المرض .. ابتلاء ونقاء

عناصر الخطبة

  1. ابتلاء الله لعباده بالمرض
  2. تأملات في حِكم وفوائد المرض
  3. رجاء المريض وقرعه لأبواب السماء
  4. هذه الأمة تمرض ولكن لا تموت
  5. التحذير من مرض اليأس والقنوط
  6. تكالب الأعداء على بلاد الشام
  7. المستقبل والنصر لهذا الدين.
اقتباس

وثمة معانٍ ولذّات لا يمكن التعبير عنها – فيما يذوقه المريضُ المؤمن – مِن اللذات العظيمة التي يجدها ساعةَ اللجوء إلى ربه، وعندما يدعوه مخلصاً مضطراً، وحدِّث ولا حرج عن لذة الرضا عن الله -عز وجل- عندما تمر لحظات الضيق على المريض وهو مقيد بسرير أو بغير ذلك من أنواع القيود، وحدِّث ولا حرج عما يجده المريض المؤمن من لذة الأنس بالله والرضا عنه، ولذة مناجاته بالدعاء، في معان لا يمكن أن سطرها الإنسان أو يعبر عنها البيان…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله …، أما بعد:

فإن الله –تعالى- بحكمته ينوّع الأحوالَ على عباده، فيبتليهم بالسَّراء كما يبتليهم بالضراء، ويبتليهم بالغنى كما يبتليهم بالفقر، ومن هذه الأحوال التي يبتليهم بها: الابتلاء بالمرض بشتى صوره؛ مِن الهمّ والحزن، ومِن الآلام الجسدية التي تصيبهم، يبتليهم -سبحانه- بذلك ليستخرج منهم عبودية الضراء، ويُظهر مِن آثار أسمائه وصفاته ما لم يَظهر لأكثر العباد في حال السَّراء.

والمؤمنُ مع هذه الحقيقة مطالَبٌ دوماً بسؤال الله العافية، ففي الترمذي – وصححه – عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله! علمني شيئًا أسأله الله -عز وجل-، قال: "سل الله العافية"، قال العباس: فمكثتُ أيامًا ثم جئت فقلت: يا رسول الله! علمني شيئًا أسأله الله –تعالى-، فقال لي: "يا عباس! يا عم رسول الله! سل الله العافية في الدنيا والآخرة" (سنن الترمذي ح 3514).

أيها المؤمنون: وإنما يُدرك هذه الحقيقة مَن فاتته بعضُ العافية في وقتٍ من الأوقات أو حالٍ من الأحوال، ووفقه الله -عز وجل-، فاللهم إنا نسألك العافية في الدين والدنيا والآخرة.

أيها المسلمون: والمؤمن في حال سرائه وضرائه، يستحضر قولَ نبيه -صلى الله عليه وسلم-: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سَراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له» (صحيح مسلم ح: 2999)، فالمؤمن يحمد ربَّه على كل حال، ويتقلب بين عبوديتي الصبر والشكر.

وإذا أراد أحدُنا أن ينظر ويستعرض شيئًا من فوائد المرض، الذي يبتلي به اللهُ من شاء من عباده؛ فإنه سيجد في نصوص الوحيين عجَباً، ولولا أن المؤمن مأمورٌ بسؤال الله العافية لتمنى المرضَ؛ مِن كثرة ما يجد من فوائده! ومن تلكم الفوائد:

1- أن المرض كفارة ورفعة للعبد، فهو كفارة لما يقترفه العبدُ من ذنوبٍ وسيئات، ففي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما يصيب المؤمنَ مِن وَصَب، ولا نَصَب، ولا سَقَم، ولا حزن – حتى الهم يهمه – إلا كُفِّر به من سيئاته» (صحيح مسلم ح:2573)، وفي هذا بشارة عظيمة، جعلت بعضَ السلف –رحمهم الله تعالى- يقول: "لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس"(صفة الصفوة: 2/ 251) عن أم إبراهيم العابدة، ومعنى مقولتها هذه: أنه ليس للمرء أعمال كثيرة من الصالحات التي تكفِّر سيئاته؛ فيأتي هذا البلاء ليكفِّر تلك السيئات.

2- ومن فوائد المرض: ظهور عبودية الصبر، ومَن رُزق الصبر فليبشر بموعود الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر: 10]، وإذا كان الذي سيُكرم الصابر، ويَعِد عبدَه بعطاء لا عد له ولا حساب هو أكرم الأكرمين؛ فما ظنك بعطائه وجوده سبحانه وتعالى؟! وقد قال -صلى الله عليه وسلم- – كما في الصحيح -: "وما أُعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر" (صحيح البخاري ح: 1469، صحيح مسلم ح: 1053).

