الأذى في الطريق

عناصر الخطبة

  1. حرمة المسلم
  2. أسباب انتهاك البعض لحرمات إخوانهم
  3. مظاهر انتهاك بعض قائدي السيارات لحرمات المسلمين
  4. رسائل لأصحاب المركبات ومؤجريها والمسؤولين
اقتباس

وإن من مظاهر الأذى للمسلمين في هذا الزمان ما يحصل لهم في طرقاتهم العامة وغير العامة، ولا سيما داخل مدنهم وأحيائهم، من بعض قائدي المركبات، فإن الناس يعانون منهم في طرقاتهم سواء داخل الأحياء أو خارجها، يعانون منهم الأمَرّين…

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، قال الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

عباد الله: للمسلم حرمة عظيمة في الحياة وبعد الممات، حرمة لا يحق لأي أحد أن ينالها بسوء أو أذى، حرمة نالها المسلم من الله -عز وجل- ومن رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم ينلها من مخلوق مثله، وقد روى الترمذي في سننه أن ابن عمر -رضي الله عنه- نظر إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك".

هذه الحرمة -عباد الله- يجب على كل أحد أن يحترمها ويبتعد عن كل ما يؤذي صاحبها من قول أو فعل، ما لم يدنسها صاحبها ويرتكب ما يخل بهذه الحرمة ويسقطها.

من أجل هذا -عباد الله- حرم الله -عز وجل- أذية المؤمنين والمؤمنات بأي نوع من أنواع الأذى، قولياً كان الأذى أو فعلياً، فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب:58]، فمن آذى المؤمنين والمؤمنات بغير جناية ارتكبوها فقد عرض نفسه لحمل هذا البهتان وهذا الإثم المبين.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فنادى بصوت رفيع: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من يتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله".

فأذية المؤمنين والمؤمنات بالأقوال والأفعال وفي أموالهم وأعراضهم وأولادهم وأقربائهم وفي أعمالهم وفي طرقاتهم جريمة عظيمة، وانتهاك لحرمتهم التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها، ومن آذاهم وانتهك حرمتهم فقد شابه أعداء الله -عز وجل- وأعداء رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأعداء المؤمنين من اليهود والنصارى والملحدين، فإن أعداء الله لا  يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، بل إن أذية المؤمنين مبدأ من مبادئهم وخلق من أخلاقهم.

إنه لا يقدم مسلم على أذية أخيه المسلم بغير جرم إلا مَن ضعف الإيمان في قلبه، وضعفت مراقبته لربه، وغفل عن يوم الحساب والجزاء، وصاحب أهل الغفلة والسوء الذين يزينون له السوء والأذى، ولم يجد من يردعه من الأذى، أو من هو سفيه لا يدرك ما للمسلمين من حرمة، قد غلب سفهه على عقله، ولم يجد وليا من أقاربه يحمي الناس من سفهه وطيشه، أو وُجد له ولي ولكنه ضعيف لا يحسن التدبير والرعاية فترك الحبل على الغارب.

عباد الله: وإن من مظاهر الأذى للمسلمين في هذا الزمان ما يحصل لهم في طرقاتهم العامة وغير العامة، ولا سيما داخل مدنهم وأحيائهم من بعض قائدي المركبات، فإن الناس يعانون منهم في طرقاتهم سواء داخل الأحياء أو خارجها يعانون منهم الأمَرّين: سرعة زائدة على المعقول، لعب بالمركبات كما يلعب الصغار بالكرة، عدم التزام بالأنظمة المرورية التي وضعت لإرشاد الناس إلى القيادة الصحيحة للمركبات مما يقيهم -بإذن الله- من مخاطر السير ووعثائه.

إن الواحد منا يمشي بمركبته في الطريق ذاهبا إلى عمله أو قاصدا زيارة قريبه أو صديقه وقد وضع يده على قلبه يخشى من هؤلاء الذين لا يقدّرون للناس حرمةً، ولا يعرفون للطريق حقا.

يرى بعينه ويسمع بأذنيه حوادث مؤلمة أزهقت نفوساً، وأفقدت أعضاء، وأشلت أطرافاً، سببها التصرف الأرعن من هؤلاء.

ويرى بعينيه قطْعاً للإشارات بلا مبالاة ولا اكتراث! ويرى من يزعج الناس بالأصوات المنكرة التي تصدر من المركبة التي يقودها تصاحبها حركات مشينة وكأن الذين من حوله ليسوا آدميين وإخواناً له في الدين!.

