فضائل التقوى

عناصر الخطبة

  1. حقيقة التقوى
  2. التقوى وصية الله ورُسُله
  3. فضائل التقوى
  4. ثمرات التقوى
  5. وجوب مداومة محاسبة أنفسنا ومراقبة ربنا
اقتباس

إن للتقوى آثارًا عظيمة على حياة المسلم، ولهذا فسر السلف التقوى بأن حقيقتها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال بعض السلف: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله؛ ترجو بذلك ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله؛ تخاف من عقاب الله ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له؛ وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها النَّاس: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: يقول الله –جل وعلا- مخاطبًا عباده المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر:18]، في هذه الآية أمرٌ مِن الله لعباده أن يتقوا الله في كل أحوالهم، في سِرِّهم وعلانيتهم؛ لأن ربَّهم خبير بأعمالهم، محيط بها، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر:19]، أمَرَهم بالتقوى في سرهم وعلانيتهم وفي كل أحوالهم، أمرهم بأن يراعوا أوامر الله التي أمرهم بها، وحدوده، وشرعه.

وهذه الآية أصل في محاسبة النفس، فإن المؤمن يحاسب نفسه، فإن رأى أنه وقع في إثم أو وقع في خطأ تدارك الخطأ والزلل، بالإقلاع عن ذلك الذنب، والتوبة النصوح إلى الله، وإن أحسَّ نقصًا أو تقصيرًا في العمل فليستعن بالله، وليجدّ وليجتهد في إكمال ذلك النقص، وإصلاح ذلك العمل.

أيها المسلم: إن للتقوى آثارًا عظيمة على حياة المسلم، ولهذا فسّر السلف التقوى بأن حقيقتها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال بعض السلف: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله؛ ترجو بذلك ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله؛ تخاف من عقاب الله.

فتعمل بطاعة الله على نور وبصيرة، ترجو بذلك فضله ورحمته وكرمه، وتترك معصية الله على بصيرة، تخاف من عقاب الله، فيحملك على فعل الأوامر طاعةُ الله ورسوله، وابتغاء مرضاته، ويحملك على ترك المعاصي خوفُ الله -جل وعلا-، وعلمك باطلاع الله عليك.

أيها المسلم: ولهذه التقوى فضائل عظيمة، فأعظمها أن التقوى وصية الله للخلائق أجمعين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:131]، فوصية الله للجميع تقواه -جل وعلا- في السر والعلن، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ﴾، فالكل تشمله هذه الوصية من الماضين والحاضرين أن يتقوا الله -جل وعلا-.

ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أوصى أمته بتقوى الله، قال العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع، قلنا: يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيَّ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بعدي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ! فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ".

وكان -صلى الله عليه وسلم- يوصي من طلب وصيةً بتقوى الله، سأله رجل: يا رسول الله: إني أريد أن توصيني، قال: "أوصيك بتقوى الله".

وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا أمّر أميرًا على سرية في الجيش أوصاه في نفسه، وبخاصته، وبمن معه، بتقوى الله.

وقد بيّن الله في كتابه وصية الأنبياء إلى أقوامهم بتقوى الله، قال -تعالى-: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ(106)﴾ [الشعراء:105-106]، وقال عن هود -عليه السلام-: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ(124)﴾ [الشعراء:123-124]، وقال: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ(142)﴾ [الشعراء:141-142]، ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ(161)﴾ [الشعراء: 160-161]، ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ(177)﴾ [الشعراء:176-177]، ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ(124)﴾ [الصافات:123-124]، هكذا وصية الأنبياء لأقوامهم، أوصوهم بتقوى الله، فإن توحيد الله وعبادته هي قاعدة التقوى وأساسه.

أيها المسلم: وهذه التقوى لها فضائل عديدة، فمن فضائلها: أنها من أسباب دخول الجنة، قال الله -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]، وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"؛ فتقوى الله وحسن الخلق من أعظم أسباب دخول الجنة.

ومن فضائل التقوى: أنها تقي العبد عذاب الله يوم القيامة: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ﴾ [الزمر:61]، ومنها أن التقوى خير لباس: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف:26]، ومنها أن التقوى خير زاد يتزود به العبد في حياته الدنيا، قال -تعالى-: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة:197]، ومنها أن التقوى علامة أولياء الله، وأهل طاعته، فهداية الله ليست بدعوة تُدَّعَى، "لَيْسَ الإِيمَان بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْب وَصَدَّقَهُ الْعَمَل".

