نعمة الإيمان بالله

عناصر الخطبة

  1. الإيمان بالله من أعظم النعم
  2. ثمرات الإيمان بالله تعالى
  3. عواقب ضعف الإيمان
  4. وجوب الحرص على تعاهد الإيمان وتجديده
  5. أهمية إحياء معاني الإيمان في المجتمع.
اقتباس

إن نعمةَ الإيمان أعظمُ نعمةٍ على العبدِ، فإنه متى حظِيَ بها فقد نالَ نعمً لا تُدانِيها نعمة، ولا تُوازِيها منَّة. بها تتحقَّقُ سعادةُ الدنيا والآخرة.. فهل يستوِي من كان ميتًا في الضلالةِ هالِكًا حائِرًا، فأحيَى الله قلبَه بالإيمانِ، وهداهُ الله له، ووفَّقَه لاتباعِ رُسُله، هل يستوِي هذا مع من يعيشُ في الجهالات والضلالات المُتفرِّقة، لا يهتدِي إلى مُنقِذٍ ولا إلى مُخلِّصٍ له مما هو فيه؟! من فقَدَ الإيمانَ ولم يعرِف ربَّه الذي خلقَه، ولا نبيَّه الذي أرسلَه بالحقِّ، تخبَّط وهلَك؛ فالجهلُ بالله سُمٌّ مُهلِك…

الخطبة الأولى:

إن الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا، ومن سيِّئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

ثم أما بعد:

فإن نعمةَ الإيمان أعظمُ نعمةٍ على العبدِ، فإنه متى حظِيَ بها فقد نالَ نعمً لا تُدانِيها نعمة، ولا تُوازِيها منَّة. بها تتحقَّقُ سعادةُ الدنيا والآخرة.

وتأمَّلُوا قولَ الباري – سبحانه -: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: 17].

فالإيمانُ أكبرُ من منَّةِ الوجود الذي يمنَحُه الله ابتِداءً لهذا العبدِ وسائرِ ما يتعلَّقُ بالوجود، من آلاء الرِّزقِ، والصحَّة، والحياةِ، والمتاعِ. إنها المنَّةُ التي تجعلُ للوجودِ الإنسانيِّ حقيقةً مُميَّزة، وتجعلُ له في الحياةِ أثرًا فاعِلاً.

وحتى نُدرِكَ قيمةَ هذه النعمة، فلنتدبَّر قولَ الله – جلَّ ثناؤُه -: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122].

فهل يستوِي من كان ميتًا في الضلالةِ هالِكًا حائِرًا، فأحيَى الله قلبَه بالإيمانِ، وهداهُ الله له، ووفَّقَه لاتباعِ رُسُله، هل يستوِي هذا مع من يعيشُ في الجهالات والضلالات المُتفرِّقة، لا يهتدِي إلى مُنقِذٍ ولا إلى مُخلِّصٍ له مما هو فيه؟!

من فقَدَ الإيمانَ ولم يعرِف ربَّه الذي خلقَه، ولا نبيَّه الذي أرسلَه بالحقِّ، تخبَّط وهلَك؛ فالجهلُ بالله سُمٌّ مُهلِك.

إن الإيمانَ – عباد الله – رِبحٌ ومغنَمٌ ومنَّة، لا يقدُرُ قدرَه إلا من عرفَ قيمتَه، وله آثارٌ عظيمةٌ تعودُ على حياةِ العبدِ المُسلم؛ فمن آثاره التي حُقَّ لنا أن نقِفَ عندها:

أن الإيمانَ يُغيِّرُ كيانَ العبد، فيكونُ باعِثًا له على بَذلِ المعروف، ودافِعًا إلى استِباقِ الخيرات؛ فإن الصادقَ المصدُوق – صلى الله عليه وسلم – قد أخبَرَنا أن إيمانَ العبدِ لا يكمُلُ حتى يُحبَّ لإخوانه المُسلمين ما يُحبُّ لنفسِه، قال – صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنفسِه» (رواه البخاري ومسلم).

وعند الإمام أحمد بإسنادٍ صحيحٍ: «والذي نفسِي بيدِه؛ لا يُؤمِنُ عبدٌ حتى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنفسِه من الخيرِ».

عليه، فالمُؤمنُ مُستشعِرٌ أن له إخوةً في الدين يُحبُّهم ويُجِلُّهم، ويُحبُّ أن ينالَهم من الخير مثلُ ما نالَه، ويتحقَّقَ لهم من الفضلِ مثلُ ما تحقَّقَ له.