ويرى من يلعب بالمركبة يميناً ويساراً وكأنها أرجوحة، ويرى من يؤذي الإنسان بالنظر إلى محارمه الذين معه في مركبته ومضايقته له، ويرى من يرمي الأذى ومن يؤذي في الطريق وهو سائر أو واقف غير مبال بإخوانه الذين يشاركونه السير في الطريق.

كل هذه أعمال مؤذية تصدر من هؤلاء، وإنك إذا ألقيت نظرة على من يقوم بهذه الأعمال لوجدت أن النسبة الغالبة التي تقوم بهذه الأعمال أو بعضها صبية صغار ليس عندهم إدراك للمسؤولية، أو معرفة بالحقوق التي عليهم نحو إخوانهم في طرقهم وغيرها، ولكن العجب يأسرك عندما ترى مع هؤلاء مركبات فاخرة لا يملكها ذوو الدخل المتوسط، يقضون بها أوقاتهم في مثل هذه الأعمال المنافية للمروءة والأدب، ويفك أسرك من هذا العجب عندما تعلم أن هذه المركبات أمنها لهم آباؤهم أو أمهاتهم، أو استأجروها من محلات تأجير المركبات ودفعوا الأجرة من الأموال التي حصلوا عليها من آبائهم أو أمهاتهم.

وبعض من يعمل هذه الأعمال رجال… قد بلغوا أشدهم، فيستغرب الإنسان صدور هذه الأعمال من هؤلاء الرجال!.

إلى هؤلاء الرجال أقول: اتقوا الله -عز وجل- في إخوانكم المسلمين، واحذروا من إيذائهم في طرقاتهم، فإنكم تتحملون إثماً مبينا ً وتتعرضون للعقاب الأليم، واسمعوا إلى ما جاء في احترام المسلمين في طرقاتهم، والأمر بكف الأذى عنهم، وفضل كف الأذى عنهم، فقد جاء في صحيح البخاري -رحمه الله- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والجلوس في الطرقات!" فقالوا يا رسول الله: مالنا من مجالسنا بدٌّ، نتحدث فيها، فقال: "فإذا أبيتم إلا الجلوس، فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ فقال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا اللعانين"، قالوا وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم"، ومعنى اتقوا اللعانين، أي المارين الجالبين للعن الناس ودعائهم على من فعل ذلك، ويلحق به كل فعل يؤذي الناس في طريقهم.

وثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي في الطريق إذ وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر له"، وفي رواية: "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر طريق كانت تؤذي الناس".

وإلى أولياء أمور الصبية الصغار أقول: احذروا من تمكين أولادكم الصغار من قيادة المركبات، إنكم إذا فعلتم ذلك وأنتم تعلمون أنهم لا يحسنون التصرف بالمركبة التصرف الأقوم، وأنهم يؤذون الناس في طرقاتهم، فعليكم نصيب من الإثم المبين، ويخشى عليكم من العقاب الأليم من الله -عز وجل-.

وأقول لأصحاب محلات تأجير المركبات: انظروا إلى من يستأجر منكم، ليكن عندكم بصيرة وفراسة، لا تؤجروا مركباتكم لكل من هب ودب، فإن عليكم شيئا من المسئولية في ذلك، ويخشى أن ينالكم نصيب من الإثم والعقاب.

وأخيراً -عباد الله- اسمعوا إلى وصف عباد الله المؤمنين: قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان:63].

اللهم اجعلنا ممن يمشى على الأرض هوناً، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، واكفنا شر الأذى والمؤذين، اللهم اهد المسلمين شباباً وشيوخاً، ذكوراً وإناثاً، والمؤذين أجمعين، اللهم ارزقنا السداد في الأقوال، والصلاح في الأعمال.

الخطبة الثانية:

… على المسؤولين عن طرقات المسلمين أن يتقوا الله -عز وجل-، ويحسنوا في أعمالهم، ويتجنبوا كل ما يؤذي المسلمين في طرقاتهم، وأن يقوموا بما وكل إليهم من عمل من ولي الأمر على أتم وجه، وأن تكون مراقبتهم لطرق المسلمين مراقبة تامة ومتواصلة، فيقيموا ما اعوجّ منها، ويصلحوا ما خرب منها، ويضعوا الإرشادات على مواقع الخراب منها، حتى لا يقع السائرون في ما يؤثر على مركباتهم، فالجميع مسؤولون ومستفيدون من الطرقات، عليهم مسؤولية إعطاء الطريق حقه، وسوف يُسألون أمام الله عنها يوم القيامة.