الطلاق في الإسلام

عناصر الخطبة

  1. حرص الإسلام على ديمومة العلاقة الزوجية
  2. حكمة مشروعية الطلاق
  3. من أحكام الطلاق
  4. من أضرار الطلاق
  5. واجب الزوجين بعد الطلاق
اقتباس

الطلاق لم يُجعَل على أهواءِ الناس ومرادِهم، وإنما الطلاق على حسَب ما بيَّن الله في كتابِه وبيّنه رسوله محمّد، فنظام الطلاقِ لم يستمدَّ من آراءِ الناس وتصوُّراتهم، وإنما جاء تشريعًا ربّانيًّا في كتاب ربّنا، وفي سنّة نبيّنا، وإذا التزم المسلم شرعَ الله في زواجه وطلاقه فإنّه يعيش على خير؛ لأنَّ في شرع الله حلَّ كلِّ المشاكِل على أيسرِ حال وأحسن، وإنما تأتي الفوضى عندما يخالِف المسلم شرعَ الله في الطلاق ..

أمّا بعد: أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: عقدُ النكاح أحدُ العقودِ التي أمَرَ الله بالوفاء بها في قوله -جلّ جلاله-: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِلْعُقُودِ) [المائدة:1]؛ فعقدُ النكاح عقدٌ ذو شأنٍ كبير، ولذا وصفَه الله بأنّه ميثاق، وأنّ هذا الميثاقَ ميثاق غليظ، قال -جلّ وعلا-: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب:7]. نعم، إنه ميثاقٌ، وأيُّ ميثاق؟! ميثاقٌ يقوم بسببِه البيت، فيه غضّ البصر، وتحصين الفرج، وحصول الولد، وسكون النفس وطمأنينتُها.

أيّها المسلمون: وشريعةُ الإسلام شرَعت ما يسبّب استمرارَ هذا العقد وديمومتَه، ولذا أُمر الزوج بالصّبر على ما يستطيع الصبرَ عليه من أخطاءِ المرأة، ففي الحديث: "لا يفرُك مؤمِنٌ مؤمنةً، إن كرِه منها خلُقًا رضيَ منها آخر" أخرجه مسلم؛ وأخبَر أنّ المرأة خُلِقت من ضِلع، وأنّ أعوج ما في الضلعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه؛ وأمر أن نستمتِعَ بالنساء، وأوصانا بهنّ خيرًا، فقال: "استوصوا بالنّساء خيرًا؛ فإنها خلِقَت من ضلع، وإنّ أعوجَ ما في الضلع أعلاه". وهذا العقدُ استُبيح بكلمةِ الله، كما قال: "أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحلَلتم فروجهنّ بكلمة الله".

وأمرَ الزّوج عندما يحصل من امرأتِه شيء من النشوز والعصيان أن لا يقابِلَ ذلك بالطلاق المتسرّع، وإنما أمَره أن يعِظَها ويذكّرها الله والدارَ الآخرة، فعسى موعِظة تُصلِح الأخطاء، وتزيل ما علق بالنّفوس، وجوّز له هجرَها في المضجع، أو ضربَها الضربَ اليسير غيرَ المبرح، فعسى أن يردَعَها جهلُها وتعدِّيها على زوجِها.

والمرأة المسلمة أيضًا مطالَبَةٌ بالصبر على زوجِها، وأنَّ عبادَتها لربِّها بمحافظتِها على عبادة الله، ومحافظتها على الصلواتِ الخمس، وطاعتها لزوجها سببٌ لدخول الجنة، في الحديث: "إذا صلّتِ المرأة خمسَها، وأطاعت بعلَها، قيل لها ادخلِي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئتِ".

أيّها المسلمون: وإذا لم تنفع الموعظةُ، ولم ينفع الصّبر، فالشرع أيضًا أمَر بحَكَمَين من قِبَل المرأة والرّجل، ينظران في شأنهما، فإمّا أن يحكُما باجتماعهما، وإمّا أن يحكما بافتراقهما، (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَبْعَثُواْ حَكَمًا مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَـاحًا يُوَفّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء:35].

أيّها المسلمون: وعندما تتعذّر كلُّ أسباب الوِئام والاتّفاق فالإسلام شرَع الطّلاق، عندما تدعو الحاجة إليه، وعندما لا يكون سَببًا للخلاص من المشاكل إلاّ الطلاق، فإنّ شريعةَ الإسلام لا تجعل المرأةَ غِلاًّ في عنُق الرّجل دائمًا يشقَى بها، ولا تجعل المرأةَ تضيع مصالحُها بأسبابِ نزاعِها مع زوجها، فإنّ الحياةَ الزوجية إذا تكدّرت شقِي الرجل، وشقِيت المرأةُ، وشقيت الأسرَة، فشرع الطلاقَ عندما تدعو الحاجة إليه.