3- ومن فوائد المرض: تعلُّق القلب بالله -جل وعلا-، وانقطاعه من الخلق، فالمريضُ يدعو ربَّه مخلصاً له الدين، فيستخرج اللهُ بهذا المرض عبوديةَ الدعاء وعبودية الاضطرار، فيَحدث للعبد من التضرع والتوكل وإخلاصِ الدعاء ما يزيد إيمانَه ويقينه، ويحصل له من الإنابة وحلاوة الإيمان وذوق طعمه ما هو أعظم من زوال المرض، لا يتعلق المؤمنُ المريض بغير ربه -عز وجل-، لا بكاهن ولا بساحر بل ولا بطبيب، بل يفعل المؤمن المريض ما أُمِر به من أسبابٍ شرعية، ويُنزِل حاجته بالله وحده، حاله كحال نبي الله أيوب الذي قال الله عنه: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين(84)﴾[الأنبياء: 83-84] فسبحانك ربي ما أرحمك!

4- ومن فوائد المرض: أن الله -عز وجل- يُخرج به من العبد ما قد يوجَد فيه من كِبر وعُجب، فلو دامت للعبد جميعُ أحواله لتجاوز وطغى، ولكن الله -جل وعلا- يرحمه بالمرض، ويرحمه بما يبتليه من الأسقام والآفات ليكسره، وليعرّفه قدْره، واضطراره لربه، فإذا انكسر القلبُ لله -عز وجل-، وحصل القربُ من الله، فقد نال لذة من أعظم اللذات، وهي الانكسار والقرب من الله، فحينئذ إذا دعا وقلبه منكسر وهو مضطر فهو أقرب إلى الإجابة، وهذه من أعظم الفوائد والبركات.

5- ومن فوائد المرض: أن المريض يتعبد لله -عز وجل- بعبادة جليلة ألا وهي: انتظارُ الفرج، الذي يجعل قلب العبد متعلقًا بالله وحده، وهذا ملموس وملاحَظ على أهل المرض والمصائب، خصوصاً تلك الأمراض التي يقال عنها: إنها مستعصية أو فيها خطر كبير، فينقطع تعلق القلوب من جهة الخلق؛ ولا يبقى للقلب تعلق إلا بالله وحده، فحينئذ يجد المريضُ نفسَه بلسان الحال والمقال يقول: يا رب! يا رب! يا رب! ليس لها من دونك كاشفة! فيحصل له بإذن الله تعالى مطلوبُه، وينفرج عنه الكرب إن شاء الله.

وقد ذُكر أن رجلاً أخبره الأطباءُ بأن علاجَه أصبح مستحيلاً بأيديهم، وأنه لا يوجد له علاج عندهم وفي علمهم، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله -عز وجل- الدعاء والتضرع في لحظات الأسحار، فشفاه الله -عز وجل- بعد حين، وسمع دعاءه وأجاب سُؤْلَه: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف:110].

6- ومن فوائد المرض: أن يعرف العبدُ مقدارَ نعمةِ العافية ونعمة الصحة، فإن العبد إذا تربى في العافية فلا يعلم – غالبًا- ما يقاسيه المبتَلى، ولا يعرف مقدار النعم التي يعيشها، فإذا ابتُلي أو سلبت عنه العافية ولو مؤقتًا؛ كان أكثر همّه العودة إلى حاله الأولى، فلولا المرض ما عرف قدر الصحة، ولولا الليل ما عرفت نعمة النهار، ولولا الشتاء ما تمنى الناس الصيف، وهكذا .. لولا هذه الأضداد لما عُرفت كثيرٌ من النعم، فكل مريض يجد مَن هو أشد مرضاً فيحمد الله، وكل غني يجد من هو أغنى منه، وكل فقير يجد من هو أفقر منه.

7- ومن فوائد المرض: أن الله يستخرج به عبوديةَ الشكر، فإن العبد إذا ابتُلي بعد الصحة بالمرض، وبعد القرب بالبعد؛ اشتاقت نفسُه إلى العافية، ثم اشتاقت إلى التعرض إلى نفحات الله -عز وجل- بالدعاء، فإنه "لا يرد القضاء إلا الدعاء" (سنن الترمذي ح: 2139، وقال: حسن غريب، وصححه ابن حبان في صحيحه ح: 872).

