هنيئا لكم أيها المرابطون على الحدود

عناصر الخطبة

  1. فضل الرباط في سبيل الله
  2. أهميته
  3. ابتلاء البلاد والعباد بأصحاب التكفير والتفجير
  4. وصايا للجنود المرابطين
اقتباس

أيها الجنود البواسل، أيها المرابطون: هنيئاً لكم ما تقومون به من عمل مبارك وجهاد عظيم! وإني أوصي نفسي وأوصيكم بالصبر والتوكل على الله -جل وعلا-، والاعتماد عليه، قال -تعالى-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

عباد الله: سنة التدافع بين الحق والباطل ماضية وقائمة ما قامت السموات والأرض؛ لأن الحق يحتاج إلى رجال يدافعون عنه يبذلون الغالي والنفيس، والباطل له رجاله الذين يدافعون عنه، وإن مصير كل فريق وطائفة معلوم ومحتوم، فمصير أهل الحق أهل الإيمان الذين يدافعون عن الدين وعن الأعراض والمقدسات وعن الديار مصيرهم إما نصر مظفر وإما شهادة في سبيل الله؛ أما مصير أهل الباطل الذين يدافعون عن الشرك ويدافعون عن الباطل ويقتلون أهل الإيمان فمصيرهم كما قال الله -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ [النساء:93]. 

أيها الجنود المرابطون: إن هذه الأيام وتلك الشهور والساعات التي ترابطون فيها في هذه الحدود أنتم فيها على خير، وأنتم على أجر، ورباطكم في سبيل الله؛ فهنيئاً لكم قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه الترمذي عن ابن عباس.

وإني لأرجو أن يتحقق لكم الأمران كلاهما: عين تبكي من خشية الله، وعين تبيت تحرس في سبيل الله.

وهنيئاً لكم قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها" رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم. وقوله: "رباطُ يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان" رواه مسلم.

أيها الجنود الأشاوس، أيها الأبطال: تركتم الأهل والديار، وجئتم تدافعون عن المقدسات والأعراض والديار، أنتم تؤمِّنون الراكعين الساجدين في مساجدهم، بل وتؤَمِّنون الطلاب والطالبات في مدارسهم، تؤَمِّنون الشيوخ الرُّكَّع والنساء في بيوتهن، تؤَمِّنون الأطفال الرُّضَّع، تؤَمِّنون الخائفين؛ فهنيئاً لكم هذا الرباط! وهنيئاً لكم تلك الطاعة! يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني" رواه البخاري.

أنتم تلبون دعوة خادم الحرمين الشريفين للدفاع عن المقدسات والديار، أنتم تلبون نجدة إخوانكم الذين ابتلوا في دينهم وابتلوا في الاعتداء على ديارهم؛ فهنيئاً لكم رباطكم! هنيئاً لكم جهادكم! هنيئاً لكم تلك الأوقات التي تقضونها في هذه الأماكن!.

أيها المؤمنون، أيها المرابطون: لقد حرم الله -جل وعلا- الظلم، وجعله بين العباد محرما، يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" رواه مسلم, ويقول ربنا -جل وعلا-: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم:42].

أيها المرابطون: إن بلادنا، المملكة العربية السعودية، محسودةٌ على ما أنعم الله -جل وعلا- عليها من نعم كثيرة: تحكيم شرع الله، واجتماع الكلمة، وتوحد الصف؛ هذه النعم العظيمة يحسدها الأعداء يحسدونها في القليل والكثير، ولهذا خططوا لها، خططوا للاعتداء عليها، وخططوا لتفريق صفها، وخططوا أيضا لزرع نابتة في جوفها، هذه النابتة تستظل بسمائها، وتجلس على أرضها، وتأكل من خيراتها؛ ولكنها تطعنها في ظهرها.

هذه النابتة عاشت على التكفير والتفجير، فهم أيدٍ خبيثة، وهم سلاح ماضٍ في أيدي الأعداء، وإذا كان الأعداء فشلوا في الوقوف في وجه هذه البلاد المباركة التي توحد صفها، واجتمعت كلمتها، وأصبح الراعي والرعية في تماسكٍ لا مثيل له، هؤلاء الأعداء استماتوا في خرق السفينة، استماتوا في أن يوجدوا خلخلة في هذا الصف المتماسك، ولكن يأبي الله -جل وعلا- الذي حكم بحماية بيته، وحكم بحفظ كتابه، فهذه البلاد محفوظة بحفظ الله ما تمسكت بشرع الله، وما توحد صفها؛ فهنيئاً لكم أيها الجنود المرابطون! هنيئاً لكم هذا الرباط! فأنتم تدافعون عن الدين، وليس قتالكم حمية ولا عصبية، ولا طلباً لحظوظ النفس، لا وألف لا, بل النية خالصة بحول الله وقوته والعزيمة صادقة، والصف متوحد، والنصر متحقق بإذن الله -جل وعلا-، فقد وعد الله عباده بالنصر المؤزر، والتمكين في الأرض، ما أقاموا شرع الله في أرضه.

