أكل الربا

عناصر الخطبة

  1. تعريف الرِّبا لغة وشرعِا وحكمه
  2. تعامل اليهود وبعض المسلمين بالربا
  3. حديث القرآن عن الرَّبا ومراتب ذلك
  4. حرب الله على المتعاملين بالربا
  5. أجماع علماء الإسلام على تحريم الرِّبا بكلِّ أشكاله وصوره
  6. الأضرار الاقتصاديَّة والاجتماعية والأخلاقيَّة والعسكريَّة للربا
  7. بعض الشواهد على محق المتعاملين بالربا
  8. بعض الحلول والوسائل الشرعية التي تقوم مقام الربا وتقضي عليه
اقتباس

ما حرَّم الإسلام أمراً إلا نتيجة الضرر الَّذي ينتج عن هذا الأمر، فالسبب في تحريم الرِّبا ما ينتج عنه من أضرارِ اقتصاديَّةِ واجتماعيةٍ وأخلاقيَّةٍ وعسكريَّةٍ؛ فهو: 1- يسبِّب العداوة بين الأفرادِ، ويقضي على روحِ التَّعاون، ممَّا ينتج عنه خللٌ اجتماعي. 2- يؤدِّي إلى وجودِ طبقةٍ مترفةٍ، لا تعمل شيئاً تتضخَّم الأموالُ في أيديها دون مشقَّةٍ، ولا جهدٍ على حسابِ غيرها. 3- يسبِّب ال…

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أحلّ البيع وحرّم الربا.

وأشهد أنَّ لا إله إلا اله وحده القائل:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[آل عمران: 130].

وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله: "لعن آكل الرِّبا وموكله، وكاتبه وشاهديه" وقال: "هم سواء"[رواه مسلم].

اللهم صلّ عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ(279)﴾[البقرة: 278-279].

أما بعد:

الرِّبا في اللغةِ العربيةِ، هي: الزيادة.

وفي الشرعِ، هي: الزيادة على رأس المال، فإنَّ كلَّ ما زاد عن رأس المال فهو ربا؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 279].

الرِّبا محرَّمٌ في جميع الشرائعِ والأديانِ السماويَّةِ عند اليهود والنصارى والمسلمين، إلا أنَّ اليهود استحلُّوا الرِّبا، وأخذوه، حيث وصفهم الله بذلك، فقال: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ﴾[النساء: 161].

واليوم نجد فريقاً من المسلمين قد استحلُّوا الرِّبا وأكلوه، وشابهوا اليهود في هذا العمل.

تحدَّث القرآن الكريم عن الرَّبا في عدَّةِ مواضع مرتَّبة ترتيباً زمنياً، ففي العهد الملكي نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾[الروم: 39].

وفي العهد المدني نزل تحريم الرِّبا صراحةً في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً﴾[آل عمران: 130].

ثمَّ نزل قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[البقرة: 275-277].

﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾.

نحن اليوم نحارب الله ورسوله، والحرب معلنةٌ من الله علينا.

ما نعانيه من واقعنا من خوفٍ وتسلطِّ أعداءٍ ومحاربةٍ، حتى في لقمةِ العيش كلُّ هذا جزءٌ من حربِ الله المفتوحةِ المعلنةِ على هذه الأمَّة الَّتي تعاملت بأشكالِ الرَّبا، واحتالت على الله -عز وجل- في إباحةِ المحرَّم.

اليهود لمَّا احتالوا على الله -عز وجل- في إِباحة المحرم مسَخَهم الله قردةً وخنازير، فماذا ننتظر أن يفعل الله -عز وجل- بنا!؟

نسأل الله العفو والعافية.

الرِّبا كبيرةٌ من الكبائر الَّتي حذَّر منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: "الشِّرك بالله، والسِّحر، وقتل النَّفس الَّتي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف، وقذف المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ"[متفق عليه].

وقال: "الرِّبا ثلاثةٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه"[رواه الحاكم].

وقال: "إذا ظهر الرِّبا والزِّنا في قريةٍ، فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله"﴿الحاكم﴾.

وقال: "درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ عند الله من ستةٍ وثلاثين زنية"[رواه الدار قطني].

فكم من الدراهم يأكل أصحاب الرِّبا والمال الحرام؟

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه"[رواه البخاري].

وقد أجمع علماءُ الإسلام سلفاً وخلفاً على تحريم الرِّبا بكلِّ أشكاله وصوره؛ فقد جاء رجلٌ إلى الإمام مالك بن أنس فقال: "رأيت رجلاً سكراناً، فقلت: امرأتي طالقٌ إن كان يدخل جوف ابن آدم شر من الخمر، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال له: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال له: امرأتك طالقٌ، لقد تصفَّحت كتاب الله وسنَّة نبيِّه، فلم أر أشرُّ من الرِّبا لأنَّ الله أذن فيه بالحرب"[تفسير القرطبي].