فأولياء الله ليس لهم وصف خاص أو شعار خاص، وإنما تقوى الله: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(64)﴾ [يونس:62-64].

ومن فضائل التقوى أن المتقين أكرم الخلق عند الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13]، فأكرمنا عند الله، وأقربنا إلى الله، هم المتقون الذين اتقوا الله في سرهم وعلانيتهم.

هذه التقوى تثمر أمورًا عظيمة، فمن ثمراتها حصول المتقي على معية الله، قال الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]، فهو مع أوليائه بنصرهم وتأييدهم وحفظهم وكفايتهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾، وهذا من أعظم فضائل التقوى وثمراتها.

ومن ثمراتها: مغفرة الذنوب، والتوفيق لقول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

ومن ثمرات التقوى أن الله يخلص المتقين من المضايق والشدائد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال:29]، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ(3)﴾ [الطلاق:2-3].

ومن ثمرات التقوى حصول العلم النافع، قال الله –جل وعلا-: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:282].

ومن ثمرات التقوى أن المتقي يقبل عمله بتوفيق الله لأنه اتقى الله في سره وعلانيته: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة:27].

ومن ثمرات التقوى: تيسير الأمور: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ [الطلاق:4].

ومن ثمرات التقوى: كفاية العبد وحفظه من مكايد الأعداء: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ [آل عمران:120].

ومن ثمرات التقوى: حصول البركة والخيرات والطمأنينة: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96].

فلْنُلْزِمْ أنفسنا -عباد الله- بتقوى الله في قلوبنا، وألسنتنا، وجوارحنا، تقوى تصحبنا في كل شؤون حياتنا، وفي حركاتنا وسكناتنا؛ فالله مطلع علينا، عالم بسرنا ونجوانا، لا يخفى عليه شيء من أمرنا، وقد حذرنا من التناجي بالسوء: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ [المجادلة:8]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المجادلة:9].

فتناجي المؤمنين، ومؤتمرات المؤمنين، واجتماع المؤمنين، كله على الخير والهدى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:114].

فالمسلم في خلواته، وفي علانيته، له تقوى تصحبه في كل ما يأتي ويذر، ولو حققها نال السعادة في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على كل خير.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ:

فيا أيُّها النَّاس: اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.

أيها المسلم: اتقِ الله ربك في سرك وعلانيتك، في علاقتك مع ربك، في خلوتك، في علاقتك مع إخوانك وأقارب رحمك، في تعاملك مع زوجتك، في تعاملك في تجارتك، تخلَّق بالصدق والأمانة في التعامل مع من تعامله، إن تعاملك مع إخوانك المسلمين بالصدق والأمانة دليلٌ على صحة تقواك، فالصدق والأمانة لا يتحلى بهما إلا المتقون.

أيُّها المسلم: اتقِ الله في كل أحوالك، واعلم أن الله مطلع عليك: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس:61]، اتقِ الله في كل أحوالك، واجعل التقوى منهجك في كل أحوالك، فبتقوى الله تعظّم أوامر الله بامتثالها، ونواهيه باجتنابها؛ بتقوى الله تعظم حرمات الله، بتقوى الله تعظم شعائر الله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج:30]، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:32].

بتقواك لله تحترم دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم، لأنك تعلم أن الله حرم عليك ذلك، فمن تقواك لله احترامك لدماء المسلمين، واحترامك لأموال المسلمين، واحترامك لأعراض المسلمين، بتقوى الله تبتعد عن الظلم، وتعطي كل ذي حق حقه، بتقوى الله تكون ذا أمانة وصدق ووفاء بالعهود، والتزام بالعقود فيما بينك وبين عباد الله، فتقوى الله في قلبك تقودك إلى كل خير، وتبعدك عن كل سوء.

أيُّها الأب الكريم: اتق الله في أبنائك وبناتك، فأنت راعٍ والله سائلك، اتق الله في الجميع، ربِّ التربية الصالحة، وكن أيضا قدوة حسنة، حتى يتأسى بك الأبناء والبنات إذا رأوك صالحا تقِيًّا مهذب القول، طيب السلوك؛ إن الأبناء يقتدون بالأب الصالح الذي يرونه يتردد على المسجد خمس مرات كل يوم، يرونه طيبًا معهم عملاً وقولاً، يرونه بارًا بأمه وأبيه وأرحامه، محترمًا الكبير، راحمًا الصغير، إنهم يقتدون به ويتعلمون منه حقيقة التقوى.