أيّها المسلمون: ولكن هذا الطلاق لم يُجعَل على أهواءِ الناس ومرادِهم، وإنما الطلاق على حسَب ما بيَّن الله في كتابِه وبيّنه رسوله محمّد، فنظام الطلاقِ لم يستمدَّ من آراءِ الناس وتصوُّراتهم، وإنما جاء تشريعًا ربّانيًّا في كتاب ربّنا، وفي سنّة نبيّنا، وإذا التزم المسلم شرعَ الله في زواجه وطلاقه فإنّه يعيش على خير؛ لأنَّ في شرع الله حلَّ كلِّ المشاكِل على أيسرِ حال وأحسن، وإنما تأتي الفوضى عندما يخالِف المسلم شرعَ الله في الطلاق.

أيّها المسلمون: لقد كان العرَب في جاهليّتهم يؤذون المرأةَ ويلحِقون بها الأذى، فكان الرّجل يطلِّق، حتى إذا قارَب انقضاء العدّة راجعها، وربما طلّقها مائة طلقة، وهكذا، فجاء الإسلام بنظامٍ للطلاق، نظامٍ يكفل مصلحةَ المرأة والرّجل معًا.

أيّها المسلمون: إنّ التزامَ المسلمين بشرع الله فيه خلاصٌ لهم من كلّ المشاكل، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50].

أيّها المسلمون: الطلاقُ من أبغضِ الحلال إلى الله، كما في الحديث: "أبغَضُ الحلال إلى الله الطلاق"؛ ولكن، لما كان حلاًّ للمشكلةِ كان فيه خير، وإلاّ فالأصل أنّ عدمه أولى، لكن إذا دعَت إليه الحاجة كان مستحَبًّا، وربما كان واجبًا.

أيّها المسلمون: إنّ شرعَ الله حثَّ المسلمَ على الإقلالِ من الطلاق، وعدمِ التلاعُب به، فلا ينبغي للمسلِم أن يكونَ الطلاقُ على لسانِه دائمًا، ففي الحديثِ عنه أنه قال: "ثلاثٌ جِدّهن جدّ وهزلهُن جِدّ: النكاح، والطلاق، والرّجعة"؛ بمعنى أنَّ من طلّق وزعَم أنّه هازِل ولاعِب ولم يرِد حقيقةَ الطلاق لا يُقبَل ذلك منه؛ لأنّ الطلاقَ المعتبرُ فيه النّطقُ باللسان، إذا كان الناطق به بالغًا عاقلاً يُدرك ما يقول، فلا يُعذَر بقوله إنه تلاعَب بالطلاق وأظهَرَه من باب المزاح، لا، جدُّه جدّ، وهزلُه جِدّ، فلا فرقَ بين هازله وجادّه. إذًا، فالمسلم لا يتلفَّظ بالطلاق، ويبتعِد منه، خشيةَ أن يقع الطلاق موقعَه.

ثانيًا: شريعةُ الإسلام جعَلت الطلاقَ على مراحل ثلاث، يقول الله جل وعلا: (لطَّلَـاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـانٍ) [البقرة:229]، فإنّه إذا طلّقها الطلقةَ الأولى شُرع له أن يبقيَها في منزلهِ، وأن لا يخرِجَها منه، كما قال تعالى: (لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ) [الطلاق:1]، ثم قال: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق:1]، فلعل الطلاق وقع في حالةٍ غير متروٍّ فيها، فيندم مع بقاءِ المرأة عنده، فتُغيَّر الأمور بتوفيق من الله.

ثمّ إذا انقضت العدّة الأولى وطلّق الثانيةَ أيضًا فلعلّ خطأً منه أو منها فيزول، وإذا طلّقها الثالثة عُلِم أنَّ الأمر لا فائدةَ فيه ولا في بقائهما، فعند ذلك تحرم عليه إلاّ بعد نكاحِ زوجٍ آخر عن رغبةٍ لا تحليلاً؛ ولذا حرّم الشارع جمعَ الثلاث بلفظٍ واحد. طلَّق رجلٌ في عهدِ النبيّ امرأته ثلاثًا، فغضِب وقال: "أيُلعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظهر كم؟!" حتى أن رجلاً قال: يا رسول الله، أأقتله؟.

