة مشكلة الزوج والزوجة، وتضييق شقة الخلاف، وعدم انتشار ذلك خارج سور البيت، تسلم الأسرة من النزاع والاختلاف.

والإصلاح أيضاً يكون بين ذوي الأرحام بين الإخوة، فإن الإصلاح بين أولئك أمر مطلوب وكان، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يرشد القضاة ألا يقطعوا بالخصومة بين الأرحام لعلهم أن يصطلحوا؛ لأن إصدار الحكم ربما يزيد البغضاء والعداوة وتبقى الشحناء بين الأرحام.

ومن أنواع الإصلاح أيضاً أن يصلح بين الراعي والرعية، فكما أن للراعي حقاً على رعيته بالسمع والطاعة له بالمعروف واجتماع الكلمة وتآلف القلوب، فالراعي أيضا له حق الرعاية وإصلاح الرعية والبحث عن مشاكلهم وحل قضاياهم وتأمين أمورهم بما يضمن لهم الاستقرار والسلام، فإن الراعي والرعية متى اجتمعت الكلمة، وتآلفت القلوب، انقطعت أسباب الفتن، وعاش الناس بخير، فالراعي له حق، وعليه حق، والرعية لها حق، وعليها حق، فإذا أصلح بين الناس فإن المصلح يبتعد عن الانتقاص، أو ترويج الإشاعات الكاذبة، وإنما يسعى في الإصلاح، فيرشد هذا ويرشد هذا في سبيل اجتماع الكلمة وتآلف القلوب.

والإصلاح بين قبائل متنافرة خوفاً من الفتن وسفك الدماء فذاك من الأعمال الصالحة، إصلاح بين متقاتلين، إصلاح الورثة عند التنازع؛ فإن كثيراً من الورثة ربما يتنازعون على الميراث مع أن أحكام الله واضحة، والله قسم الفرائض بنفسه وأعطى كل ذي حق حقه، لكن هناك أحيانًا أمور تطرأ، ومشاكل بين الورثة، إما لكثرة الورثة، أو كثرة الأموال، وعدم القدرة على إحصائها، فيكون هناك حاجة إلى الإصلاح بين الورثة ليأخذ كلٌّ حقَّه كما شرع الله؛ فالإصلاح بين الورثة أمر مطلوب؛ لأن بعض الورثة يختلفون ويتنازعون وإن كانت الأمور واضحة من حيث المواريث، لكن نوع الأخذ ونوع التصرف مما يحتاج فيه إلى الإصلاح بينهم، ليعطَى كل ذي حق حقه من غير ضرر، والله تعالى يقول: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة:182].

فالمسلم يتدخل في وصية الموصي قبل أن يبت فيها، فإن رأى فيها جنفاً وإثماً وظلماً لبعض الورثة سعى في الإصلاح، وحذر الموصي من الظلم، وتفضيل بعض الأولاد على بعض، وحذر من أن تكون الوصية سبباً للانقسام، وسبباً للخلاف، وسبباً للشقاق، وكذلك بعد موت المورث، فلا بد من إصلاحٍ بين الورثة عندما يبدو النزاع، ويحصل الشقاق، فمن رحمة الله بهم أنهم ينجزون قسم التركة من حين موت أبيهم، ويبادرون قبل اختلاف القلوب، وتدخل أيدي خفية تفسد بين الناس وتفرق شملهم.

ومن أنواع الإصلاح أيضا الإصلاح بين اختلاف وجهات النظر بين الدعاة والعلماء، فعندما تختلف وجهة النظر في قضية ما من القضايا فإن الإصلاح أن تقرب وجهات النظر بما يكفل اجتماع الكلمة، وتعاون الجميعِ: الكتاب والصحفيين.

قد يكتب كاتب مقالا أنت تراه خطأ فترد عليه، ثم ينقض قولك، فالمصلح يأتي ليقف بين المتنازعين فيصوب الصواب، ويحق الحق، ويحاول إصلاح الخطأ بين الكتاب؛ حتى يكون المجتمع على أمن فيما يقرأ ويكتب.

ومنها إصلاح القاضي بين المتخاصمين فيصلح بينهما، ويكون الإصلاح بين الخصمين قبل أن يقطع الحكم إن أمكن ذلك، فذاك عمل صالح؛ الحوادث المرورية لا بد فيها للمحقق من إصلاح بين الطرفين؛ لأن كلاً قد يدعي بنفسه دعوى غير الآخر، فالإصلاح بينهم أمر مطلوب؛ الإصلاح بين الموظفين وبين من تحت يدك ممن يعمل، فلا بد من الإصلاح بينهم بإعطاء كل ذي حق حقه، وألا يظلم هذا لمصلحة هذا.

