فضل الحج

عناصر الخطبة

  1. حكم الحج
  2. فضل الحج في القرآن والسنة
  3. معالم في حج المسلم
  4. فوائد الحج وآثاره على الفرد والمجتمع
  5. حكم تكرار الحج النافلة في نوازل الأمة
  6. الحث على المسارعة إلى أداء فريضة الحج
اقتباس

في الحج تكتل وتوحد؛ حيث يشعر المسلمون جميعًا أنهم يدينون بدين واحد، ويؤمنون برب واحد، ونبي واحد، لباسهم واحد، وقبلتهم واحدة، وأهدافهم واحدة، ويلهجون بلسان واحد “لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك”، فتتجلى الواحدة الجامعة والأخوة الطائعة والقلوب المتلاقية وصدق الله العظيم؛ حيث يقول ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾.

الخطبة الأولى:

الحمد لله آناء وأطراف النهار ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه إنسان وأينما استقر، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: يقول تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ أي: مشاة ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أي: ركبانا ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ(28)﴾ [الحج: 27 – 28].

الحج -أيها الإخوة- ركن من أركان الإسلام فرضه الله -تبارك وتعالى- على المستطيع، فمن وجد استطاعة ففرض عليه فرض عين يكفر منكره ويفسق تاركه وهو فرض في العمر مرة فمن زاد فهو متطوع لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحج مرة، فمن زاد فتطوع".

وهو واجب على الفور أي من حين الاستطاعة، فمتى تحققت الاستطاعة بالبدن وبالمال فلا يجوز التأخير والتسويف؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "تعجلوا بالحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له"، ما يعرض له من مرض، ما يعرض له من فقر، ما يعرض له من موانع وعقبات.

فمن وجد الاستطاعة فليبادر، وقد ثبتت الفرضية -أيها الإخوة- بالقرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة وبالإجماع، أما القرآن فآيات كريمات كثيرات منها ما أشرت إليه من قوله تعالى ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28)﴾ [الحج: 27- 28].

ومنها قول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ(97)﴾ أي: أنكر فرضية الحج ولم يعتقد أنه ركن وفريضة ﴿فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96- 97]، ومنها قوله تعالى ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ﴾ [البقرة: 196].

وأما الأحاديث -أيها الإخوة- فأكثر من أن تُحصى، منها ما رواه أبو هريرة وابن عباس -رضي الله تعالى عنهم- قالوا: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" أي: فرض عليكم الحج فحجوا.

فقام رجل فقال يا رسول الله: أفي كل عام؟ فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أعاد السائل السؤال ثلاثًا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساكت، ثم بعد المرة الثالثة قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو قلت نعم لوجبت" أي: لفُرضت عليكم في كل عام "ولما استطعتم" أي: لن تستطيعوا أن تؤدوها في كل عام.

ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "ذروني ما تركتم عليه، فإنما أهلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم وباختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا به ما استطعتم"؛ لأنه لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" فاتركوه

ومنها حديث آخر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا"، فقام الأقرع بن حارث فقال يا رسول الله: أفي كل عام؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو قلت نعم لوجبت في كل عام ولن تعملوا بها"، ولن تستطيعوا أن تعملوا بها "الحج مرة ومن زاد فهو تطوع".

ومنها أيضا في الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو رحم محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي رحم محرم"، فقام رجل وقال: يا رسول الله "إن امرأتي خرجت حاجّة" أي: عازمة أن تنطلق إلى الحج، "وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا"، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "حج مع امرأتك".

رغم أن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يترك الجهاد ليخرج حاجًّا مع امرأته ولا يجعلها تسافر بمفردها.

وأما الإجماع فإجماع الأئمة من عصر الصحابة إلى يومنا هذا أن الحج فريضة كفريضة الصلاة وكفريضة الزكاة.

وقد فُرضت هذه الفريضة في السنة السابعة من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل التاسعة، وحج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة واحدة في السنة العاشرة من الهجرة.