والمُؤمنُ يبعَثُه إيمانُه ليكون فاعِلاً مُنتِجًا، فكم يشعُرُ بالسعادة عندما يبذُلُ لله ويأنَسُ بمُساعدةِ غيره وخِدمته، وتَطيبُ نفسُه عندما تُفرَّجُ كُربةُ أخيه على يدَيه؟! وهو حريصٌ أن يكون له سَهمٌ في شتَّى المجالات الخَيِّرة، وأن يحظَى بنصيبٍ وافِرٍ من الأجر، وحظٍّ عظيمٍ من الدرجَات.

حقًّا إن الإيمانَ يُحوِّلُ العبادةَ إلى أداةٍ فاعِلةٍ مُثمِرةٍ مُنتِجة، لذا فالمُؤمنُ يحرِصُ مُدَّة بقائِه في الدنيا أن يكسِبَ من الحسنات، ويجمعَ من خِصالِ الخير، ويزدادَ قُربةً من ربِّه، ولأنه في سِباقٍ لا ينتهي حتى الموت، فهو يُبادِرُ بالأعمال الصالِحة، ويضِنُّ بالوقتِ أن يذهبَ عليه سُدًى، وبالعُمر أن يفنَى بلا فائِدة.

لقد تمثَّلَت تلك القضيَّة بصُورةٍ واضِحةٍ جلِيَّة، في واقعِ خير البريَّة، وسيرةِ أزكَى البشريَّة: محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، أعلمِ الناسِ بالله وأخشَاهم له، الذي كان دائِمَ الصِّلةِ بربِّه، لا يفتُرُ عن ذِكرِه، ولا ينقطِعُ عن عبادتِه، يُعلِّمُ الناسَ الخير، ويدعُوهم إلى كل فضيلةٍ، وينهَاهم عن السُّوء والفَحشاء وكل رَذِيلَة، فكلُّ من جالسَه أو اجتمعَ به نالَتْه بركتُه، وسعِدَ بمُصاحبَته. وهكذا يكونُ حالُ المُؤمن الصادقِ.

يقولُ ابن القيم – رحمه الله -: "إن بركةَ الرجُلِ تعليمُه للخيرِ حيث حَلَّ، ونُصحُه لكل من اجتمَعَ به، قال تعالى إخبارًا عن المسيحِ – عليه السلام –: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: 31]؛ أي: مُعلِّمًا للخير، داعِيًا إلى الله، مُذكِّرًا به، مُرغِّبًا في طاعته. هذا من بركةِ الرجُل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة، ومُحِقَت بركةُ لقائِه والاجتِماعِ به".

معاشر المُسلمين:

إن قُدوتَنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – كان لا يألُو جُهدًا في عملِ الخير، وبَذلِ المعروف، ونفعِ الناس، فيُعلِّمُ هذا، ويدعُو لهذا، وينصَحُ لهذا، ويُعاتِبُ هذا، ويُشيرُ بالرأيِ على هذا، ويحُثُّ على الخيرِ هذا، ويُحذِّرُ من الشرِّ هذا، ويسعَى في قضاءِ حاجةِ هذا، ويشفعُ لهذا، ويُهدِي هذا، ويتصدَّقُ على هذا، ويُمازِحُ هذا، ويزورُ هذا، ويُضيفُ هذا، وينتصِفُ لهذا، ويأخُذُ الحقَّ من هذا، وهكذا.

فلا تجِدُه إلا نفَّاعًا للناس، يُحبُّ الخيرَ لهم، ويحرِصُ على منفَعتهم، ويُحسِنُ إليهم بأنواع الإحسان، حتى كان لذلك أثرٌ في بدنِه – صلى الله عليه وسلم -، فكان يُصلِّي في آخر حياتِه جالِسًا بعد أن حطَمَه الناسُ.

ولم يقتصِر -عليه الصلاة والسلام- على هذا؛ بل ربَّى جِيلاً على هذه القِيَم والمبادِئ، فكانُوا رجالاً عُظمَاء، مُبادِرين إلى فعلِ الخيرات. لقد ربَّى النبيُّ الكريمُ – عليه الصلاة والسلام – الصحابةَ الكرام على التقديمِ والعطاءِ، والتضحيةِ وبَذلِ الأنفُسِ في سبيلِ الله، فكانوا مضرِبَ المثَلِ في ذلك:

فهذا أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه- كان إذا أدركَ رجُلاً من بعيدٍ سلَّم عليه، وقال يومًا للأغَرِّ المُزنيِّ: "أما ترَى ما يُصيبُ القومُ عليك من الفضلِ؟ لا يسبِقنَّك إلى السلامِ أحدٌ"، فقال الأغَرُّ: فكُنَّا إذا طلعَ الرجلُ ابتَدرنَاه بالسلامِ قبل أن يُسلِّم علينا.

وكيف لا يستبِقُ الصحابةُ ذلك وقد علَّمَهم مُربِّيهم وقُدوتُهم – صلى الله عليه وسلم – أن أَولَى الناسِ بالله من بدأَهم بالسلام؟ فهم حرِيصُون على أن يكونوا أقربَ الناسِ من الله بطاعتِه، وأخصَّهم برحمتِه.