أيها الجنود المرابطون: استحضروا وأنتم تقضون الساعات والأيام والشهور، استحضروا عظم الأمر الذي تجاهدون وتكافحون من أجله في هذه الأوقات، واستحضروا أيضاً ما تحقق على أيديكم، فالبشائر في هذه الأيام سارة، ولله الحمد والمنة.

ونحن -أيضاً- إذا رأينا صبركم، وكفاحكم، وتوحد صفكم، وقوة إيمانكم، واعتمادكم على ربكم -سبحانه وتعالى-؛ سرنا ذلك كثيرا، وأيقنّا بموعود الله -سبحانه تعالى-، وصدق الله العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم:9].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

أيها الجنود البواسل، أيها المرابطون: هنيئاً لكم ما تقومون به من عمل مبارك وجهاد عظيم! وإني أوصي نفسي وأوصيكم بالصبر والتوكل على الله -جل وعلا-، والاعتماد عليه، قال -تعالى-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]، ويقول ربنا -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:45].

وأوصيكم -أيضا- بتمام السمع والطاعة؛ لأن ذلك من أسباب النصر المؤزر في قتالِ المؤمنين مع أعدائهم، وأوصيكم باستحضار ما أعد الله -جل وعلا- للمجاهد والمرابط في سبيل الله، فمَن استشهد في سبيل الله فله ست خصال: يرى مقعده من الجنة، ويغفر له عند أول دفعة، ويشفع في سبعين من أقاربه، ويزوج اثنتين وسبعين حورية، ويأمن من عذاب القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر. قال -صلى الله عليه وسلم-: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة, ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه" رواه الترمذي.

وأوصيكم باستحضار آثار رباطكم وجهادكم، فأنتم تؤَمِّنون ملايين الناس في بيوتهم وأعمالهم ومدارسهم، فجهادكم له آثاره اليومية الحقيقية على أولئك، وأوصيكم -أيضاً- بكثرة الذكر؛ ففيه إعانة لكم, التسبيح والتهليل أثناء قيامكم وقعودكم وإطلاقكم لرصاصاتكم, استعينوا بالله، واعتمدوا عليه، وتوكلوا عليه، فلا حول ولا قوة لنا إلا به -سبحانه وتعالى-.

وأوصيكم -أيضا- أن تحرصوا بقدر المستطاع على المحافظة على أنفسكم، والاستعداد لطاعة الله -جل وعلا-، ولزوم عبادته، فأنتم على خير وإلى خير؛ فإن تم النصر لكم فقد ظفرتم بالحسنى، وإن فقد أحد منكم شهيدا فهنيئاً له؛ فهو سلك أقصر الطرق إلى الجنة.

كما أنى أوصيكم بأن تحرصوا على التعامل الحسن، والصدق والوضوح والصراحة فيما بينكم، ففي ذلك الخير لكم ولمن تتعاملون معه، فخير الهدي في ذلك هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، هذه البلاد التي أخذت على نفسها الدفاع عن الدين وعن المقدسات، ستقوم بهذا الأمر حتى يتمه الله -جل وعلا-؛ فالثوابت في بلادنا لا يمكن أن يعتدى عليها: الدين، والأمن، والمقدرات, وتوحد الصف، واجتماع الكلمة.

والأمن -أيها المرابطون- من أعظم النعم التي امتن الله -جل وعلا- بها على عباده. بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)﴾ [سورة قريش].

الآمن في نفسه وأهله وماله يستطيع أن يعبد ربه، وأما الخائف فلا يتحقق له حتى العبادة؛ ولهذا أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن نعمة الأمن وعظمها فقال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" رواه الترمذي.

أسأل الله -جل وعلا- أن يديم على هذا البلد الأمن والأمان، والسلامة والإسلام، وأن يحفظ جنودنا البواسل من كل سوء ومكروه.

اللهم احفظ بلادنا بحفظك، اللهم احفظ ولاة أمرنا بحفظك، اللهم زدهم من الإيمان والهدى، اللهم وفق جنودنا البواسل الذين يدافعون عن المقدسات والأعراض والأموال، ويؤَمِّنون الخائفين.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56].