 فإذا منح اللهُ العبدَ العافيةَ عرف قدْر تلك النعمة؛ فلهج بشكره -عز وجل-، شكر مَن عرف المرض وباشر وذاق آلامَه، لا شكر مَن عرف وصْفه ولم يُقاسِ ألمه.

وثمة معانٍ ولذّات لا يمكن التعبير عنها – فيما يذوقه المريضُ المؤمن – مِن اللذات العظيمة التي يجدها ساعةَ اللجوء إلى ربه، وعندما يدعوه مخلصاً مضطراً، وحدِّث ولا حرج عن لذة الرضا عن الله -عز وجل- عندما تمر لحظات الضيق على المريض وهو مقيد بسرير أو بغير ذلك من أنواع القيود، وحدِّث ولا حرج عما يجده المريض المؤمن من لذة الأنس بالله والرضا عنه، ولذة مناجاته بالدعاء، في معان لا يمكن أن سطرها الإنسان أو يعبر عنها البيان.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة…اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعلها عونًا لنا على طاعتك..

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة….

الخطبة الثانية:

الحمد رب العالمين…أما بعد:

فإذا كانت الأفرادُ تمرض فإن الأمم أيضًا تمرض، وأمة الإسلام – يا عباد الله – كغيرها من الأمم من حيث جريان السنن؛ فهي أمة تمرض وتصيبها العوارض، لكنها أمة لا تموت، ولا تقتلها تلك العوارض، وشواهد عافيتها اليوم تتراءى لنا في أمور كثيرة ومواقع شتى، تتراءى لنا شوهد عافيتها في جهاد الشام المبارك، وفي طلائع الشباب الذين يرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

 لقد أراد الغربُ والشرقُ التآمرَ على الجهاد المبارك في بلاد الشام، ومن آخر ما وقع: ذلكم التدخل الروسي، الذي عبّر به النظامُ القمعي السوري عن الفشل الذريع له في مقاومة هذا الجهاد المبارك، وهذه الثورة التي أرادت أن تقوم لله تعالى، دفاعًا عن دينها وكرامتها، قام هذا النظام الفاشي المجرم بالاستعانة بالدب الروسي، بعد أن فشل باستعانته بالدولة الصفوية المجرمة وميليشياتها -والمتمثلة بحزب اللات وغيره–.

فاستنجد هذا النظامُ بالروس الصليبيين، لعله يجد فيهم ما عجزت عنه إيران وميليشياتها المجرمة أن تفعله، إننا نذكر هذا – أيها الإخوة -ونحن نتحدث عن مرض البدن وفوائده لننتقل إلى الحديث – ولو بإيجاز وإلماحة سريعة – عن مرض يصيب بعضَ أبناء الأمة، ألا وهو: مرض اليأس والقنوط! فنقول لهؤلاء وغيرهم:

إن الشواهد في الأفق قد تملأ العين تشاؤمًا، ولكن المؤمن الذي ينظر بنور الله، ويقرأ سننَ الله تعالى، ويقرأ التاريخ؛ تمتلئ عينُه تفاؤلا – فضلا عن قلبه -، فبوادر العافية لهذه الأمة تتراءى لنا من وجوه شتى:

– مَن الذي كان يصدّق أن الذي يدافع عن مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم شباب نشَأ في بيئة سُلِّط عليها من ألوان التضليل والفساد والإفساد الإعلامي ما الله به عليم؟!

– جيل عاش فيما يسمى بـ: "عرب 48" وما بعدها.

– جيل نشأ في ظروف اقتصادية صعبة!

– جيل نشأ في وقت يُراد له أن يجوَّع، ويراد له أن يركع! لكنه أبا أن يركع إلا لله الذي خلقه.

أيها المسلمون..تمرض الأمة لكن تُرى بوادر العافية في أفقها، ومع يقيننا بأن الطريق طويل، وبأن الداء كبير؛ إلا أننا متفائلون جدًّا وموقنون: بأن هذه الأمة مهما عرض لها من مرض، ومهما تسلط عليها عدو من خارجها أو داخلها؛ فإنها أمة لا تموت، بل هي أمة ولود، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اللهم إنا نسألك لإخواننا المجاهدين في بلاد الشام ولإخواننا المجاهدين على الحدود ولإخواننا المجاهدين في كل مكان؛ نصرا مؤزرا…