وفي البخاري عن قتادة -رضي الله عنه- قال: سألت أنس بن مالك: كم حجّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال: "حج حجة واحدة، واعتمر أربع عمر".

أيها الإخوة الأحبة: ربنا وخالقنا -تبارك وتعالى- لا يأمرنا بأمر ولا يفرض علينا فريضة إلا لخيرنا وسعادتنا ومصالحنا كم عبر تبارك وتعالى فقال: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].

فللحج فوائد عظيمة وآثار كبيرة تعود على الفرد وعلى المجتمع وعلى الأمة بالخير العميم.

من هذه الفوائد الكثيرة: أن الحج برهان عملي على أن المسلم يفضل حب الله -عز وجل- على ماله وأهله وعمله ودياره فيتحمل مشاقّ السفر ومخاطر الطريق؛ استجابة لأمر الله -عز وجل- وابتغاء لرضوانه.

وفي الحج -أيها الإخوة الأحبة- تعويد للمسلم على الصبر وتحمل الشدائد وتدريب عملي على صعوبة العيش، وعلى ترك أسباب الراحة والرفاهية حتى إذا ما دعا داعي الجهاد خرج سبّاقًا لبذل كل غالي ورخيص في سبيل الله -تبارك تعالى-.

وفي الحج -أيها الإخوة- تقوية للإيمان وتهذيب للنفوس وتكفير للذنوب؛ حيث يتوجه المسلم للتفرغ للعبادة والطاعة وذكر الله.

ولهذا يقول لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج فلم يرفث.."، والرفث -أيها الإخوة- الكلام الفاحش، ويطلق أيضًا على المعاشرة الجنسية "من حج فلم يرفث ولم يفسق.." الفسوق هو الخروج عن طاعة الله وارتكاب الذنوب، "رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" أي: رجع طاهرًا من الذنوب والآثام.

وطبعًا -أيها الإخوة- الذنوب والآثام التي تتعلق بحقوق الله -عز وجل-، أما حقوق العباد فلا بد فيها من الأداء لصاحب الحق أو الإبراء منه.

وفي الحج -أيها الإخوة- يقبل المسلم على تلك البقاع الطاهرة والأماكن المقدسة وهو متجرد من زينة الدنيا لا تشغله بهائجها الزائلة ولا تفتنه، حاسر الرأس، بادي القدم، مشتمل الإزار، ملبيًّا، ضارعًا، مستغفرًا، فيهزه جلال الموقف فيخشع قلبه وتفيض بالدمع عيناه.

ويذكّره هذا المشهد في عرفات يذكّره بذلك الموقف الرهيب حينما يخرج الناس من قبورهم لا تخفى من أعمالهم خافية.

وفي الحج -أيها الإخوة- المساواة التامة والأخوة الإنسانية تتجلى بأجلى صورها وأظهر معانيها لا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين رئيس ومرؤوس؛ فتتركز هذه المعاني في نفوس المسلمين بشكل تطبيقي عملي لا نظري.

ويكتسب المسلم في الحج ثقافة واسعة وخبرة حيث يلتقي بإخوته المؤمنين القادمين من سائر بقاع الأرض فيتعرف أخبارهم ويتحسس مشاعرهم.

وفي الحج أيضًا يرى المسلم تلك البقاع التي شهدت مولد الإسلام واعتزت بموقف رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- الأطهار الأبرار المجاهدين الذين ضحوا بكل ما يملكون من غالٍ ورخيص في سبيل هذا الإسلام الذي ضيعناه فتحرك في نفوس المسلم كوامن العزة والكرامة ودوافع الجهاد باستعادة مجدنا السليب وإعادة عزتنا وكرمتنا والتحرر من التبعية لغيرنا.

ويرى المسلم كم ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تلك البقاع الكاحلة ذات الجو القاسي!! وكم لاقى!! ويعلم أن طريق الجنة محفوف بالمكاره لا بالمتع والشهوات.