أيّها المسلمون: وشرعُ الله حرَّم على المسلم أن يطلّق امرأته في طُهرٍ قد جامَعها فيه، فلعلّها أن تحملَ فيطول الأمر عليها، ثم يندَم إذا حملت، فقد زلّ لسانه بهذا الطلاق؛ كما حرّم عليه الشارع أن يطلّقها وهي حائِض، كلّ ذلك لأجل أن لا تطولَ المدة عليها، ولأجل أن لا يكونَ سببًا لافتراقهما؛ لأنها -إن كانت حائضًا- فلا يحلّ له مضاجعتُها، فربما كرِه مستقبلاً، فشرِع له أن يطلّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، أو يطلقَها حاملاً قد استبان حملها.

طلّق ابن عمر -رضي الله عنهما- امرأتَه وهي حائض، فبلغ النبيَّ فتغيَّر وقال لعمر: "مُر عبد الله أن يراجعَها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن بدَا له أن يطلّقَها فليطلِّقها في طهرٍ لم يمسّها".

أيّها المسلمون: الطلاق شأنُه عظيم، فالحذَرَ من التهاون به! والحذَرَ من الاستعجال فيه وجعلِه على اللسان دائمًا، أو تعليق الأمور به أمرًا أو نهيًا! فالبعض من المسلمين ـ -هدانا الله وإياهم- لا يبالي بهذا الأمرِ العظيم، على أتفهِ الأسباب يعلِّق طلاقه عليه، رُبما أتاه ضيف فأراد إكرامَه، فلم يستجِب له، فقال: عليّ الطلاق أن تأكلَ الذبيحة، وعليّ أن أفعلَ، وعليّ الطلاق أن لا أفعل، كلّ هذا من الخطأ. فلنجنّب ألسنتَنا هذه الأمورَ، ولنتروَّ في أمرِ طلاقنا، ولا نستعجِل، فنندم ولا ينفع النّدم.

وعلى المرأةِ المسلمة أن تتّقيَ الله في تعامُلها مع زوجِها، ولا تحمله على هذا الأمر، ولا تسلُك الطريقَ الذي يسبّب استعجالَه في هذا الأمر، بل لتراعي شعورَ زوجها، وتراعي أحاسيسَه، ولا تحمله على الطلاقِ ما وجدت لذلك سبيلاً؛ فعندما تراه غضبانًا ومنفعلاً فلْتبتعِد عن كلّ أمر يُثير غضبَه، لتترك بعضَ الأمورِ التي لا خيرَ فيها، ولتعرِض عن بعض المعاتبةِ التي قد لا يكون هذا موضعَها، فإنّ المرأة إذا رأت غضبَ زوجها وانفعالَه، ثم بدأت تزيد النارَ نارًا، فربما وقع طلاق؛ فتندَم ويندم الرجل.

أيّها المسلم: للطلاقِ آثارُه غير الحسنة لمن استعجَل فيه، فالطلاق ضرَر لمن يتأمّل؛ تكون المرأة أيّمًا، يتشتّت أمرُ الأسرة، يضيع الأولاد بين طلبِ الأب وبين طلب الأمّ، وربما حصل بين الزوجين عنادٌ في زيارةِ الأبناء لأمّهم أو أبيهم.

المقصود أنّ الطلاَقَ ضررُه عظيم، ولولا الحاجةُ الملحّة إليه ما أباحه الشارع، فالواجِب على الزوجين تقوى الله في أنفسهما، وأن يتذكّرا هذه الأضرارَ للطلاق تذكُّرًا يدعوهما إلى الصّبرِ والتحمّل، فعلى الرجلِ أن يصبرَ ويتحمّل الأخطاء ويحاوِل أن يصبرَ ما دام الأمر لا يتعلّق بالعرض، فيصبر ويتحمّل، فلعلّ العاقبةَ حميدة؛ وعلى المرأةِ تصبر أن أيضًا وتحتسِب، ولا تدخل في مهاتراتٍ مع زوجها، فيسبّب ذلك فراقَها.

فلنتّق الله في أمورنا، لنتّق الله في طلاقنا ورجعاتنا؛ ولهذا شرِع للزوجين بعد الطلاق الرجعةُ إن أرادا الإصلاحَ، ما دامت الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية؛ فعلى المسلِم أن يتّقيَ الله في طلاقه ورجعتِه، وأن يكونَ صادقَ المقال، لا يكون متناقضًا.

