نواقض الإسلام

عناصر الخطبة

  1. الدين أغلى وأكرم ما لدى المسلم
  2. صور من خوف السلف على إيمانهم
  3. التحذير من نواقض الإسلام وخطرها
  4. نواقض الإسلام العشرة
اقتباس

إن هناك أمورٌ عظيمةٌ يُخشى ويخاف منها على الإيمان, لأنها تناقض أصلَ الإيمان، ويُخْرِجُ واحد منها فاعلَه من دائرته خروجاً نهائياً, يستوجب به الهوانُ والذلُ والصغار, بل والخزيُ والفضيحةُ والعارُ والنار نبَّه شيخُ الإسلام محمدُ بنُ عبد الوهاب –رحمه الله- على عشرة منها، وذكر أنها من أعظمِ ما يكون خطراً وأكثرِ ما…

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، سبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27] وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه الداعي اللهَ بقوله: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتِكَ", ونصلي ونسلم عليه وعلى آله وأصحابه ما صلي وسلم عليه إلى يوم الدين.

أما بعد أيها الناس: يقول الله سبحانه وتعالى في من أكرمهم بدخول الجنة: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) [الطور: 25 – 28].

أيها الأخوةُ المؤمنون: معلومٌ لدى كل مسلم أن أغلى وأعز وأكرم ما لدى المسلم دينُه الذي أنعم الله عليه به، وهيأه وأهَّله به, ليحل في الدنيا القلوب ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96] وليرتفعَ ويعلوَ به على مؤن ومتاعب ومشاق الحياة ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(157)﴾ [البقرة: 155 – 157] وليلحقَ وينضمَ به في الآخرة إلى مواكب المنعَمِ عليهم ممن عبدوا ربهم حتى أتاهم اليقين ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32].

وإن قيمة الإغلاء والإعزاز والإكرام وتذوق الاستلذاذ والتنعم بالدين والرضى به, أن يخافَ عليه خوفاً يحمل على صيانته، وحفظِه مما يناقض أصلَه كلياً أو يشوهه ويخدشه، فلقد كان السلف رضوان الله عليهم كذلك. قال حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" متفق عليه. وقال البخاري –رحمه الله-: بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ. وَقَالَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ, وروى أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه –مناقب الإمام أحمد- بسنده إلى عبد الله بن الإمام أحمد قال: "لما حضرتْ أبي الوفاةُ جلستُ عنده فجعل يغرقُ ثم يفيقُ ثم يفتحُ عينيه ويقول بيده هكذا: لا بعد، لا بعد، ثلاث مرات، فعل هذا مرة وثانية، فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبتِ أيُّ شيء هذا قد لهجتَ به في هذا الوقت, تغرقُ حتى نقول قد قضيت، ثم تعود فتقول: لا بعد لا بعد. فقال لي: يا بني ما تدري؟ فقلت: لا. فقال: إبليس لعنه الله، قائمٌ حذائي عاضٌ على أنامله. يقول لي: يا أحمدُ فُتّني. وأنا أقولُ له: لا بعد حتى أموت".

عبادَ الله : إن هناك أمورٌ عظيمةٌ يُخشى ويخاف منها على الإيمان, لأنها تناقض أصلَ الإيمان، ويُخْرِجُ واحد منها فاعلَه من دائرته خروجاً نهائياً, يستوجب به الهوانُ والذلُ والصغار, بل والخزيُ والفضيحةُ والعارُ والنار. نبَّه شيخُ الإسلام محمدُ بنُ عبد الوهاب –رحمه الله- في رسالته المطبوعة في مجموعة التوحيد ص 271 على عشرة منها، وذكر أنها من أعظمِ ما يكون خطراً وأكثرِ ما يكون وقوعاً، فعلى المسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه. قال –رحمه الله-: اعلم أن نواقض الإسلام عشرةُ نواقض.

الأول: الشرك في عبادة الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48] وقال الله تعالى: ﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72] ومنه الذبحُ لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر.

والثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط َيدعوهم ويسألهم الشفاعة, ويتوكل عليهم كَفَرَ إجماعاً.

الثالث: من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم, أو صحح مذهبهم كَفَرَ.

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكملُ من هديه, أو أن حكم غيره أحسنُ من حكمه، كالذي يفضِّلُ حكمَ الطواغيت على حكمه, فهو كافر.

الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم, ولو عمل به كَفَرَ.

السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كَفَرَ، والدليلُ قولُه تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(66)﴾ [التوبة: 65، 66].

السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فَعَلَه أو رضي به كَفَرَ ، والدليلُ قولُه تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: 102].

الثامن: مظاهَرةُ المشركين ومعاونتُهم على المسلمين، والدليلُ قولُه تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51].

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يَسَعُه الخروجَ عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم, كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.

العاشر: الإعراضُ عن دين الله تعالى لا يتعلمُه ولا يعملُ به، والدليلُ قولُه تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: 22].

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره.

فاتّقوا الله -أيها المسلمون- واحفظوا وصونوا دينكم حفظاً وصيانةً تجعلُه مِلءَ سمعكم وبصركم, ومحركَ أحاسيسِكم ومشاعركم, وقاعدةَ منطلقاتكم في كل شيءٍ اعتقادي أو قولي أو فعلي حتى تلقوا ربكم القائل جل من قائل: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].