وعندما بلغَ ابنَ عُمر أجرُ اتباعِ الجنازةِ والصلاةِ عليها ودَفنِها، وأنه قِيراطان، ضربَ بالحصَى الذي في يدِه الأرضَ، ثم قال: "لقد فرَّطنَا في قَرارِيطَ كثيرة".

هكذا هم العُظماء، يتحسَّرون على ما فاتَهم من أُجور الأعمالِ الباقِية، وليس على ما ذهَبَ عنهم من حُطام الدنيا الفانِية.

وجاء عن عبد الله بن مسعُودٍ – رضي الله عنه – أنه قال: "كنا إذا افتَقَدنا الأخَ أتينَاه، فإن كان مريضًا كانت عِيادة، وإن كان مشغُولاً كانت عَونًا، وإن كان غيرَ ذلك كانت زِيارة".

فانظُرُوا – رحمَكم الله – كيف يتفقَّدُون غيرَهم بالسُّؤال والزيارة، وكيف يدفعُهم باعِثُ الإيمان إلى التعرُّف على حالِ إخوانِهم، ومدِّ يدِ العَون لهم ومُساعدَتهم!

وهكذا نجِدُ المُؤمنَ حريصًا على إخوانِه، يسعَى في نفعِهم وبَذل المعروفِ لهم، يُفرِحُهُ ما يُفرِحُهم، ويسوؤُه ما يسُوؤُهم، ويُشارِكُهم أحزانَهم وأفراحَهم.

قالت الحُكماء: "مُروءةُ الرجلِ: صِدقُ لسانِه، واحتِمالُ عثَراتِ جيرانه، وبَذلُه المعروف لأهل زمانِه، وكفُّه الأذَى عن أباعِدِه وجِيرانه".

ويبلُغُ ببعضِهم الحِرص أن يُسهِمَ في فعلِ الخير وكسبِ الحسنَات بما قد يتعجَّبُ له المرءُ.

فعن عديِّ بن حاتمٍ – رضي الله عنه – أنه كان يفتُّ الخُبزَ للنملِ، ويقول: "إنهنَّ جاراتٌ، ولهنَّ علينا حقُّ الجِوار". فما أعظمَ بِرَّه وإحسانَه الذي يرجُو من ورائِه ثوابَ الله ورِضوانَه!

وهذا الحسنُ البصريُّ – رحمه الله – يدعُو ذاتَ ليلةٍ: "اللهم اعفُ عمَّن ظلَمَني"، فأكثَرَ في ذلك، فقال له رجلٌ: يا أبا سعيدٍ! لقد سمِعتُك الليلةَ تدعُو لمن ظلمَك حتى تمنَّيتُ أن أكون ممن ظلمَك، فما دعَاكَ إلى ذلك؟ قال: "قولُه تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40]".

فتأمَّلُوا – رحمَكم الله – هذه الصورةَ المُشرِقة، كيف يُصبِحُ المرءُ لا يُبالِي بما أصابَه إذا عُوِّضَ عن ذلك الأجرَ من الله؟! وهكذا هي النفوسُ الكِبار، يحمِلُ أصحابُها قلوبًا نقيَّة لا تعرِفُ الحِقدَ ولا الغِلَّ، ولا البَغضاءَ للمُسلمين.

وعن مُوسَى بن المُغيرةَ قال: رأيتُ محمدَ بن سِيرين يدخُلُ السوقَ نصفَ النهار، يُكبِّرُ ويُسبِّحُ ويذكُرُ اللهَ تعالى، فقال له رجلٌ: يا أبا بكرٍ! في هذه الساعة؟ قال: "إنها ساعةُ غفلة".

فلله درُّ هؤلاء الأفذَاذ الذين دعَاهم إيمانُهم إلى أن يُعظِّمُوا الحسناتِ والأُجور، ويبذُلوا الغالِيَ والرخيصَ في سبيلِ مرضَاةِ الربِّ الغفور.

أقولُ ما تسمَعون، وأستغفرُ الله الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبُوا إليه؛ إن ربي غفورٌ رحيمٌ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وجعلَنا من أمةِ خيرِ الأنام، وكرَّه إلينا الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيان، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الواحدُ الديَّان، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه سيِّدُ ولدِ عدنان، خيرُ من صلَّى وصام، وحجَّ البيتَ الحرام، صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى آله، ورضِيَ الله عن الصحابةِ الكرام، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد .. فيا عباد الله:

إن الإيمانَ له آثارٌ مُشرِقة، ونتائِجُ حميدَة تنعكِسُ على تصوُّرات الأفراد وسُلوكِهم في الحياة، لذا كان لِزامًا أن يحرِصَ المرءُ على تجديدِ الإيمان، وهذا ما أوصَى به قُدوةُ الأنام – صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال: «إن الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوفِ أحدِكم ما يَخْلَقُ الثَّوبُ، فاسأَلُوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم» (رواه الطبرانيُّ والحاكمُ بإسنادٍ حسن).