ما حرَّم الإسلام أمراً إلا نتيجة الضرر الَّذي ينتج عن هذا الأمر، فالسبب في تحريم الرِّبا ما ينتج عنه من أضرارِ اقتصاديَّةِ واجتماعيةٍ وأخلاقيَّةٍ وعسكريَّةٍ، فهو:

1- يسبِّب العداوة بين الأفرادِ، ويقضي على روحِ التَّعاون، ممَّا ينتج عنه خللٌ اجتماعي.

2- يؤدِّي إلى وجودِ طبقةٍ مترفةٍ، لا تعمل شيئاً تتضخَّم الأموالُ في أيديها دون مشقَّةٍ، ولا جهدٍ على حسابِ غيرها.

3- يسبِّب القلقَ والاضطرابَ النفسيِّ، وعدم الاستقرار بالنسبة لآكل الرِّبا وموكلهِ، على حدٍّ سواء.

4- الرِّبا وسيلةٌ للاستعمارِ، فقد ثبت أنَّ الغزو الاقتصادي القائم على المعاملاتِ الربويَّة كان التمهيد للغزو العسكريّ.

إنَّ كلَّ ما زاد عن رأس المال فهو رباً، أو كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً، فهو ربا، سواءً سمِّي ربا أم فائدةً أم غيره، فإنَّها جميعها صورٌ من صور الربا.

فماذا ينتظر هؤلاء الَّذين يحتالون على أمر الله، ويستحلُّون محارم الله، ويتجرؤون على أكل الحرام، ويحاربون الله؟.

إنَّ الحرب معلنةً من الله على هؤلاءِ، وسيمحق الله أموالهم ويذهب بها وبهم لا محاله، فإن الله قال: ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾[البقرة: 276].

ويقول عليه الصلاة والسلام: "الربا وإن كثر فإنَّ عاقبته إلا قُلّ"[رواه أحمد].

إنَّ الله يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

فقد شاهدنا الكثير من حالات محق الربا وأهله، فكم من الذين يتعاملون بالربا وأموالهم كثيرة، لكن لا خير فيها ولا بركة.

وكم من الذين ابتلاهم الله بداء في أنفسهم أو عيالهم، فأنفقوا أموالهم للتخلّص من هذا الداء، ولكن دون نتيجة.

وكم من الذين ذهبت أموالهم بسبب إفلاس بعض البنوك الربوية، أو فرار من أعطوه أموالهم.

فبادروا -عباد الله-: إلى ترك الربا بكل صوره، وتوبوا إلى الله قبلَ أن تذهب أموالكم، ويستحكم الله العذاب.

من مزايا الإسلام: أنَّه ما حرَّم شيئاً إلاّ أوجد له بديلاً، فلمَّا حرَّم الرِّبا أباح البيع والتجارة، ووضع الحلول والوسائل التي من شأنها القضاء على الرِّبا؛ فمن ذلك:

1- القرض الحسن، فبدل أن يقرض المسلم ماله بفائدة تمحق ماله رغَّب الله في القرض الحسن، فقال: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾[البقرة: 245].

فالقرض، هو قرضٌ مع الله؛ كما في الحديث: "يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمت أنَّ عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنَّك لو عدته لوجدتني عنده".

يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني، فقال: يا رب كيف أطعمك وأنت ربُّ العالمين، قال: أما علمت أنَّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنَّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي"[رواه مسلم].

2- إنظار المعسَّر ريثما يزول إعساره، والحثُّ على التجاوز عن دينه: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 280].

وفي الحديث: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسراً، قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه"[متفق عليه].

3- التعاون بكلِّ وسائله، ويشمل التعاون الاجتماعي والصِّناعي والزراعي، وتمويل العمَّال وأصحاب الصِّناعات ممَّا يقوِّي إنتاجهم ويضاعفه، فيعود بالخيرِ على الأمَّةِ، وعلى العامل، وعلى المموِّلِ بما ينتج عنه من أرباح تفوق ما يُعطى من رباً وفوائد، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة: 2].

4- إخراج زكاة المال، فلو أخرج كلَّ إنسانٍ زكاة ماله، ودفعها إلى المستحقِّين، لما وُجِدَ في المجتمع الإسلامي فقراء، يحتاجون القروض بفائدةٍ أو رباً.

ثم إن الإنفاق ينبغي أن يكون من حلال طيب، لا خبيث أو حرام، قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّون﴾[آل عمران: 92].

﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾[البقرة: 267].

ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّباً)[رواه مسلم].

ويقول: "لا تطعموا المساكين ممَّا لا تأكلون"[رواه أحمد].

فاحذروا -عباد الله-: من الفوائد والرِّبا حتَّى لا تعرِّضوا أنفسكم للخسارةِ في الدنيا والآخرة.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمّن سواك.

اللهم اجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.