اتق الله -أيها المسلم- فيما أُوكل إليك من مسؤولية، فاتق الله وعامل مَن تحت يديك بالصدق والأمانة والإخلاص، ولا تجعل لأغراضك الشخصية أثرًا في التعامل مع الآخرين، التزم بالتقوى في التعامل مع الجميع.

إن تقواك لله تجعلك تنفّذ مشاريع الأمة بإخلاص وأمانة وصدق، دون أن تأخذ رشوةً أو تتهاون أو تمالي من يتهاون على ذلك، فمشاريع الأمة أمانة في عنق من تولى أمرها، فيجب عليه أن يتقي الله فيها، ويراقب الله فيها، ويؤديها على الوجه المطلوب، فمشاريع الأمة في طرقها وموانيها وسككها الحديدية وغير ذلك من مشاريع عامة وخاصة يجب أن تحترم، ويجب عل من عُهد عليه بالمسؤولية أن يتقي الله فيما يخطط وفيما ينفذ، ويراقب الله، ويعلم أن الله مطلع عليه، وأن أي مال دخل على خزينته من غير وجه شرعي سيحمله أوزارًا يوم القيامة.

فلنتقِ الله في أنفسنا، وفي مصالح أمتنا، ولا نجعل الدنيا أكبر همنا، لا نجعل الدنيا السبب في تهاوننا بمشاريع أمتنا، فالضرر ليس خاصًا بل عامًا، إن إخلالك بالأمور العامة وأمور المجتمع يدل على ضعف الإيمان وقلته.

أيها المثقف رجل القلم الذي يكتب في الصحف أسبوعيًا أو يوميًا أو غير ذلك: اتق الله فيما تحرر من مقال، وراقب الله قبل أن تكتب، هل هذا القول أو هذه المقالة أو الأطروحة فيها خير للإسلام والمسلمين ومنفعة للأمة في الحاضر والمستقبل، أم فيها إثارة وتشكيك وأباطيل وغيبة وقذف واتهام للآخرين بما ليس فيهم؟! فليتق الله صاحب القلم، ليتق الله صاحب القلم، تقوى تجعله يكتب بإخلاص، يراقب الله في قوله، يراقب الله في فعله.

إن المسلم يتقي الله في بيته وسره ونجواه، يتقي الله فيما يقول وفيما يكتب وفيما يذر، ولو حققنا هذا الجانب تحقيقًا كاملاً لكنا من السعداء.

أسأل الله أن يوفقنا جميعًا لتحقيق التقوى في قلوبنا حتى ننطلق من منطلق إيمان، من منطلق رحمة وشفقة، وإحسان ورحمة، من منطلق العدل والإنصاف، وفق تعاليم الشريعة الإسلامية، فلا جور ولا ظلم، ولا أخذ أموال بلا حق، علينا أن نتقي الله في أموالنا وفي مكاسبنا، فإن جاءتنا الأموال جاءت من طريق مشروع لا غش فيه ولا تدليس ولا رشوة، فـ"نـِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح!"، وإن كانت رشوةً ومقتًا ومساومة على مشاريع الأمة فذلك مكسب خبيث لا خير فيه، يضر صاحبه في دينه ودنياه، فربما عوقب في إثمه، فليتق الله في صحته وسلامته حتى لا تُسلط عليه الأمراض العظيمة، ويلقى الله بهذه الأوزار العظيمة.

فلنتق الله في أنفسنا، ولنراقب الله في أعمالنا، نسأل الله أن يجعلنا من المتقين، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم ربكم، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفق ولاة المسلمين للخير والصلاح.

اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بنَ عبدِ العزيزِ لكل خير، اللَّهمَّ باركه في عمره وعمله، وألبسه ثوب الصحة والعافية في دينه وبدنه، إنَّك على كل شيء قدير، اللَّهمّ وفقه للخير، واجعله بركةً على مجتمعه ومجتمع المسلمين.

اللَّهمَّ وفق ولي عهده سلمان بن عبدِ العزيزِ لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسؤوليته، إنَّك على كل شيء قدير.

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10]، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف:23]، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201].

عبادَ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.