وأما الفوائد العامة الاجتماعية التي تعود على الأمة فهي كثيرة جدًّا منها -أيها الإخوة- تلاقي المسلمين من سائر بقاع الأرض، وتعارفهم وتآلفهم، والعمل على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف وإزالة الحدود المصطنعة التي دروسها، ويريدون أن يتابعوا يومًا بعد يوم فيقيموا المخططات الممزقة لهذه الأمة الواحدة.

وفي الحج أيضًا تتجلى القوة الهائلة التي يملكها المسلمون لو أن هذه القوة وُظّفت التوظيف الصحيح لخدمت مصالحهم وعادت إليهم قوتهم.

وفي الحج –أيضًا- مؤتمر دوري إسلامي سنوي عالمي يجتمع فيه قادة السياسة وقادة الثقافة، وقادة الاجتماع وقادة الاقتصاد، فيدرسون مشاكلهم ويعملون على اتخاذ السبل التي تعالج هذه المشاكل ويضعون الخطط ولو على مراحل لتحريرهم مما هم فيه ولإنقاذهم من واقعهم المرير.

وفي الحج أيضًا تكتل وتوحد؛ حيث يشعر المسلمون جميعًا أنهم يدينون بدين واحد، ويؤمنون برب واحد، ونبي واحد، لباسهم واحد، وقبلتهم واحدة، وأهدافهم واحدة، ويلهجون بلسان واحد "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك".

فتتجلى الواحدة الجامعة والأخوة الطائعة والقلوب المتلاقية وصدق الله العظيم؛ حيث يقول ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار ملء السماوات وملء الأرض، الحمد لله العلي القادر العزيز القاهر.

أما بعد: روي عن سيدنا عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل مَن كان له جِدَة –أي: قدرة واستطاعة-، ولم يحج –أي حج الفريضة- فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

وعن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "من وجد قدرة على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا".

والاستطاعة -أيها الإخوة- استطاعة بالمال وبالنفس وبالطريق، الاستطاعة بالمال أن يجد مالاً يكفيه لنفقات سفره وأجور وسائل النقل ذهابًا وإيابًا زائدًا عن حاجات بيته ونفقات أسرته مدة غيابه وزائدًا عن ديوانه الحالَّة -أي: التي حلَّ أداؤها- وزائدًا عن نفقات سكنه وأثاث بيته فيفترض عليه أن يبادر.

ومن وجد مالاً يكفيه لشراء سكن أو زواج فهل يقدم السكن أو الزواج؟ إن كان ذلك قبل دخول أشهر الحج أي: قبل دخول شوال يختار ما يشاء، أما بعد دخول شهر شوال فيقدم الحج إلا إذا خشي على نفسه الانحراف والوقوع في المحرم؛ فإنه يقدم الزواج على كل حال.

وأما الاستطاعة بالنفس بأن لا يكون مريضًا مرضًا دائمًا مزمنًا يجعل السفر عليه شاقًّا، وألا يكون مقعدًا أو مشلولاً أو أعمى -ولو وجد قائدًا- لا يُكلف بالحج، وألا يكون مقطوع اليد والرِّجْل، وغير ذلك من العوائق الصحية، فلا يفترض عليه الأداء مع هذه العوائق.

وأما استطاعة الطريق بأن يكون الطريق آمنًا أن لا يخشى على نفسه خطرًا ولا مالاً، فإذا تحققت الاستطاعة فيجب عليه الأداء، ومَن لم يؤد رغم وجود المال، ولكنه خشي على نفسه دنو الأجل فعليه أن يوفي بالحج أو يوكل مَن يقوم عنه بالحج حال حياته.

