الأدب والذوق (1) اكتساب الحسن ومعالجة السيء منها

عناصر الخطبة

  1. تعريف الذوق وضوابطه
  2. قطوف من أخلاق الأنبياء
  3. مكارم الأخلاق في الكتاب والسنة
  4. حاجة الأمم والشعوب إلى محاسن الأخلاق ومنظومة القيم
  5. الأخلاق وقيادة السيارة مفاسد
  6. خلق النظام والنظافة من ديننا وسبقنا إليه الغرب
  7. الأخلاق المحمودة كنز الأمم وعنوان حضارتها
اقتباس

نعيش أزمة في الآداب العامة والذوق العام، نرى هذه الأزمة في أخلاق الناس في السوق، وآدابها في قيادتهم للسيارة، وذوقهم في تعاملهم مع البيئة في المنتزهات والشواطئ.. وطبيعة تعامل الصغار مع كبار السن.. هناك أزمة في الآداب والذوق العام،.. إنه لن ينهض بالأمة شباب طائش منفلت، ولن ينفعها كهول لا همّ لهم إلا جمع المال، وإنما المعول على أهل ..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عند الحديث عن الأدب والذوق لا أدري من أين أبدأ، وكيف أنتهي، فنحن منذ فترة ليست بالقصيرة نعيش أزمة في الآداب العامة والذوق العام، نرى هذه الأزمة في أخلاق الناس في السوق، وآدابها في قيادتهم للسيارة، وذوقهم في تعاملهم مع البيئة في المنتزهات والشواطئ، وطبيعة تعامل الصغار مع كبار السن.

هناك أزمة في الآداب والذوق العام، والمقصود بالذوق هو كل ما يُستحسن أو يُستقبح دينًا وفطرةً من الأفعال والسلوك والأخلاق.

وأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- معنية بهذا الأمر قبل غيرها من الأمم؛ لأن الأخلاق أساس في مكونات دينها، والقرآن يكرر الثناء على الشيم الطيبة ومكارم الأخلاق التي كان يتحلى بها الأنبياء والصالحون في إشارة للأمة بأن تجعلها عبادة يتقرب بها أفراد الأمة إلى ربهم.

فمن أخلاق إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه وقومه.. إلى إسماعيل وكونه صادق الوعد ويأمر أهله بالصلاة والزكاة، إلى يعقوب -عليه السلام- ودماثة أخلاقه وطهارة لسانه في تعامله مع أبنائه بالرغم من جريمتهم في حق أخيهم يوسف..

إلى يوسف -عليه السلام- وعفته وأمانته إلى أخلاق موسى -عليه السلام- وصبره على قومه، إلى عيسى ورقته ورحمته، وصولاً إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي وصفه القرآن بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128].

وأثنى عليه ربه لما عظم أخلاقه تعظيمًا بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، أما الثناء على الآداب الطيبة والشيم النبيلة، فمنه قوله -تعالى-: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:134].

وقوله في عباد الرحمن: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان:63]، وقوله فيهم: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان:72] وقوله في المؤمنين المفلحين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:3].

وبيّن كيف كان لقمان يربي ابنه على الأدب الجميل والذوق الرفيع قائلاً له: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)﴾ [لقمان:17-19].

هذه أخلاق وآداب وردت في كتاب الله؛ منها ما هو محمود مندوب إليه، ومنها ما هو مذموم محذّر منه.

والعناية الواضحة بهذه الأخلاق والآداب دليل على اعتبارها بعد الإيمان في رفع منزلة المسلم عند ربه، وأكد ذلك -صلى الله عليه وسلم- بقوله -فيما صح في مسند أحمد-: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".

وفي قوله -صلى الله عليه وسلم فيما صح في الترمذي-: "أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق".

وصرح -عليه الصلاة والسلام- بقرب صاحب الأخلاق والآداب الكريمة منه يوم القيامة بقوله -صلى الله عليه وسلم كما في السنن-: "إن أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا" وأيّ قرب بعد القرب منه -صلى الله عليه وسلم-!!

إنه الخُلق الكريم، إن الذوق الإيماني الرفيع، وأولئك سبيلك للقرب منه -صلى الله عليه وسلم-، ومع هذا فإن الكثيرين لا يقترفون ولا يضعون هؤلاء في حيز العبادات، يضعون الصلاة نعم، يضعون الصيام، العمرة، الحج…. لكن الأدب والأخلاق لا؛ هذا شيء ثانٍ !

فلا يهذب أحدهم أخلاقه ولا يفكّر مجرد تفكير في تهذيبها، ولا يجاهد نفسه على ترويضها؛ لاكتساب أحسن أدب وأجمل خلق؛ لأنه إما غافل عن هذه المصلحة الكبرى وإما عنيد لا يقدم إلا على العبادات التي تروق له وفي كلا الحالين هو خاسر يخسر.