ما أحوجَنا – عباد الله – أن نُحيِيَ معاني الإيمان في قلوبِنا، ونحرِصَ على أن نكون فاعِلين ومُؤثِّرين في واقعِنا ومُجتمعِنا، ونسعَى جاهِدين في إعادة تلك الصُّور المُشرِقة لأسلافِنا التي تدلُّنا على ما كان يتحلَّى به المُجتمعُ المُسلمُ من التعاوُن والترابُط، والتكافُل الاجتماعيِّ، وأن نستشعِرَ أيضًا أن لنا إخوةً في الدين يُعانُون من الظُّلم والاضطِهاد في سبيلِ الله، ويلقَون من الأذَى والتعذيبِ من قِبَلِ أعداءِ الدين ما يلقَون.

وما أحرَى المُسلم أن يدُعو ربَّه بأن يجعلَه مُبارَكًا أينما كان، ويُجرِيَ الخيرَ على يدَيه، ويجعلَه ناصِحًا للعباد، آمِرًا بالمعروفِ ناهِيًا عن المُنكَر، من مفاتِيح الخيرِ ومغالِيق الشرِّ، حريصًا على نفعِ الناسِ وخِدمتهم بما يستطيعُ، يخدِمُهم ويُواسِيهم بمالِه وبجُهده وبجاهِه وبدُعائِه، تارِكًا أثرًا حسنًا قبل رحيلِه ينفعُه بعد مماتِه.

فيا أمةَ الإسلام .. ويا أتباعَ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -: اعتصِمُوا بكتابِ ربِّكم، وتمسَّكُوا بسُنَّة نبيِّكم – صلى الله عليه وسلم -، وذُبُّوا عن شريعتِه. ابذُلوا النصيحةَ لإخوانِكم، قُوموا بواجبِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر، كُونوا غَيُورِين على حُرماتِ الله، مُعظِّمين لشعائرِ الله، ادعُوا إلى المنهَج الحقِّ، ادخُلوا في الإسلام بالكليَّة، لا تترُكُوا من عُراه شيئًا، حقِّقُوا معنى الإيمان في قلوبِكم، احذَروا الفتنَ ودُعاةَ الضلالة، والمسالِك المُنحرِفة.

احرِصُوا على جمعِ الكلمة ووحدة الصفِّ، ناصِروا إخوانَكم المُسلمين في كل مكانٍ.

اللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلام من قِبَلكم، كُونوا على الجادَّة، استقيمُوا على شرع الله، ولا تتَّبِعُوا الهوَى، اثبُتوا على الدين حتى تلقَوا ربَّكم وأنتم كذلك.

ألا وصلُّوا وسلِّموا على الهادِي البشير، والسِّراج المُنير في يومِكم هذا خاصَّة، وفي سائرِ أيامِكم عامَّة، امتِثالاً لأمر الله تعالى القائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك – صلى الله عليه وسلم – وعبادَكَ الصالِحين.

اللهم انصُر إخوانَنا المُسلمين في كل مكان، اللهم كُن لهم مُعينًا ونَصيرًا، ومُؤيِّدًا وظَهيرًا.

اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِح الأئمةَ ووُلاةَ الأمور، اللهم وفِّقهم لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، وارزُقهم البِطانةَ الصالحةَ، واجعَل ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاك، وعمِلَ برِضاكَ يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيتِه للبرِّ والتقوَى، اللهم ارزُقه القولَ السديد، والعملَ الرَّشيد.

اللهم انصُر إخوانَنا المُستضعَفين والمُجاهدين في سبيلِك، والمُرابِطين في الثُّغور، وحُماةَ الحُدود، واربِط على قلوبِهم، وثبِّت أقدامَهم، واخذُل عدوَّهم واهزِمهم شرَّ هزيمة.

اللهم مُنزِلَ الكتاب، ومُجرِيَ السحاب، هازِمَ الأحزاب، اهزِم أعداءَ الدين وزلزِلهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبهم، وخالِف بين كلمتِهم، واجعَل بأسَهم بينهم شديدًا.

اللهم عليك بكل طاغيةٍ جبَّار عنيدٍ يصُدُّ عن سبيلِك، ويُعادِي أولياءَك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم إنا نسألُك إيمانًا لا يرتَد، ونعيمًا لا ينفَد، ومُرافقةَ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – في أعلَى جنة الخُلد.

اللهم إنا نعوذُ بك من الفِتَن ما ظهرَ منها وما بطَن.

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.