إذاً وجوب الأداء معلق بالاستطاعة، وقد ثبت أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله "إن فريضة الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة" بمعنى كان يجد مالاً ولكن بالنسبة لاستطاعة البدن لم تكن متحققة؛ لأنه لا يستطيع أن يستمسك بنفسه على الراحلة لشيخوخته "أفحج عنه يا رسول الله؟" قال: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ عَنْهُ أَكُنْتِ قَاضِيَةً عَنْهُ؟" قالت: "نعم يا رسول الله"، قال "فدين الله أحق أن يُقضى".

وكما أشرت في بداية الخطبة يجب التعجيل بالحج وعدم التسويف لمن يجد استطاعة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تعجلوا بالحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".

ويسن الإكثار من الحج والعمرة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد".

ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحج والعمرة كفارة لما بينهما "، "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

وهذا -أيها الإخوة- حكم عام في الظروف العادية، أما في مثل ظروفنا اليوم من كثرة الفقر والحاجة ووجود الجوائح الساحقة الماحقة لإخواننا المسلمين المجاهدين في بقاع الأرض ومنهم في فلسطين وفي العراق وفي غيرهما، فعلينا أن نقدم بذل المال على حج النافلة وعلى العمرة النافلة، وما نرصده من القادرين على الحج والعمرة وتكرارهما أن يوظفوا هذا المال في سبيل إنقاذ إخوته من الفقراء في بلدهم وفي بلاد المسلمين ومعونة المجاهدين الذين يحتاجون حتى للدواء والطعام، فهذا عند الله -تبارك وتعالى- آكد وأفضل.

وعلينا أن نقدم دائمًا -أيها الإخوة- الأولويات في تصرفاتنا وفي عباداتنا وفي أحوالنا، ويستحب لمن عزم على الحج قبل خروجه وانطلاقه أن يوصي أهله وأولاده وجيرانه وأصدقائه بتقوى الله -عز وجل- ، والتقوى -أيها الإخوة- بأن يلازموا الطاعات، وأن يتجنبوا الآثام والانحرافات والأخطاء، وعليه أن يتوجه إلى الله -عز وجل- بالتوبة الصادقة النصوح التي لا تتحقق إلا بشروط منها العزم على عدم العود والندم على ما فات والإقلاع التام عن الذنب (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 21].

وإذا كان هناك مظالم للناس فعليه أن يردها إليهم أو يتحللها منهم قبل سفره؛ فإن الله -عز وجل- يقدم حقوق العباد على حقوقه، وفي الحديث: "من كانت عنده مظلمة لأخيه فليؤدها له أو يتحلل منها قبل أن يأتي يوم لا مال فيه ولا شفاعة، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بما يقابل مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه وطرح في النار".

وعليه -أيها الإخوة- أن يختار من ماله المال الطيب الحلال؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"، وفي حديث آخر "من خرج حاجًّا بنفقة طيبة حلال، ونادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك، نفقتك حلال، وزادك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة وقال لبيك اللهم لبيك فوضع رجله في الغرز ناداه منادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك؛ نفقتك حرام وزادك حرام؛ وحجك مأزور غير مبرور".

كما عليه أيضًا أن يختار الصحبة التقية الصالحة، وأن يتفقه قبل خروجه، فيتعلم أحكام الحج، ويسأل أهل العلم عما يشكل عليه في كل ذلك.

أيها الإخوة الأحبة: كثيرًا منا يصلي وتُرمى صلاته في وجهه كما يرمى الثوب البالي، وكثيرًا منا يصوم ولا يكون له من صومه رغم جهده إلا الجوع والعطش، وكثيرًا منا يحج ولا يكون في حجه إلا النفقة والتعب دون أن يكون حجه مبرورًا.

فعلينا -أيها الإخوة- أن نتفقه في أحكام عبادتنا لنؤديها الأداء الصحيح الذي ننال به الثمرات الصحيحة لهذه العبادات بما أمرنا الله به.

وأكرر قولي: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تعجلوا بالحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".

اللهم اغفر لنا ذنوبنا..