معاشر المسلمين: لم يكن الشاعر مبالغًا عندما قصر نهضة الأمم وازدهارها وقوتها على الأخلاق ومنظومة القيم التي ترتكز عليها الأمة في أفرادها:

الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به *** وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا في الحياةِ أبُ

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

إن الحضارات تُقاس بالأخلاق والقيم والشعوب؛ فإما أن ترفعهم أخلاقهم عاليًا، أو تهوي بهم في الأسفلين، ولذلك قيل:

وإذا المعلم لم يكن عدلا مشى *** روح العدالة في الشباب ضئيلا

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا

كثيرًا ما تكون الشكوى حول تهور الكثير من الشباب في قيادتهم للسيارة، الإحصاءات تقول في الرياض 345 حادث مرور يوميًّا، تصوروا !! هذا المعدل..

ويكفي أن الإنسان أصبح يستثقل قيادة سيارته اليوم بسبب كثرة انفعالاته وتوتر أعصابه جراء ذلك الذي يميل عليه من اليمين أو ذاك الذي من الشمال أو الذي يفاجئه بالانعطاف بلا إشارة، أو ذاك الذي يسير وراءه بسرعة مخيفة كالمجنون ويقترب يكاد يلتصق بسيارته من الخلف ولا ينتظر ولو لحظة حتى يفتح له الطريق بهدوء!

سبحان الله كأنهم قنابل موقوتة منتشرة في الشوارع والطرقات، فبعض الصغار يفتخر ويظن هذا الجنون مهارة لا ينافسه فيها أحد، ولا يدري أن كثيرًا من الناس -حتى الكبار- يستطيع قيادة سيارتهم قيادة متهورة كقيادته، ولكنهم أعقل من أن يعرضوا الناس قبل أنفسهم للأذى والخطر.

فتصوروا لو اجتمع الناس على ممارسة تلك القيادة المتهورة كيف يكون الواقع؟ ترى بعضهم يشاهد بعد الأفلام والبلاي ستيشن، ثم يخرج للتطبيق والاستعراض وترويع المسلمين بحماقته وطيشه ونقص عقله.

إن ترويع المسلم بحديدة يعرّضه للعلن من الملائكة؛ فكيف بما هو أشد، في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أشار لأخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخيه لأبيه وأمه" هذا الذي يشير إليه.

يقول الإمام النووي في شرحه للحديث: "فيه تأكيد عن حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه، سواء كان هذا هزلاً ولعبًا أو لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال" والملائكة تلعنه.

هذه آداب وأخلاق -أيها الإخوة- أما المغرمون بعادة التفحيط وما أكثر ما يمارسونه في بعض المناطق والأحياء، واللوم الأكبر يقع على آبائهم الذين يغفلون عن صغارهم، حيث يعطيه مفتاح السيارة ولا يتابعه، وأحيانا يأخذها الصغير من السائق، أو ربما أهمل الأب فترك المفاتيح متاحة للصغير فيأخذها حين نوم أبيه، أو غيابه؛ ليؤذي الناس بتفحيطه..

فلماذا الإهمال في مراقبة الأبناء والإهمال في تربيتهم على الأدب ومظاهر الأدب ومظاهر الرشد..؟!!

معاشر الإخوة: إن الانتظام خُلق وأدب يحترم، وإن ديننا دين الانتظام والانضباط، ترى ذلك في انضباط مواعيد الأذان، وفي أهمية انتظام الصفوف في استوائها، وأهمية متابعة الإمام والانتظام دون تخلف عنه ولا مسابقة له، وفي الدقة في تحديد وقت الإفطار والإمساك، وكذلك الانتظام في مناسك الحج والعمرة..

بل وحتى الانتظام في صفوف القتال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف:4] وانتظام القدر بحيث لا يستأخر ولا يستقدم.. انتظام، وانتظام وقت القيامة، وانتظام الملائكة يوم القيامة صفًّا صفًّا…

وغيرها من المظاهر الإسلامية التي تدل على أهمية الانضباط في تحصيل رضا الرب -سبحانه وتعالى-، بل وكونه الانضباط شرط من شروط قبول العبادة.

فديننا دين الانتظام والانضباط ومع ذلك يسبقنا الآخرون في هذا السلوك بمراحل لماذا؟ ألا يدل هذا على قصور في فهم هذا المبدأ الإسلامي وقصور في تطبيقه.

حتى المسجد الذي هو بيت الله تجد بعض المصلين يترك قارورة أو عبوة الماء في مصلاه بعد صلاة الجمعة دون أن يكلف نفسه إخراجها معه أو رميها في الصندوق المخصص، أو يترك مناديل الورق كأنما يترك علامة لمكانه..

ثم نأتي فيما بعد نقوم ننظفها !! إذا كان هذا في بيت الله خير البقاع فكيف يما هو في الأماكن العامة الأخرى في المنتزهات والأسواق والشوارع..!!

الإسلام يحث على النظافة وإزالة الأذى لا على رميه، بل ويجزي على ذلك جزاءً عظيمًا، صح في البخاري في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "بينما رجل يمشي في الطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له"..