والإصلاح بين الشركات، والإصلاح بين أرباب الشركات والمؤسسات، بينهم وبين من يكفلون، إصلاح بينهم باحترام العقود وعدم الإخلال بشيء منها، الإصلاح بين الشركات والمساهمين معهم؛ فإن بعض الشركات المساهمة قد يكون عندهم ظلم وعدوان وعدم إعطاء الحقيقة، وإخفاء الأرباح، فلا بد من إصلاح بينهم عندما يكون الشجار والنزاع، فموقف المصلح أن يعطي كل ذي حق حقه، فيرشد من عنده الأسهم أن يصدق في ذلك، ويرشد من له الحق أن يصدق في ذلك، ويراعي الطرفين حتى تسلم الأمور.

الكفلاء مع مكفوليهم لا بد من إصلاح بينهم عندما يكون من الكفيل تعدٍّ وظلم، أو من المكفول كذلك، فالإصلاح بين هؤلاء أمر مطلوب.

إصلاح بين أرباب الديون بأن يصلح بينهم عندما يعجز صاحب الحق عن حقه، أن يصلح إما بالإنظار أو بالتقاضي عن بعض الأشياء حتى تسير الأمور على خير، فالحقيقة أن الإصلاح بين الناس عمل شريف، وكما قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت:35].

وختاماً، فالإصلاح بين الناس خير كله، وعمل صالح كله، فلو سعى المسلمون فيه على الأسس الشرعية لارتاحوا من كثير من المشاكل، والله -جل وعلا- يصلح بين المسلمين يوم القيامة، يصلح بين المسلمين يوم القيامة، فيرضي الخصم حتى يعفو عما ظلمه، ولله في ذلك حكمة عظيمة، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- كان يسعى للإصلاح بين الناس.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: دين الإسلام دين العدل، دين الإنصاف، دين المحبة، دين التآلف واجتماع الكلمة، دين الخير كله والسعادة في الدنيا والآخرة، عندما يدعو للإصلاح إنما لإحقاق الحق، وإحقاق المصلحة العامة، وقطع دابر الفساد بين الأمة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لنا: "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يخذله".

فالإسلام دين محبة وألفة بين أصحابه، يدعو إلى التآلف واجتماع الكلمة والإصلاح بين الناس؛ لأن المسلم عملُه عمَلٌ متعدٍ، وعمله عمل خير، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه"، فهو لا يرضى لنفسه أن الآخرين يبغضونه ويكرهونه ويمقتونه، فلا يرضى أيضاً ذلك لإخوانه، وإنما يسعى في الإصلاح قدر الاستطاعة، والتأليف بين الناس، وجمع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم، وإزالة أسباب الشقاء والعداوة بين أفراد المجتمع، لا سيما بين الأب وأبنائه، والإخوان والأرحام والجيران، فكل هذه الأمور ينبغي للمسلم أن يكون فيها ذا خلق عظيم، قائما بالإصلاح بين الناس، يصلح بينهم، ويقرب وجهات النظر، ويحاول قطع أسباب الاختلاف والنزاع، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ؛ وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذّ شذَّ في النار؛ وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ؛ وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك، يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُرْ عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين؛ اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا وأصلح أئمتنا ووُلاةَ أمرِنا، اللهم وفِّقْهُم لما فيه صلاح الإسلامِ والمُسلمين.

اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم أمده بالصحة والسلامة والعافية، وكن له عوناً في كل ما أهمه، إنك على شيء قدير، اللهم اجمع به كلمة الأمة، ووحد به صفوفها على الخير والتقوى، واجعله مباركاً أينما كان.

اللهم وفق ولي عهده سلطان بن عبد العزيز لكل خير، وأمده بالصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير؛ اللهم وفق النائب الثاني نايف بن عبد العزيز لكل خير، وأعنه على أداء مسؤوليته، إنك على كل شيء قدير، واجعلهم أئمة هدى وقادة خير يا أرحم الراحمين.

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10]، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف:23]، ﴿رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201].

اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا! اللّهمَّ أغثنا! اللهمَّ أغثنا! اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكم، واشكروه على عُموم نعمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.