بعضُ الإخوة ربما أتى المحكمةَ وطلّق المرأة، ثم إذا انتهى الطلاق وأخذ صَكَّ الطلاق جعل يعتذِر ويقول: ما علِمت، وما فهِمت، وما بُيّن لي، واستعجل مَن كتَب الطلاقَ، إلى غير ذلك من التّرَّهات؛ سببُ ذلك استعجالهُ وعدمُ رويّتِه، ثم يحمِّل التبعات غيرَه.

فلنتّق الله في أنفسنا، ولنصدُق الله في تعامُلنا، ولنحذَر التهاونَ بهذا الأمر، فإنّ ما بعدَ الطلقات الثلاث أيُّ علاقةٍ مع الزّوج قبلَ زوجٍ آخَر تكون علاقةً سيئة، ويكون أمرًا محرَّمًا.

فلنتّق الله يا عباد الله، ولنأخذ الأمورَ بحكمة، ولا نستعجِل، ولا نقدم على هذا الأمر ما وجَدنا لذلك سبيلاً.

أسأل الله لي ولكم التوفيقَ والهداية والعونَ على خير، إنّه على كل شيء قدير.

يقول الله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: (يأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:  

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

أيّها الزوج الكريم، عندما يقع منك طلاقٌ لامرأتك فلا يكن هذا الطلاقُ سببًا لنِسيان ما بينك وبين المرأةِ من صلاتٍ ومودّة، ولا يكن هذا الطلاقُ سببًا لمواقِفَ سيّئة تتّخذها من المرأة، لا سيّما إذا كان لها أولاد، فتحاول أحيانًا أن تجعلَ الأولادَ لك دونها، وتحاول أن تمنعَ صلتَهم بأمّهم، كما أنّ بعضَ النسوة ربما تتّخِذ موقفًا سيّئًا من زوجِها، فتحاول قطعَ صِلةِ أبيهم بأولاده، وتبغِّض الأبَ لأولاده، وتحاول أن تجعلَ بين الأولاد والأب انفصالاً، كلّ هذا من الزوجين خطأ. الواجبُ التعاون، ولا يذهَب الأولاد ضحيّةً لنزاعِ الرجل والمرأة، ألا تسمَع الله يقول: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة:241]، ويقول: ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ؟﴾ [البقرة:237].

فإذا حصَل الطلاق -لا قدّر الله ذلك- فإنّ الواجبَ أن لا يتَّخذَ الزّوجُ موقِفًا من امرأتِه وموقفًا من أهلِها، يتمثّل في الإضرار بالبنين والبنات، ومتابعتهم والشكاية الدائمة، ويطلب كذا وكذا، ويقدَح في الأمّ وأهلها، ويقول إنهم ليسوا أهلاً لتربيةِ الأولاد، ولا حضانةِ الأولاد؛ أو تتّخِذ الزوجة موقفًا من زوجِها مع أهلها ضدّ ذلك الزوج، ويكون الضحيّة هؤلاء الصّغار، بين تعصّب الأبِ وتعصّب الأم وأهل الجميع.

الواجب تقوى الله، والتعاونُ على البر والتقوى، وأن لا يَكون الطلاق سببًا للعداوةِ والبغضاء، وإنما هذه أمورٌ شرعها الله، والله أحكَم وأعدل، والأرواح جنودٌ مجنّدة، فما تعارفَ منها ائتلفَ، وما تناكر منها اختلف. أسأل الله أن يوفّقني وإيّاكم جميعًا لكلّ خير.

إنّ الحرصَ على شكاية الزوجين لأحدهما والترافع إلى المحاكم ليس أمرًا يسيرًا، هذا يترك أثرًا سَيّئًا في المستقبل، والواجب أن نتداركَ هذه الأمور، ولا يحملنا الطلاق على موقفِ أحدنا من صاحبه، وإنما تمضي الأمور على كلّ حال، ويتعاون الجميع في سبيل تربيةِ هذا النشء وإصلاحه وإعدادِه، فإنّ الأبناء إذا شاهَدوا نزاعَ الأبوين، أبٌ يتعصّب ويتشدّد، وأمٌّ كذلك، وأهلُ المرأة وأهل الرّجل، فإنّ أثرَ ذلك يكون سيّئًا على مستقبَل الأولاد ونفسيّاتهم.

فلنتّق الله في أمورنا، أسأل الله لي ولكم التوفيقَ والهداية لكلّ خير، وأن يجعلَنا ممن يستمِعون القولَ فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. إنما هي وصايا لإخواني المسلمين، حرصًا على التعاونِ على الخير والتقوى. أسأل الله القبولَ لي ولكم.

واعلموا -رحمكم الله- أن أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا -رحمكم الله- على محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيّك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.