انظر كيف يقدّر الإسلام الإيجابية في فعل الخير، لم يسكت ولم يصمت عندما رأى ذلك الغصن وتركه هكذا حتى يأتي منظف البلدية هو الذي يزيله.. لا هو الذي أزاله بنفسه..

انظر كيف يجزيه على هذا الأدب [الغفران] شكر الله له فغفر له، ومع ذلك يستهين به كثير من الناس.

وهو لا يستدعي مشقة، وليست عبادة ضخمة تحتاج إلى توافر جهود، بل هي عملية سهلة، أليس هذا من العجب؟!! لا بل العجب الأكبر منه أن يفعل العكس يتركون آثارا وعلامات في أماكنهم من أنواع العلب والأوراق وأكياس بلاستيك وغيرها من المخلفات وتكفي زيارة واحدة للشاطئ للواجهة البحرية أو لشاطئ نصف القمر لترى الواقع الحزين..

أيها الإخوة: تساءلت من قبل لماذا يسبقنا الآخرون في هذا السلوك بمراحل؟

إن سببين رئيسين وراء احترام الغربيين لأنظمتهم: الأول: هو الجدية في نظام المراقبة والعدل في نظام العقوبة بحيث يسري على الجميع بدون تفريق بين الناس ولو كان أكبر شخصية في البلد يسري عليه النظام ويسري عليها القانون، وتسري عليه العقوبة وبالتالي يحترم الناس النظام ويحبونه.

والثاني: التكامل التربوي في هذا المجال بين الأسرة والمجتمع والمدرسة، ثقافة عامة؛ فالتواصي على احترام النظام صغارًا وكبارًا؛ ففي بعض البلدان احترام النظام مقرر في النظام المدرسي مقرر مخصص وليس مادة في مقرر.

إذًا هم تفوقوا لا لأن هذا في أصل خلقتهم، وإنما لأنهم أدركوا أهمية ذلك بعد سنين طويلة من الفوضى والضياع والظلم، أدركوا أن أي تفوق أو ازدهار أو أمن لا يمكن أن يتحقق إلا باحترام النظام أولاً والعدالة في تطبيقه ثانيًا.

ولذلك وضعوا نظام عقوبات قوي وجاد مؤيد بأجهزة أمنية وإرشادية عالية الجودة ومدعوم بحملات توعية ممنهجة ومستمرة في المناهج الدراسية، بل في كل قطاعات الدولة، ورصدوا لذلك موازنات ضخمة؛ فاحترام النظام ليس في أصل خلقتهم.

ولذلك لما حصل شيء من الفراغ الأمني والنظام الرقابي اشتغل النهب والسلب والقتل في لوس أنجلوس عام 1992م جماعات من الناس ليسوا عصابات، وإنما من عامة الناس خرجوا من بيوتهم آلاف من جميع الأجناس، وقاموا بالسرقة من المحلات التجارية في ظل ذلك الانفلات الأمني الذي سيطر على المنطقة..

وهكذا حدث أيضًا لما انطفأت الكهرباء وأظلمت عليهم المدينة، وتوقفت أجهزة الإنذار والمراقبة في تلك المدينة، وفي شيكاغو أيضًا.. وهذا ما حدث أيضا بعد إعصار كاترينا في مدينة نيو أورليانز.

فاحترام الأنظمة ليس في أصل خلقتهم وإنما هي الجدية في مراقبة النظام والعدل في معاقبة المخلين به بلا تفريق، وتأصيل الثقافة التي تقدس النظام؛ لكونه سبيل ازدهارهم وتفوقهم على غيرهم.

أما نحن فإن التزامنا بالنظام والآداب العامة عقدي المنطلق قبل أن يكون ماديًّا، لكن المشكلة أن كثيرًا منا أهمل النظام والآداب العامة ولم يفِ بها لا بالجانب الإيماني ولا بالجانب المادي إلا من رحم الله..

أسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

قسا ليزدجروا ومن يك راحما ** فليقسُ أحيانا على من يرحم

فهذه القوة في الكلام شفقة -أيها الإخوة- على نفسي وعلى إخواني جميعًا حتى نكون سائرين إلى الأفضل؛ فالأخلاق كنز الأمم وعنوان حضارتها، وكل مسلم مسئول عن تربية نفسه وأولاده على الخلق الحسن والأدب النبوي.

فشراسة الأخلاق نقص وعيب وخلل فليس الشديد بالصرعة، ليس الشديد هو القوي الهائج الذي يصرع الناس..لا، إنما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-.

إنه لن ينهض بالأمة شباب طائش منفلت، ولن ينفعها كهول لا همّ لهم إلا جمع المال، وإنما المعول على أهل الأخلاق الكريمة والذوق الرفيع أولئك الذين يستشعرون قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

هذا هو دين الإسلام، وهذه هي مكارم الأخلاق، الأخلاق مع الله -سبحانه-، الأخلاق مع الناس، الأخلاق مع النفس، هكذا يتصور المسلم دينه..

صَلاحُ أَمْرِكَ لِلأَخْلاقِ مَرْجِعُهُ *** فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلاقِ تَسْتَقِمِ

اللهم أعز الإسلام والمسلمين..