العمل في شهر رمضان

عناصر الخطبة

  1. رمضان مدرسة إيمانية تربوية
  2. خصوصية شهر الصيام بالقرآن
  3. رمضان فرصة عظمى للتوبة
  4. تفاوت الصائمين في الطاعات
  5. فضل ذكر الله تعالى
اقتباس

إنَّ شهرَ رمضان المبارك موسمٌ عظيمٌ للتربية على الفضيلة والإيمان، ولرياضة النفس على البر والإحسان، ولتعويدها وتدريبها على حسن الإقبال على الله -عز وجل-، وملازمة قراءة القرآن. إنَّ شهر رمضان لمبارك يُعَدُّ مدرَسةً إيمانية تربوية للتربي على الفضائل، والتدرب على المعاني العالية العظيمة ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشرَ المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإنَّ مَن اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

معاشر المؤمنين: نعيش أياما فاضلة، وليالي مباركة، نعيش شهر الخير والبركات، شهر الإيمان والغفران، شهر الطاعة والعتق من النيران، إنها أيام غُرَر، وليال دُرَر، ينبغي على كل مؤمن أن يكون له منها حظ أوفى، ونصيب أكبر.

عباد الله: إننا في نهاية العقد الأول من شهر رمضان المبارك، أيام سريعة التصرم، سريعة الانقضاء، فلنحاسب أنفسنا -عباد الله- ماذا قدمنا، وماذا سنقدم من البذل والعطاء والإقبال على الله -عز وجل- ربِّ الأرض والسماء.

أيها المؤمنون: إن شهر رمضان المبارك موسم عظيم للتربية على الفضيلة والإيمان، ولرياضة النفس على البر والإحسان، ولتعويدها وتدريبها على حسن الإقبال على الله -عز وجل-، وملازمة قراءة القرآن. إنَّ شهر رمضان لمبارك يُعَدُّ مدرَسةً إيمانية تربوية للتربي على الفضائل، والتدرب على المعاني العالية العظيمة.

وهذه وقفة -عباد الله- مع بيان بعض الدروس المستفادة، والعبر العظيمة المتلقاة من شهر الصيام. عباد الله: لقد وصف نبينا -صلى الله عليه وسلم- شهر رمضان المبارك بأنه شهر الصبر، كما ثبت في الحديث عنه -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال: "صيام شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر، صيام الدهر".

فوصفه -عليه الصلاة والسلام- بأنه شهر الصبر؛ لأن المؤمنين فيه يتدربون على الصبر، ويتمرنون عليه صبرا على طاعة الله، وصبرا عن معصية الله، وصبرا على أقدار الله، فكم هو جدير بالمؤمن -عباد الله- أن يعظم حظه من الصبر في شهر الصبر، والله تبارك وتعالى يوفي الصابرين الصائمين أجرهم بغير حساب.

عباد الله: والصيام وموسمه المبارك فرصة عظمى، ومناسبة كبرى لتحقيق تقوى الله -عز وجل-، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]، فهي مناسبة كريمة لتحقيق التقوى، والبلوغ إلى أعلى درجاتها ورفيع رتبها.

أرأيت نفسك أيها الصائم تمتنع في نهار رمضان عن الطعام والشراب، وعن شهْوتك التي أباحها الله لك، تمتنع عن ذلك كله طاعة لله، ومراقبة له -جل وعلا-، فيا مَن أكرمك الله -عز وجل- بالامتناع عن هذه الأشياء، والصيام عنها في نهار رمضان المبارك، عليك بالصيام مدة حياتك كلها وطوال عمرك عن المحرمات والآثام، فإن الذي أمرك بالصيام عن هذه الأشياء هو الذي أمرك بالصيام عن الحرام مدة العمر وطيلة الحياة.

عباد الله: ولشهر الصيام خصوصية بالقرآن، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:185]، فينبغي عليك أيها المؤمن أن تعيش مع مأدبة القرآن العظيمة، تتربى على فضائله، وتتأدب بآدابه، وتتعلم أخلاق القرآن وآدابه، وتعيش حياة كريمة، فلا يكن حظك في رمضان مجرد تلاوة آي القرآن، بل ليكن حظك منه -أيها المؤمن- تلاوة لألفاظه، وفهما لمعانيه، وتحقيقا لدلالاته: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة:121]، فتلاوة كتاب الله حقا إنما تكون بالقراءة لألفاظ القرآن، والفهم لمعانيه، وتحقيق دلالاته ومقاصده.

عباد الله: وشهر الصيام فرصة عظمى للتوبة إلى الله، والإنابة إليه، وطلب غفران الذنوب والعتق من النار، ولله -عز وجل- في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة.

وهذا -عباد الله- يدعو المؤمن الصادق، والمسلم الراغب للإقبال على الله حقا وصدقا أن يتوب عليه، وأن يغفر ذنبه، وأن يجعله من عتقائه من النار، وكم هو الحرمان -عباد الله- أن يدخل شهر الصيام ثم ينصرم ويذهب دون أن يغفر للعبد ذنوبه! يقول عليه الصلاة والسلام: "رغم أنف امرئ دخل شهر رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له".

إن لم تتحرك النفس -عباد الله- للتوبة إلى الله وطلب الغفران في شهر الغفران والتوبة، فمتى عساها أن تتحرك؟ إذا لم تتحرك النفس -عباد الله- في ترك الذنوب، والتخلص منها، والبعد عن الآثام في هذا الموسم الفاضل، والشهر الكريم، فمتى عساها أن تتحرك؟.

عباد الله: وفي هذا الموسم المبارك عندما يصوم المؤمن، ويذوق ألم العطش والجوع، ويحس بذلك، تتحرك نفسه رغبة في الإنفاق، وشوقا إلى البذل والعطاء؛ ولهذا فإن شهر الصيام شهر العطاء، وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس، وكان أكثر ما يكون جودا في شهر رمضان المبارك.

وهكذا -عباد الله- نجد في شهر الصيام وفي أفيائه المباركة دوحة طيبة، ومجالا خصبا لتلقي العبر العظيمة والدروس النافعة، مما يثمر في المؤمن صدقا وإقبالا ورغبة وطاعة، وحسن عبادة لله -جل وعلا-.

وإنا لنسأل الله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا من أهل الصيام حقا، ومن أهل القيام حقا، وأن يعتق رقابنا أجمعين من النار، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: عباد الله، ويتفاوت الناسُ في صيامِهِمْ تفاوُتاً عظيما، وإن كانوا يشتركون جميعا بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، إلا أن بينهم من التفاوت في الصيام ما لا يعلم مداه إلا الله -عز وجل-.

عباد الله: ولنعلم أن تفاوت الناس في الصيام بحسب تفاوتهم فيه بذكر الله -جل وعلا-، فأعظم الصائمين أجرا أكثرهم لله ذكرا، وقد جاء عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- من وجوه يقوِّي بعضها بعضا أنه -عليه الصلاة والسلام- سئل: أي الصائمين أعظم أجرا؟ فقال: "أكثرهم لله ذكرا"، وسئل عن الحج والصلاة والصدقة وغيرها من الطاعات، وفي كل ذلك يقول -عليه الصلاة والسلام-: "أعظمهم لله ذكرا"، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: إذن؛ ذهب الذاكرون بالأجر كله! فقال عليه الصلاة والسلام: "أجل".

عباد الله: وهذه قاعدة نافعة في أبواب الطاعات، وعموم العبادات، أعظم الناس أجرا في كل طاعة أكثرهم لله ذكرا فيها، فليكن حظك في صيامه حظا وافرا بالإكثار من ذكر الله، وتلاوة القرآن، والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار، إلى غير ذلك من الطاعات المباركة، والعبادات النافعة، زادنا الله وإياكم من فضله، وهدانا جميعا إليه صراطا مستقيما.

وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ واحد صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد…